عرض مشاركة واحدة
قديم 21-07-2009, 05:12 PM   #13
khaled33
متداول نشيط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2005
المشاركات: 799

 
افتراضي

فتاوي التأجير المنتهي بالتمليك للشيخ / سعد بن تركي الخثلان

التأجير المنتهي بالتمليك


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فحديثنا في هذا الدرس عن التأجير المنتهي بالتمليك، وهذا الموضوع موضوع مهم، وقد جرى فيه بحوث ومناقشات طويلة، وأخذ حيزًا كبيرا من النقاش عند كبار العلماء، ولا أدل على ذلك من أنه عرض في مجلس هيئة كبار العلماء ثلاث مرات، المرة الأولى حصل شيء من الخلاف ولم ينته العلماء على شيء، ثم في الدورة التي بعدها كذلك أيضًا كان هناك نقاش كثير وطويل، ولم ينته العلماء على شيء، ثم في الدورة الثالثة التي بعدها أيضًا حصل نقاش كثير، ثم قرر العلماء قرارًا بالأغلبية.

فكون هذا الموضوع يطرح على مجلس هيئة كبار العلماء في ثلاث دورات، وحظي بهذا النقاش الطويل، واختلاف الآراء، لا شك أنه موضوع في غاية الأهمية، والسبب في الاختلاف في هذا الموضوع هو أنه موضوع لم يكن معروفًا في البيئات الإسلامية من قبل، وإنما نشأ عند الغرب، ثم انتقل إلينا مستوردًا، وهنا وقعت الإشكالية في فهم طبيعة هذا العقد، وفي تكييفه الفقهي وحكمه الشرعي.

هذا العقد يجمع تأجيرًا وبيعًا، ومعلوم أن لكل منهما خصائص، ولكن هذا العقد هو عقد مهجن يجمع بين خصائص البيع وخصائص الإجارة، ومن هنا وقع الإشكال في فهمة وفي تكييفه الفقهي، وفي حكمه الشرعي، وقبل أن نشير إلى أراء العلماء في هذا العقد، ونبين بعد ذلك القول الراجح فيه، أشير أولاً إلى بعض الأمور التي يختص بها البيع، والأمور التي تختص بها الإجارة، والتي هي سبب وقوع الإشكال في فهم هذا العقد.

أقول البيع هو عقد لازم، والإجارة عقد لازم، ولكن الإجارة بيع منافع، بينما البيع تنقل العين مع المنفعة، بينما في الإجارة إنما تملك المنفعة فقط، فيصح أن نقول: إن الإجارة نوع من البيع، لكنه نوع خاص، فهي بيع منافع، فمثلاً عندما تستأجر بيتا لمدة سنة، أنت تملك منفعة هذا البيت لمدة سنة، ولذلك لو لم يتيسر لك الانتفاع بهذا البيت لك أن تؤجره غيرك، بشرط أن يكون مثلك أو أقل منك في الضرر، لا أكثر ضررًا، كما نص على ذلك الفقهاء، بشرط أن يكون مثلك أو أقل منك، لا أكثر ضررًا، وذلك لأنك تملك المنفعة.

وبهذا نعرف أنه بالبيع تنتقل العين مع المنفعة، بينما في الإجارة إنما الذي ينتقل هو المنفعة فقط، وكان الناس في السابق لا يعرفون إلا البيع بالتقسيط، وقد سبق أن تكلمنا بالأمس عن أبرز صوره، هذا البيع ينتقل معه المبيع إلى المشتري، وتنتقل ملكية المبيع إلى المشتري، ويبقى الدين في ذمته، فمثلاً من اشترى سيارة بمائة ألف ريال مقسطة، من حين الشراء تنتقل الملكية إلى المشتري، وتبقى المائة ألف ريال هذه دينًا في ذمته، يسددها في مدة معينة قد تكون سنة أو سنتين أو أكثر.

بينما في الإجارة، لا تنتقل ملكية العين إلى المستأجر، وإنما تبقى ملكًا للمؤجر، فمن استأجر بيتا يبقى البيت ملكا للمؤجر، إنما فقط هذا المستأجر إنما ملك المنفعة، فهذا العقد يهدف إلى إظهار عقد البيع في صورة إيجار، فيتفادى البائع بذلك عدم اعتبار المشتري مالكًا للمبيع، وبالتالي يتفادى عدم تصرف - هذا الذي انتقلت إليه العين - عدم تصرفه في المبيع، وتبقى الملكية لهذا المؤجر.

فإذًا الغرض والهدف من هذا العقد هو ضمان بقاء ملكية هذا الشيء الذي يراد انتقاله بالتأجير المنتهي بالتمليك، وضمان بقاؤه للمؤجر، وعدم تصرف هذا المستأجر فيه ببيع أو غيره، هذا هو الغرض والهدف من هذا العقد.

ويرجع تاريخ هذا العقد، التأجير المنتهي بالتمليك، على ما قيل إلى عام 1846م، حين ظهر هذا العقد لأول مرة في إنجلترا تحت اسم " الهاي بير شاس" بهذا المسمى، ثم بعد ذلك تطور هذا العقد، وأصبح يتطور شيئًا فشيئًا، وظهر بعد ذلك في دول أخرى في الولايات المتحدة وفرنسا، ثم لا يزال هذا العقد يتطور حتى انتقل إلى البلاد الإسلامية.

فنشأته إنما كانت في بلاد الغرب، والعقود التي تنشأ في بلاد الغرب تنشأ بإشكالاتها لأنها بيئات كافرة، ويقوم اقتصادها ويرتبط بالربا وبأمور تختلف نظرة الإسلام عنها، فإذًا هذا العقد إنما أتى إلينا مستوردًا من الغرب، وقد وجدت الشركات والبنوك في تطبيق هذا العقد مخرجًا لها؛ لأنها في البيع بالتقسيط تنتقل الملكية مباشرة إلى المشتري، وربما يتعذر تسديد المشتري للأقساط، بينما في هذا العقد تبقى الملكية للمؤجر، وبذلك تتفادى الشركات والمؤسسات انتقال ملكية المبيع، ولهذا انتشر هذا العقد عند كثير من الشركات والمؤسسات، ولما ظهر هذا العقد اختلف العلماء المعاصرون في نظرتهم له، وفي التكييف الفقهي له، وبحث في هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، ثم بحث في مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

أما الهيئة فكما ذكرت في بداية الدرس بحث هذا الموضوع في ثلاث دورات، وبحث في الدورة التاسعة والأربعين، والدورة الخمسين والحادية والخمسين، أما الدورة الأربعين و الخمسين فحصل نقاش واختلاف بين العلماء ولم يخرجوا من ذلك بشيء، أما في الدورة الحادية والخمسين فقد صدر قرار بالأغلبية، وكان من أبرز العلماء في ذلك الوقت الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، ويلاحظ أن هذا القرار لم يفصل في الصور، وإنما اعتبر صورة واحدة، بينما أتى بعده قرار المجمع الفقهي، وذكر صورًا للجواز وصورًا للمنع، وذكر ضابط الجواز، وضابط المنع، ولهذا تميز قرار المجمع الفقهي بشموله وبدقته.

ولهذا فإن قرار المجمع الفقهي يعد أفضل من قرار هيئة كبار العلماء، أو بعبارة أدق، قرار المجمع الفقهي أشمل من قرار هيئة كبار العلماء، ويعتبر قرار هيئة كبار العلماء من ضمن ما تضمنه قرار المجمع الفقهي، وسنذكر القرارين معًا، وستلاحظون هذا، لكن قرار هيئة كبار العلماء إنما حصر في الصورة الممنوعة فقط، وجاء في قرار هيئة كبار العلماء وأبدأ به باعتبار أنه هو السابق من حيث الترتيب الزمني جاء فيه:

وبعد البحث والمناقشة رأى المجلس بالأكثرية - وإنما كان بالأكثرية لأن من العلماء من خالف، فرأى الجواز بضوابط - أن هذا العقد غير جائز شرعًا لما يأتي: ثم ذكرت ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أنه جامع بين عقدين على عين واحدة، وهذا هو أبرز الملاحظ على هذا العقد، أنه جامع بين عقدين على عين واحدة غير مستقر على أحدهما، وهما مختلفان في الحكم متنافيان فيه، فالبيع يوجب انتقال العين بمنافعها إلى المشتري، وحينئذ لا يصح عقد الإجارة على المبيع؛ لأنه ملك المشتري.

والإجارة توجب انتقال منافع العين إلى المستأجر، توجب انتقال العين إلى المستأجر، والمبيع مضمون على المشتري بعينه ومنافعه، فالتلف عليه، يعني التلف على المشتري، عينا ومنفعة، فلا يرجع بشيء منهما على البائع، والعين مستأجرة بضمان مؤجرها فتلفها عليه عينًا ومنفعة، إلا أن يحصل من المستأجر تعد أو تفريط.

يعني أن أحكام البيع وخصائص البيع، تختلف عن أحكام وخصائص الإجارة، البيع يوجب انتقال العين بمنافعها للمشتري، بينما في الإجارة الذي ينتقل هو منافع العين فقط، منافع العين فقط، ثم إنه في البيع ينتقل المبيع بعينه ومنافعه، فلو حصل تلف، فالذي يتحمل هو المشتري، بينما في الإجارة المستأجر أمين، ومعنى قولنا: أمين أنه لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط، بينهما فرق كبير.

ثانيًا: أن الأجرة تقدر سنويًّا أو شهريًّا بمقدار مقسط، أن الأجرة تقدر في هذا العقد سنويًّا أو شهريًّا بمقدار مقسط، يستوفى به قيمة المعقود عليه، يعده البائع أجرة من أجل أن يتوثق بحقه، حيث لا يمكن للمشتري بيعه، مثال ذلك إذا كانت قيمة العين التي وقع عليها العقد خمسين ألفًا، وأجرتها الشهرية ألف ريال، حسب المعتاد، جعلت الأجرة في هذا العقد ألفين، وهي في الحقيقة قسط من الثمن حتى تبلغ القيمة المقدرة.

فتلاحظون في التأجير المنتهي بالتمليك أن الأجرة ترفع، يعني لو كانت هذه السيارة تؤجر عادة ألف ريال في الشهر، فإنها تجعل ألفا ريال، فيرفع هذا القسط، فلا ندري هل هو قسط المبيع أو أنه قسط الإجارة، فإذا أعسر بالقسط الأخير، هذا المستأجر، إذا أعسر بالقسط الأخير مثلا على سبيل المثال أو في أي قسط، سحبت منه العين باعتبار أنها مؤجرة، ولا يرد عليه ما أخذ منه بناء على أنه استوفى المنفعة، ولا يخفى ما في هذا من الظلم والإلجاء للاستدانة؛ لإيفاء القسط الأخير.

ففي هذا العقد يلاحظ أولاً ارتفاع القسط، إذا كانت السيارة في العادة تؤجر بألف تؤجر بألفين، ثم إذا تأخرت في سداد أي قسط من الأقساط، ولو القسط الأخير، فإنها تسحب منك السيارة، ويضيع عليك كل ما دفعته، فيلاحظ أن هذا العقد يحمي طرفا دون طرف، وكله في صالح المؤجر، بينما المستأجر يقع عليه الظلم، فهذا ابتكره بعض التجار وكله في صالح المؤجر على حساب المستأجر، بل إن فيه ظلمًا في الحقيقة لهذا المستأجر.

ففي مثالنا السابق، هذا شخص استأجر هذه السيارة، ويدفع كل شهر ألفي ريال، وقيمتها خمسون ألفا، لما بقي القسط الأخير حصل عنده ظرف، ما تمكن من دفعه، يأتي هذا المؤجر ويسحب هذه السيارة ويضيع عليه كل ما دفعه، ولا شك أن هذا فيه ظلم، وفيه تعد وعدم إنصاف، وهذا ملحظ من الملاحظ التي لأجلها منع هذا العقد.

ثالثًا: أن هذا العقد وأمثاله أدى إلى تساهل الفقراء في الديون، حتى أصبحت ذمم كثير منهم مشغولة منهكة، وربما يؤدي إلى إفلاس بعض الدائنين وضياع حقوقهم في ذمة الفقراء.

لا شك أن مثل هذه العقود أدت إلى تساهل كثير من المحتاجين ومن الفقراء، وهذه العقود في الحقيقية ابتكرت لأجل ابتزاز هؤلاء الضعفاء وهؤلاء الفقراء.

وكما يقول بعض الناس يقولون: مشلكة الفقير أنه ليس أن ما عنده قليل، ولكن المشكلة أن الغني يطمع فيما في يده، هؤلاء الأغنياء يطمعون فيما في أيدي الفقراء، فيبتكرون مثل هذه العقود لأخذ ما في أيديهم.

فلاحظ هنا أن هذا العقد إنما هو في صالح المؤجر، ويعطي ضمانات وحماية لهذا المؤجر على حساب هذا المستأجر الضعيف، فهو في صالح طرف دون طرف.

وهذا المستأجر ربما تقوده الحاجة إلى هذا العقد؛ لأنه يرى أنه بالنسبة له مريح، وأنه ميسر، فيلجأ لمثل هذا العقد، فتنشغل ذمته بالديون من حيث لا يشعر وتتراكم، والدين أمره عظيم في دين الإسلام، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الشهيد الذي باع نفسه لله يغفر له كل شيء إلا الدين، كل شيء يغفر له إلا الدين.

وحتى إن الله عز وجل أمر الفقير الذي لا يجد نكاحًا أمره بأن يستعفف، ولم يأمره بالاقتراض أو بالاستدانة وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وما ذاك إلا لعظم شأن الدَّين، وقال عليه الصلاة والسلام لمن لم يجد مهرًا: التمس ولو خاتمًا من حديد ولم يطلب منه أن يستدين من الصحابة، فلما لم يجد قال: هل تحفظ شيئًا من القرآن؟ قال: نعم سورة كذا وكذا، قال: زوجتكها بما معك من القرآن فالدين أمره عظيم وهذا النوع من العقود يؤدي إلى إشغال ذمم الفقراء بهذه الديون.

إذا هذا هو قرار هيئة كبار العلماء في هذا العقد وكما سمعتم أنه خاص بالصورة الممنوعة.


1 ... يتبع
khaled33 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس