إصلاح التضخم أم إصلاح الاقتصاد؟
د. محمد الكثيري
الدورات الاقتصادية، سمة من سمات أي اقتصاد، منذ عهد يوسف عليه السلام وحتى عصرنا الحاضر، إذ لا ازدهار مستمر، ولا كساد دائم. هذه هي حال الاقتصادات، تقدم وتراجع، علو وهبوط، ارتفاع في الأسعار في فترة من الفترات يقابله انخفاض في فترة أخرى، وهكذا. اعتادت الدول أن تتحرك كثيراً، وتحشد خبراءها ومفكريها، حينما تشتد الأزمة ويدخل الاقتصاد مراحل غير مرغوبة، أما حينما تنكشف الغمة، وتسير الأمور في طريق ايجابي، وعندما يكون الجميع سعيداً بما يدور حوله، فان الحماس يهدأ والهمم تضعف. بالرغم من أن الحماس والتفاعل، في الحالة الأولى، يكونان في الغالب ردة فعل وتصرفاً تحت ضغط الحاجة ومعالجة السلبيات، بينما في الحالة الثانية، والتي تمنح بيئة مناسبة للتأمل والتفكير، بل والتخطيط المناسب للبناء والتطوير، فإن الأمر يختلف حيث البطء في التفاعل واتخاذ القرار.
ولأننا نمر بمرحلة اقتصادية غير متوازنة، تشهد زيادة في مداخيل الدولة، ونقصاً في دخل المواطن، فان الأمر لابد أن يتجاوز الحلول السريعة والعاجلة، على أهميتها، إلى العمل الجاد على بحث أسباب ومسببات الحالة التي وصلنا إليها، ومن ثم العمل على العلاج والأخذ بالأسباب المؤدية إليه. استطيع القول إن الأوضاع التضخمية وارتفاع الأسعار التي نعيشها ما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه، وما كان لها أن تتأزم بهذا المستوى من التأزم، لو كانت البنية الاقتصادية، بل والهيكلية الاقتصادية القائمة أقوى مما هي عليه. يجب علينا أن نعترف أن مازاد الأمر تأزماً ليس فقط ارتفاع الأسعار، على أهميته، بل إن التأخير في تبني بعض برامج الإصلاح والتحسين الاقتصادي، والبطء في تنفيذ البعض الآخر ساهمت في زيادة حدة الأزمة. خذوا مثالاً على ذلك قرارنا الاقتصادي، والذي مازال مشتتاً لدى أكثر من جهة، بل مازال يعاني من تداخل في اختصاصات، ومهام الجهات المرتبطة بالاقتصاد، والنتيجة أن أصبحنا نعاني من بطء في اتخاذ القرار، ومن ضعف في المتابعة والمحاسبة اثناء التنفيذ وبعده. اتخذ لدينا الكثير من القرارات الاقتصادية الايجابية ولكن تنفيذها ضاع في مكاتب الكثير من الجهات الحكومية، حيث إن بعض هذه القرارات بلا مرجعية محددة تحاسَب وتحاسِب. أيضا خذوا موضوع الإسكان كأحد الأمثلة التي ساهمت في مضاعفة الأمر. الجميع، وبالذات الجهات التي لها علاقة بموضوع الإسكان، كانت تنادي وتحذر من حدوث أزمة في الإسكان لدينا، بل إن الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض كانت تؤكد في تقاريرها ومنذ سنوات أن الرياض وحدها تحتاج إلى أكثر من ثلاثمائة الف وحدة سكنية، ونتيجة للتباطؤ في اتخاذ قرارات إصلاحية وتطويرية لهذا الأمر المهم وصل الأمر إلى ما وصل إليه.
الواضح أن لدينا عدم تناسق بين الرغبة والطموح الاقتصادي أو الإستراتيجية الاقتصادية - إن وجدت - ، وبين آلية التنفيذ أو ما قد يطلق عليه الهيكل والبناء الاقتصادي اللازم لتنفيذ تلك الطموحات. والمتأمل يلحظ أن نجاح الدول الأخرى، لم يأت إلا نتيجة تناغم وتناسق واضحين، بل انسجام وتلازم، بين الإستراتيجية المراد تحقيقها والهياكل الاقتصادية اللازمة للتنفيذ، وإن المرحلة تتطلب تركيزاً على هذا الأمر، والعمل الجاد والسريع على إيجاد ذلك الانسجام بين طموحاتنا الاقتصادية، وبين هياكل وآليات تحقيقها.
إننا بحاجة إلى الالتفات وبقوة لهذا الموضوع. فالاقتصاد، كما أشرت في البداية، له دورات متعددة ومتعاقبة، وكلما كان الاقتصاد، فكراً وإستراتيجية وهيكلية، قائماً على دعائم راسخة، وعلاقات واضحة، كانت له القدرة على التعامل بإيجابية مع تلك الدورات والتقلبات.
@ كاتب اقتصادي
|