هل انتهى عصر النفط؟
د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج
نشر في يوم الخميس الماضي الموافق 20 من نوفمبر الحالي تقرير لمجلس الاستخبارات القومية الأمريكية (NIC)، التابع لوكالة الاستخبارات المركزية CIA، حول التوجهات العالمية حتى عام 2025. ورغم أن النتائج التي يتوصل إليها هذا التقرير الدوري، الذي يعد مع بداية كل فترة رئاسية جديدة، تعتبر نسبية فإن ذلك لا يقلل من أهمية ما جاء في هذا التقرير الجديد والتي من أهمها:
* أن النفوذ السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة سيتراجع خلال العقدين المقبلين.
* إن السنوات العشرين المقبلة مليئة بالمخاطر والصراعات.
* تحدّي كل من الصين والهند وروسيا لنفوذ الولايات المتحدة على الصعيد العالمي والتنافس على ترأس النظام العالمي.
* قيام نظام عالمي متعدد الأقطاب الأمر الذي سيجعل العالم اقل استقرارا وسيقوي من احتمال نشوب صراعات دولية بينما «سيشهد العالم مزيدا من المنافسة حول التجارة والاستثمار والاختراعات والحصول على التقنية» وأن يعود العالم إلى الوضع الذي كان عليه إبان القرن التاسع عشر، الذي تميز بالسباق نحو التسلح وبالتوسع الاستعماري وبالمنافسة العسكرية.
* اشتداد الصراع على الموارد الطبيعية قد يؤدي إلى انهيار حكومات في القارة الإفريقية وجنوبي القارة الآسيوية ونمو الجريمة المنظمة في وسط وشرقي أوروبا.
* التوقع بانتهاء الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية كالنفط، نتيجة ظهور تقنيات جديدة لتوليد الطاقة من المصادر المتجددة.
وأهمية التقرير تأتي ليس فقط من كونه دراسة شاملة عن العالم أعدتها نخبة متميزة من الخبراء ومحللو المعلومات في المجلس القومي الأمريكي للاستخبارات. وإنما أيضاً لأن التوصيات التي تمخض عنها التقرير تعتبر بمثابة برامج استرشادية لعمل الإدارة الأمريكية الجديدة خلال الفترة القادمة.
وفي الحقيقة فإن كل توصية أو استنتاج تم التوصل إليها في هذا التقرير الجديد يفترض أن تشكل واحدا من السيناريوهات الإستشرافية التي يفترض أن يأخذها بعين الاعتبار، ليس فقط الأمريكيون وحدهم وإنما المعنيون في كافة أنحاء العالم كل في المجال الذي يهمه. فالنقاط الست المشار إليها هي على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة.
وبالنسبة لنا فإن توقعات التقرير بانتهاء الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية كالنفط بحلول عام 2025 يعتبر أهم وأكبر تحدّ سوف يعترضنا لو تحقق. فنحن أمامنا لمواجهة هذا السيناريو غير المؤاتي 16 عاماً فقط. وهي بكل المعايير فترة زمنية قصيرة جداً. ولذلك فإنه من الأهمية بمكان الإسراع في اتخاذ الإجراءات التي من شأنها تحييد أو على الأقل الإبطاء من تحول العالم إلى مصادر الطاقة البديلة. ففي نهاية المطاف التوقعات بقرب انتهاء عصر النفط هي ليست قدرا محتوما لا يمكن تجنبه.
ونحن في هذا المجال ليس بدون خيارات. إذ أنه يمكننا التنسيق مع البلدان المنتجة للنفط داخل الأوبك وخارجها لوضع سياسة سعرية مرنة تؤدي إلى عدم تشجيع تدفق مزيد من الاستثمارات على مصادر الطاقة البديلة. وقت تكون الأزمة المالية والاقتصادية الحالية مواتية للبلدان المصدرة للنفط لتحديد سقف أعلى وأدنى لسعر برميل النفط يمكنه التذبذب فيما بينهما كما كان عليه الحال في الفترة التي أعقبت انخفاض أسعار النفط عام 1998. فالعالم قد استغنى عن الفحم ليس لأن هذا الأخير قد نضب بل لأن اكتشاف البترول قد أدى إلى التقليل من أهميته. ولذلك فأن الأمر ليس بيد البلدان الصناعية وحدها. فالبلدان المصدرة للنفط يمكنها أن تضع السيناريو المضاد لابطاء تحول العالم لمصادر الطاقة البديلة.
ويكتسب أهمية قصوى في هذا المجال رفع درجة التنافسية لاقتصادنا وتحويله من اقتصاد قائم على الموارد الطبيعية إلى اقتصاد قائم على أسس ودعائم أخرى أشد تنافسية. وتعتبر التوصيات التي انتهى إليها منتدى التنافسية الذي انعقد في نهاية يناير من هذا العام مهمة في هذا المجال. فلقد آن الأوان للإسراع في إدخال عدد كبير من الإصلاحات النظامية والتنظيمية وتوفير الظروف المناسبة لزيادة الاستثمارات في قطاعات صناعية وإنتاجية متعددة غير صناعة قطاع الطاقة، وإلى توفير الأرضية المناسبة والظروف الملائمة للقطاع الخاص للقيام بدور أكبر في العملية الإنتاجية، وكذلك إلى الاستثمار في مجالات التعليم والتدريب المهني لتمكين اليد العاملة المحلية من استخدام التقنيات الحديثة بكل كفاءة ومقدرة.
|