وجهة نظر اقتصادية - تعددت وجوه الأزمة وحلولها
عدنان أحمد يوسف الحياة
تعرضنا في مقالات سابقة لأسباب أزمة المال العالمية وتداعياتها وتأثيراتها القائمة والمحتملة، وركزنا في شكل خاص على الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لاحتوائها، تشديداً منا على أهميتها في هذه الفترة. فبدلاً من أن نلعن الظلام، علينا أن نضيء شمعة تنير الطريق الصعب، وتعطي أملاً أكبر للعاملين على تجاوز العتمة نحو وضع أفضل، بفضل تكاتف الجهود وتعاونها على الأصعدة كافة.
وخلال الأسبوع الماضي، شهدت الدوحة مؤتمراً دولياً مهماً آخر عزز الآمال في شأن توحد الجهود الدولية المبذولة لمواجهة تداعيات الأزمة المالية. ولوحظ أن هذه الجهود باتت تأخذ أشكالاً متعددة، بهدف تناول أسباب الأزمة وجذورها في مختلف أوجهها وتداعياتها. ولا شك في أن مؤتمر «تمويل التنمية في الدوحة» أبرز في شكل واضح الترابط، القائم بكل قوة، بين اقتصادات دول العالم الغنية والمتوسطة والفقيرة، ما ترجمته عملياً الأزمة، وأوضحته تصريحات المسؤولين الصينيين حول تراجع النمو في الصين من 11 إلى 9 في المئة.
لذلك، وللخروج من الأزمة الراهنة، لا بد من أن تتعافى الدول الصناعية والنامية الرئيسة على حد سواء. فالتنمية والرفاهية في العالم لن تتحققا من دون دفع عجلة الاقتصاد في الدول النامية، وعلى الدول الصناعية أن تفي بتعهداتها في تخصيص 0.7 في المئة من ناتجها المحلي لمساعدة الدول النامية. وإلغاء الشروط على المساعدات لجعلها أكثر فاعلية، وإزالة القيود من أمام صادرات الدول النامية. وأن تكون برامج تخفيف الديون ونقل التكنولوجيا إلى الدول النامية، من ضمن سياسات طويلة الأمد.
وأكد عدد من قادة الدول النامية في مؤتمر الدوحة، أن أزمة المال العالمية أبرزت المشكلات ونواحي الضعف التي يعاني منها النظام المالي العالمي. لذا، وعلى رغم أهمية استقرار أسواق المال وتفادي كساد اقتصادي عالمي، يتوجب أيضاً وضع نظام مالي عالمي منصف، وإجراء إصلاحات على النظام المالي الحالي وتحسين الرقابة فيه، ومنح الدول النامية فرصة أكبر للتعبير عن رؤيتها وحضوراً في مؤسسات المال العالمية.
وركز قادة عرب في كلماتهم خلال المؤتمر، على ارتفاع أسعار السلع الغذائية وأسعار الطاقة، التي تسببت بتأثيرات وانعكاسات سلبية على الدول النامية من حيث مستويات الفقر وتأثر الظروف الصحية والمعيشية بها. وهذه العوامل جميعها ترمي بظلالها اليوم على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بل حتى على معالجة الأزمة المالية.
ويعتبر مؤتمر«تمويل التنمية» في الدوحة، خطوة مكملة للاجتماعين الأخيرين اللذين عقدا في الولايات المتحدة وليما (بيرو)، بخاصة أن الناتج المحلي للدول التي شاركت في الاجتماعين يشكل نحو 80 في المئة من الناتج العالمي وحجم الاستثمار والتجارة.
وينتظر عقد قمة عربية اقتصادية في الكويت خلال كانون الثاني (يناير) المقبل، تدرس مواضيع التنمية في الدول العربية في جوانبها المختلفة، إضافة إلى بحث سبل مواجهة التحديات المستجدة إثر أزمة المال العالمية الراهنة. ونحن واثقون إن هذه القمة ستخرج بقرارات مؤثرة، بخاصة أن المشرفين على تنظيمها حرصوا على تنسيق مشاورات واسعة، لا سيّما مع أطراف القطاع الخاص ومؤسساته، بما فيها المؤسسات والمصارف العربية من خلال اتحاد المصارف العربية، بغية التوصل إلى توصيات مجدية تتعامل بصورة عملية وفاعلة مع مشاكل التنمية العربية وتحدياتها.
ولاحظنا بكل ارتياح أيضاً، خلال الأيام الماضية، تصاعد الحديث عن ضرورة عودة الأموال العربية للاستثمار في الدول العربية، بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدتها صناديق سيادية أو مؤسسات المال أو محافظ شركات وأفراد. وأرقام هذه الخسائر غير معروفة، إلا أننا نتوقع أن تكون كبيرة. ويجب، تالياً، أن تكون حافزاً قوياً على التفكير الجدي، هذه المرة، في الموضوع. فعودة رؤوس الأموال العربية ليس جديداً، ويعود لسنوات طويلة. وإذا كان المستثمرون لهم مطالبهم لتحقيق هذا الهدف، فيجب أن يسمعوا وتعالج الحكومات المستقبلة لاستثماراتهم، مطالبهم، وربما تشكل قمة الكويت العربية الاقتصادية، فرصةً ملائمةً وتاريخية للتعامل بجدية كليّة مع القضية.
|