ماذا تريد النساء...؟
ذات يوم كتب فرويد إلى ماري بونابرت يشكو من انه صرف حياته كلها في محاولة فهم ماذا تريد المرأة ولم يصل الى الجواب.
وخطأ فرويد انه لم يتقمص تجربتها انما كان يدرسها ككائن غريب في مختبر، وليس من خلال تفاعل مشاعرها المرهفة مع المحيط القاسي المعادي.
والمهم ان بطل فيلم (ماذا تريد النساء...؟) ميل جيبسون لم يقع في الخطأ الذي وقع فيه فرويد بل تقمص تجربة المرأة وصار يجرب على نفسه ادواتها ومشاغلها، ومع اول (نتفة) من العسل الذي يستخدمنه (للصنفرة) طار صوابه، وتعجب من ذلك الكائن الذي يصبر على ذلك العذاب كله، لأسباب غير مفهومة.
والقصة من اولها ان البطل واسمه في الفيلم مارشال كان يطمح بمنصب اعلى في شركة الازياء وادوات التجميل التي يعمل بها لكن رئيس مجلس الادارة اختار لذلك المنصب سيدة حازمة لاقتناعه بأنها تعرف اكثر من الرجال، ما الذي تريده بنات جنسها؟
ومع اول اجتماع عمل اعطت المديرة الجديدة لزملائها علبة مليئة بأشياء النساء ليعطوا رأيهم بأفضل الطرق، والاساليب للاعلان عنها، فذهب البطل وهو يغلي بالغيظ لفقدان المنصب، وحاول ان يفهم النساء اكثر منها، فجرب الملابس النسائية اولا لكن ابنته المراهقة ضبطته وظنت به الظنون فزاد الغيظ والرغبة في الانتقام من تعمقه في التجربة الى ان صار يعرف ما تفكر به كل امرأة ويسمع افكارها الداخلية قبل ان تنطق بها.
ولأن كل معرفة سلطة كما يؤكد فوكو، فقد قام ميل جيبسون باستغلال مواهبه الجديدة في السيطرة على النساء، فأغوى عاملة المقهى التي كانت تصده بعد ان فهم من سماع افكارها وقراءتها انها تفتقد الامان مع الرجال نتيجة لتجاربها المعقدة السابقة فوعدها به، فسقطت في احضانه.
وحين صار يستمع الى افكار ابنته الصامتة تحسنت علاقته بها، ووصل الامر الى حد السيطرة على المديرة الجديدة (هيلين هنت) التي عرف من الاصغاء الى ما يدور برأسها انها هشة ورومانسية حالمة رغم كل مظاهر القوة والسيطرة التي تبديها في العمل.
وبلا طول سيرة وقع في حبها ووقعت في حبه، واشترت شقة جديدة لتحيلها الى عش للغرام السعيد، فوصلها قرار الفصل قبل ان تؤثثها لان رئيس مجلس الادارة ادرك ان الرجل الذي حرمه من المنصب في البداية يفهم اكثر منها في شؤون النساء.
وفي الفيلم اشياء كثيرة غير مقنعة، فالاصغاء الى افكار النساء بتلك الدقة عملية مستحيلة، وكذلك تبرع قاهر النساء باعادة المفصولة الى عملها، والاعتراف بأن كل النجاح الذي حققه يجب ان يعود لها، فهي صاحبة الافكار الرئيسية وكل دوره انه كان يصغي لها، وينطق بالافكار قبلها.
وفي افلام تبحث عما تريده المرأة المنطق غير ضروري اصلا، فهو آخر ما تلجأ اليه المرأة حسب العقلية الذكورية التقليدية، وهنا خطأ تلك العقلية المريضة ـ الى حد ما ـ فالمرأة كائن منطقي اكثر من الرجل، وهي ليست بتلك الهشاشة والبساطة التي يصورها الفيلم بها، فالنساء عمليا اقوى من الرجال، واكثر تعقيدا وبعض النساء حين يصممن على امر لا شيء يقف في طريقهن لانهن يتحولن الى «بلدوزر» حقيقي يمهد الطريق دون رحمة امام الرغبات المرتجاة.
هذه هي الحقيقة او معظمها اما المعرفة التي يزعمها فيلم ماذا تريد النساء، فليست اكثر من (خرفشات) ذكور يرتاحون للصورة الشائعة عن المرأة الهشة الغامضة، ويخافون من تذكير النساء بالصورة الاخرى للمرأة الواقعية المسيطرة القادرة ـ اذا ارادت ـ على تدمير العالم فوق رؤوس أعتى الرجال.
|