سوق الأسهم ومصائبه وعلاجه للشيخ بن منيع

[كاركادية]

بسم الله الرحمن الرحيم
سوق الأسهم ومصائبه وعلاجه
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد :
الحديث عن سوق الأسهم حديث مرير تنبعث منه روائح الشؤم والاضطرابات النفسية ، وعوامل القلق وضيق النفوس . وتزداد به أمراض العصر – ارتفاع الضغط ،اضطراب درجات السكر ، اختلال أداء القلب – وتنتشر به الخلافات الأسرية والزوجية والعلاقات العامة ‘ وتزداد به النكسات السلوكية. ولا سيما بعد أن زال السراب عن أوهام تحولت إلى خسائر فادحة في الأموال وفي الذمم ، وهكذا فللباطل صولة ثم تزول ويبقى الصحيح ولا شيء غير الصحيح – وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا – فإذا قلنا بأن سوق الأسهم وضع غير طبيعي وسوق تخيم عليه أوهام التضليل والتغرير والمقامرة فيتضح ذلك من آثاره السلبية على الاقتصاد الهادف إلى إشاعة الرخاء في الإعمار وتنشيط أسواق الإنتاج من زراعة وصناعة وتأمين فرص عمل واستثمار . حيث إن الثروة النقدية التي هي عصب الحياة الاقتصادية قد حجبت عن وسائل الإنتاج والعمل ، وأصبحت هي محل التعامل في البيع والشراء . وما هذه الأسهم إلا وسيلة شبه صورية لهذا التعامل . حيث إن مشتري السهم أو بائعه لا يدري في الغالب عن الشركة التي ينتمي إليها هذا السهم أهي شركة ناجحة أم هي شركة فاشلة ، أهي شركة ذات وجود حقيقي أم هي شركة وهمية . المهم أن سهمها قابل للتداول بيعا وشراءً وقابل للتلاعب بقيمته ارتفاعا وانخفاضا . ولهذا اتجه لدى مراقبي هذه الأسواق وجاهة القول بتشبيهها بصالات القمار من حيث تجمع المتعاملين في هذه الصالات حول شاشات العرض كتجمع المتقامرين حول آلية اللعب بالقمار وكل واحد من المتعاملين في هذه الأسواق أو في صالات القمار يضرب بآلية حظه وتظهر النتيجة رابحا أم خاسرًا . فثروة البلاد محجوبة عن وسائل الإنتاج مجمعة أمام محترفي السوق أشبه ما تكون في صندوق مفتوح ، الرابح يأخذ منه ربحه والخاسر يضع فيه خسارته . فإذا أغلق السوق كانت حصيلته مع المتعاملين معه مثل حصيلة إغلاق سوق القمار هذا خاسر وهذا رابح .
كما اتجه لدى مراقبي هذه الأسواق وجاهة القول بتشبيهها بالمتاجرة بالأثمان – المصارفة – من حيث إن الأسهم محل البيع والشراء ليست في الحقيقة مقصودة حيث إن مشتري السهم في أي شركة لا يدري عن الشركة ولا عن نشاطها بل ولا يدري أهي شركة حقيقيِّة أم هي شركة وهمية أو شبه وهمية وإنما قصده من الشراء أمله في ارتفاع قيمة هذا السهم وهذا الواقع يؤكد أيلولية التعامل في هذه الأسهم وأنه تعامل في أثمانها ، وقيمتها معيار للتعامل بأثمانها.
فلهذه الأسواق شبه بصالات القمار ولها شبه بالمتاجرة بالأثمان . والشارع الحكيم يقف من هذين الشبهين موقف المانع للقمار والمنظم للمتاجرة بالأثمان من حيث التماثل في إتحاد جنس العوضين والتقابض في مجلس العقد .
وفضلا عن ذلك كله ففي المتاجرة بالأسهم في هذه الأسواق مجموعة من السلبيات أهمها ما يلي :
1- حجب الثروة الثمنية – النقدية – عن التنمية الاقتصادية للبلاد فيما يتعلق بعمارتها وتوسيع نشاط وسائل الإنتاج فيها من صناعة وزراعة وتجارة تتمثل بتنشيط الأسواق والاستيراد والتصدير وتوجيه السيولة المتوفرة لدى الشركات إلى توسيع نشاطها ووسائل إنتاجها وفي حال حاجتها إلى السيولة ترجع لتغطية هذه الحاجة إلى المصارف الإسلامية . فأسواق الأسهم قضت على هذه الايجابيات للتنمية الاقتصادية وحالت دون تحقيقها .
2- إقبال محدودي الدخل على الدخول في هذه الأسواق بأموال ما بين ديون محملة بها ظهورهم وأموال هي قيم بيوتهم وسياراتهم ومواشيهم وحلي نسائهم ، وهم بذلك في حال مغامرة ما بين رابح وهم قليل وخاسر وهم الأكثر.
3- التفريط في الأداء الوظيفي من تعليم وعمل وفي القطاعين العام والخاص . فقد استهوت أسواق الأسهم كافة شرائح المجتمع بما في ذلك المدرسون والموظفون فصرفت بذلك أفكارهم عن أعمالهم بل صرفت أجسادهم عن كراسي أعمالهم حينما يتسربون إلى أماكن يختفون بها عن أعمالهم ليباشروا مراقبة السوق عبر الشاشات المختلفة .
4- انصراف مجالس إدارة الشركات إلى استثمار السيولة المتوفرة لديهم في سوق الأسهم وحجبها عن توسيع نشاط الشركة وتنمية إنتاجها مما يعود عليها خاصة وعلى البلاد عامة بالنفع والرخاء والازدهار .
ولا شك أن وضع السوق وضع خطير بدأنا نجني ثماره المرّه وآثاره السيئة ولا شك أن التمادي فيه يضاعف تلك النتائج ويعطي الكثير من المشاكل وتحمل الدولة لآثار هذه المشاكل وفي نفس الأمر ضياع الكثير من المديونيات المتعثر سدادها نتيجة الخسائر المتتابعة . هذا الوضع الخطير يحتاج إلى علاج فما هو العلاج ؟
العلاج في رأيي يتلخص فيما يلي :
أولا : تسعير القيمة المعنوية لكل شركة في سوق التداول بحيث لا تتجاوز أربعمائة في المئة 400% من القيمة الدفترية للشركة . توضيح ذلك أن القيمة السوقية للكثير من الشركات قد تصل إلى 1500% من القيمة الدفترية للشركة فمثلا شركة س قيمتها الدفترية 25 ريال وقيمتها السوقية ألف ريال ولولا البعد عن الإثارة لذكرنا أسم هذه الشركة إلا أنها في السوق محل تداول عام وهذا يعني أن نسبة الفرق بين القيمة الدفترية والقيمة السوقية 4000% .
ويمكن كذلك أن نذكر شركة من الشركات الكبرى ولا نسميها ومن يمارس المتاجرة في السوق يعرفها ويعرف غيرها من أشباهها فقيمتها الدفترية لا تتجاوز مائة وخمسين ريالا وقيمتها السوقية تصل إلى ألفين وخمسمائة ريال بمعنى أن الفرق بين القيمتين في حدود الألف وثلاثمائة في المائة 1300% وهذا كثير في الشركات المتداولة . فإذا قلنا بتسعير القيمة المعنوية للشركات بحيث لا تزيد عن 400% أمكننا وضع الكوابح الطبيعية لهذه السوق .
وإذا استحسن هذا الرأي المتعلق بتسعير القيمة المعنوية فأرى التدرج في تطبيقه بحيث يبدأ التطبيق بتحديد القيمة المعنوية بألف في المائة وبعد شهر بتسعمائة وهكذا حتى تنخفض هذه القيمة لتستقر على الحد الأعلى 400% أقول بتطبيق التسعير على سبيل التدرج تلافيا للأضرار والخسائر التي قد تترتب على تطبيقه الفوري .
ثانيا : الاشتراط على كل شركة ترغب دخول سوق الأسهم أن يكون لها ميزانية سنوية تظهر فيها القيمة الدفترية للشركة حتى يتيسر معرفة أعلى قيمة يباع بها السهم بعد الأخذ بالتسعير وحتى يتيسر معرفة ما زاد في القيمة عن ذلك فتمنع .
ثالثا : بالأخذ بتسعير القيمة المعنوية فلا حاجة للإلزام بنسبة الارتفاع أو الانخفاض للسهم حيث إن الحد الأقصى لقيمة السهم يحمي السوق من التقلبات ومن التلاعب والتحايل أو يقلل من ذلك.
رابعا : منع أي شركة تريد الدخول بأسهمها في السوق من الدخول فيه إلا بعد مباشرتها نشاطها وظهور ميزانيتها السنوية وظهور قيمة السهم الدفترية في الميزانية .
خامسا : منع البنوك الوسيطة في التداول من تمويل الأفراد لمضاعفة نشاطهم في السوق ولو كان ذلك عن طريق القرض الحسن أو التورق .
سادسا : منع البنوك الدائنة من رهن الأسهم وأخذها ضمانا لمديونياتهم ثم التنفيذ عليها ببيعها متى وصل سعرها إلى قيمة مقاربة للدين حيث إن في ذلك إضرارًا بملاك الأسهم وإضاعة فرص انتظارهم تحسن السوق .
سابعا :الأخذ باقتراح مجلس الشورى بإيجاد صندوق استثماري من الدولة وللدولة يكون رأسماله مبلغا لا يقل عن مائة مليار دولار يشترك في تمويله الصندوق الاستثماري للدولة ومؤسستا التقاعد والتأمينات الاجتماعية ويمكن أن يشترك فيه القطاع الخاص يكون الهدف منه العمل على استقرار السوق بحيث يشتري الصندوق الأسهم في حال الانخفاض وبيعها أو بعضها في حال الارتفاع فيضمن بذلك الاستقرار النسبي للسوق ولا شك أن الصندوق سيكون أداةً استثماريةً للجهات الممولة له من حيث العائد الربحي وسيعطي السوق حماية من التلاعب والفوضى فيتحقق بذلك أهداف ولاة أمورنا في تأمين متطلبات المسئولية العامة في حماية البلاد من حيث أمنها الجنائي والمالي والاجتماعي ومن حيث الحفاظ على سلامة سمعتها الخاصة والعامة وفي داخل البلاد وخارجها .
ولإنشاء هذا الصندوق مجموعة من الفوائد أهمها :
1- القدرة على تمكن السوق من الموازنة بين العرض والطلب وبالتالي خضوع الأسعار للاعتدال بين الارتفاع والانخفاض .
2- حصول الدولة على آلية استثمارية تتفق مع المبادئ والأحكام الشرعية وتعطي عائدًا ربحيا مجزيا . ويكون بذلك بديلا عن الاستثمارات المحرمة أو المشبوهة .
3- تتحقق به تطلعات ولاة أمورنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - حفظه الله – من العمل على ما يحمي بلادنا من التقلبات الاقتصادية والنكسات المالية والاضطرابات الأمنية .
ما ذكرته هو أهم ما أراه من علاج لهذه السوق ولو لم يحصل منه إلا حد من نشاط هذه السوق حتى يتوزع هذا النشاط إلى مجالات مختلفة من وسائل التنمية الاقتصادية ولو لم يحصل من ذلك إلا ما ذكر لكان هذا من أكبر ثمار هذا العلاج .
واعتقد أن ما ذكرته من علاج وضع أسواق الأسهم هو أفكار لا شك أن تنفيذها لا يكون من غير ولاة الأمر ولكن طرحي إياها في مثل هذه الصحيفة لإتاحة الفرصة لإخواني لمناقشة هذه الآراء قبل التوجه بها لقادتنا الكرام . أقدم هذا العلاج في حال الإبقاء على هذه السوق بالرغم من أنها سوق ضريع لا تسمن ولا تغني من جوع .

وقبل أن أختم حديثي هذا أحب التعليق على ما يقال بأن تجزئة الأسهم من أسباب تخفيف مصائب السوق في حال هبوط سعره . هذا القول لا تظهر لي وجاهته فهو رأي لا يقدم متأخرًا ولا يؤخر متقدما فمن أراد شراء ألف سهم اشتراها لو جزأت إلى مائة ألف سهم حيث أن القيمة لا تختلف . والله المستعان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبة .

أعد هذا البحث
عبد الله بن سليمان المنيع
عضو هيئة كبار العلماء
وعضو مجمعي الفقه الإسلامي بمكة المكرمة وجده
حرر في 15/3/1427هـ

ملاحظه : هذه مقاله لشيخنا الفاضل عبدالله بن سليمان بن منيع سترونها غدا في الصحف
( سبق صحفي ) خاص لمنتدانا الغالي
تحياتي

[woowoow]

رائع هذا الشيخ
كم هو قريب للقلب
وقريب من الناس

كلامه واقعي جدا
وحلولة منطقية

[كاركادية]

أتمنى أسمع آراء الأعضاء والمشرفين
وأكون شاكره لكم
تحياتي

[gram2005]

ارتفاع الضغط


صدقت

[nma]

جزاك الله وجزا فضيلة الشيخ كل خير

[خط احمر]

جزاك الله خير على هذا النقل المبارك وبارك فيك

[شيخ الأباطح]

جزاك الله خير على نقل المواضيع المفيدة

وجزى الله شيخنا المنيع على كلماته الصادقة

[ذراع البوصلة]

موضوع تشكرين عليه
لــــــــــــــــــــــكـــــــــــــــــــــن

لي عليك عتب بسيط (طبعا العتب ما يجي الا بين المحبين)

الالفاظ العموميه ....... كل ... هم ..... هذول .....والقائمه تطول

يسقطون فيها الصغار

لكن انتي عندي ممن ابحث عن مواضيعهم المميزه

كبيره وراقيه ومواضيع ولا اروع

قرأت لك رد في احد المواضيع

ازعجني شوي بس صدقيني للتنبيه فقط

لان الي ما يعرفك يجهلك

تقبلي تحياتي

اخوك ابو عبد الله

ذراع البوصلة

[abolena]

كلام مقنع
من فكر عميق
وبصراحة
كلام بمنتهى الوضوح
والشفافية
ومنهاج سليم للعمل به
للتقليل من المخاطر

[سعودي وافتخر]

جزاه الله كل خير