المقال
وقفة أمام السعوديين في تقرير الثروات العالمي
د. سليمان بن عبدالله الرويشد
تقرير الثراء العالمي الثاني عشر الذي كشفت عنه كل من شركتي (ميريل لنش) و(كابجيميناي) في المؤتمر الصحفي الذي عقد في الرياض مؤخراً تضمن قدراً كبيراً وواسعاً من البيانات لعل من أبرزها ازدياد أثرياء العالم بنسبة 6% في عام 2007م، مقارنة بالعام الذي سبقه، ليصل عددهم لأكثر من عشرة ملايين شخص، بلغت ثروتهم أكثر من مائة وخمسين تريليون ريال، بنسبة زيادة قدرها 9% عن عام 2006م، ما يهمنا في بيانات هذا التقرير هو ما تضمنته عن الأثرياء السعوديون، الذين وإن كانوا لا يمثلون الا شريحة ضئيلة من أثرياء العالم لا تعدو 1% فقط، مقارنة بالأمريكيين (33%) والأوروبيين (31%)، والآسيويين (28%) الا انهم بعددهم الذي زاد بمقدار أحد عشر ألفاً ليصل الى 101ألف ثري عام 2007م. بعد أن كان لا يتجاوز 90ألفاً في عام 2006م، يمثلون أكثر من 25% من أثرياء منطقة الشرق الاوسط بحجم ثروة تتجاوز 680مليار ريال.
إن أيا من مواطني المملكة ليناله الفرح أن يزداد أغنياء بلاده، وأن تنمو ثرواتهم، لا سيما إن كانت تلك الثروات تروي شرايين اقتصاده، لكن لا أظن أنه يتمنى أن يكون من بينهم من أثرى من الزيادة في أسعار سلع غذائية أساسية له، او من حجب أرض أن تنالها يد التطوير ليصعد قيمتها عليه، او من رفع قيمة مواد البناء الرئيسية لإقامة مسكن هذا المواطن، كما أنه لا يود أن تقابل الزيادة في أعداد هؤلاء الأغنياء ونمو ثرواتم تصاعد في عدد الأسر الفقيرة المعدمة وتنامي حدة حاجتهم، حيث غير خاف أن نسبة أسر هذا العدد من الأثرياء في المملكة لا تتجاوز 4% من الأسر السعودية، لكن يقابلها في ذات الوقت نسبة تصل الى 20% من تلك الأسر السعودية التي تقتات على مخصصات الضمان الاجتماعي، أي مقابل كل أسرة سعودية غنية موسرة توجد خمس أسر سعودية على خط الفقر او دونه، تعتمد على إعالة الدولة لأفرادها ممثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية.
إن مما لا يعتبر مؤشراً إيجابياً أيضاً في التقرير مدار البحث هو ما ذكره عن الاستثمار لثروات أولئك الأغنياء من السعوديين الذين تبلغ نسبة ما يوجهونه للقطاع العقاري 33%، بينما تشكل الودائع والأصول النقدية والأوراق المالية 44%، مما يعني أن تلك الثروات توجه في الغالب لقطاعات غير منتجة ولا توفر فرص عمل كبيرة للمواطنين.
ان أحدا لا يمكن أن يتصور الطلب من أولئك المواطنين الأغنياء أن يمنح شيئاً من ماله للأسر المواطنة الفقيرة، لكن ينشد أن توجد القناة المناسبة والفعالة التي تعضد جهد الدولة في الرعاية المرحلية لتلك الأسر من خلال تلقي ما اقتضاه الله للفقير من مال هذا الغني في الزكاة من عائد وليس من أصول تلك الثروات التي ربما تدخل قيمتها في خانة المليارات من الريالات، لتوجه نحو توفير مأوى في مشروع اسكان خيري لهذه الأسر الفقيرة، او دعم البرامج التي تنقل أرباب تلك الأسر من حال العوز الى ضفاف الكفاف والاستغناء عن مد يد الحاجة للدولة او الناس، او بتعبير رقمي التدرج في تحقيق الهدف من خلال زكاة تلك الثروات المواطنة لخفض تلك النسبة بين الغني والفقير في مجتمعنا من 1: 5لتصبح في مدى قريب منظور 1: 1أو أقل من ذلك إن أمكن.
@ أكاديمي وباحث في اقتصاديات التنمية الحضرية
|