مؤتمر العقار ومنتدى الإسكان مصادفة أم مواجهة بين الأحياء السكنية وصناعها
د. عبد الله الفايز - مهندس معماري ومخطط 04/05/1428هـ
alafaizdr2***********
قد لا تكون مصادفة أن يتوافق اليوم موعد بدء فعاليتين مكملتين لبعضهما كلتيهما سبق تأجيلهما ليجتمعا في وقت واحد بمحض المصادفة. هل هي مصادفة أم تصوير لواقع ضعف التخطيط. وهما المؤتمر السعودي الأول للعقار "سايرك" والمنتدى الرابع للإسكان. الأول ينتهي في اليوم نفسه والآخر يستمر ثلاثة أيام. اليوم تلتقي الأحياء السكنية بمطوريها. وهما فعاليتان برعاية كريمة من صاحبي السمو الملكي ولي العهد وأمير منطقة الرياض مما يجعلهما فعاليتين مهمتين. الأولى لوضع أسس وتوجهات القطاع العقاري والأخرى تضع أسس وتوجهات تخطيط الأحياء السكنية. وعلى قدر ما تهمنا الفائدة المرجوة من التجمع للمهتمين برجال الفكر والثقافة إلا أن أهم ما نتطلع إليه ليس فقط الخروج بتوصيات، بل تتم متابعة تلك التوصيات لإخراجها إلى حيز الوجود والواقع ليكفل لنا وللأجيال المقبلة مستوى مشرفا من الحياة في أحياء سكنية مثالية وضواح متكاملة.
تهدف كلا الفعاليتين إلى تسليط الضوء على دور وأهمية القطاع العقاري والتطوير الشامل والمتكامل للأحياء السكنية في المملكة ومستوى نضجه وموقعه مهنياَ بين دول العالم. وذلك من خلال دراسة تحليلية لدور القطاع العقاري وتجارب تخطيط الأحياء السكنية محلي وعالمي وعلاقتهما بالقطاعات الأخرى التي يدخلان فيها ويؤثران أو ويتأثران بها. وعلاقتهما بالاقتصاد الوطني ودورته الاقتصادية. ودراسة مجالات الاستثمار العقاري في الأحياء السكنية وتوجهاته عالميا ومن ثم مقارنتها بالقطاع العقاري السعودي. وذلك بهدف معرفة مكانته عالمي ومحاولة كشف نقاط الضعف التي يجب أن نعمل على تنميتها حتى نصل إلى العالمية. ومن ثم الخروج بالتوصيات التي تؤدي إلى قطاع عقاري فعال وتنمية عمرانية متزنة ورائدة.
وهاتان الفعاليتان مكملتان لبعضهما. فلن يكون لدينا أحياء سكنية متكاملة ومتميزة بدون وجود قطاع عقاري ناضج مهني ومهيأة له الظروف القانونية والتنظيمية والاقتصادية ليتولى دور القيادة والإبداع في تطوير الأحياء السكنية وآليات تمكين الأفراد من تملك وحدات سكنية بأسعار مشجعة أو مقنعة.
فالاستثمار في القطاع العقاري يعد أحد أهم القواعد الاقتصادية لمعظم دول العالم ويقدر حجم الاستثمار فيه بالمليارات. ويرتبط بالاقتصاد الأساسي للدول ارتباطا وثيق لدرجة أنه عامل مؤثر في رفع أو تخفيض سعر الفائدة في البنوك. في الوقت الذي نرى القليلين يفهمون أهميته وطرق وآليات الاستثمار فيه. بسبب عدم إعطائه حقه من الحوار والتقنين في اقتصادنا الوطني فهو مازال مهمشا, لا يجد هيئة أو مؤسسة تحميه وتدافع عنه. بالرغم من دوره الفعال في تنمية الاقتصاد الوطني وما تجنيه الدولة والمجتمع من فوائد إيجابية ومضافة على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي واستقرارهم. فهو يعاني من الصراع بين القطاع الحكومي والخاص الذين يجب أن يمشيان يدا بيد لما فيه المصلحة العامة بدلا من لوم كل منهما الآخر. فالنجاح لن يكتب لنا من دون رأب الصدع بينهما. وتهيئة البنية التشريعية والقانونية والإسراع في الموافقة على نظام الرهن العقاري والتسجيل العيني للعقار الذي هو أساس الثروة الحقيقية وهي ثروة قاعدة المعلومات التي هي أساس الاستثمار.
الاستثمار العقاري هو محرك للاقتصاد في جميع دول العالم الحديث. ويمثل عادة بين 10 و20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي GDP. وساعد على زيادة العاملين فيه خلال السنوات العشر الماضية 20 ألفا إلى أن وصل حاليا حدود 65 ألف موظف. وما يقارب 600 ألف في التشييد والبناء. كما أن له دوره في حماية الاقتصاد من الهبوط المفاجئ. فهو يعمل كوسادة يتكئ عليها الاقتصاد في الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد. كما أنه قطاع يقود اقتصاد الدول في حالات الركود الاقتصادي لأنه يأخذ وقتا أطول في الهبوط والارتفاع من سوق الأسهم. كما أنه يقوم بنوع من تدوير الأموال لتتوزع على جميع القطاعات الاقتصادية ليطول منها الجميع مثل المكاتب الهندسية والمقاولين وتجار مواد البناء ودور النشر والصحف ومكاتب الإعلانات والتسويق وشركات الحاسوب والإنترنت وغيرها.. نحو 100 صناعة.
ولا يوجد عالميا أو محليا أو من خلال تعريف البنك الدولي للقطاعات التي تكون الناتج الوطني تصنيف أو تحديد لنسبة ما يؤديه القطاع العقاري في الناتج المحلي الوطني GDP. فمعلوماته متداخلة بين قطاع الإسكان وقطاع البناء والتشييد والبنوك Housing & Construction. أو يسمى بـ FIRE Finnace Insurance, Real Estate ماليات تأمين وعقار (متع).
اقتصاديا يعد العقار من السلع المتأثرة تماما بدورة الاقتصاد"سكليكال". Very Cyclical.
لذلك فإن أهمية هاتين الفعاليتين ستكون في مدى تسليطهما الضوء على الحلقات المفقودة في قطاعنا العقاري وتخطيطنا لتطوير الأحياء السكنية وطرق الاستثمار التي تساعد على ذلك. فالمعروف أن هناك عاملين مؤثرين في السوق العقاري وهما:
- الدورة الطبيعية: (العرض والطلب) Physical or Normal Cycle; Demand& Supply.
- الدورة المالية: السيولة والتدفقات النقدية Finnacial Cycl.
ومن ثم محاولة التعرف على التوجهات العالمية الحالية والمستقبلية مثل مدى التوجه للسكن أو الهجرة للضواحي والقرى. وطرق جذب الاستثمارات العالمية عن طريق منح الإقامة الدائمة Free Hold أو المناطق الحرة Free Zones. أو التخفيف من هجرة الأموال الخليجية حيث يعد الخليجيين من أكبر المستثمرين في الخارج. ويحتلون مرتبة أكبر المستثمرين في الولايات المتحدة الأمريكية حيث بلغ ما استثمروه أكثر من 20 مليار ريال حسب تقرير وزارة الاقتصاد الأمريكية.
ومن منطلق آخر فإنه قد لا يختلف اثنان في أن مستقبل المدن السعودية ونهضتها العقارية والعمرانية لن يتحقق من دون المضي قدما في مبدأ ونظرية التطوير الشامل والمتكامل للأحياء العمرانية سواء السكنية أو خلافها وكذلك مواقع الضواحي العمرانية سواء سكنية أو مكتبية أو تجارية أو صناعية تقنية. حيث إن هذا النوع من التطوير يحقق العديد من المكاسب والتوفير للمواطنين ومساعدتهم على تملك وحدات سكنية وبتكلفة مخفضة مع عدم التقليل من متانتها. ولكن ذلك لن يتحقق بدون أن يواكب ذلك وعي ونضج لمؤسسات القطاع العقاري والبنية القانونية وكذلك مساهمة البنوك والصناديق الاستثمارية في طريقة التمويل وولادة نظام الرهن العقاري. وقد سبق أن أشرت في مواضيع سابقة لأهمية هذا الموضوع. وهناك عدة محاور يجب التطرق لها للتوعية بأهمية التطوير لهذين النوعين من الأحياء السكنية، أهمها عملية التفريق بين مفهوم الحي السكني والضاحية. والطرق المتبعة عادة لتطوير كل منهما.
هذا الطرح الموجز قد لا يفي هاتين الفعاليتين حقهما ولكن المهم أن نستفيد من دروسهما وأن نتعلم ممن سبقونا وأخذ آخر ما وصلوا إليه وتسخيره ليناسب ظروفنا و"حنا غير" وإتاحة الشفافية وخلق بيئة قانونية وتقنية مبنية على الثروة الحقيقية وهي ثروة قاعدة المعلومات. وأهمية الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص ورأب الصدع بينهما احتراما للمصلحة العامة. ومحاولة تنظيم وتنزيه صورة هذا القطاع الاقتصادي المهم وأن نستمر في تطوير هذين القطاعين المكملين لبعضهما وابتكار طرق أحدث للاستثمار العقاري في تخطيط الأحياء السكنية وتوفير الوحدات السكنية وحل أزمة الإسكان التي ستخنقنا، مع تسخير جزء من جهودنا للبحث والتطوير العلمي.
بعد أن انتهى استعراض الفعاليتين فإنه يمكننا مقارنة الوضعين لمعرفة ما الذي يفتقده القطاع العقاري المحلي وأحياؤنا السكنية. ولنصل إلى ذلك فإننا يجب أن نركز على إكمال الحلقات المفقودة لهذين القطاعين ومحاولة تهيئة بيئة اقتصادية تتكامل فيها القطاعات ولا تكون عالة على بعضها بعضا. ومن ثم تنميتها وربطها بالقاطرة ليتحرك قطار العقار ويصل إلى محطة الأحياء المثالية.