برنامج «نطاقات»
استقبلت سوق العمل في المملكة، أمس، برنامج "نطاقات"، الذي أعلنته وزارة العمل ووضعته موضع التنفيذ. والبرنامج الذي دار ويدور حوله الكثير من الجدل، يهدف - كما تقول الوزارة - إلى تحفيز مؤسسات القطاع الخاص لتوطين الوظائف عبر منحها مجموعة من الحوافز أو إيقاع مجموعة من العقوبات عليها وفقا للنطاق الذي تقع فيه من بين النطاقات الأربعة الملونة التي يضمها البرنامج. وتقول الوزارة إن البرنامج يمثل إحدى المبادرات التي تسعى من خلالها إلى معالجة مشكلات البطالة التي يعانيها الاقتصاد الوطني، والتي يتوقع أن تطلقها بالتتابع خلال الفترة المقبلة.
البرنامج بكل تأكيد يحمل كثيراً من الإيجابيات، فهو يعتمد أسلوب التحفيز أساساً لتشجيع مؤسسات القطاع الخاص للتوسع في توطين الوظائف، علاوة على أنه يحقق، كما تقول الوزارة، درجة عالية من الشفافية والدقة في التنفيذ من خلال تبنيه الوسائل التقنية والإلكترونية لإتمام كل المعاملات المرتبطة به. لكن البرنامج أيضا يواجه الكثير من التحديات، ويوقع الكثير من المخاطر على قطاع كبير من كيانات القطاع الخاص التي سيكون عليها أن تواجه خطر الخروج من السوق إن لم تتمكن من الإيفاء بمتطلبات ومعايير الوزارة وبرنامجها الوليد. وعلى أية حال، فإن الفترة المقبلة من عمر تطبيق البرنامج على أرض الواقع ستبرز واقعا جديدا يمكن من خلاله تلمس تلك الآثار السلبية منها والإيجابية، التي يُفترض أن تكون أساساً لتطوير البرنامج ودعمه بمنظومة أخرى من المبادرات والبرامج المشابهة؛ حتى يمكن تحقيق الأثر المأمول في معالجة مشكلة البطالة.
الجانب الذي يمكن أن يُؤخذ على البرنامج في شكله الحالي هو أنه يتبنى تسهيل منح التأشيرات ونقل الكفالة كأحد أهم الحوافز التي يقدمها للكيانات الواقعة في النطاقين الأخضر والممتاز، وهو ما يمكن أن يعد مأخذا على البرنامج؛ كونه لا يؤسس لمعالجة مشكلة التوازن بين أعداد السعوديين والوافدين في سوق العمل، ولا يدعم التوجه لتخفيض أعداد الوافدين. كما أن البرنامج لم يقدم بعد أية معالجة فاعلة لمشكلة تأهيل السعوديين وتدريبهم للإيفاء بمتطلبات سوق العمل، خاصة لشغل الوظائف القيادية في تلك الكيانات.
من جهة أخرى، فإن البرنامج موجّه فقط للتطبيق على مؤسسات القطاع الخاص، ولم يتضمن أية معالجة لمشكلة الوافدين الذين يعملون تحت كفالة قطاع كبير من الأفراد، الذين يشكلون نسبة مهمة من عدد الوافدين في المملكة، الذين تقول الوزارة إن عددهم يبلغ نحو ثمانية ملايين وافد. إن هذه المشكلات لا تشكل بالضرورة عائقا أمام نجاح البرنامج، لكنها بالتأكيد ستنتقص منه. والأمل في أن تقوم الوزارة بتطوير البرنامج لمعالجة هذه الجوانب وغيرها مما يمكن أن يبرز في أثناء التطبيق العملي له، وتصميم مجموعة أخرى من الحوافز الفاعلة، التي يمكن أن يكون صندوق تنمية الموارد البشرية إحدى أهم آلياتها التنفيذية.
أكثر ما يحمد للوزارة في هذا البرنامج هو في أنها ربما تكون المرة الأولى التي تتبنى فيها أية جهة حكومية مبدأ التفكير خارج الصندوق، والخروج بحلول مبدعة لمعالجة قضايا التنمية. ولا شك أن كل الوطن يتطلع إلى أن يجد هذا البرنامج النجاح المأمول منه، حتى يكون نموذجا يُحتذى في معالجة المشكلات والعقبات التي تواجهها مسيرة التنمية، وهو ما يتطلب أن تتعامل الوزارة مع كل أطراف القضية بمنطق التوازن، ومع البرنامج بمنظور التطوير والتحديث. وربما يكون من المناسب أيضا أن تعمل الوزارة على تحقيق الثبات والديمومة لهذا البرنامج عبر إصدار الأنظمة والتشريعات اللازمة له بالتعاون مع مجلس الشورى ومجلس الوزراء الموقرين.
|