الوقفة الثالثة: يفقهه في الدين
إن التفقه في دين الله نور يسير به العبد إلى ربه في عقيدته وعبادته وأخلاقه ومعاملاته ، فعن معاوية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ))
يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمة الله عليه حول هذا الحديث :
((فمن شأن المؤمن طلب العلم والتفقه في الدين ، والتبصر ، والعناية بكتاب الله والإقبال . عليه وتدبره ، والاستفادة منه والعناية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتفقه فيها ، والعمل بها وحفظ ما تيسر منها ، فمن أعرض عن هذين الأصلين وغفل عنهما فذلك دليل وعلامة على أن الله سبحانه لم يرد به خيرا وذلك علامة الهلاك والدمار ، وعلامة فساد القلب وانحرافه عن الهدى . ))
ويقول الإمام أحمد رحمه الله: ((الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب، فالرجل يحتاج إلى الطعام والشراب مرة أو مرتين وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه)) ا.هـ
بالعلم والتفقه في دين الله يستطيع المسلم أن يتقي أخطار الشبهات والشهوات وإياكم والجهل فإن الجهل أصل كل انحراف وضلال قال ابن القيم رحمه الله:
والجهل داء قاتل وشفاؤه ***** أمران في التركيب متفقان
نص من القرآن أو من سنة ***** وطبيب ذاك العالم الرباني
فكل مسلم بحاجة إلى أن يعلم ويتفقه في دين الله وذلك بأمرين :
أولاً: في العقيدة والتوحيد ومعرفة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهو أشرف العلوم.
ثانياً: في معرفة الحلال والحرام الذي به يعبدون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فكم من عابد على جهالة!
وكم من مشرك أو متلبس بشرك يظن أنه على التوحيد!
وكم من مصلٍّ وصلاته باطلة؛ لأنه لا يقيمها ولا يحسنها!
وكم من حاج حجه باطل؛ لأنه لم يقم به وفق ما شرع الله تبارك وتعالى من الأحكام، وكما حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!
وكيف نعرف ذلك كله؟ إنما نعرفه بالعلم، وبالفقه وبالتفقه في الدين.
لهذا فإن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه لما رأى الناس فتحت وتوسعت عليهم الدنيا، ورأى الانكماش في طلب العلم ذهب يصيح: [[أيها الناس! ميراث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم في المسجد .
ففرحوا لمحبتهم لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كل واحد ترك بضاعته وشغله، وجاءوا يجرون, وكلٌ يريد أن يأخذ مما تبقى من أشيائه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن كانت آنية أو أي شيء من سلاحه ولو من شعره، فهذا مما يتبرك به.
جاءوا وجلسوا وإذا به يقول : حدثني خليلي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.., فقالوا: أين الميراث يا أبا هريرة ؟! قال: هذا الميراث، ما ورث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هذا العلم.. وهذا الهدى.. وهذا النور، ونحن إليه أحوج من كل ميراث ))
وكما ذكر ابن القيم -رحمه الله- أنه قد يعيش الناس بلا أطباء، ويتداووا بما يسر الله لهم من أعشاب أو مما تعارفوا عليه، والمهم أن يكون حلالاً، لكن هل يمكن أن يعيش الناس وتستقر وتهنأ وترغد حياتهم بلا علم أو بلا علماء؟!
ولهذا بين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما في الحديث الذي ذكره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العلم قال: )) إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً يأخذه من صدور العلماء، ولكن ينزعه بموت العلماء، فإذا مات العلماء اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ))