ثم بعد ذلك مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي، درس هذا الموضوع في دورته الثانية عشرة، التي عقدت بالرياض، وكتب في ذلك عدة أبحاث ونشرت أيضًا في مجلة المجمع، وذكر المجمع هنا في قراره أن هناك صورًا جائزًة وصورا ممنوعة، صورًا جائزًة للتأجير المنتهي بالتمليك، وصورا ممنوعة، وهذا هو الأقرب، والله أعلم، في هذا العقد.
وأن الصور الممنوعة التي تتضمنها قرار هيئة كبار العلماء هي يعني داخلة في قرار المجمع، فيكون قرار هيئة كبار العلماء إنما تضمن فقط الصور الممنوعة، ولم يذكر الصور الجائزة، بينما قرار المجمع تضمن الصور الجائزة والصور الممنوعة.
والمهم في هذا المعرفة بضابط الجواز وضابط المنع.
ضابط المنع في الصور الممنوعة أنقلها من قرار المجمع: أن يرد عقدان مختلفان في وقت واحد على عين واحدة في زمن واحد، إذا هذا هو الضابط "أن يرد عقدان مختلفان في وقت واحد على عين واحدة في زمن واحد" فيكون العقدان جميعًا عقد بيع وعقد تأجير في نفس الوقت، على عين واحدة، وسيأتي لهذا أمثلة. لكن هذا هو الضابط. "أن يرد عقدان مختلفان في وقت واحد على عين واحدة في زمن واحد".
أما ضابط الجواز: فهو وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر زمانًا، بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة، والخيار يوازي الوعد في الأحكام.
إذا ضابط الجواز وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر زمانا، بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة، وهذا سوف نبينه إن شاء الله بالمثال.
أيضًا من ضوابط الجواز:
ثانيًا: أن تكون الإجارة فعلية، وليست ساترة للبيع، يعني تكون الإجارة حقيقية، ولا تكون مجرد صورية أو غطاء لهذا البيع.
ثالثًا: أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر، وبذلك يتحمل المؤجر ما يلحق العين من ضرر غير ناشئ من تعدي المستأجر أو تفريطه، ولا يلزم المستأجر بشي إذا فاتت المنفعة.
العين المستأجرة إذا حصل فيها تلف من الذي يضمنها؟ الذي يضمن هو المؤجر إلا إذا كان هناك تعد وتفريط من المستأجر، الذي يضمن العين المؤجرة هو المؤجر؛ لأن المستأجر أمين، وإذا قال الفقهاء أمين فيقصدون بذلك أنه لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط.
فعندما مثلاً تستأجر سيارة، ثم تتلف السيارة أو تحترق أو يكون فيها خراب، فأنت أيها المستأجر ليس عليك شيء، إلا إذا كان منك تعد أو تفريط، بينما لو اشتريت سيارة، ثم تلفت أو احترقت فضمانها عليك أنت أيها المشتري مطلقًا، المشتري هو الذي يكون عليه الضمان مطلقا، بينما المستأجر لا ضمان عليه إلا إذا تعدى أو فرط، ونحن نريد أن نجعل العقد في الصور الجائزة، نجعلها عقد إجارة، فإذا أردنا أن نجعله عقد إجارة حقيقية، فلا بد أن يكون الضمان على المؤجر الذي هو المالك.
رابعًا: من ضوابط الجواز، إذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة، فيجب أن يكون التأمين تعاونيًّا إسلاميًّا، لا تجاريًّا، ويتحمله المؤجر وليس المستأجر؛ إذا اشتمل العقد على تأمين فيجب أن يكون التأمين تعاونيًّا لا تجاريًّا؛ لأن التأمين التجاري محرم والتأمين التعاوني جائز، ولكن من الذي يتحمل هذا التأمين؟ لا بد أن يتحمله المؤجر وليس المستأجر؛ لأن العين لا زالت ملكًا للمؤجر، ولأننا قلنا: نحن نريد أن نعتبره عقد إجارة، وليس عقد بيع، عقد إجارة حقيقية، فالذي يتحمل هذا التأمين المؤجر.
بينما في الصور الممنوعة الذي يتحمله المستأجر، حتى نضبط العقد ليكون عقدًا صحيحًا نجعل تحمل تبعة التأمين على المؤجر، وليس على المستأجر.
خامسًا: يجب أن تطبق على عقد الإجارة المنتهية بالتمليك أحكام الإجارة، طوال مدة الإجارة، وأحكام البيع عند تملك العين. إذا تطبق أحكام الإجارة طوال مدة الإجارة، وأحكام البيع عند تملك العين.
سادسًا: تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة. إذا نفقات الصيانة وما تحتاج إليه هذه العين على المؤجر؛ لأنه هو المالك في الحقيقة لهذه العين، إلا ما يتعلق بتشغيل هذه العين واستهلاكها فعلى المستأجر.
نحن نريد عندما نصيغ هذا العقد صياغة لا إشكال فيها من الناحية الشرعية، نجعل هذا العقد عقد إجارة، عقد إجارة حقيقية، يترتب عليه كل ما يترتب على الإجارة من أحكام، مع وعد غير ملزم بالتمليك، إما عن طريق الهبة أو عن طريق عرضها للبيع، بقيمتها السوقية كما يأتي.
ولهذا نقول: من صور العقد الممنوعة بعد ما عرفنا الضابط، ضابط المنع وضابط الجواز، من صور العقد الممنوعة:
أولا: عقد إجارة ينتهي بتملك العين المؤجرة، مقابل ما دفعه المستأجر من أجرة خلال المدة المحددة المتفق عليها، فإذا وضع عقد أجرة وخلال مدة معينة، إذا سدد جميع الأقساط تملك السلعة، فهذه من الصور الممنوعة؛ لأنه اجتمع الآن عقدان في وقت واحد على عين واحدة، فانطبق عليها ضابط المنع.
ثانيًا: أيضا من الصور الممنوعة: إجارة عين لشخص بأجرة معلومة ولمدة معلومة، مع عقد بيع له، معلق على سداد جميع الأجرة المتفق عليها، خلال المدة المعلومة، فإذا كانت الإجارة متضمنة عقد بيع معلق على سداد جميع الأجرة، فهذه أيضًا من الصور الممنوعة.
الفرق بين الصورة الأولى والثانية؟ الصورة الأولى العقد ينتهي بتملك العين مؤجرة تلقائيًَّا دون إبرام عقد جديد، انتهى العقد، عقد التأجير، تملك هذا المستأجر العين بدون إبرام أي عقد آخر، فتنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعًا تلقائيًّا.
بينما في الصورة الثانية: يكون هناك إجارة مع عقد بيع، لكنه معلق على سداد جميع الأجرة.
اتضح الفرق بين الصورتين، الصورة الأولى: عقد إجارة ينتهي بتملك المستأجر للعين دون إبرام عقد آخر يعني دون إبرام عقد بيع آخر.
2 ... يتبع
|