![]() |
![]() |
أنظمة الموقع |
![]() |
تداول في الإعلام |
![]() |
للإعلان لديـنا |
![]() |
راسلنا |
![]() |
التسجيل |
![]() |
طلب كود تنشيط العضوية |
![]() |
تنشيط العضوية |
![]() |
استعادة كلمة المرور |
![]() |
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
|
![]() |
#361 |
أبو بنان
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,225
|
![]() سوريا.. الآن التفاصيل من الواضح الآن أن المجتمع الدولي قد امتص أثر الصدمة التي أحدثتها المناورة الروسية تجاه سوريا، وقرر، المجتمع الدولي، التحرك للرد على تلك المناورة دبلوماسيا بشكل فعال، مما يعني أننا أمام موجة جديدة من التفاصيل، وهذا طبيعي! المبادرة الروسية التي استجاب لها الأسد «سريعا» بالأقوال لا الأفعال، والتي تقضي بنزع جميع أسلحته الكيماوية، رأى البعض فيها فرصة لحفظ ماء الوجه بالنسبة للرئيس أوباما، وسلّما يمكّنه من النزول من فوق الشجرة، حيث باستطاعته التراجع عن الضربة العسكرية، وتفادي طلب التصويت في الكونغرس، إلا أن ما يبدو الآن هو أن الغرب، وعلى رأسه فرنسا، وبدعم حقيقي وصلب، من الخليجيين الذين عدّوا المبادرة الروسية لا تضمن وقف النزيف السوري، قرروا، أي الغرب، الرد على المناورة الروسية من خلال تحرك عبر مجلس الأمن من شأنه إحراج الروس، واصطياد الأسد، الذي اعترف لأول مرة بامتلاكه الأسلحة الكيماوية. الآن نحن أمام معركة دبلوماسية شديدة التعقيد هدفها وضع الأسد بالقفص، وإبطال المخطط الروسي - الأسدي الهادف لإغراق المجتمع الدولي بالتفاصيل، ولذا كان المقترح الفرنسي مهما، وذكيا، حيث يقضي باللجوء لمجلس الأمن لضمان التزام الأسد بنزع أسلحته في مدة لا تتجاوز الـ15 يوما تحت الفصل السابع الذي يخوِّل المجتمع الدولي استخدام القوة. ومثلما قلنا بالأمس إن الروس قد فعلوها وورطوا المجتمع الدولي، وأوباما، بخدعة ذكية، إلا أنه من الممكن القول اليوم إنه من الممكن أن يتحول هذا الذكاء الروسي لخطأ قاتل، ومن باب أن «غلطة الشاطر بعشرة»، خصوصا إذا تعامل الغرب بجدية مع المناورة الروسية، وهذا ما يبدو الآن. المطمئن اليوم هو الرفض الخليجي للمبادرة الروسية، وهذا هو معنى التصريح الخليجي بعيدا عن الدبلوماسية، كما أن المريح بالنسبة لأوباما أن المناورة الروسية منحته مزيدا من الوقت لترتيب أوراقه الداخلية. وهذا ليس كل شيء، بل إن المناورة الروسية من شأنها أن تحرر رئيس الوزراء البريطاني أيضا، خصوصا بعد اعتراف الأسد بامتلاكه للكيماوي، وقد تأتي تقارير الأمم المتحدة في أي وقت الآن لتعزز معلومات استخدامه الكيماوي، مع المماطلة الروسية الواضحة حول عملية نزع أسلحة الأسد، وتهديد الروس بتعطيل مجلس الأمن مجددا، مع اشتراط موسكو على الغرب إلغاء الضربة العسكرية لتفعيل مبادرتها تجاه الأسد. كل ما سبق يعني أننا أمام موجة جديدة من التفاصيل، وهي ليست سيئة، إلا في حال تم تجاهل الحل السياسي الشامل في سوريا، وليس فقط نزع الأسلحة الكيماوية، فكما قلنا بالأمس إن الاكتفاء بنزع الأسلحة يعني وكأنه تطبيع دولي جديد مع الأسد، وهذا خطأ قاتل، فالقصة أكبر من الكيماوي. وعليه نحن الآن في مرحلة شديدة التفاصيل، والمثل يقول إن الشيطان في التفاصيل، ولذا فلا بد من الحضور العربي الواعي، والفعال، لكي لا يستغل الأسد الأخطاء الغربية مجددا، وبدعم من الروس، خصوصا أنها منطقتنا، وقضيتنا، والمستهدف هو أمننا واستقرارنا. |
![]() |
![]() |
![]() |
#362 |
أبو بنان
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,225
|
![]() إذا خذل «الكونغرس» أوباما.. فستندم أميركا وستخسر نفسها والعالم أي خلل في تقدير موافقة الكونغرس الأميركي على مقترح توجيه ضربة عسكرية لنظام بشار الأسد، بعد جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري، سيتحمل مسؤوليته الرئيس باراك أوباما نفسه الذي أظهر ترددا معيبا منذ بداية هذه الأزمة الطاحنة التي توقف على نتائجها مستقبل هذه المنطقة الشرق أوسطية ربما على مدى هذا القرن الحادي والعشرين كله لا يليق بدولة عظمى، بل بالدولة الأعظم، التي من المفترض أن تكون حساباتها شمولية عالمية، وليس محلية، وكأنها إحدى الدول الثانوية المختبئة في ركن مظلم من الكرة الأرضية. ربما باراك أوباما لا يعرف، أو أنه يعرف ولا يريد أن يعترف، أنه بالمواقف والسياسات التي اتبعها منذ بداية انفجار الأحداث في سوريا في مارس (آذار) عام 2011، قد شجّع بشار الأسد، الذي شعر بضعف هذه الإدارة الأميركية وعدم قدرتها على الحسم الذي كانت تهدد به عن بُعد، على التمادي بالتصعيد وبذبح شعبه وأيضا على تحدي المجتمع الدولي البائس الذي شجعت ميوعته المفرطة روسيا على الاستمرار بتحدي العالم كله، والاستمرار باختطاف مجلس الأمن الدولي وتعطيله بصورة غير مسبوقة ولا مقبولة. في البدايات، اتخذت أميركا مواقف تصعيدية ومتشددة ضد تطاول بشار الأسد وتماديه في تحدي الإرادة الدولية وذبح أبناء شعبه، وهذا في حقيقة الأمر أصاب الرئيس السوري وزمرته بالهلع والخوف، وعزز ثقة المعارضة بنفسها، وجعلها قادرة على القيام بعمليات عسكرية نوعية فعلا أفقدت جيش النظام الثقة بنفسه فكثرت الانشقاقات في صفوفه، وجعلت الإيرانيين ومن معهم يترددون في إقحام أنفسهم عسكريا في معركة كانوا يعتبرونها خاسرة في النهاية وفي كل الأحوال. في تلك الفترة المتقدمة، أدى «زئير» باراك أوباما إلى حسابات غير الحسابات اللاحقة، إنْ بالنسبة لنظام بشار الأسد، وإنْ بالنسبة لمعارضيه، ويقينا لو أن الرئيس الأميركي واصل تصعيده ولم يتردد بعدما رسم خطه الأحمر الشهير لكان أجبر الروس وأجبر الإيرانيين وأجبر النظام السوري على الحل الذي بقي يتغنى به، والذي كان عنوانه ولا يزال «جنيف 2» الذي سيذهب إلى مقبرة التاريخ لا محالة، إذا خذل الكونغرس الأميركي رئيس بلاده والشعب السوري وأهل هذه المنطقة والعالم النقي السريرة بأسره، إن هو لم يصوّت على المطلوب ولم يجِز الضربة العسكرية المفترضة. والأدهى من كل هذا أن إدارة باراك أوباما لجأت في مجال تبرير ترددها وتخاذلها إلى رسم هذه الصورة «الكاريكاتيرية» للمعارضة السورية، وإلى منع السلاح والمساعدات عن هذه المعارضة واتهامها، بما بقي نظام بشار الأسد، ومعه الروس والإيرانيون وباقي أطراف هذا الحلف الشيطاني، يردده، أي بأنها مخترقة من قبل المجموعات الإرهابية المتمثلة بـ«القاعدة» و«النصرة» ودولة العراق وبلاد الشام، وهذا هو ما يردده الآن أعضاء الكونغرس الأميركي المعارضون لتوجهات الإدارة الأميركية بالنسبة لهذه المسألة، وما ردده أعضاء مجلس العموم البريطاني الذين صوّتوا على رفض مشاركة بلدهم، بريطانيا، على الضربة العسكرية التي كانت مقترحة، والتي لا تزال مقترحة، على الرغم من أن باراك أوباما أكثر في الأيام الأخيرة من التأكيد على أن خياراته لا تزال مفتوحة. والمؤكد أن تردد أوباما وافتقاره إلى شجاعة وحسم القادة التاريخيين هو الذي جعل مجلس العموم البريطاني يصوت بالطريقة التي صوت بها، وهنا فإن ما زاد الطين بلّة، كما يقال، أن رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون أظهر هو بدوره طفولة سياسية لا تليق بدولة كبرى وعظمى، رغم أن الشمس غدت تغرب عن أملاكها، وغدت حتى إسبانيا تطالب باستعادة جبل طارق «السليب» من خلال التلويح بقوتها العسكرية، لها مصالح حيوية واستراتيجية في هذه المنطقة الشرق أوسطية الحساسة التي كانت ذات يوم جزءا من أملاكها هذه التي لا تغرب عنها الشمس. وهكذا، فقد خذل باراك أوباما بتردده وبميوعته السياسية حليفه رئيس وزراء بريطانيا «العظمى»، فجاء تصويت مجلس العموم البريطاني بالطريقة المعروفة التي صوّت بها، وكذلك فقد خذل ديفيد كاميرون بسذاجته وطفوليته السياسية رئيس الولايات المتحدة الأميركية، ودفعه إلى قرار الرجوع إلى الكونغرس الأميركي لتفويضه بـ«الضربة العسكرية» المفترضة، وذلك مع أن هذا القرار من صلاحياته، على اعتبار أنه القائد الأعلى لجيوش الولايات المتحدة. والآن، وقد باتت هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن الكونغرس الأميركي قد يخذل رئيس بلاده، ويخذل العالم الحر، ويخذل الشعب السوري بالتصويت ضد الضربة العسكرية المفترضة، فإن هذا إنْ هو حصل وهو قد يحصل، فإن باراك أوباما سيثبت أنه لا يستحق موقع رئيس الدولة التي تقود الكرة الأرضية، والتي تشكل القطب الأوحد في هذا الكون، بل سيثبت أيضا أنه أضعف رئيس سكن البيت الأبيض، وتربع على عرش الإمبراطورية الأميركية، وأن عليه أن يبكي ملكا مضاعا لم يحافظ عليه مثل الرجال! ربما أنه لا يجوز استعجال الأمور أكثر من اللزوم، وأنه بعد كل هذا الانتظار، الذي طال أمده، لا بد أيضا من الانتظار حتى اللحظة الأخيرة فقد يتخذ الكونغرس الأميركي القرار الذي يحافظ على هيبة رئيس بلاده، والذي ينسجم مع مكانة الولايات المتحدة في هذا العالم المضطرب الذي يشهد رسم خرائط كونية جديدة غير الخرائط الحالية والخرائط السابقة الموروثة، وأيضا الذي يحافظ على المصالح الأميركية الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط التي من المبكر جدا أن ينظر إليها بعض الأميركيين بأنها لم تعد منطقة مهمة، ولا منطقة مصالح حيوية لبلادهم المنثورة جيوشها في معظم أركان الكرة الأرضية، التي تواجه تحديات فعلية ببروز الصين على هذا النحو وبروز مجموعة الـ«بريكس» الصاعدة المعروفة. ولهذا، وإذا خذل الكونغرس الأميركي رئيس بلاده باراك أوباما، الذي بتردده وعدم قدرته على الحسم قد يخذل هو أيضا أميركا ويخذل كل الذين يراهنون على مواجهتها لكل هذا التلاعب الخطير، ليس بأمن سوريا واستقرارها فقط، وإنما بأمن الشرق الأوسط واستقراره كله، فإنه سيكون بمثابة الطامة الكبرى، فهذه المنطقة معروفة بأنها تكره الفراغ، وأن الذي سيملأ الفراغ فيها هو إيران بتطلعاتها التمددية وبمشاريعها الإقليمية المعلنة والمعروفة، وهو فلاديمير بوتين بنزعته القيصرية التي لم تعد تخفى حتى على أصحاب العقول الصغيرة والنظرات القاصرة. كان باراك أوباما قد قال وهو يتحدث عن دوافع الضربة العسكرية، التي تحدث عنها بعد طول تردد وميوعة سياسية تفتت الأكباد، إن هذه الضربة، بالإضافة إلى الرد على استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا ضد أطفال الشعب السوري الأبرياء، ستكون موجهة إلى إيران لردعها عن المضي في محاولات إنتاج الأسلحة النووية وإلى كوريا الشمالية وإلى حزب الله، والحقيقة إن ما لم يقله الرئيس الأميركي في هذا المجال إن الضربة العسكرية المفترضة هذه تستهدف أيضا روسيا ونفوذها، ليس في الشرق الأوسط فقط، وإنما في العالم بأسره. وبالنتيجة، فإنه إن خذل الكونغرس الأميركي رئيس بلاده وخذل كل قوى الخير والإنسانية في العالم بأسره، وصوّت ضد الضربة العسكرية المفترضة، فإن الولايات المتحدة ستنكمش على نفسها بالتأكيد، وستخرج من المنطقة الشرق أوسطية نهائيا، وسيواصل الإيرانيون هجومهم الكاسح في هذه المنطقة، وسينتجون لا محالة الأسلحة النووية التي يحاولون إنتاجها، والفوضى ستعم الشرق الأوسط، و«القاعدة» وغيرها من التنظيمات الإرهابية ستستوطن فيه.. وعندها، فإن الأميركيين سيعضون أصابعهم ندما، ولكن عندما يكون «قد فات الفوت»، وعندما لا ينفع الندم! |
![]() |
![]() |
![]() |
#363 |
أبو بنان
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,225
|
![]() لماذا وصل العرب إلى هذا الحال؟ وجهت أميركا أوباما ضربة عسكرية لمنشآت سورية محددة، أو لم توجه، سلم بشار الأسد مخزون الكيماوي فسلم الرأس واستمر الحكم، أو انهار النظام فضرب الزلزال دمشق وعصفت بسوريا أنواء المجهول، في كل الأحوال، أيا كانت وجهة كل الأطراف، وحيثما اتجه المسار، ربما آن أوان الاعتراف أن ملامح شرق أوسط جديد بدأت تتضح، وأن تثبيت الأركان جارٍ بقبضة من حديد، فما يدق مسمار في ركن إلا ويتلوه آخر، إنْ بالجوار أو بمكان غير بعيد، وما وليد «الفوضى الخلاقة» بحكر على مشرق العالم العربي، بل للجناح المغاربي من الكعكة نصيب. هل أصابني، كما غيري من قبل، فيروس المؤامرة فصرت كأعشى البصر، لست أنظر الأشياء بوضوح، وحتى إن اتضح أمر كشمس الظهيرة في الصحراء زعقت هواجس البارانويا: بل ذلك ما دبر الأعداء بليل حالك الظلمة، بينما غفل عن التدبر أهل الشأن في منطقة تسير إليها قوافل الطمع فيها منذ أزمان؟ ربما، ليس هذا هو المهم، بل محاولة فهم لماذا وصل الوضع إلى حال الوقوف على عتبة تقسيم العالم العربي إلى كيانات تعيده إلى زمن دول الطوائف، هل الوصول إلى هذا الحال هو فقط بسبب طمع الغرباء بموطئ قدم في موقع يتوسط طرق التجارة العالمية، ثم من بعد بثرواتها المعدنية والنفطية؟ جواب بسيط سهل: كلا، إنما يخدع نفسه من يجهد في إقناعها بأن حال العرب وصل إلى ما هو عليه الآن فقط بسبب التدخل الخارجي. من السهل اعتبار تحميل أنظمة حكم ما بعد نكبة فلسطين الجزء الأكبر من المسؤولية، نوعا من التحامل، أو حتى الذهاب إلى القول إنه استغلال لما انتهت إليه تلك الأنظمة من مهانات تؤذي حتى من يعارضونها، وحكم «البعث» السوري واحد منها. ذلك رأي يحق لأصحابه الاعتداد به، لكنه لا يلغي حقيقة أن كل المقدمات التي أوصلت تلك الأنظمة إلى ما انتهت إليه جرى ربطها دائما بفلسطين. ليس ضروريا تعداد أمثلة، أو ذكر زعماء وقادة مارسوا بأنفسهم، وبدعم أجهزتهم، قهر شعوبهم باسم فلسطين، بما في ذلك قيادات فلسطينية، رحل بعضها ولا يزال غيرها يحكم. كما يعلم كل من تعلم أبجديات الحياة فاستوعبها، ولم يمارس فقط حفظها كمن يصم المنهج الدراسي ثم يفشل في امتحان آخر العام، الجهر بالحقيقة يؤلم، ومهما قيل في سياق تبرير أخطاء أنظمة ما بعد نكبة فلسطين تجاه شعوب تلك الأنظمة ذاتها، فإن ذلك لا يعفيها من مسؤولياتها في ما آلت إليه أحوال بلدان كانت واعدة منذ مطالع الستينات، بالكثير من الأمل في مستقبل (يفترض أنه الآن) أفضل فإذا بالحال كما هو واضح للجميع. لم يقل أحد إن المؤامرة ليست قائمة. التآمر موجود منذ وُجد قابيل وهابيل. النصوص المقدسة تشير إلى التآمر. ليس ذلك بالأمر المخترع قبل قرن من الزمان فقط. لكن المضحك المبكي تكاثر زعيق تحذير العرب من المؤامرة، ثم الضلوع في تحقيق مآربها، ربما عن سابق إصرار وتصميم، ربما بفعل الغباء، أو الجهل، وربما نتيجة كل تلك الخلطة العجيبة. بعد نهار من متابعة عواصف الحالة السورية، ما حولها وما يجري بفعلها، وبعدما كدت أقتنع وفق ما شاهدت وسمعت، ومن قبل قرأت، أن العالم واقف بالفعل على حافة ثالث حروبه الكونية، بعد ذلك كله، رحت أشاهد على شاشة «بي بي سي» فيلم «مثير العواصف» (The Tempest)، فإذا بالسيدة هيلين ميرين (Helen Mirren) إذ تؤدي دور بروسبيرا (Prospera) متقمصة شخصية بروسبيرو (Prospero) دوق ميلان، تحمل فانتازيا شكسبير إلى واقع عواصف عالمي العربي. كلاهما، الدوق كما في نص شكسبير، أو الدوقة وفق الفيلم، يريد الانتقام من أنطونيو، الأخ المتآمر، لتأمين مستقبل ميراندا (Miranda)، فذلك هو هدف المعارك، والوصول إليه يتطلب في بعض المراحل إثارة عواصف باستخدام قوة ميتافيزيقية خارقة. وجدت نفسي أتابع المشاهدة وأتساءل: ترى من يكون بروسبيرو وأنطونيو خيال شكسبير في واقع العالم العربي؟ ستختلف الإجابة - بالطبع - وفق اختلاف الرؤية أو الرؤيا، أما ميراندا فهي ذاتها في الحالات العربية كافة، وبالتأكيد أولها فلسطين القضية، النكبة، المأساة، الثورة، المقاومة، التسوية، إلى آخر أسمائها. ثمة من يفضل العيش وفق ما يستطيع، وثمة من يصر على التحليق في فضاء الفانتازيا. حسنا، الدنيا تتسع للجميع، إنما يجب توقع الثمن، لا شيء يأتي بالمجان، وتكلفة الخيال أكثر ألما في أحيان كثيرة، خصوصا حين يرتطم بمر الواقع. يمكنك من فليت ستريت لندن، أن تدين بأشد الكلمات لهباً، حرق الفانتوم الأميركية أطفال فيتنام، ثم تمشي بضع خطوات لتصل الوست إند، تريد أن تريح أعصابك من شبح الديسك ورهق كتابة التعليق الساخن، فتحتل مقعدك في المسرح، وتطلق العِنان للخيال فتسرح مع «ذا فانتوم أوف ذا أوبيرا»، أو «لو فانتوم دو لوبيرا»، إن كنت في باريس، هنا أو هناك، حيثما أنت، سوف تحلّق مع إبداع سير أندرو لويد ويبر، لا عليك من تحليق الفانتوم فوق فيتنام، حيث يواصل بروسبيرو، أو بروسبيرا، عزف الأعاصير وإثارة عواصف الحرق بالفعل، أرح أعصابك هذا المساء، غداً تكتب بنار الكلام ما يلهب ظهر كل استعمار. نعم، ذاك مشهد ما يزال يتكرر منذ ستينيات قرن مضى، وسيبقى. على كل حال، ها قد أبعد بوتين شبح ضرب بشار، الآن، مد قيصر روسيا الحبل، فتعلق به الأسد، وأزاح أوباما عن الكاهل أشباح التردد. كسب الكل بعض وقت، فيما يستمر القتل، وبالقبور راحت تضيق الأرض. آهٍ ثم آهٍ، تصرخ أم ثُكلت بطفل لم يعش كي يسألهم أجمعين، ذات يوم، بأي ذنب قُتِلت؟ سهل أن تكتب كل ما سبق، أسمع القول، لا اعتراض، بل أقرّ أنني مثل غيري ممن ينعمون بحرية التجوّل في عواصم المهاجر، لا ينقصنا ماء أو ما نتنفس من هواء، نتخيّر ما نشتهي من طعام وملبس، لم نذق ويلات التهجير داخل الوطن والفرار إلى بوابات حدوده، ولا عرفنا طعم أن يحترق قلب من يدفن الولد مع الأخ والجار، وربما إلى جانب الأم والأخت والأب، في مقابر جماعية كلما اكتشفت واحدة ظهرت أخرى. كلا، لم أجرّب أياً من هذا كله، لكني أشعر بلوعته يكتوي بها الصدر، ومع ذلك أعذر كل من لا يُصدّق، فعذراً أطفال حلب... وحيثما يسيل دم طاهر كي يرضع القتلةُ بنهم، عذراً بصدق، إذ ليس بالوسع سوى بضع كلمات علها تنفع فتواسي في انتظار أن ينصلح حال العرب إلى الأفضل. |
![]() |
![]() |
![]() |
#364 |
أبو بنان
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,225
|
![]() استعادة سوريا ضرورة أخلاقية واستراتيجية كان خطاب الأمير سعود الفيصل في اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة يوم الأحد الماضي، درسا في السياسة والاستراتيجية، فضلا عن أبعاده الأخلاقية والقومية. فهناك خمس وقائع لا يمكن إنكارها أو تجاهلها وهي: أن النظام السوري يقتل في شعبه إلى حدود الإبادة على مدى عامين ونصف العام. وقد بلغ عدد القتلى في الحد الأدنى مائة وعشرين ألفا، وتهجر سبعة ملايين إنسان بين الداخل ودول الجوار، وتخرب نحو الأربعين في المائة من عمران البلاد. وأن هذه الجرائم ضد الإنسانية ما وجدت انتباها حقيقيا، ولا تفكيرا في محاسبة وعقوبة، كما أن دعوات الحل السلمي والحوار والبعثات الدولية المختلفة ما نجحت في وقف القتل، ولا في دفع النظام للتفكير بغير الحل الأمني. وأن مجلس الأمن عجز عن اتخاذ قرارات بشأن المذبحة بما في ذلك استخدام الكيماوي، بسبب معارضة روسيا والصين. وأن العرب من خلال الجامعة، أو بالشكل الفردي، حاولوا بالسلم والتفاوض، وبالضغط على النظام القاتل بالحصار وقطع العلاقات، فاستطاع النظام الصمود في مواقعه بسبب المساعدات العسكرية والقوات المقاتلة من جانب إيران والعراق وحزب الله وروسيا. والواقعة الرابعة أن الأميركيين والأوروبيين أو بعضهم فكر ويفكر بعد دخول النظام في الحرب الكيماوية على شعبه - في ضربة «محدودة» لكي لا يبقى النظام دون محاسبة أو معاقبة. وبالطبع فإن ذلك لن يكون حاسما في وقف القتل أو إسقاط النظام، لكن الضربة، إن وقعت، واقترنت بمساعدة المعارضة بوسائل الدفاع والهجوم؛ فإن ذلك يفتح نافذة في الجدار المسدود. ولذلك فإن على دول الجامعة - تبعا لتوجه ائتلاف قوى المعارضة في سوريا - أن تدعم ضربة عسكرية للنظام، ما دامت لا تستطيع التدخل عسكريا بنفسها. وإذا قيل إن إقرار التدخل العسكري الأجنبي في بلد عربي أمر مستنكر، فماذا فعلت دول الجامعة، ودول جوار سوريا لمنع التدخل الإيراني المعلن، ما دامت حريصة على استقلال سوريا وسيادتها. فالتدخل الإيراني يعاقب ويقتل الشعب السوري، ويشرذمه طائفيا.. أما التدخل الدولي فيعاقب في الحد الأدنى النظام على استخدامه السلاح الكيماوي ضد أطفال ونساء وشيوخ البلاد. عندما كان الأمير سعود الفيصل يتحدث في مجلس الجامعة، ويرد أناس مستنكرين التدخل العسكري الخارجي، بينهم وزيرا الخارجية اللبناني والجزائري - كان عشرات من المصريين من حزب «التجمع»، والحركات «الثورية» الأخرى يتظاهرون أمام الجامعة العربية استنكارا لـ«التدخل العسكري الأميركي». وهؤلاء ما سمعنا منهم طوال عامين ونصف كلمة واحدة عن عمليات القتل وحرب الإبادة الجارية هناك. بل ونحن نعرف أن بعضا منهم هنأوا - نعم هنأوا - الأمين العام لحزب الله وبشار الأسد بالانتصار في معركة «القصير» المجيدة. وصفة «المجيدة» هذه ليست من عندياتي، فقد وصف بها الأمين العام لحزب الله عملية احتلال بيروت عام 2008 من قبل قواته عندما سمى ذاك اليوم: «اليوم المجيد»! ولذا فعندما خرج الأمير الفيصل من مجلس الجامعة، قال للصحافيين إن ما يجري في سوريا شائن أخلاقيا ودينيا، ولا يصح السكوت عنه. فالمؤسف (أيا تكن الأسباب الحقيقية) أن يلجأ الرئيس الأميركي أوباما إلى مسؤوليات أميركا وأخلاقياتها، ومصالحها القومية، في تبرير اعتزامه التدخل في سوريا، ويكون رد فعل عدة دول وعشرات المثقفين العرب، الدخول في جدالات مثل: أميركا شر مطلق، ومثل: المعارضة هي التي استخدمت الكيماوي، وهي ذريعة مؤامراتية لإحلال التدخل الأجنبي! وكنت قد قلت لرجال دين مسيحيين ومسلمين كبار قبل عام ونصف: إن لم تستنكروا ما يجري في سوريا على الناس والعمران لأسباب سياسية أو اقتصادية أو إنسانية، فلا أقل من الاستنكار باسم الدين والأخلاق! والذي ينبغي ملاحظته بالفعل أن عددا معتبرا من اليساريين والقوميين العرب السابقين، لا يزالون مع بشار الأسد. وقد تحدثت إلى عدد منهم ليس باسم الدين، وإنما باسم الأخلاق، فما كان جوابهم إلا أن قالوا إن الثوار هم في الأكثر من الإرهابيين أو من عملاء دول الخليج وتركيا! وقلت: لكن الإيرانيين وحزب الله والعراقيين والروس يقتلون في سوريا! وأجاب أحدهم: وماذا في ذلك إذا كان فيه حفظ لوحدة سوريا وتطهيرها من الإرهابيين! فلا أمل في هؤلاء، ولا في محاولة «اكتشاف» بصيص خلق أو رشد لديهم. بيد أن هذه العقلية «القرمطية» ليست قصرا على عملاء النظام وحلفائه وطائفييه في سوريا ولبنان والعراق والأردن وبين الفلسطينيين وفي اليمن (في اليمن بالإضافة إلى الحوثيين هناك القوميون واليساريون العظام الذين جاء منهم وفد لتحية الأسد بعد ضربه شعبه بالكيماوي. وهؤلاء يربطون وحدة سوريا بوجود الأسد، لكنهم يريدون فصل جنوب اليمن عن شماله!)، بل هي تداخل نفوس بعض الناشطين المدنيين الشبان في حركة «تمرد» وغيرها. وقد ناقشت بعضا منهم فعللوا ذلك بكراهيتهم أميركا وإسرائيل! وقلت: لكن الأسد ما قام بشيء ضد أميركا وإسرائيل، وإنما قتل شعبه، وأنتم الثوريون ما قلتم شيئا طوال أكثر من عامين عن قتل الديكتاتور شعبه.. بل إنكم ما قلتم شيئا أيضا عن التدخل الإيراني العسكري والأمني واستيلائه على سوريا ولبنان والعراق! فكرروا معزوفة العداء لإسرائيل والولايات المتحدة! ولنعد إلى موقف الملك عبد الله بن عبد العزيز والمملكة من الأحداث الجارية بمصر، ومن الثورة السورية.. فبعد المواقف السلبية من جانب أوروبا والولايات المتحدة من التغيير بمصر، قال الملك: إن السعودية تقف مع مصر بشتى السبل والوسائل لكي تظل قوية ومستقرة وصانعة أساسية للقرار العربي وللمستقبل العربي. ويومها قال سعود الفيصل: إن موقف خادم الحرمين التاريخي هذا، هو مثل موقف الملك فيصل والسعودية من مصر في عام 1973 عندما قطعت البترول تضامنا مع مصر وسوريا وفي حربهما لاسترداد أراضيهما المحتلة. ضربة عسكرية غربية ضد سوريا أم لا ضربة؟ ليس هذا هو المهم؛ بل المهم أمران: أن النصاب السياسي والاستراتيجي العربي لا يستقيم دون النصاب الأخلاقي، وأن سوريا هي مثل مصر في أهميتها للهوية العربية والانتماء العربي والمستقبل العربي. وهذان الأمران سبق لوزير الخارجية السعودي أن أكد عليهما بطريقة أخرى بمؤتمر القمة العربية في سرت عام 2010، عندما أبى الدخول في محادثات استراتيجية مع دول الجوار (وبخاصة إيران) ما لم يتوقف التدخل الأمني والعسكري الإيراني في «الخواء الاستراتيجي العربي». لقد عادت مصر، وتعود سوريا بفضل تضحيات شعبها، ووقوف العرب القومي والأخلاقي والسياسي معها. نحن أولى من الرئيس أوباما بأن نغار على الأخلاق، وأن نخاف على سوريا ونحاول إنقاذها، وسواء أراد الروس والإيرانيون ذلك (أخلاقا وسياسة!) أم لم يريدوا! وبالإذن من أبي الطيب: وكيف يرجي «الفرس والروس» هدمها وذا الطعن آساس لها ودعائم ____________ـ________ـ_____________ الصراع على العرب مرة أخرى! قبل ثلاثة أشهر، وعندما كانت وسائل الإعلام الغربية والروسية والإيرانية والسورية منهمكة في وصف هول تدخلات المتطرفين الأجانب في سوريا، صدر تسجيل لأيمن الظواهري يحذر فيه أنصاره من استيلاء الأميركيين على بلاد الشام! ما اهتم الظواهري (القابع في إيران منذ سنوات) بقتال الروس والإيرانيين وحزب الله والميليشيات العراقية والحوثية إلى جانب نظام الأسد، بل اهتم (مثل خامنئي تماما) بإمكان سيطرة الإسرائيليين والأميركان على البلاد الثائرة على الأسد، والتي من المفروض أنه أرسل أنصاره إليها أيضا للكفاح ضد نظامها! وبعيدا عن لغة المؤامرات السرية الرهيبة، والتي لا يمكن الذهاب باتجاهها لسبب بسيط هو أن نوايا وخطط الجميع صارت علنية، دعونا نعدْ إلى أصول المسائل، إلى المصالح الدولية والإقليمية في المنطقة العربية. لقد هيمنت الولايات المتحدة في منطقتنا تماما بعد الحرب الباردة، وبعد طرد صدام حسين من الكويت ومحاصرته، وعندما تمردت «السلفية الجهادية» على الهيمنة، مضت الولايات المتحدة باتجاه موجة جديدة من الغزوات لإعادة تثبيتها. ولأن القوى الثائرة على أميركا كانت عربية وسنية، فقد اتجه الأميركيون إلى استنفار القوى الإقليمية الأخرى: الإسرائيليين والأتراك والإيرانيين. أما الإسرائيليون فما وجدوا لهم مصلحة قريبة وحاكمة، بل إنهم كانوا وقتها يتجهون إلى فك الارتباط بالانسحاب من لبنان، وبإعادة الاتصال بالنظام السوري في عهد الرئيس الجديد، ودخل الأتراك مع الأميركيين في أفغانستان، لكنهم أعرضوا عن الدخول معهم في العراق. واستجاب الإيرانيون للرغبة الأميركية في الحالتين: حالة أفغانستان وحالة العراق؛ لأن طالبان كانت شديدة العداء لهم إلى حدود تهديدها بالحرب من جانبهم، ولأن صدام ظل عدوهم الرئيس منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979. وهكذا احتل الأميركيون البلدين اللذين اختاروهما، وأحلوا فيهما نظامين صديقين لإيران منذ عام 2002 وحتى اليوم. والذي أراه أن شيئا من ذلك لم يتغير لا في السياسات الأميركية، ولا في السياسات الإيرانية، وإنما حدثت المتغيرات في أفغانستان ولدى العرب. فقد قال لي برنارد لويس، المستشرق اليميني المشهور، عام 2007 عندما اشتد عناء الأميركيين في مستعمراتهم الجديدة: «الاستعمار الأميركي فاشل وقصير الأمد». وقال بول كيندي في كتابه «صعود الإمبراطوريات وانهيارها» إن الإمبراطوريات لا تسقط بسبب العجز العسكري، بل بسبب العجز عن الإنفاق! وهذا صحيح تماما في الحالة التي بين أيدينا، إذ ماذا يعني سقوط سبعة آلاف قتيل للأميركيين في حربي أفغانستان والعراق، وعلى مدى أكثر من عقد من الزمان؟ المهم أن الأميركيين مع تغير المزاج، وكثرة الأعباء، قرروا الانسحاب من البلدين (2011، 2014). واتفقوا مع إيران على تسليمها العراق والمناطق الشيعية بأفغانستان، وأخذوا منها وعدا بمحادثات جدية في النووي، وعدم التحرش بإسرائيل. وبهذا المعنى ما تغير عليهم شيء ما كانوا قد توقعوه عندما دخلوا إلى البلدين غازين. وإنما حدث الفرق عندما عجزوا هم والإيرانيون وحكومة كرزاي عن إخماد مقاومة طالبان، التي امتدت حربها عليهم إلى باكستان. ولذلك قرر الجميع (أي أميركا وإيران وكرزاي) عام 2012 التفاوض مع طالبان لتشارك في السلطة هناك، والأرجح أن تسيطر على البلاد من جديد! وبدا أن الجزء الخاص بالشرق الأوسط من سياستهم ناجح لأول وهلة، فحزب الله ما تحرش بإسرائيل بعد عام 2006، والإيرانيون راضون، وكثير من العرب خاضعون لهذا التقاسم الذي دخلت فيه تركيا أيضا، وليس في العراق (مع الأكراد)، بل في سوريا مع النظام «المتنور» لبشار الأسد! ثم حدثت الثورات العربية عام 2011، وامتدت امتداد النار في الهشيم وصولا إلى سوريا الأسد! ورأت الولايات المتحدة في ذلك فرصة لدبلوماسيتها ولإمكان مصالحة مع العرب الذين باعتهم عدة مرات من قبل. وهكذا قاتلت بليبيا، وساعدت «الإخوان المسلمين» بمصر في مواجهة القوى المدنية والجيش، ودعا أوباما الأسد إلى التنحي. وبدت هذه «الانتصارات» لسياسة أوباما من دون ثمن أو أعباء. لكن الإيرانيين ما تلاءموا ولا غيروا حتى الآن. بل إن «الأعباء» التي كانت الولايات المتحدة تتحملها عنهم، صار عليهم هم الآن أن يتحملوها من النواحي المادية والعسكرية. فهم ينفقون المليارات على النظام الأسدي بالداخل، ويشترون له السلاح من روسيا وكوريا الشمالية، وهم يقاتلون بأنفسهم وبحزب الله وبالميليشيات الشيعية العراقية وغير العراقية إلى جانبه. ثم هم ينفقون مالا وسلاحا واستخبارات في عشرات البلدان! ولأول مرة منذ أكثر من عقدين، ما عاد العرب مجرد ضحايا أو متمردين إرهابيين، فهم يقاتلون في سوريا ليس ضد نظام الأسد وحده، بل ضد الروس والإيرانيين والميليشيات التي استوردتها إيران إلى سوريا. ثم إنهم حولوا مع الجيش المصري مسار الضياع والتضييع الذي استنه «الإخوان المسلمون» (أصدقاء إيران) في مصر. وفي بدايات حركات التغيير العربية، وعندما بدا أن الأمور سائرة إلى في غير محلها في البحرين واليمن بسبب هجمة إيران الجديدة، عملوا على احتواء التأزم في البحرين، واجترحوا حلا سياسيا في اليمن ما يزال يصارع باتجاه النجاح رغم الصعوبات الكثيرة. لقد كان الصراع في المنطقة، ومنذ أكثر من عقدين، صراعا على العرب، أي على أرضهم وثرواتهم ودولهم وإرادتهم. ويبلغ من حدته الآن أن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قال قبل أيام، في إشارة إلى مصر وسوريا، إنه صراع على الهوية والانتماء، أي على العروبة ذاتها. إنما الفرق أنهم ما كانوا في السابق غير «موضوع» لهذا الصراع، وهم الآن لاعب وطرف، فيما يشبه الدخول في عمليات «تقرير المصير» لدى الأمم الكبرى في اللحظات الحاسمة في التاريخ. إن الإيرانيين ومنذ أكثر من عقد يتحدون سيادة العرب وأرضهم واستقرار دولهم ووحدة مجتمعاتهم. لقد دخلوا في كل شيء حتى في التشيع والتسنن، وفي تحديد ما هو الإسلام الصحيح: ويتحدث خامنئي والأمين العام لحزب الله عن الفتنة وعن التكفيريين، وهم يتحركون لضرب الناس، وتقسيم البلدان، وبالسلاح، والعنف في سوريا والعراق والبحرين واليمن وفلسطين. لكن «الحضور العربي» الجديد بعد طوال غياب، لا يحدث مشاكل مع الإيرانيين فقط، بل تتعاظم المشكلة مع الإسرائيليين، ولا تنتهي مع الأتراك. ولا تنحصر المشكلة مع الأميركيين فيما فعلوه في الماضي، ولا في هل يضربون الأسد من أجل الكيماوي أو لا يضربونه؛ بل هناك التغيير الإيجابي في مصر الذي عارضه الأميركيون بشدة. وبسبب التضعضع الأميركي، والشراستين الإيرانية والإسرائيلية، يتدخل الروس لاستعادة مواقعهم، في أسوأ قضية وظرف: القتال مع الأسد ضد شعبه! هل هو تداعي الأكلة على القصعة، كما أنذرنا رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه)؟ لا ليس الأمر كذلك، لأن الجميع حاضرون ومناضلون وليسوا غثاء كغثاء السيل. يعاني العرب اليوم إذن من الاختراقات التي أحدثت انقسامات. ويعانون من تعود الإقليميين والدوليين على غيابهم وعلى التمردات العبثية لبعض شبابهم. لكنهم صاروا حاضرين وطرفا قويا في الصراع على تقرير المصير واستعادة الانتماء وانتظام المجتمعات والدول. فالمطلوب الصبر والصمود في مواجهة التحديات، لأن المشكلات السالفة الذكر هي مشكلات الحضور والنجاح، وليست مشكلات الفشل. |
![]() |
![]() |
![]() |
#365 |
أبو بنان
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,225
|
![]() أوباما الحائر من فخ الكونغرس إلى فخ الكيماوي! ما لم ينته هذا الشريط الطويل من التضارب الأميركي المخجل حيال الأزمة السورية بسوق بشار الأسد إلى جنيف ليوقع على التنحي وتبدأ عملية انتقال سياسي حقيقية، فإننا سنكون أمام انهيار مريع للمصداقية الأميركية في الشرق الأوسط والعالم، وسنكون أمام ثلاثة مهزومين؛ وهم: باراك أوباما، والأمم المتحدة، والقوانين الدولية لردع الإبادة بالكيماوي، وفي المقابل أمام ثلاثة منتصرين؛ وهم: النظام السوري الذي يقطر دما، وروسيا التي تقطر إثما لحمايتها لسوريا، وإيران المتورطة في الدم السوري. في أقل من أسبوعين، تحولت أميركا في نظر الكثيرين من إمبراطورية تقرع طبول حقوق الإنسان إلى جمهورية موز كبيرة، وهو ما يذكرني بما كتبه جون تشاينبك يوما «عندما أنظر إلى مداخن البيت الأبيض أحسبها فبركة كبيرة للأوهام الخادعة»، فلقد تصاعدت من هذه المداخن في الأسبوعين الأخيرين وبعد مذبحة الكيماوي، تصريحات وعنتريات كثيرة تبين سريعا أنها من الأوهام الخادعة والمخدوعة! لنتذكر قليلا: بعد مذبحة الغوطتين، أعلن أوباما أنه سيوجه ضربة عقابية محدودة إلى النظام السوري الذي تجاوز الخط الأحمر، وفي اليوم الثاني قال إنه سيذهب إلى الكونغرس «لكي تتحدث أميركا بصوت واحد»، لكنها تتحدث الآن بأصوات متناقضة تعمق الخيبة التي يتقلب فيها أوباما، في استوكهولم وقف أوباما إلى جانب فريدريك رينفيلت ليقول إنه واثق بأن الكونغرس سيوافق على الضربة، وبعد أيام قال إنه غير واثق بهذا. ولنتذكر قوله: «إن مصداقيتي ليست معرضة للخطر، مصداقية المجتمع الدولي معرضة للخطر، مصداقية أميركا والكونغرس معرضة للخطر، إننا نتحدث كثيرا عن القوانين والأعراف الدولية». لا حاجة إلى استعراض عنتريات جون كيري، ولا إلى كلام سوزان رايس قبل يومين عن أن «أميركا يجب أن توجه ضربة عسكرية إلى سوريا لأن هذا يبعث برسالة إلى إيران، وأنها ملزمة أخلاقيا بالرد على استخدام الأسد السلاح الكيماوي»، لكن المثير أن كلام رايس تزامن مع موافقة أوباما على الدخول في «النفق المظلم» لعرض موسكو حول تسليم الكيماوي، الذي سرعان ما بدا أنه مراوغة روسية جديدة، وخصوصا بعد رفض بوتين ربط مشروع القرار الفرنسي بالفصل السابع مشترطا إعلان أميركا التراجع عن الضربة قبل تسليم الترسانة الكيماوية! في الأساس، لم يكن الأمر عرضا روسيا بناه سيرغي لافروف بسرعة قياسية انطلاقا من رد كيري على ذلك «السؤال الافتراضي»: كيف يستطيع الأسد تجنب الضربة العسكرية؟ بالقول: «بتسليم ترسانته الكيماوية في أسبوع ودون إبطاء، لكنه ليس مستعدا للقيام بذلك»... كانت عملية مدبرة، وضعت في كواليس قمة الثماني عبر ما يعرف في الدبلوماسية باقتراح «اللاورقة»، وقد اتفق عليه بوتين وأوباما انطلاقا من اقتراح سبق أن قدمه السيناتور ريتشارد لوغار في أغسطس (آب) الماضي، بأن يسلم الأسد ترسانته الكيماوية بعدما هددت دمشق باستعمال هذا السلاح ردا على أي عدوان خارجي، وما جرى بعد ذلك كان مسرحية متدرجة... كيف؟ 1- السؤال الافتراضي كان مفبركا: «هل يستطيع الأسد تجنب الضربات العسكرية»؟ كان جواب كيري حاضرا ومتفقا عليه، فقال بسرعة ومن دون لحظة تأمل أو تردد: «يمكنه أن يسلم سلاحه الكيماوي إلى المجتمع الدولي دون تأخير، لكنه لن يفعل»! 2- المسرح الروسي كان جاهزا، فبعد أقل من ساعة وقف لافروف يدعو النظام السوري لتسليم ترسانته، وفي أقل من ساعة وقف وليد المعلم الذي كان ينتظر في موسكو وإلى جانبه فيصل المقداد وبثينة شعبان، ليقرأ بسعادة بيانا كتب في دمشق، متعمدا فظاظة الرياء بالحديث عن «الحرص على أرواح مواطنينا» وقد قتل منهم ما يزيد على مائة ألف! 3- تتوالى مواقف الترحيب مع إبداء الحذر طبعا. يتصل كيري بلافروف لترتيب المسار. يتم تأجيل التصويت في الكونغرس وتستمر تمثيلية ضغوط البيت الأبيض للحصول على التفويض للضربة. يدخل بان كي مون على خط الترتيبات الغامضة والمعقدة لتسليم الكيماوي التي تحتاج إلى سنوات، ويلتقي كيري لافروف أمس في جنيف لضبط إيقاع «الصفقة - المخرج»! 4- أوباما كان واقعا في فخ فضيحة عجزه عن تنفيذ تهديداته بعدما ذهب إلى الكونغرس، انتشله بوتين من المأزق عبر مبادرة الكيماوي، لكنه وقع في مأزق أدهى لأنه أفقد أميركا صدقيتها في المنطقة، ولهذا ما لم ينته هذا الشريط الأميركي الطويل من التضارب الفاضح، بسوق الأسد إلى جنيف للتنحي وبدء عملية انتقال سياسي، فسيكون أوباما قد حول أميركا من إمبراطورية إلى جمهورية موز ليصح فيه قول السوريين إنه «مضطرب وممثل مسرحي»! |
![]() |
![]() |
![]() |
#366 |
أبو بنان
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,225
|
![]() أوباما لا يدري.. ولا يدري أنه لا يدري! باختصار: باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة، لا يفهم ما يفعل في الشرق الأوسط. جهله هذا، المغلف بغشاء خطابي رقيق، كارثي على أميركا، أولا، وعلى حلفاء أميركا في أوروبا ثانيا، وعلى بقية حلفائها في العالم ثالثا، خصوصا في منطقتنا. أوباما: لا رأي، ولا عزيمة، كما يعلم الجميع، وأولهم فلاديمير بوتين، صقر الـ«كيه جي بي»، ورئيس روسيا. وكما يعلم تابعه، بشار الأسد. وصل الاستهتار بأوباما أن يكتب بوتين مقالة في الـ«نيويورك تايمز»، ينصح فيها أوباما ويعطيه علامات الصح والخطأ على دفتر الأداء الرئاسي الأوبامي، مع «كمشة» نصائح أخلاقية، وقرصة توبيخ على الشحنة الأخلاقية «الاستثنائية» في الثقافة الأميركية.. الأمر الذي أثار غضب السيناتور جون ماكين، فكتب مقالة في الـ«برافدا» الروسية، بنسختها الإنجليزية، مذكرا الرفيق بوتين بجرائم روسيا في جورجيا، ومواقف إدارة بوتين تجاه حرية الإعلام والرأي، وماذا فعلت أجهزته بفرق موسيقية معارضة له.. وخلص إلى أن بوتين ينتمي لعقلية لا تقيم وزنا لهذه القيم الإنسانية التي تؤمن بها أميركا، ويؤمن بها معها العالم الحر، حسب نظرة ماكين. وصل الاستهتار أيضا بأوباما لأن يتحدث بشار الأسد، راعي القتل في سوريا، إلى قناة «فوكس نيوز» الأميركية، ويطرح نظريات «خنفشارية» عن استخدام الكيماوي، وأن من استخدمه هم المعارضة السورية، خصوصا أن غاز السارين سهل التصنيع، بل إنه يسمى غاز المطابخ لسهولته، ولم يرمش جفن لبشار وهو يقول هذه الباقعة الصلعاء، وربما في قرارة نفسه يقهقه على إمكانية أن يصدقه المشاهد الأميركي، وأن يظهر أوباما أمامه بمظهر الرئيس الجاهل المغامر بأمن أميركا. هذا العجز والتردد و«الجهل» الأوبامي أصبح خطرا على الجميع، وعلى مكانة أميركا نفسها، فالرجل في النهاية هو الرمز الأول للقوة الأميركية، وهذا ما دفع وزيري الدفاع الأميركيين السابقين روبرت غيتس وليون بانيتا إلى إظهار النقد الحاد لنهج الرئيس أوباما حيال سوريا وطلبه الموافقة على الضربة من الكونغرس، من دون أن يكون ملزما بهذا أصلا. ورأى بانيتا، في ما نقلته «العربية»، أنه عندما يحدد رئيس الولايات المتحدة خطا أحمر فإن مصداقية هذا البلد تتوقف على ترجمة أقواله إلى أفعال. أما وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت غيتس، فرأى أن تصويتا سلبيا في الكونغرس سيكون عنصرا مدمرا. وقال إنه كان من شأن ذلك أن يضعف موقف أميركا في نظر كل من حلفائها وخصومها في العالم. يقال، من متحذلقين: افهموا بواطن الأمور، فأوباما حذر، لأنه يخشى أن يكون إضعاف الأسد قوة للمتطرفين الجهاديين في سوريا، والحق أن ارتخاء وهشاشة الموقف الأميركي هما ما سيقوي من خطاب التطرف وجاذبيته في سوريا، وينهي أي تعويل على موقف «إنساني» غربي.. وهذا ما قالته السعودية في بيان مجلس وزرائها الأخير. مرة أخرى، أوباما عاجز، مرتبك، يغطي هذا بفنون القول، وحيل الهروب الفعل. قديما قالت العرب: «عدو سوء عاقل.. ولا صديق جاهل!». |
![]() |
![]() |
![]() |
#367 |
أبو بنان
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,225
|
![]() شر «الكيماوي» ما يضحك! لعل الشيء الذي يبعث على الأمل في زخم الأزمة السورية المؤلمة ومع فظاعة وبشاعة المآسي والمشاهد الدموية التي تحصل جراء القتل الهمجي الوحشي المستمر من قبل قوات نظام الأسد بحق شعبه، هو الروح الفكاهية الساخرة التي انفجرت من الشعب السوري العظيم الذي يواجه نظاما لم يعرف التاريخ الحالي مثيلا له في إجرامه ودمويته، أتابع بدهشة هذه الروح وأقتبس بعضا منها هنا للمشاركة وذلك للابتسام وسط الدموع. فهناك تعليق يفضفض فيه أحد السوريين ويقول: «نفترض أن ما عنا ثورة بسوريا ونفترض أنك ما قتلت ولا حد ورح نتخيل كمان وبطريقتنا أن ما عنا ولا معتقل يعني نحن بسوريا المعارض السياسي بيخاصموه رفقاته بالحارة (بيخاصموه مو بيخصوه!) ورح نفترض أنك ديمقراطي وأنه نحنا ظالمينك لك بس علي قعدين مع حماتي تحت سقف واحد وبيت واحد لك لازم تسقط يا ساقط، الله يحشرك مع حماتك». ثم كانت هناك رسالة مفتوحة وموجهة إلى الرئيس أوباما بعد تراجعه عن الضربة العسكرية ضد النظام «ولك شو قصتك؟ يبلاك، موننا وجبنا رز مسوس وكتب كل واحد فينا وسته وحلمنا كيف شكلوا لهال (الكروز) وهو نازل يدك الأرض دك وطلعنا الشباب على قاسيون وعملوا درع حشري بقصد درع بشري ومشينا بشوارع الشام وتودعنا منها وبلشنا نخطط كيف بدنا نرجع نعمر بيوتنا لما يسقط وندفع الأقساط أحسن ما يشلحوها منا البنوك، واشتريت بوط رياضة جديد حتى اركض واهرب من القصف وقلت لحالي لا مو معقول يحكي وما يعملها لا مو معقول هارئيس أميركا! فكرناك زنجي أفريقي قبضاي أصيل مثل دنزل واشنطن طلعت بس واحد أشقر طنط وعامل برونزاج.. يا ويلك إذا بقي تفتح تمك!» وهناك «فشة خلق» أخرى تقول: «أصدقاي ياللي بالداخل بالنسبة للكتابة على الفيس والتويتر والواتس آب وأخذ الاحتياطات بتصور فات وقتها هالقصص واسامينا كلها عندن وكلها عليها منع سفر وأعلى ما بخيلهم يركبوه.. أقل شيء بس نحس انو عنا حرية هون بس عالحيط وبعد الحرية فوتوني بستين حيط». وهنا رسالة للدب الروسي «نحنا بنضرب حالنا بالكيماوي وكما بنقصف حالنا منحب نتشنطط من بيوتنا ما حدا هجرنا عم نتمشى وبنعشق نرفع الأسعار مشان نجوع ونعمل يوغا على كهربا مقطوعة، نحنا بنحب نقوص بعض على المفارق بدل الغمازات هيك بنطبق بعض ولكن أهم شيء نحنا بنضرب حالنا بالكيماوي، بننتعش شوي وبعدين بنموت استكمالا لليوغا مع أن النظام حاول ينصحنا كثير ويقول بلا سلاح وموهيك اللعب يا أولاد! بس نحنا أحرار وفوق كل هاد بدنا حرية كمان وما منشبع حرية وبدنا نسقط هالنظام لأنه ما بيحب يعلب كيماوي عرفت يا روسي؟ فهمت علينا؟» وهناك هذه التحفة «ما ضروري تراقب خط تلفون السوري لتعرف شو بيحكي عنك فيك تمشي وراه بالشارع وتطلع قذيفة قريبة واسمع شو يسبك بصوت عالي، أو تشتغل شوفير تاكس وتوقف على الحاجز وتسمع شو بيلعنك أو تكون طبيب أطفال وتسمع النسوان شو بيدعو عليك أو تشتغل خضري وتبيع كيلو البندورة بهديك الحسبة واسمع الناس شو راح يسبوك بطلها هالعادة يا سيادتك تبح التجسس عالتلفونات امشي بالشارع وخلي الناس تبزق عليك برياضة». شعب لديه هذه الروح الخارقة للسخرية من هكذا نظام لا يمكن أن يهزم منه. ومن الوجع تولد الابتسامة وما النصر إلا صبر ساعة. |
![]() |
![]() |
![]() |
#368 |
أبو بنان
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,225
|
![]() التلاعب الروسي بمصير الشعب السوري مناقشة ملف الأسلحة الكيماوية السورية في مجلس الأمن واعتراف النظام السوري بها وإعلانه استعداده لتسليمها، إذا وجد دولة مستعدة لاستقبالها (بعد إنكاره لها، ثم إنكاره وموسكو معه لاستخدامها في الغوطة)، قد تستغرق، في نظر الخبراء عدة أشهر إن لم يكن عدة سنين، لن تتوقف خلالها الحرب الأهلية في سوريا، وسيستمر سقوط عشرات الألوف من الضحايا، وتفريغ المدن والقرى ممن تبقى من أهاليها، وتدمير كل المؤسسات والبنى التحتية، وما دام النظام السوري قائما بفضل دعم موسكو وطهران له، وما دام، في المقابل، يوجد في واشنطن رئيس ينأى ببلده عن خوض أي حرب خارج حدود بلاده. كل شيء يدل على أن السيناريو الوحيد هو استمرار القتال والتقاتل في سوريا سنة أخرى بل سنوات، مع استمرار مهزلة الحديث عن مؤتمر جنيف ومجلس الأمن والبند السابع والفيتو الروسي. ترى، هل قدر سوريا، «قلب العروبة النابض» وحاملة لواء وحدة الأمة العربية يوما ما، أن تفرغ من أبنائها وأن تتهدم مدنها وقراها أو أن تتفتت إلى دويلات، تحت أنظار الدول العربية والمجتمع الدولي العاجز عن إنقاذها من نفسها ومن تضارب المصالح الاستراتيجية والآنية للدول الكبرى في منطقة الشرق الأوسط؟ إن التاريخ الحديث لم يعرف حالة كالحالة السورية تمازجت في إشعال نار التقاتل فيها عوامل وعناصر محلية وإقليمية ودولية، بحيث لم يعد أحد يعرف ماذا ومن يغذي القتال وينفخ في جمره، ومن بيده الحل والربط. فبعد سنتين ونصف السنة من اندلاع أعمال العنف وفشل كل المحاولات والوساطات في وقف القتال أو التقريب بين الأطراف المتنازعة، بات العنوانان البارزان للمسألة السورية هما الأسلحة الكيماوية ومؤتمر «جنيف 2» الذي ليس من المؤكد انعقاده. منطقيا، بل وواقعيا، لن يحسم النزاع في سوريا عسكريا أو بقوة السلاح بعد أن وصل إلى ما وصل إليه، وما دامت هناك دول كبرى وإقليمية تغذي الطرفين المتقاتلين.. وإن الدول الغربية الكبرى - وفي طليعتها الولايات المتحدة - تتردد بل وتحجم عن التدخل عسكريا، وإن الرئيس الروسي مغتبط بترقيص الولايات المتحدة على البساط السوري الحامي، ما دامت إسرائيل مرتاحة جدا إلى ما آلت إليه دولة «المقاومة والممانعة». غير أن الحل السياسي يتطلب، قبل البدء فيه، بعض العناوين التي سيدور الحوار تحتها: من هم المتحاورون؟ ومن سيحكم سوريا في المرحلة الانتقالية؟ وما هو مصير النظام القائم ورئيسه وأركانه؟ ومن سيمثل المعارضة والثوار؟ وأهم من كل ذلك وضوح موقف كل من الولايات المتحدة وروسيا الحقيقي مما يجري في سوريا وما ستؤول إليه الأمور بعد توقف القتال. ولا ننسى موقف الدول الإقليمية النافذة والمتدخلة مباشرة في الصراع. وربما أهم من هذا وذاك موقف إسرائيل الحقيقى من النظام السوري ومن الثائرين عليه. في المرحلة الراهنة ولعدة أسابيع، وربما أشهر، سوف تقتصر أخبار سوريا على ملف الأسلحة الكيماوية. وسوف تواصل روسيا دعمها للنظام السوري ومساعدته على تجنب أي عقوبات دولية. كما ستواصل الدول الداعمة للثوار والمعارضين دعمها، ربما بأسلحة جديدة. أما الضربة العسكرية التي هددت بها واشنطن وطالب بها الثوار، فقد تراجع احتمال حصولها بعد تصدي موسكو ومعارضة الرأي العام الغربي لها. الأمر الذي حمل البعض على الاعتقاد بأن النظام السوري حقق مكسبا سياسيا أو انتصارا معنويا، لا سيما أن الرأي العام الغربي بات يتساءل عن «نوعية» النظام الذي سيقوم محل نظام الحكم الحالي، وهل سيكون في يد جماعات إسلامية متطرفة (تأكل قلوب البشر وتقطع رؤوس الأسرى بالسيف والسكين)، نشرت صور لها في وسائل الإعلام الغربية؟ أمام هذه الأبواب الموصدة في وجه المحللين العسكري والسياسي، اقترح البعض إرسال قوات عسكرية دولية إلى سوريا تفصل بين المتقاتلين، كما فعلت الدول العربية في الحرب الأهلية اللبنانية وكانت النتيجة ما نعرف جميعا. آخرون من المعارضة السورية اقترحوا ضرب المطارات وفرض حظر جوي على الأجواء السورية، وتسليح الثوار بأسلحة وصواريخ متطورة، كي تتمكن من الصمود وربما الانتصار. لكن هل تترك روسيا الولايات المتحدة والدول الغربية مطلقة اليدين في التدخل العسكري في سوريا؟.. كل شيء يدل حتى الآن على أن موسكو هي التي تقود أوركسترا التدخل الدولي في القضية السورية، وأن الدور الأميركي في الشرق الأوسط قد تراجع كثيرا، أو على الأقل لم يعد من أولويات واشنطن، وأن الدول العربية باتت تخشى على نفسها من تداعيات الحرب الأهلية في سوريا، أكثر من خشيتها على مصير الشعب السوري. في مطلق الأحوال فإن تطورات المسألة السورية في الأسابيع الأخيرة أبرزت أربع حقائق بها: (1) إن الولايات المتحدة فقدت الكثير من صدقيتها ونفوذها ومهابتها في الشرق الأوسط. (2) إن روسيا عادت إلى الشرق الأوسط من الباب العريض. (3) إن الشعب السوري الثائر على نظام حكمه فقد الكثير من تعاطف الرأي العام العالمي والعربي بعد ما كتب ونشر في وسائل الإعلام من صور عن «أفعال» الجماعات الإسلامية الجهادية الفظيعة، سواء كانت حقيقية أم كان النظام وراء نشرها أو افتعالها. (4) إن القتال في سوريا مستمر، وإن المجتمع الدولي والدول العربية والدول الكبرى لم تجد حتى الآن حلا للمحنة السورية سوى القول بأنه حل سياسي عنوانه «جنيف 2»، وسوى اللجوء إلى مجلس الأمن المشلول بالفيتو الروسي. |
![]() |
![]() |
![]() |
#369 |
أبو بنان
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,225
|
![]() لماذا يُنتقد أوباما حول سوريا؟ السؤال أعلاه كان محور جل النقاشات في البرامج السياسية الصباحية بالمحطات التلفزيونية الأميركية الأحد الماضي، والسؤال مستمر: لماذا يُنتقد الاتفاق الأميركي - الروسي حول نزع أسلحة الأسد الكيماوية؟ وهل كان بمقدور الرئيس أوباما فعل المزيد؟ الإجابة بسيطة، وهي أن الاتفاق الأميركي - الروسي، بتفاصيله المعلنة، يبدو مخرجا، أو عملية تجميلية، وليس اتفاقا سياسيا جادا. إشكالية الرئيس الأميركي في هذا الاتفاق أنه تكلم بهدوء، أي استخدم الدبلوماسية مع روسيا والأسد، لكنه، أي أوباما، لم ينفذ نصيحة الرئيس الأميركي الأسبق روزفلت كاملة والتي تقول «تكلم بهدوء، واحمل عصا»! أوباما لم يحمل العصا في هذا الاتفاق، إذ كان ينتظر من إدارته أن تقوم بتوقيع الاتفاق المعلن مع روسيا بضمان الفصل السابع في مجلس الأمن، مما يعني أن فشل الأسد في الالتزام ببنود الاتفاق سيقود لاستخدام القوة ضده. وهذا ما لم يحدث بالطبع للآن، بل إن وزير الخارجية الروسي قال أمام نظيره الأميركي إنه لا اتفاق على استخدام للقوة، أو العقوبات، تحت الفصل السابع! ورغم كل ذلك كان من الممكن أيضا القول بأن الاتفاق الأميركي - الروسي مقبول، وعلى علاته، لو أعلنت الإدارة الأميركية، فور إعلان الاتفاق مع الروس، وفعلا لا قولا، عن مباشرة دعمها الفوري للمعارضة السورية بالأسلحة النوعية التي تضمن ليس ثباتهم على الأرض، وإنما تعزيز قوتهم، ومساعدتهم في كسر الدعم العسكري المقدم من إيران وحزب الله للأسد، مع تعهد أوباما صراحة، بعد الاتفاق مع روسيا، بأنه سيتدخل عسكريا في سوريا من دون اللجوء لمجلس الأمن، أو حتى الكونغرس الأميركي، وهو مخول له فعل ذلك دستوريا، حينها كان الاتفاق الأميركي - الروسي سيؤخذ بمحمل الجد من الجميع، وأولهم الروس والأسد. وكان من شأن هذا الموقف الأميركي، لو اتخذ - أي المباشرة بدعم الجيش الحر بالسلاح النوعي، والدعم الاستخباراتي - أن يقود إلى أحد أمرين؛ إما هزيمة الأسد على الأرض، وهو ما يعني هزيمة إيران وحزب الله، والروس، وهو هدف استراتيجي يخدم كل من في المنطقة من دون استثناء، أو أنه سيقود إلى الدفع بالحل السياسي الفعلي والعملي، وباستجداء من الروس والإيرانيين، وهذا ليس تحليلا أو اقتراحا نابعا من متعاطف مع الثورة السورية، بل إن هذا هو ما يجب أن يتم من قبل الأميركيين، خصوصا أن الرئيس أوباما هو من قال مرارا، وتكرار، إنه على بشار الأسد أن يرحل من السلطة، وهذا أمر يتطلب أفعالا وليس أقوالا. وعليه فما دام الاتفاق الأميركي - الروسي منزوع الأسنان، ولا يقول صراحة بمعاقبة الأسد في حال لم يلتزم، وليس هناك تحرك أميركي فعلي لدعم المعارضة بالأسلحة النوعية، فإنه من الطبيعي أن يُنتقد الاتفاق الأميركي - الروسي ويقال إنه غير قابل للتنفيذ، وهذا ما ستثبته الأيام، لكن حينها سيكون الثمن فادحا على سوريا والسوريين، والمنطقة ككل، وهذا في حد ذاته يوجب انتقاد سلبية الرئيس أوباما تجاه الأزمة السورية حاليا. |
![]() |
![]() |
![]() |
#370 |
أبو بنان
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 19,225
|
![]() أوباما يتعامل مع الأزمة السورية بدم بارد اتضح أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أخطأ في التعبير واختلط عليه الأمر بين الخط الأحمر والخط الأخضر، تماما كما في محطة المترو، حيث يشير هذان الخطان إلى اتجاهي النزول من عربة المترو والصعود إليها، واتضح أن الرئيس أوباما كان يقصد الخط الأخضر بدلا من الخط الأحمر! وكانت صحيفة «واشنطن بوست» قد نقلت عن الرئيس الأميركي قوله إنه لم يكن يعني ما قاله بخصوص «الخط الأحمر»، بشأن الأزمة السورية. وكان الرئيس أوباما قد نسي أن استخدام الأسلحة الكيميائية أمر محظور في جميع أنحاء العالم، وأن استخدامها يعد منطقة محظورة لا تقبل التلوين بين الخطوط الحمراء والخضراء! وكان البيت الأبيض قد أصدر بيانا بدأ بالحديث المعتاد عن انعقاد اجتماعات رفيعة المستوى بشأن كيفية الرد على التقارير التي ظهرت الصيف الماضي وتقول بأن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يستعد لاستخدام أسلحة كيماوية. وبعد الاعتماد على نهج معين للتعامل مع هذه القضية – التحذيرات التي تنتقل عن طريق الروس وحتى الإيرانيين – تحدث أوباما في شهر أغسطس (آب) إلى أصدقائه المقربين في الصحافة، وذهب أوباما إلى أبعد مما اعتقده بعض المستشارين وقال إن استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية سيكون بمثابة «خط أحمر» لا يمكن تجاوزه، كما لم تخلُ تصريحات الرئيس الأميركي من كلمات معتادة مثل «عواقب» و«الحسابات» المتغيرة. ومع ذلك، دعونا نتساءل: لماذا يعد استخدام الغاز السام خطا أحمر، في حين لا ينطبق نفس الأمر على ذبح المدنيين بالوسائل التقليدية، مثل البنادق والسكاكين والمدفعية والقنابل والألغام. فالموت هو الموت، وفي حين يمكن النظر إلى الغاز على أنه وسيلة شنيعة ووحشية للموت، فلا يمكنني أن أوصي بطريقة أخرى جيدة للموت، ولكن يمكنني أن أؤكد أنه ليس من السهل أن تستخدم الغاز – مع الوضع في الاعتبار الاتجاهات المغيرة للرياح – كما أن الغاز ليس بالسلاح الفعال. وفي الآونة الأخيرة، كتب جون مولر، وهو خبير سياسي بجامعة أوهايو، مقالا بمجلة «العلاقات الخارجية» يقول فيه إن البريطانيين هم من روجوا لخطورة استخدام الغازات خلال الحرب العالمية الأولى، وذلك في محاولة لتصوير الألمان على أنهم بلا أخلاق – ولحث الولايات المتحدة على الدخول في الحرب. وكما رأينا في العراق والآن في سوريا، ربما يكون هذا الكلام المخيف هو الاستخدام الأكثر فعالية للأسلحة الكيماوية! وعلى أية حال، تحدث الرئيس أوباما عن خطوط حمراء أخرى برباطة جأش مثيرة للإعجاب، في الوقت الذي تسامح فيه مع قصف المناطق السكنية وقتل المدنيين واستخدام سلاح الجو في القصف وإطلاق الصواريخ على التجمعات السكنية والهجوم على الصحافيين والعديد من المجازر، مثل تلك التي وقعت الأسبوع الماضي من قبل قوات النظام السوري والتي أودت بحياة نحو 70 شخصا في قرية البيضا. في الحقيقة، تعاني الإدارة الأميركية من مشكلة حقيقية، لأنها لا تجد ما تقوله، علاوة على أنها لا تتبع سياسة محددة تجاه ما يحدث في سوريا، كما هو الوضع في أماكن أخرى. كل ما تريده الإدارة الأميركية هو تجنب المتاعب والمشكلات بالخارج لإحداث نوع من الهدوء والاستقرار في الداخل – وهو ما يعد بمثابة طموح رائع، ولكنه لا يرقى لكونه سياسة. في العراق، على سبيل المثال، تعاملت الإدارة الأميركية مع الحرب الطويلة هناك عن طريق الانسحاب السريع، والآن يتجه العراق نحو حرب أهلية، في الوقت الذي يؤكد فيه الإسرائيليون أنه يتم استخدام الأجواء العراقية من قبل إيران لإرسال أسلحة إلى حزب الله في لبنان. نعرف جميعا أن حرب العراق خطأ كبير، ولكن الأمر بات أكثر سوءا الآن. وعلاوة على ذلك، هناك حالة من عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بالوضع في أفغانستان أيضا، حيث ستبقى القوات الأميركية هناك حتى عام 2014 فقط لأن الرئيس أوباما قد قرر الوصول لحل وسط بين أولئك الذين يريدون المزيد من القوات والمزيد من الوقت، وأولئك الذين يريدون تقليل عديد القوات وتقصير المدة الزمنية للبقاء هناك، وهو ما يجعل من الواضح أن السياسة الخارجية لأوباما تهدف في الأساس لمداهنة منتقديه في الداخل. وإذا كان هناك مبدأ أساسي لدى أوباما، فإنه يتمثل في إلقاء خطاب الحيدة والوصول لحلول وسط. في الحقيقة، يتعين على الرئيس أوباما الكف عن الحديث عن الخطوط الحمراء والتوقف عن ترديد التحذيرات من تحول سوريا إلى عراق جديد لأن هذا لن يحدث. تستطيع الإدارة الأميركية تسليح الثوار المعتدلين واستخدام سلاحها الجوي، كما حدث في ليبيا (وكما تفعل فرنسا في مالي من خلال عملية محدودة). أما بالنسبة لاستخدام القوة الجوية، فيبدو أن الإسرائيليين يضربون أهدافا داخل سوريا وهم يستمتعون بحصانة كاملة من الولايات المتحدة – وربما من خارج المجال الجوي السوري – مع عدم وجود أي تقارير أو حتى ادعاءات سورية بإسقاط طائرات إسرائيلية. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو: لماذا تصر وزارة الدفاع الأميركية على عدم التدخل في سوريا؟ لقد بدأ الوضع السوري يخرج عن نطاق السيطرة. وكلما تأخر أوباما في التدخل، زاد الأمر صعوبة، ولا سيما أن الصراع قد أودى بحياة أكثر من 70 ألف شخص حتى الآن، كما تشرد أكثر من مليون آخرين. يعاني السوريون بشدة، والنتائج المترتبة على عدم التحرك لحل الأزمة نتائج كارثية، والبيت الأبيض يتعامل مع الأزمة بدم بارد، في الوقت الذي يخرج فيه الرئيس أوباما في نهاية الأمر ليقول إنه لم يقصد ما قاله عن الخط الأحمر! * خدمة «واشنطن بوست» |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
|