عرض مشاركة واحدة
قديم 17-07-2008, 03:17 PM   #119
bhkhalaf
الفريق الصحفي لتداول - عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2005
المشاركات: 34,586

 
افتراضي

"القطار الكهربائي" لن يكون حلاً للاختناقات المرورية في الرياض

د. سعد ناصر الحسين

تشرق شمس الرياض الجميل كل يوم على حب يغدقه أميرها المحبوب سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وتغرب الشمس لتسمح للمساء بأن يكون هو خطيبها وصانع أحلامها. ومع الأحلام تسري الخواطر تتوهج الذكريات لجميع من يسكن عاصمتنا الغالية. وتعانق النجوم أحلام السكان بأن يكون لهم قطار يفك الاختناقات المرورية ويخفف من وطأة الزحام. إلا أن الحقيقة عكس ذلك، فالزحام المروري والاختناقات لا كانت فكرة الكتابة عن القطار الكهربائي في مدينة الرياض تساورني منذ وقت ليس بالقصير، إلا أن ما دفعني اليوم للكتابة عن الموضوع هو ما جاء في جريدتنا الغراء الرياض يوم (الخميس) 29جمادى الآخرة 1429ه - 3يوليو 2008م - العدد 14619في مقال بعنوان: إنشاء "القطار الخفيف" في المدن السعودية هو الحل الأمثل. والذي كتبه الزميل أ.د. فيصل المبارك أستاذ التخطيط العمراني والاستراتيجي بجامعة الملك سعود.

لن أتطرق لمقال الدكتور المبارك أو التعقيب عليه، بقدر ما سأقوم به من إضافة آمل أن تساعد صناع القرار على الاختيار الأمثل بإذن الله. بداية أعرف جيداً أن الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض لا تألو جهداً في البحث عن الأفضل، وبالتالي فإن أعمالها لا تتم إلا وفق دراسات معمقة واستشارات مستفيضة. إلا أنه ومع كل هذا الحرص، قد تغيب بعض الأمور.

الحديث عن النقل العام - أيها القارئ العزيز - ذو شجون، وهو من الموضوعات التي تدرس على مستويات عليا من التعليم العالي، ويخصص لها الدرجات العلمية الرفيعة. لهذا فإن التطرق بمعالجة لهذا الموضوع قد يبتره ويبخسه حقه. سوف أركز حديثي هنا عن الخطط التي عادة تطبق لحل مشكلات الاختناقات المرورية والبدائل المطروحة. ينظر مخططو النقل الحضري إلى النقل العام على أنه أحد الوسائل الفاعلة في حل مشكلات الحركات المرورية داخل المدن، وغالباً ما ينظر المخططون إلى النقل العام على أنه بديل للنقل الخاص. لهذا يقسم المخططون النقل في المناطق الحضرية إلى: النقل بالأنظمة الخاصة والنقل العام. والحقيقة أنه يمكن أن ينظر إلهيما على أنهما مكملين لبعض لا متنافسين.

ينهج المخططون أساليب عدة في معالجة مشكلات الحركة المرورية. ويمكن تقسيم تلك الأساليب إلى قسمين: أساليب محسوسة كبناء طرق إضافية جديدة أو جسور أو أنفاق وأساليب غير محسوسة مثل إدارة الحركة المرورية عبر شبكات الحاسوب وأنظمة المحاكاة. وقد يعمل بكلا الأسلوبين. ويقر علماء النقل الحضري بأن فتح طرق جديدة (أي سفلتة طرق جديدة وبناء جسور أو أنفاق) لا يمكن أن يكون هو الحل، ذلك لأن فتح طرق جديدة يعني زيادة في الحركة المرورية! كيف؟ يفرق العلماء بين نوعين من الطلب على أنظمة النقل (الحركة): طلب ظاهري (Exist Demand) يمارس بشكل يومي، وطلب خفي (Hidden demand) تم إرجاؤه بسبب رداءة الطرق وقدرتها الاستيعابية. وبعبارة أخرى، يمكن النظر إلى الحركة المرورية من خلال نظرية العرض والطلب، التي تقول إن المستخدمين يقدرون كلفة الانتقال من نقطة (أ) إلى نقطة (ب) في نظام النقل الحالي بقيمة ما. وفي حالة تبين أن التكلفة أعلى من المردود الذي سوف يجنونه من استخدام الطريق، فإنه لن يقوم بالرحلة. والعكس صحيح، أضرب مثالاً هنا للتوضيح، نفترض أن شخصاً ما يسكن في حي النظيم ويرغب في شراء ملابس للعيد في سوق الديرة (وسط الرياض)، فإنه يقوم بتقويم التكلفة (سواء بالمال أو بالوقت) الرحلة من بيته إلى السوق، وفي حالة أن التكلفة سوف تكون مرتفعة أعلى من المردود المفترض جنيه من الرحلة، فإن الساكن سوف يغير وجهته إلى أقرب سوق (سوق النسيم مثلاً). تغيير الساكن وجهته من أسواق الديرة إلى أسواق النسيم هي ما يمكن تسميته بالطلب الخفي على النقل. وبعبارة أخرى، لو أن طريقاً سريعاً فتح ما بين النظيم والديرة، فإن الساكن سوف يذهب إلى الديرة وبالتالي سوف يخلق ضغط على الحركة المرورية الطريق الجديد. مثال آخر، لو أن طريق العليا أو طريق التخصصي الموازيان لطريق الملك فهد عملا أحدهما طريق سريعاً، فإنه من المتوقع أن لا يخفف الزحام على طريق الملك فهد بدرجة عالية تساوي كلفة رفع درجة الطريق إلى أن يصبح سريعاً، والسبب هو أن الطلب الخفي سوف يظهر. أي أن هناك أشخاصاً لا يذهبون إلى وجهات في وسط البلد بسبب الزحام على طريق الملك فهد، وما أن يفتح الطريق البديل فإنهم سوف يظهرون.

هذا بالنسبة لبناء طرق جديدة، أما بالنسبة للقطار الكهربائي فوضعه أصعب. يشير الدكتور المبارك إلى أن خيار بناء قطار كهربائي يجب أن يكون حلاً أخيراً بعد استنفاذ كافة الحلول الأخرى. وبعبارة أخرى، يجب التدرج في الحلول من الأسهل إلى الأصعب. هذا بالإضافة إلى درجة تقبل المجتمع لفكرة المشروع. وأخيراً مدى ملاءمة المحاور المقترحة لشبكة القطار الكهربائية. ومدى نجاح فرص القطار الخفيف في ظل غياب وسيلة نقل (مساندة) تغطي نطاق مشي معقول من وإلى محطة القطار عبر ممرات مشاة. اتفق مع الدكتور المبارك بأن الأخذ ببناء قطار كهربائي قد لا يكون هو الحل. بل أقول إن نجاح مشروع القطار الكهربائي ضئيل جداً للأسباب التالية:

أولاً، يعد القطار من منظومة النقل العام، وبالتالي فهو يقدم خدمة ما تعرف باسم "من المحطة إلى المحطة" وليس مثل السيارة الخاصة أو سيارات الأجرة التي تقدم خدمة "من الباب إلى الباب". لهذا، حتى نضمن نجاح المشروع فلا بد من توافر أنظمة نقل مساندة تنقل الركاب من منازلهم إلى المحطة والعكس، وهذا غير متوفر.

ثانياً يقل استخدام النقل العام (بكل أنواعه) إذا كانت كلفة تملك السيارة الخاصة رخيصة مثل ما هو عندنا، إضافة إلى كون الوقود رخيصاً.

وبالتالي فإن مغريات استخدام السيارة الخاصة تفوق مثيلاتها بالنسبة للنقل العام، بل إن الواقع يقول إن النقل العام لدينا لا يملك أي ميزة على الاطلاق (في الوقت الحاضر). ولو أنني استرسلت في تقييم النقل العام لاحتجت إلى صفحات ليس مقامها الآن.

ثالثاً يعاب على مشروع القطار الكهربائي أنه شبكة غير متكاملة، فهو عبارة عن مسارين: محور الشمال - الجنوب ويبدأ من تقاطع العليا والتخصصي في الشمال وينتهي في مركز النقل العام في الجنوب، ومحور الشرق - الغرب ويبدأ من جامعة الملك سعود غرباً عبر طريق الملك عبدالله وينتهي في طريق خالد بن الوليد شرقاً.

وفي رأيي المتواضع، تكمن حل مشكلة الاختناقات المرورية بالرياض وغيرها من مدن المملكة الكبيرة، عن طريق إيجاد نظام النقل المدرسي، فمعظم الاختناقات المرورية تحدث في أوقات الذروة الصباحية (وقت بداية العمل أو الانصراف) ومعروف أن معظم السكان يعتمدون على نقل أبنائهم وبناتهم إلى المدارس بواسطة سياراتهم الخاصة، مما يشكل عبئاً على شبكة الطرق. فإذا تم إيجاد نظام النقل المدرسي للطلاب والطالبات، فإن كثيراً من السكان سوف يتخلص من أعباء السائقين الخاصين، اضافة إلى عدم ترك الموظفين أعمالهم بحجة إيصال أبنائهم من المدرسة إلى البيت.

كذلك يمكن إقامة مشاريع نقل الأحياء، بحيث يتم إنشاء مكتب (تنسيقي) في كل حي من أجل توحيد حركة النقل بين الحي ومراكز العمل الكبيرة (أقصد الوزارات والجامعات). وهذا نظام معمول به في الغرب ويعرف باسم تجميع الحركة (Car Pooling)، ولتطبيق هذه الفكرة، نحتاج إلى بناء قاعدة معلومات عن سكان الحي (الراغبين في المشاركة بالمشروع) متضمنة مكان العمل وساعات الدوام ووسيلة الاتصال. ويقوم نظام حاسوبي بمزاوجة البيانات المتطابقة ويتم الاتصال بالأشخاص المتوافقين بحيث يتنقلون بسيارة واحدة بدلاً من الانتقال كل على حدة.

ولهذا المشروع فوائد عدة، لعل أبينها توحيد الجهود وتقليل الخسائر (توفير الوقود والصيانة) والمحافظة على البيئة والحد من التلوث. ولضمان نجاح هذا المشروع، فإنه بحاجة إلى دعم لوجستي من قبل إدارة المرور كأن تخصص مسارات خاصة في الطرق المزدحمة (مثل طريق الملك فهد) للسيارات ذات الركاب الأكثر من اثنين مثلاً.

@ جامعة الملك سعود
bhkhalaf غير متواجد حالياً