مع بداية شهر أغسطس الماضي، شهدت أسواق العملات العالمية بعض المتغيرات الاقتصادية المهمة يأتي في مقدمتها ارتفاع أسعار صرف الدولار الأمريكي أمام اليورو الأوروبي تحرك فيه سعر الدولار لكل يورو من مستوى 1,60 إلى مستوى يقارب 1,40 مما يدل على أن الارتفاع كان قوياً تجاوزت نسبته 14 في المائة خلال فترة زمنية قصيرة لا تتعدى ستة أسابيع فقط، وهي ظاهرة غير مألوفة في أسواق العملات العالمية حيث يكون في العادة تذبذب أسعار العملات فيما بينها ضمن نطاقات ضيقة نسبياً وهو ما يفسر ارتباط مضاربة العملات بالتمويل بالهامش.
نتيجة للتذبذبات القوية و السريعة لأسعار الدولار الأمريكي، انعكس ذلك سلباً على أسعار جميع السلع والبضائع المقومة بالدولار الامريكي مثل: الطاقة (النفط والغاز) والبتروكيماويات والمعادن (الذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها) والمحاصيل الزراعية (الذرة والقمح والأرز وغيرها) حيث شهدت أسعار هذه السلع انخفاضات سعرية هبطت بها إلى مستويات متدنية ترافق ذلك مع مخاوف من دخول الاقتصاد العالمي حالة من الركود الاقتصادي قد تلقي بظلالها على الدول المتقدمة والناشئة.
بالنسبة للمملكة فإنه في حال استمرار ارتفاع أسعار الدولار الأمريكي مستقبلاً، فإنه من المتوقع أن
يشهد الاقتصاد السعودي انخفاضاً في معدلات التضخم وبالتالي انخفاض تكاليف المعيشة إلا أن ذلك قد يكون مترافقاً مع الأسف بانخفاض في قيمة الناتج المحلي الإجمالي وفي حجم ربحية الشركات (تحديداً الشركات التي تعتمد في إيراداتها على تصدير منتجاتها إلى خارج المملكة مثل الشركات البتروكيماوية) مما قد يكون لذلك انعكاسات سلبية على النمو الاقتصادي وعلى أداء السوق المالية، لا قدر الله.
بشكل عام، الوضع الاقتصادي للمملكة مطمئن جداً لأن هامش الأمان بين الأسعار الحالية للنفط وسعر النفط المعتمد في الموازنة العامة كبير جداً، إضافة إلى وجود احتياطيات ضخمة من الموجودات الأجنبية لدى مؤسسة النقد بلغت مستويات قياسية فاقت 1.5 تريليون ريال، وهو ما يكفي لتغطية الإنفاق الحكومي لخمس سنوات على أقل تقدير دون الاعتماد على الإيرادات أو حتى على الاقتراض، مما يؤكد على بعد نظر حكومتنا الرشيدة، حفظها الله ورعاها، ويدل على قوة ومتانة اقتصادنا لمواجهة أي متغيرات اقتصادية.
لذلك، فإنه في حال مواصلة الدولار الأمريكي ارتفاعاته خلال الأسابيع أو الشهور القادمة فإننا حتماً سنكون أمام مرحلة اقتصادية جديدة قد تغير من خريطة الاقتصاد العالمي برمته للسنوات القادمة، ويجب علينا من الآن أن نحاول تفهم ملامح المرحلة القادمة وأن نستعد لها بما يخدم مصالحنا الوطنية لان ذلك سيكون مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بنمو اقتصادنا وسوقنا المالية.
http://aleqt.com/article.php?do=show&id=10426