أسباب تجاوز دول أوبك حصص إنتاج الخام (2 - 3)
د.أنور أبوالعلا
يوجد أمامنا نظريتان لتفسير الأسباب التي تدفع دول اوبك الى أن تتجاوز حصة إنتاج بترولها التي تتفق منظمة اوبك لتوزيعها على اعضائها. النظرية الأولى هي نظرية الكارتل وهي خطأ (مية في المية) ولكنها هي السائدة في كتب مبادئ علم الاقتصاد وترددها وسائل الإعلام. أما النظرية الثانية فهي نظرية منحنى العرض المرتد الى الوراء وهي الصحيحة (مية في المية) ولكنها لا تزال حبيسة الدوريات المتخصصة ولا نسمع عنها في وسائل الإعلام.
دول اوبك (أو بالأحرى المستشارون الأقتصاديون لديها أو المعنيون برفع توصياتهم لصناع القرار) يجب ان يلموا الماما واضحا - لا لبس فيه - بالفرق بين النظريتين وتطبيقات كل منهما وانعكاساتها على سوق البترول ومن ثم انهيار أسعار الخام.
انا هنا لن استطرد في سرد البراهين العلمية على خطأ تطبيق نظرية الكارتل على تصرفات اوبك فلقد وضّحت هذا علميا في جزء من الفصل الثاني من رسالتي للدكتوراه وانصح مستشاري دول اوبك بالرجوع اليه ولكن سأكتفي هنا بلفت النظر الى الخطر الذي يكمن وراء الاعتقاد بصحة نظرية الكارتل.
حجر الزاوية في نظرية الكارتل هي انها تفترض ان كل وزير من وزراء بترول الدول الأعضاء في منظمة اوبك يذهب الى الاجتماع وفي رأسه فكرة راسخة بأن زملاءه الوزراء الآخرين لدى كل منهم نية مبيتة بالغش في تجاوز حصته وبالتالي يكون هو أيضا مبيتا نية الغش مسبقا في داخله. ولذا رغم ان الوزير يصرح لوسائل الإعلام وهو في طريقه من قاعة الاجتماع النهائي الى المطار بأن الاتفاق على الحصص قد تم بالإجماع فإنه - غالبا - ما يرافق تصريحاته ابتسامة عريضة لا يعرف مضمونها إلا زملاؤه وزراء بترول الدول الأعضاء في اوبك.
هكذا اذن نظرية الكارتل مبنية على افتراض الغش والخداع والتحدي ومن ثم حرب زيادة كميات البترول المعروضة في الخفاء واتجاه الأسعار الى الأسفل بشكل لولبي (حلزوني) الى ان ينهار الكارتل (أي: اوبك) ويتحوّل مقر المنظمة في فينا الى مبنى للانقسام والتحزب وتبادل الاتهامات بين الصقور وصقور الصقور والحمايم وحمايم الحمايم.
على العكس تماما من نظرية الكارتل (المبنية على الغش والخداع فيما بين اعضاء اوبك من جهة ومصها دماء الدول المستهلكة من جهة أخرى) نجد أن نظرية منحنى العرض المرتد الى الوراء مبنية على أن دول اوبك هي دول مغلوب على أمرها ليس لها موارد للدخل غير البترول وهذا يدفعها (أو يضطرها) الى أن تضحي بزيادة انتاج موردها الناضب وتجاوز حصتها لسد لقمة العيش لشعوبها كي تتفادي حدوث اضطرابات في دولها بسبب تفشي الجوع والبطالة الذي تتفاوت حدتهما من دولة إلى أخرى.
قراءة التاريخ تثبت لنا أن سبب تجاوز دول اوبك لحصصها هو حدوث عجز في ميزانياتها (كما تقول نظرية منحنى العرض المرتد الى الوراء) وليس السبب في تجاوز حصصها هو الجشع أو الرغبة في تحقيق الأرباح على حساب الأعضاء الآخرين (كما تقول نظرية الكارتل). ولذا كي لا تتكرر ماّسي حدوث عجز في ميزانيات دول اوبك ومن ثم الاضطرار الى تجاوز الحصص وانهيار سعر الخام يجب على دول اوبك (ولاسيما التي لديها فائض) أن تتفهم الدوافع الحقيقية التي تضطر الدول التي لديها عجز الى تجاوز حصصها كما يجب عليها ان تأخذ في حسابها أن حدوث عجز في ميزانية دولة واحدة في اوبك - اذا لم يتم استدراكه - سيسري ويمتد الى أن يطال العجز ميزانية دولة وراء دولة ولن تنجو منه حتى الدول التي تعتقد أن تحفظها في تقدبر ايراداتها (او حتى وجود احتياطيات مالية كبيرة لديها) ستكون حصنا يحميها من عجز ميزانيتها.
في الأسبوع المقبل - إن شاء الله - سنواصل بعنوان: أساسيات سوق البترول (مرونة الطلب) ونوضح كيف تستطيع اوبك أن تحقق حداً ادنى لسعر الخام.
|