عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-2007, 11:22 AM   #48
bosaleh
الفريق الصحفي لتداول - عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: May 2005
المشاركات: 21,525

 
افتراضي

الغاز الطبيعي في المملكة .. طاقة وصناعة (4 من 4)
هل حان الأوان لإنشاء هيئة وطنية رقابية لشؤون الطاقة تعنى بالاستخدام الأمثل لمواردنا النفطية والغازية؟
د. سليمان بن صالح الخطاف - - - 19/04/1428هـ
skhattaf*************

تشير الدراسات والتوقعات إلى قرب حدوث نهضة في استعمال الغاز الطبيعي كطاقة، بسبب تزايد استخدامه كوقود لمولدات الطاقة الكهربائية، وحدوث طفرة في بناء هذه المولدات المعتمدة على الغاز الطبيعي. فشّكل الغاز الطبيعي اليوم ما قيمته 24 في المائة من طاقة العالم صاعداً من 17 في المائة عام 1970م، وإذا استمر النمو التصاعدي في استخدام الغاز الطبيعي بالمعدل نفسه فسوف يفوق استهلاكه استهلاك الفحم الحجري بنهاية عام 2010، ويتساوى مع استهلاك النفط بحلول الفترة 2025 إلى 2030م.
لا يخفى على أحد أن النمو المتسارع في استعمال الغاز كمصدر للطاقة يأتي نتيجة منطقية لحقيقة أنه أقل ضرراً على البيئة من كل من النفط ومشتقاته، وكذلك من الفحم الحجري. أصبحت الانبعاثات الكربونية تحديداً والناتجة من استعمال الوقود الأحفوري (نفط وفحم حجري وغاز طبيعي) تقلق العالم وتشكل خطراً كبيراً على كوكبنا، وبدأت ظاهرة الاحتباس الحراري تحتل مراتب متقدمة في الإعلام العالمي بشكل شبه يومي.
وباختصار، فإن استخدام الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة من شأنه أن يقلل هذه الانبعاثات. ويعرض الجدول رقم (1) مقارنة مهمة لانبعاثات الكربون من المصادر المختلفة لتوليد الكمية نفسها من الطاقة. أما بالنسبة لملوثات الهواء الأخرى كأسيد النيتروجين والكبريت، فيظهر الجدول رقم (2) ميزة هائلة للغاز مقارنةً بكل من النفط والفحم الحجري كصديق متجانس مع البيئة، وذلك بقلة تسببه في تلوث الأجواء خاصة فيما يتعلق بأكاسيد الكبريت التي تصل نسبة كمية انبعاثه من النفط لكمية انبعاثه من الغاز إلى 1433 مرة وهي نسبة كبيرة تدعونا للتفكير الجدي من أجل تحويل كل مولدات الطاقة الكهربائية (أو وقود محطات التحلية) لكي تعمل بالغاز الطبيعي عوضاً عن زيت الوقود عالي التلوث أو النفط الخام.
الحقيقة أن الوضع في المملكة من حيث توليد الطاقة الكهربائية وغيره بحاجة إلى إعادة النظر والتسارع بدراسة الوضع لإيجاد حلول لمشاكل قد تظهر في المستقبل. يستعمل حالياً في المملكة أربعة أنواع من الوقود لتوليد الطاقة الكهربائية ولتوليد طاقة لمحطات التحلية، وهي: الغاز الطبيعي، الديزل، زيت الوقود، والنفط الخام.
يحرق النفط الخام مباشرة لتوليد الكهرباء والطاقة الحرارية في محطات التحلية في المملكة، حيث من المتوقع أن يصل ما يحرق من النفط الخام (بكل شوائبه الكبريتية والنيتروجينية والأخرى) نحو 106 ملايين برميل عام 2010م لتوليد الكهرباء، و69 مليون برميل خام كوقود لمحطات التحلية (بحسب الورقة السعودية التي ألقيت في المؤتمر العربي الثامن المنعقد في الأردن عام 2006م).
طبعاً حرق الزيت الخام لتوليد الكهرباء وكوقود لمحطات التحلية يحتاج إلى مراجعة المختصين لتقييمه من الجهتين الاقتصادية والبيئية. وأما زيت الوقود، وهو في الحقيقة مشتق مشبع بالمواد الضارة التي من شأنها أن تضر بصحة الإنسان والبيئة، وبحسب الورقة العلمية نفسها، فإن استهلاك المملكة منه لتوليد الكهرباء سيقفز إلى 65 مليون برميل عام 2010، وأما استخدامه كوقود لمحطات التحلية فسيقارب 40.4 مليون برميل أيضاً في 2010م. أما الديزل، المشتق البترولي الثمين، فسوف يحرق منه نحو 80 مليون برميل لتوليد الطاقة الكهربائية وكوقود لمحطات التحلية.
لا يخفى على أحد أن كميات ما يحرق من النفط ومشتقاته غير مريحة وتدعو الإخوة المختصين وأصحاب القرار بالتسارع لإيجاد الحلول الناجعة لمثل هذا الاستنزاف لموارد المملكة البترولية، هذا غير التأثير السلبي على البيئة والذي إذا استمر الحال عما هو عليه فسوف ينتج عنه آثار بيئية سيئة. وفي المقابل فمن المتوقع أن يكون النمو في استعمال الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة في المملكة متواضع، والأمل أن يزداد استخدام الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء وكوقود لمحطات التحلية، ويبدو أن العمل جار الآن على مد خط للغاز الطبيعي إلى المنطقة الغربية والذي قد يكون بداية النهاية لاستعمال زيت الوقود كمصدر رئيسي لتوليد الطاقة في المنطقة الغربية.
وفي السياق نفسه تشير التوقعات إلى انخفاض استهلاك الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء في المنطقة الشرقية مما يكافئ 91 مليون برميل عام 2004م إلى 39 مليون برميل عام 2010م. أما كهرباء الوسطى فلن تشهد تغيراً واضحاً في استهلاك الغاز الطبيعي، حيث من المتوقع أن يبقى استهلاكها للغاز الطبيعي في حدود41 إلى 49 مليون برميل من الفترة 2004 إلى 2010م، وكذلك استهلاك محطات التحلية للغاز أن يبقى بين 46 و50 مليون برميل من 2004 إلى 2010م.
ومن المفيد ذكره أن استهلاك المملكة الكلي للغاز الطبيعي سيتصاعد من 315 مليون برميل زيت خام مكافئ عام 2004م إلى 486 مليون برميل زيت خام مكافئ عام 2010م، أي بزيادة تقدر بـ 54 في المائة.
الغريب أن الزيادة في استعمال الغاز الطبيعي في المملكة لم تتزامن مع زيادة في استخدامه لتوليد الطاقة النظيفة، أي أن استهلاك المملكة للغاز لتوليد الطاقة كان عام 2004 نحو 178 مليون برميل زيت خام مكافئ، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 138 مليون برميل زيت خام مكافئ عام 2010، أي سوف ينخفض بـأكثر من 12 في المائة، ما يعني أن أغلب الزيادة السعودية في استهلاك الغاز الطبيعي في المستقبل القريب سوف تكون لصالح القطاع الصناعي سواء الصناعة البتروكيماوية في الجبيل وينبع أو صناعة النفط.
المفارقة هنا أنه بينما تنهج العديد من دول العالم المتقدم استعمال الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة للأسباب التي تم ذكرها سابقاً، نرى الوضع لدينا في المملكة عكس ذلك، إذ يتزايد استخدامه صناعياً ويتناقص استخدامه لتوليد الطاقة النظيفة والخاسر في هذه المعادلة البيئة والمواطن السعودي!
من أجل ذلك كلنا أمل أن تنجح عمليات التنقيب الكبيرة التي تجري في المملكة بالحصول على المزيد من الغاز حتى يتوقف حرق النفط الخام وكذلك حرق زيت الوقود المشبع بالكبريت والكربون، وذلك حفاظاً على بيئة وصحة أجيالنا القادمة.
أخيرا، ونحن بصدد مراجعة هذه الأرقام ودراستها لما يخدم المصلحة العامة، ومن باب الإنصاف، يجب ألا يغيب عن بالنا حقيقة تنامي الطلب السعودي الهائل على الطاقة سنة بعد سنة بسبب النمو السكاني الكبير، إضافة إلى النهضة الصناعية والعمرانية التي تعيشها المملكة.
ويجب علينا في هذا المقام تقدير حقيقة أنه من أجل رفاهية المواطن والمقيم من وصول الكهرباء والماء العذب وبلا انقطاع لكل منزل لبلد صحراوي جاف ومترامي الأطراف مثل المملكة فإن الثمن لذلك باهظ من ثروات هذا الوطن التي لم تبخل حكومته عليه بشيء، بشهادة الكميات الهائلة من النفط الخام ومشتقاته والغاز التي تستهلك لتوليد الطاقة والتي تقدر بمليارات الدولارات سنوياً.
ولا بد من اعتماد برامج لترشيد استهلاك الكهرباء والماء في كل مدن وقرى المملكة. وقد يكون قد حان الأوان لإنشاء هيئة وطنية رقابية تعنى بشؤون الطاقة وتتمتع باستقلالية عن شركات النفط والغاز والكهرباء، ويكون أحد أهم أولوياتها الاستخدام الأمثل لمواردنا النفطية والغازية.
وختاما، فإن تطور صناعات الغاز بأشكالها المتعددة ساهم بشهادة الجميع في دفع النهضة التنموية والصناعية التي تشهدها المملكة، وساهم في إيجاد الكثير من فرص العمل وخاصة للشباب السعودي المتعلم والمتدرب، حيث يقدر عدد العاملين في الوظائف ذات الصلة بالغاز الطبيعي بأكثر من 35 ألف من المواطنين، موزعين على النحو التالي: 16 في المائة في عمليات تجميع ومعالجة الغاز ونقله، 50 في المائة في الصناعات البتروكيماوية، 21 في المائة في شركة الكهرباء، 7 في المائة في محطات التحلية، و6 في المائة في مصانع الأسمنت. ونتيجة لذلك فإن الصناعات ذات الصلة بالغاز الطبيعي قد أثرت الدخل القومي بأكثر من خمسة مليارات ريال سنويا، ومن المتوقع لهذه الصناعات أن تسهم في إيجاد آلاف الوظائف لشرائح مختلفة من المجتمع السعودي، وأكبر دليل على مساهمة الصناعات الغازية في تقدم المملكة هو التحول التاريخي الذي شهدته مدينة الجبيل من قرية صغيرة في نهاية السبعينيات يسكنها القليل من الناس إلى مدينة صناعية من الطراز الأول تحتوي على أحدث المجمعات البتروكيماوية وأفضل بنية تحتية صناعية في الشرق الأوسط ويسكنها مئات الآلاف من المواطنين السعوديين العاملين في الصناعة وعائلاتهم.

* أكاديمي متخصص في شؤون تكرير النفط والبتروكيماويات ـ الظهران
bosaleh غير متواجد حالياً