المقال
القمة الخليجية والتحديات الاقتصادية
د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج
انعقدت القمة الخليجية التاسعة والعشرين في العاصمة العمانية مسقط وسط أجواء غير مشجعة عالمياً ومحلياً. فالأزمة الاقتصادية العالمية تزداد سوءاً جراء دخول الاقتصاديات العالمية الكبرى أما في مرحلة الركود أو التباطؤ. ففي الوقت الذي يسير فيه الاقتصاد الأمريكي والأوروبي والياباني نحو الانكماش تتراجع وتائر النمو في الصين والهند وجنوب شرق آسيا- الشركاء التجاريين الرئيسيين لبلدان دول مجلس التعاون. وهذا بدوره أدى إلى تراجع الطلب العالمي على النفط وانخفاض أسعاره هذا العام من ما يقارب 150 دولاراًِ للبرميل إلى نحو 34 دولاراً- أي بانخفاض نسبته 76% تقريباً. وهذا يؤثر علينا في منطقة الخليج، الذي تشكل فيه العائدات النفطية أكثر من 80% من إجمالي إيرادات الغالبية العظمى لبلدانه. حيث رأينا في الأسبوع الماضي مثلاً تراجع الإنفاق الحكومي المخطط في المملكة لعام 2009 عن الإيرادات المتوقعة بمقدار 65 مليار ريال. وهذا العجز يحدث لأول مرة منذ عام 2001.
ولهذا فإن نشاط القطاع الخاص في بلدان المجلس، خلال العام القادم سوف يتأثر بصورة أكبر جراء: تراجع التدفقات النقدية الحكوميه وتقلص القروض الائتمانية المقدمة من المصارف المحلية والعالمية، وكذلك نتيجة ركود أو تراجع نمو نشاط قطاع الأعمال في الخارج.
فهذه الأجواء غير المؤاتية قد فرضت أجندتها على القمة الخليجية. وأول الضحايا ربما يكون الاتحاد الجمركي الخليجي. ففي ظل تراجع أسعار النفط فإن بلدان المجلس تخشى أن يؤدي قيام الاتحاد الجمركي إلى مزيد من تراجع العائدات التي يمكن أن تحصل عليها من خلال الرسوم على الواردات. كما أن إطلاق العملة الخليجية المخطط له عام 2010 سوف يتأثر بالتأكيد بتصريح عمان بأنها لن تنضم للوحدة النقدية الخليجية "لا عام 2010 ولا في 2100". وذلك لان عمان لا ترى أية مزايا أو مكاسب لاستبدال عملتها بالعملة الموحدة المخطط لها.
وفي الحقيقة فإن الموقف العماني يستحق التأمل. فالمردود أو العائد على إطلاق العملة الواحدة الخليجية، في ظل ضعف التبادل التجاري بين بلدان المجلس وعدم كفاية وتفاوت تطور السياحة البينية الخليجية، لن تكون له نفس الفائدة التي ترتبت على إطلاق العملة الأوروبية الموحدة اليورو. فالتبادل التجاري بين البلدان الأوروبية يصل إلى نسبة 70% من إجمالي تجارتهم الخارجية، في حين أن حجم التجارة البينية الخليجية لم يتعد عام 2004 مبلغ 12 مليار دولار- أي ما يعادل 8% فقط من من إجمالي التجارة الخارجية الخليجية. فإذا أخذنا بعين الاعتبار ارتفاع نسبة تجارة إعادة التصدير والتجارة العابرة في إجمالي التجارة الخليجية يتضح لنا ضآلة شبكة المصالح الاقتصادية التي تربط بيننا. فعن أي مردودات كبيرة من الاتحاد الجمركي والعملة الموحدة يمكن أن يدور الحديث عندما يكون 92% من إجمالي التبادل التجاري لبلدان دول المجلس هو مع العالم الخارجي. فالبلدان الخليجية لا تصدر ولا تستورد من بعضها البعض تقريباً لأنها تنتج نفس البضائع الصناعية والزراعية والخدمية.
وإذا كان التنسيق بين البلدان الخليجية بخصوص الصناعة الاستخراجية هو أمر غير ممكن- فالنفط والغاز هما هبة من المولى، فإن التكامل بخصوص الصناعات التحويلية المتعامدة مع الصناعة النفطية هو أمر كان من شأنه أن يجنبنا كل هذه الازدواجية. فما بالك بالمنتجات النهائية للصناعات القائمة على استخدام المنتجات البتروكيماوية كمواد خام لها. فنحن لانملك القطن والصوف والمطاط الصناعي- أي المواد الخام التي تعتمد عليها ملايين المصانع في أمريكا، أوروبا وجنوب شرق أسيا.
ولهذا فإنه على الرغم من حماسة مواطني بلدان المجلس، بما فيهم الأخوة في عمان طبعاً، لقيام السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي والعملة الخليجية الموحدة فإنه من غير الممكن عدم الأخذ بعين الاعتبار ضعف البنية التحتية لشبكة المصالح الاقتصادية الخليجية المشتركة. من هنا فإن التركيز كان من المفترض أن ينصب على نسج الخيوط الواصلة بين تلك الشبكة أولاً ومن ثم الاهتمام ببناء الهياكل واستحداث الأدوات الاقتصادية اللازمة لخدمتها. فالعربة توضع دائماً خلف الحصان لا أمامه.
|