تعديل أولويات برنامج الاستثمار الحكومي ... وإعادة الاعتبار الى وظائف الليرة
الحياة - 02/01/09//
رأى مدير مؤسسة البحوث والاستشارات الخبير الاقتصادي كمال حمدان في حديث إلى «الحياة»، «صعوبة في أن يُطلب من المرء توقعاته عن تطورات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على أبواب العام الجديد عندما يكون في حالة شبه يأس من قدرة الطبقة السياسية على الإصلاح. إذ يلتبس عليه ما هو مرغوب من احتمالات واقعية وبين مسار التوقعات الفعلية المرتبطة بالواقع المرير للقوى والتوازنات السياسية الكابحة للإصلاح».
ورأى حمدان بمعزل عن الالتباس المشار اليه، وفي ضوء التطورات الاقتصادية العالمية والإقليمية الحاصلة، ضرورة أن «تنصبّ جهود الحكومة والمجتمع اللبناني السنة المقبلة على إرساء توجهات أساسية تراعي اعتبارات محورية»، حددها بخمسة.
تناول في الاعتبار الأول البرنامج الاستثماري الحكومي، فرأى أن المعطيات الأولية المتاحة حول تطور الحسابات الوطنية «تشير إلى أن معدل النمو المقدّر في 2008 تجاوز 7 في المئة»، ورجّح أن «ينخفض هذا المعدل إلى النصف عام 2009، كنتيجة للارتدادات المتأتية من الأزمة الاقتصادية العالمية ونتائجها على الاقتصاد العربي، لا سيما الخليجي. وبهدف التخفيف قدر المستطاع من حدة هذا التراجع يجب على الحكومة اللبنانية أن تدعم، في شكل استثنائي، محددات النمو الاقتصادي بإعادة النظر في البرنامج الاستثماري الحكومي للعام 2009، خصوصاً أن الأموال اللازمة لهذا الغرض متوافرة راهناً لدى مجلس الإنماء والإعمار فضلاً عن مخصصات «باريس - 3» الاستثمارية التي تسمح بمضاعفة حجم الاستثمارات الإنمائية الحكومية عما بلغه وسطياً في كل من السنوات الخمس الأخيرة، إذ هي تزيد على بليوني دولار». واعتبر أن الزيادة في الاستثمارات الحكومية الإنمائية «تشكل استباقاً لاحتمال انخفاض الاستثمارات الخاصة كنتيجة لتراجع التحويلات والاستثمارات الأجنبية المباشرة».
وأكد حمدان أن المسألة «لا تنحصر في زيادة حجم الاستثمارات الحكومية فقط، بل تشمل أيضاً إعادة النظر في بنيتها الداخلية، أي أولوياتها القطاعية والجغرافية على نحو يؤمّن تعظيم المنافع الاقتصادية للبلد، وإيجاد فرص العمل في ظل تراجع قدرة أسواق الخليج على استيعاب اليد العاملة اللبنانية المهاجرة. مع العلم أن اليد العاملة اللبنانية في دول الخليج المقدرة بين 400 و500 ألف شخص، يمكن أن يواجه جزء منها هجرة معاكسة في اتجاه بلدان أخرى خصوصاً لبنان».
وتحدث حمدان في الاعتبار الثاني عن البيئة التشريعية، مؤكداً أن «تعزيز فرص استيعاب عرض العمل السنوي المحلي، وما يمكن أن يستجد من هجرة معاكسة للبنانيين العاملين في الخارج، يتطلب من دون شك الإسراع في إصلاح البيئة التشريعية والقانونية التي تنظم إنشاء الشركات والمؤسسات وتحفّز تطورها، بما فيه تسهيل تصفيتها إذا اقتضى الأمر». ورأى أن من شأنه «الإفساح في المجال أمام تشجيع إنشاء مؤسسات جديدة من جانب العائدين، الذين يُفترض امتلاكهم قدرات ومهارات اكتسبوها في الخارج، إضافة إلى ادخارات متفاوتة تخولهم تأسيس أعمال رائدة في بلدهم الأم».
ويتمثل الاعتبار الثالث في تطوير آلية التمويل والائتمان، إذ شدد حمدان على أن الحكومة «مطالبة بتطوير خطوط التمويل والائتمان وبرامجها المخصصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وباستحداث منظومة إعفاءات ضريبية ذات طابع استثنائي، تستند إلى معايير قطاعية ومناطقية محددة». وأكد في هذا الإطار ضرورة «تمكين مؤسسة «كفالات» من توسيع نطاق أعمالها بحيث تشمل نشاطات وقطاعات أكثر تنوعاً وتوليداً للقيمة المضافة ولفرص العمل». وشدد على «ألا يتركز الجهد التمويلي على تفعيل دور هذه المؤسسة فقط، بل يجب أن يتزامن مع إدخال تعديلات في سياسات التسليف المصرفية، بحيث يُصار إلى امتداد «شرايين» هذا التسليف في اتجاه مناطق وقطاعات وفئات متوسطة وصغيرة من الزبائن الذين يعزّ عليهم الآن إمكان الحصول على تمويل بشروط ملائمة».
وركّز حمدان في الاعتبار الرابع على إعادة وظائف العملة الوطنية، فقال: «يُفترض بالحكومة أن تعيد الاعتبار، بالتزامن مع انخفاض دولرة الودائع، إلى وظائف العملة الوطنية بحيث لا تبقى فقط «عملة الفقير» أو تستخدم في شكل شبه حصري كأداة لتسديد أجور الفئات المتوسطة والدنيا من العاملين، ولإصدار سندات الخزينة، بهدف تغطية عجز الدولة وخدمة ديونها»، واقترح أن يصار إلى «إعادة تفعيل دورها كأداة للتسليف مع السعي إلى إعادة النظر في معدلات الفائدة عليها خفضاً، انسجاماً مع تراجع بنية الفوائد على الصعيدين الدولي والإقليمي». ورأى أن «هذا الخفض إذا تحقق في شكل مرن ومدروس يمكن ألا يؤثر سلباً في الحوافز التي تسمح بإعادة تجديد إصدار سندات خزينة بالليرة».
وتمحور الاعتبار الخامس والأخير حول معالجة التضخم، فأكد حمدان ضرورة «إدراج السيطرة على التضخم السنة المقبلة في مقدم الأولويات الملقاة على عاتق الحكومة، لتأمين قدر مقبول من الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في آن». إذ اعتبر أن «ليس مقبولاً تسجيل معدل تضخم سنوي وسطي 10 في المئة خلال العام الجاري، في حين تتجه معدلاته في العالم نحو التراجع، لا بل إن دولاً بدأت تشهد انخفاضاً في المستويات المطلقة للأسعار وليس فقط تراجعاً في معدلات ارتفاعها». وشدد تحديداً على ضرورة «العمل على ألا يزيد معدل التضخم السنة المقبلة على ثلث المعدل أو نصفه المسجل خلال 2008 في أجواء الكساد الاقتصادي العالمي والإقليمي».
ورأى أن الركون إلى مبادرة وزير الاقتصاد بإعادة العمل في الرقابة على معدلات الربح على مبيعات الصناعيين والتجار، «ليس كافياً على رغم أهمية أثره النفسي، بل المطلوب إعادة استحداث القوانين المتعلقة بمكافحة الاحتكار في بلد أجمعت فيه الدراسات على تميزه بغلبة احتكار القلة في أكثر من نصف الأسواق المحلية الإجمالية».
|