البنوك السعودية تستبق معايير "بازل 2" بزيادة رساميلها
- حسن العالي من المنامة - 05/09/1428هـ
اتفق عدد من الخبراء والمحللين على أن التوجه العام للبنوك السعودية لزيادة رساميلها هو بمثابة "ضربة استباقية" تنفذ في الظرف الاقتصادي والمالي المناسب استعدادا لجملة من التطورات الاقتصادية والمالية المحلية والعالمية المقبلة. وتتمثل هذه الجوانب تحديدا في خمسة عوامل رئيسية هي: مواكبة متطلبات بازل (2), تلبية احتياجات التوسع في تقديم الخدمات والمنتجات وتمويل المشاريع، تعزيز القدرات التنافسية المحلية، الاستعداد لاستجابة المملكة الكاملة لمتطلبات منظمة التجارة العالمية، والاستفادة القصوى من فترة الازدهار المالي والاقتصادي التي يمر بها الاقتصاد السعودي ولا سيما توافر السيولة الكبيرة في السوق المحلية، ومن ثم توفير قنوات استثمارية لصغار المستثمرين في رساميل هذه البنوك، وكذلك لتلك الأموال المستثمرة في الخارج للعودة إلى البلاد.
وبإعلان بنك الرياض رفع رأسماله إلى 15 مليارا من 6.25 مليار ريال بزيادة بلغت 140 في المائة، قفزت رساميل 11 بنكا في السعودية إلى 75.231 مليار ريال (20 مليار دولار). وتتداول أسهم هذه البنوك في سوق الأسهم عدا البنك الأهلي. وبتصدر البنك الأهلي وبنك الرياض ومصرف الراجحي قائمة البنوك صاحبة الرساميل الضخمة.
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
اتفق عدد من الخبراء والمحللين أن التوجه العام للبنوك السعودية لزيادة رساميلها هي بمثابة "ضربة استباقية" تنفذ في الظرف الاقتصادي والمالي المناسب كاستعدادا لجملة من التطورات الاقتصادية والمالية المحلية والعالمية المقبلة، وتتمثل تحديدا في خمسة عوامل رئيسية هي: تلبية احتياجات التوسع في تقديم الخدمات والمنتجات وتمويل المشاريع، ثانيا: تعزيز القدرات التنافسية المحلية، ثالثا: مواكبة متطلبات بازل (2)، رابعا: الاستعداد لاستجابة المملكة الكاملة لمتطلبات منظمة التجارة العالمية، وخامسا: الاستفادة القصوى من فترة الازدهار المالي والاقتصادي التي يمر بها الاقتصاد السعودي ولا سيما توافر السيولة الكبيرة في السوق المحلية، وبالتالي توفير قنوات استثمارية لصغار المستثمرين في الرساميل هذه البنوك، وكذلك لتلك الأموال المستثمرة في الخارج للعودة إلى البلاد.
وبإعلان بنك الرياض الأربعاء الماضي رفع رأسماله إلى 15 مليار ريال (أربعة مليارات دولار) من 6.25 مليار ريال (1.66 مليار دولار) بزيادة بلغت 140 في المائة، قفزت رساميل 11 بنكا في السعودية إلى 75.231 مليار ريال (20 مليار دولار). وتتداول أسهم هذه البنوك في البورصة السعودية عدا البنك الأهلي، الذي يعد البنك الوحيد الذي لم تدرج أسهمه في سوق الأسهم. وبتصدر كل من البنك الأهلي وبنك الرياض ومصرف الراجحي قائمة البنوك صاحبة الرساميل الضخمة، إذ يبلغ رأسمال، الأول 15 مليار ريال (أربعة مليارات دولار) بعدما رفعه من تسعة مليارات ريال (2.4 مليار دولار). في حين قرر بنك الرياض الأسبوع الماضي التقدم إلى الجهات الرسمية المعنية بطلب الموافقة على زيادة رأسمال البنك إلى 15 مليار ريال (أربعة مليارات دولار)، من خلال طرح 875 مليون سهم للاكتتاب وبذلك في حال الموافقة المتوقعة على طلبه سيكون البنك الثاني في السوق السعودية من حيث حجم الرساميل والأول من حيث البنوك التي تتداول أسهمها في البورصة. فيما يحتل مصرف الراجحي الترتيب الثالث من حيث حجم رؤوس الأموال بين البنوك السعودية. إذ رفع رأسماله من 6.75 مليار ريال (1.8 مليار دولار) إلى 13.5 مليار ريال (3.6 مليار دولار).
ووفقا لمحللين وخبراء مصرفيين واقتصاديين، فإن زيادة الرساميل البنوك السعودية تأتي في وقت مناسب جدا، حيث تتمتع السوق بتوافر سيولة كبيرة قادرة على توفير المبالغ المطلوبة، خاصة أن تلك البنوك عززت أداءها المالي خلال السنوات الماضية. ويرى هؤلاء أن هناك خمسة عوامل رئيسية تقف وراء تلك الزيادات.
ويتمثل أول تلك العوامل في تعزيز الموارد الرأسمالية للبنوك السعودية من أجل رفع قدراتها الإقراضية والتمويلية خاصة أن مؤسسة النقد العربي السعودي تربط بين حجم حقوق المساهمين وحجم العمليات التمويلية والاستثمارية التي يمكن للبنك الدخول فيها. وفي هذا الإطار يبدو أن تلك الخطوة تأتي أيضا استعدادا لمواكبة الطفرة المقبلة من خلال المشاريع العملاقة التي تزمع الحكومة السعودية وكبرى شركات القطاع الخاص تنفيذها، إضافة إلى قرب إقرار الرهن العقاري في البلاد. حيث يستوجب ذلك التوسع في الأعمال والخدمات المصرفية، وتعزيز مواقعها في السوق المصرفية في البلاد، والتي تشهد تغيرات كبيرة في مختلف الاتجاهات.
وتشير التقارير الاقتصادية التي تصدرها بعض البنوك المحلية بصورة دورية إلى أن اقتصاد المملكة يشهد نمواً مرتفعاً خلال هذه الفترة مع توجُّه المملكة إلى الاستثمار في المشاريع العملاقة، الأمر الذي يقود إلى تنامي الطلب على الائتمان والخدمات المالية الأخرى، في ظل توقعات تشير إلى إنفاق 690 مليار دولار في المشاريع العملاقة في المملكة. وأظهر تقرير اقتصادي صادر عن مجلس الغرف السعودية أخيراً أن القطاع الخاص السعودي يتحمل نسبة 70 في المائة من قيمة تمويل المشاريع العملاقة في السعودية ومنها المدن الاقتصادية.
وتظهر الإحصائيات الحديثة أن الهيئة العامة للاستثمار، تخطط للترخيص لمشاريع استثمارية تبلغ قيمتها نحو 80 مليار دولار في عام 2007، حيث رخصت لنحو 1398مشروعا أجنبيا ومشتركا في عام 2006، بقيمة 67 مليار دولار، وذلك بارتفاع بلغ 25 في المائة مقارنة بعام 2005. أما بالنسبة لقطاع الغاز والنفط والبتروكيماويات فقد خصصت الدولة 45 مليار دولار لإنفاقها على تنمية قطاع الغاز خلال الـ 25 عاما المقبلة، كما أن إنتاج الزيت سيصل إلى 12 مليون برميل في عام 2009، فيما يشكل إنتاج البتروكيماويات من الجبيل وينبع فقط 10 في المائة من الإنتاج العالمي، وتنتج المملكة أكثر من 75 في المائة من الإنتاج الخليجي للمواد البتر وكيماوية.
ويتمثل ثاني العوامل التي تقف وراء زيادة الرساميل في تعزيز القدرات التنافسية، إذ شهدت الفترة الماضية دخول عدد من البنوك العالمية والإقليمية للبلاد من خلال فتح فروع مختلفة في السعودية، بهدف ضمان وجودها في أحد أكبر اقتصادات منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى إعلان الحكومة عن تأسيس مصرف الإنماء الذي يبلغ رأسماله نحو 15 مليار ريال (4 مليارات دولار)، والذي يتوقع إن يطرح خلال الأشهر المقبلة.
كما أن زيادة رأس المال تنعكس إيجابا على درجة التصنيف الائتماني الممنوح لها من مؤسسات التصنيف العالمية. وكلما ارتفعت درجة التصنيف الائتماني كلما تعززت القدرات التنافسية للبنوك.
وقد اشتدت عرى المنافسة في السوق السعودي خلال السنوات الماضية، ففي نهاية عام 2006 كان مجموع موجودات البنوك السعودية 861.1 مليار ريال سعودي يتنافس عليها 11 مصرفا قويا ً من البنوك المسجلة محلياً (منها أربعة مملوكة بالكامل للسعوديين) وعشرة بنوك أجنبية، وهو يخدم عدداً من السكان لا يتجاوز 27.1 مليون نسمة. وتظل البنوك الأربعة الكبيرة هي المسيطرة على النظام، وهي البنك الأهلي التجاري، مجموعة سامبا المالية، بنك الراجحي، وبنك الرياض. وتسيطر هذه البنوك الأربعة على موجودات تزيد على 50 في المائة من قروض النظام و60 في المائة من ودائعه.
أما ثالث العوامل التي تدفع البنوك السعودية لزيادة الرساميل فهو قرب دخول الإيفاء بمتطلبات لجنة بازل (2) مرحلة التنفيذ قريبا مع بداية 2008. وقد اتفق محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي مع رأي مؤسسات مالية عالمية في التأكيد على أن البنوك السعودية، ستتمكن من تحقيـق معاييــر (بازل 2)، لكل من رأس المال والمخاطر الائتمانية، بحلول 2008.
وتقوم المعايير الجديدة للجنة بازل (بازل ـ 2)، على ثلاث مرتكزات أساسية الأول هو الحد الأدنى لملاءة رأس المالMinimum Capital Requirements ، حيث اعتمدت لجنة بازل في الاتفاقية الجديدة منهجية أكثر شمولا وتوسعا في تحديد المخاطر الفعلية, يقوم على مخاطر الإقراض فحسب، بل مخاطر التشغيل ومخاطر السوق. والثاني هو منهاج الرقابة الاحترازيةSupervisory Review Process والتي تفرض على إدارات البنوك تطوير مناهج الرقابة الاحترازية ووسائل عمل السلطات الرقابية و قدرات المراقبين . والثالث و مستلزمات الإفصاح Disclosure أو سلوكية السوق Market Discipline، حيث شددت اللجنة على ضرورة إعلام المشاركين في السوق, ليس فقط بمدى ملاءمة الأموال الخاصة مع مخاطر المصرف، بل وكذلك بالمناهج والأنظمة المعتمدة لتقويم المخاطر واحتساب كفاية الرساميل. وأكثر من ذلك, جعلت الاتفاقية الإفصاح والشفافية شرطا للسماح للمصارف باللجوء إلى مناهج التقويم الداخلي أو الذاتي.
إلا أن المراقبين يرون أنه يجب التقليل من المتطلبات والمعايير المهنية المعقدة جدا، التي تفرضها (بازل 2) مقارنة بـ (بازل 1)، على البنوك العالمية، ولا سيما أن (بازل 2)، لا تركز فقط في تقيميها أداء المصارف على الملاءة المالية فقط، حيث إنها تركز إضافة إلى مطالبتها بتحقيق مستويات ملاءة مالية معينة، على تحقيق الالتزام بعدد كبير من المعايير التشغيلية الأخرى، ذات العلاقة بقدرة المصارف على تقييم وإدارة المخاطر الحديثة، مثال مخاطر الائتمان، ومخاطر التسويق، ومخاطر التشغيل.
وكما أكد محافظ ساما فإن مبادئ "بازل2" تتطلب من جميع المصارف معالجة جميع المخاطر، كمخاطر الائتمان، ومخاطر السوق، والمخاطر التشغيلية وغيرها، كما تنص تلك المبادئ على أنه يجب أن تكون لدى المصارف أنظمة للتعرف على مثل هذه المخاطر، وقياسها ومراقبتها وتغطيتها. وبيَّن أن البنوك تعي أهمية أن يتزامن التطبيق للمعيار الجديد مع التركيز على إدارة المخاطر وفقا لأفضل الممارسات العالمية، وباستخدام أفضل الحلول التقنية.
ورابع العوامل التي تبرز في سياق الحديث عن زيادة رساميل البنوك السعودية، وهو أنه على الرغم من المتانة المالية المتميزة التي تتمتع بها البنوك السعودية، التي أهلتها لأن تتبوأ مراكز متقدمة على مستوى العالم، بالذات مقارنة بمصارف الدول العربية الأخرى، إلا أن ذلك الأمر لا يقلل بأي حال من الأحوال، من وجود تحديات كبيرة أمامها تتطلب منها التعامل معها من منطلق الإحساس بالمسؤولية المهنية، وأنها تعمل تحت مظلة بيئة تنافسية اقتصادية ومالية ونقدية حرة، وبالذات في ظل الانضمام الأخير للسعودية إلى منظمة التجارة العالمية WTO.
ويذكر أن المملكة العربية السعودية التزمت بموجب انضمامها لمنظمة التجارة العالمية بتحريرقطاعي البنوك والتأمين، وتطبيق قواعد المنظمة الخاصة بمنح الشركات الأجنبية العاملة في السعودية المزايا الممنوحة نفسها للشركات السعودية العاملة في مجالي البنوك والتأمين وذلك بالسماح للمستثمرين الأجانب بالدخول إلى قطاع البنوك بملكية أجنبية تصل إلى 60 في المائة، وهناك إمكانية لتطبيق مرونة إضافية في ملكية رأس المال بحيث تتم دراسة كل حالة على حدة، كما التزمت بفتح الخدمات المالية العابرة للحدود بحيث تم منح الشركات الأجنبية ضمانات بعدم المعاملة التمييزية، أو "تطبيق مبدأالمعاملة الوطنية" في قطاعات الخدمات المالية كافة، من ضمنها إدارة الأصول والموجودات وخدمات الاستشارات المالية، بحيث يصبح بالإمكان تقديمها من خلال البنوك أو المؤسسات المالية غير البنكية، والسماح للمؤسسات المالية الأجنبية بتأسيس صناديق للمعاشات إضافة إلى صندوق المعاشات العام، على أن يتم السماح للمؤسسات الماليةالسعودية بالقيام بالخطوة نفسها.
وأخيرا، يرى العديد من المراقبين والمحللين أن توجه البنوك السعودية لزيادة الرساميل يأتي منسجما مع توجهات عليا بتشجيع الاستثمار في المملكة وفتح قنوات جديدة شبه مضمونة وذلك بغرض توسيع قاعدة مشاركة المواطنين وأصحاب المدخرات والمستثمرين في الشركات المساهمة من خلال فتح باب لزيادة رساميل الشركات القائمة والاكتتاب العام للمزيد من الشركات الجديدة في السوق من أجل استيعاب ما يزيد على 500 مليار ريال من السيولة المتوافرة في السوق السعودية.
ويرى هؤلاء المحللون والمراقبون أن الزيادة في رساميل البنوك السعودية لها عدة مزايا اقتصادية ستعود على السوق المالية، حيث إن تلك الزيادات في الرساميل والتي تبلغ نحو 112 مليار ريال تشبه إلى حدٍّ بعيد الاكتتابات الجديدة التي لا تتطلب حشداً جديداً للأموال من قبل المستثمرين. كما أنه يمثل ضخاً جديداً يزيد في عدد الأسهم المطروحة للتداول، تصبُّ في مصلحة عمق السوق المحلية في الأجل البعيد، الذي يؤمل من خلاله تخفيف حدّة المضاربات عن طريق اجتذابه لنسبة من الأموال التي تدار عليها، أو اجتذاب سيولة جديدة من خارج حدود السوق تستهدف الاستثمار في أسهم يُتوقع لها النمو والصعود. وبالنظر إلى الزيادة المتوقعة في حصة أو ثقل قطاع البنوك في السوق، التي تمثل نحو 20 في المائة من إجمالي عدد الأسهم المدفوعة في السوق المحلية، ونحو ثلث إجمالي القيمة السوقية، وقياساً على المستويات المتدنية التي وصلت إليها أسعار أسهم البنوك في الوقت الراهن، وكونها الأكثر أهلية لاستعادة مستوياتها العادلة، ستكون أسهم البنوك أحد أهم العوامل الرئيسة لإعادة المسار التصاعدي للمؤشر العام للسوق، وهذا بدوره يعزز من فرصة نمو السوق بصورةٍ أسرع إذا وجدت ما تستحقه من السيولة المدارة على التعاملات اليومية، قياساً على وزنها النسبي الذي لا يُستهان به في السوق.
كما أن تلك الزيادات سوف تجذب أيضا جزءا من سيولة المقيمين في المملكة، حيث سمحت هيئة سوق المال في آذار (مارس) 2006 لهم الاكتتاب في زيادة الرساميل، في جانب أحقيتهم في التصويت من خلال الجمعيات والترشيح لعضوية مجالس الإدارات ما لم ينص نظام الشركة الأساسي على غير ذلك.
|