الطاقة الشمسية تمثّل المستقبل في منطقة الشرق الأوسط وتنافسها الرياح
طرق إنتاج الطاقة في المنزل بواسطة المصادر المتجددة وإيجابياتها وسلبياتها
د. ياسر طه مكاوي - - 11/11/1429هـ
خلال السنوات الخمس الماضية ازدادت فاتورة الغاز والكهرباء المنزلية بصورة كبيرة في معظم الدول نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميا. هذه الفاتورة التي أصبحت تشكل عبئا حقيقيا خصوصا لذوي الدخل المحدود شجعت الكثير من الشركات ومراكز البحوث على البحث عن التقنيات المناسبة لإنتاج الطاقة في المنزل من مصادر متجددة. وبذلك يستطيع كل منزل توفير احتياجاته من الطاقة ذاتيا حتى وإن كان جزئيا.
من المعروف أن الكهرباء والغاز يشكلان المصدر الرئيسي للطاقة المطلوبة للاستخدامات المنزلية، مثل التكييف، التدفئة، الأجهزة الكهربائية المختلفة، والطبخ. فما هي إذا المصادر المتجددة التي يمكن استخدامها لإنتاج الطاقة في المنزل وكيف يكون ذلك؟ وأين وصلت التطبيقات العملية في هذا المجال؟
من أهم المصادر التي يمكن استخدامها في إنتاج الطاقة المنزلية هي الرياح، حيث يمكن إنتاج تيار كهربائي عن طريق توربينات صغيرة تعمل على قوة الرياح. يبلغ متوسط الطاقة المنتجة من هذه التوربينات الصغيرة نسبيا ما بين 1 إلى 6 كيلو واط، بينما تراوح التكلفة ما بين ألف وثلاثة آلاف دولار. وتتميز هذه التقنية بأنها لا تحتاج إلى كثير من الصيانة طوال عمرها العملي والذي يتجاوز 20 عاما، إلا أن البطاريات اللازمة لتخزين الطاقة الزائدة من هذه التوربينات قد تحتاج إلى الصيانة الدورية كل خمس سنوات. جدير بالذكر أن استخدام هذه التقنية في المنزل أخذ في الانتشار بصورة كبيرة في أوروبا وخصوصا بريطانيا. يعيب البعض على هذه التقنية أنها قد تكون مصدر إزعاج لسكان المنزل، حيث إن دوران المراوح يصدر أصواتاً عالية عند التشغيل، خصوصا إذا كانت من الحجم الكبير، وإضافة إلى ذلك فإن كمية الطاقة المنتجة تعتمد اعتمادا مباشرا على سرعة الرياح.
بالنسبة لمنطقة الخليج العربي، هناك بعض الدراسات التي أشارت إلى أن طاقة الرياح قد لا تكون ذات جدوى نتيجة لضعف قوة الرياح في معظم دول المنطقة. ولكن الحقيقة، هذا قد لا يكون دقيقا، خصوصا إذا علمنا أن متوسط سرعة الرياح في السعودية مثلا تراوح مابين 4.2 و6.4 متر في الساعة، وفي قطر وعمان قد يقارب سبعة أمتار في الساعة في بعض الأوقات، هذه القياسات تؤكد أن هناك مستقبلا لا بأس به في استخدام هذه التقنية في منطقة الخليج، ولكن بالطبع هذا لا ينافس فرص نجاح الطاقة الشمسية، والتي بلا شك تمثل المستقبل الحقيقي للطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، سواء على مستوى التطبيقات المنزلية البسيطة أو على النطاق التجاري الواسع.
قد لا يصدق البعض أن الشمس الحارقة التي يتضجر منها الجميع، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، يمكن استخدامها لتغطية نحو 80 في المائة من الطاقة الكهربائية اللازمة لتغطية احتياجات منزل متوسط الحجم. يمكن أن يتم ذلك عن طريق الألواح الضوئية لإنتاج الكهرباء. تتميز هذه الألواح بأنها سهلة التركيب والتشغيل، كما أنها لا تشغل حيزا داخل المنزل، حيث يتم عادة تركيبها على الأسطح الخارجية في مواجهة الشمس. وتتميز الألواح الضوئية أيضا بأنها مصدر صامت للطاقة، حيث إنها لا تصدر ضجيجا أثناء تشغيلها على عكس التوربينات الهوائية، ويزيد متوسط العمر العملي للألواح الضوئية عن 20 عاما، ولكن كما هو الحال بالنسبة للتوربينات الهوائية فإن البطاريات اللازمة لتخزين الفائض من الكهرباء تحتاج إلى صيانة دورية كل خمسة أعوام تقريبا.
أما من ناحية التكلفة فتراوح مابين 20 و40 ألف دولار اعتمادا على المساحة الكلية للألواح الضوئية. قد تكون هذه التكلفة عالية بعض الشيء بالنسبة لأسعار الكهرباء في بعض مناطق العالم ولكن بالنسبة للدول الأوروبية وخصوصا بريطانيا فهذه التكلفة أبسط ما يقال عنها إنها جيدة.
هناك أيضا تطبيقات منزلية بسيطة للطاقة الشمسية تتمثل في تسخين الهواء والماء عن طريق المجمعات الشمسية، التي هي عبارة عن أوعية زجاجية تتم فيها عملية التسخين مباشرة عند مرور الهواء أو الماء من خلالها. تتميز هذه التقنية بأنها سهلة التركيب والتشغيل، كما أنها قليلة التكلفة حيث لا يتجاوز سعرها بضع مئات من الدولارات.
بالطبع هناك جانب آخر مهم، وهو أن معظم الدول الأوروبية أو الدول الصناعية الكبرى بشكل أعم قد بدأت في تطبيق سياسات صارمة للحد من التلوث البيئي، ولذلك تدعم استخدام الطاقات المتجددة على مستوى المنازل عن طريق الإسهام في دفع جزء من نفقات شراء مثل هذه المعدات. كمثال على ذلك دفعت بريطانيا العام الماضي ما يقارب 50 في المائة من التكلفة الإجمالية لتركيب مصادر للطاقة المتجددة لكل صاحب منزل قام باستخدامها.
إحدى التجارب الناجحة في مجال إنتاج الطاقة في المنزل من مصادر متجددة، التي تناولتها وسائل الإعلام البريطانية في الفترة الأخيرة، تجربة لأحد المواطنين حيث تم إنتاج كهرباء تكفي لتغطية احتياجات منزله المكون من تسع غرف باستخدام توربين هوائي إضافة إلى 16 لوحا ضوئيا لإنتاج طاقة كهربائية كلية تقارب 9500 كيلو واطا ساعة في السنة. يتوقع صاحب المنزل أن يعوض تكاليف استثماره خلال عشر سنوات، ليس ذلك فحسب، بل استطاع أيضا بيع الطاقة الكهربائية الفائضة عن حاجته إلى شركة الإمداد العامة. هذا مثال واحد من عديد من التجارب الناجحة التي بدأت تنتشر على مستوى المنازل في عديد من الدول الأوروبية. نتيجة لذلك حققت الشركات المنتجة للألواح الضوئية والتوربينات الهوائية المخصصة للاستخدامات المنزلية تزايدا مطردا في حجم المبيعات خلال العامين الماضيين.
لا تنحصر الاستخدامات المنزلية للطاقات المتجددة في الشمس والرياح فقط بل تشمل أيضا الكتل الحيوية لإنتاج الغاز، فهناك تقنية التخمير التي يمكن استخدامها منزليا لإنتاج الميثان لأغراض الطبخ. تعتمد هذه التقنية البسيطة على تخمير أي مادة نشوية أو سكرية كمخلفات الطعام مثلا بواسطة البكتيريا التي يمكن الحصول عليها من مخلفات الحيوان. تتم العملية في معامل تخمير صغيرة قد تراوح ما بين 200 إلى ألفي لتر حسب حجم الغاز المطلوب. تنتشر معامل الغاز الحيوي في المناطق الريفية الفقيرة، مثل بعض أجزاء جنوب شرقي آسيا وأمريكا اللاتينية. إحدى الشركات الهندية تعرض في الأسواق حاليا معمل غاز حيوي منزلي صغير بسعة 200 لتر وبسعر زهيد لا يتجاوز 50 دولارا. ينتج المعمل نحو 400 لتر من الميثان باستخدام كيلو جرام واحد من النشا في خلال ثماني ساعات تخمير. هذه التقنية بالطبع لا تناسب سكان المدن الكبيرة، حيث يصعب الحصول على مخلفات الحيوان اللازمة لعملية التخمير، كما أنها قد لا تناسب المنازل الصغيرة أو المغلقة نتيجة لاحتمال تسرب الروائح غير المستحبة، لذلك يعمل الباحثون الآن على تطوير معامل صغيرة الحجم ومحكمة ضد التسريب، كما يعملون على تطوير وسائل إنتاج المخلفات الحيوانية في شكل حبيبات جافة يسهل تخزينها والتعامل معها.
ختاما، يجب الإشارة إلى أن بعض التقنيات التي وردت في هذا المقال قد لا تناسب المواطن في الدول المنتجة للنفط، حيث إن فاتورة الغاز والكهرباء المنزلية لا تشكل عبئا ثقيلا كالذي يقع على كاهل المواطن في الدول الغربية، ولكن مع تغيرات أسعار النفط الحالية والضغوط الدولية بشأن تقليص الغازات الحرارية فإن هذه التقنيات قد تصبح يوما من أهم الوسائل لتغطية احتياجاتنا المنزلية من الطاقة.
|