بعد التداول
في سوقنا ثار غبار المضاربة حتى أعمى الأبصار
عبدالله الجعيثن
مذ عرفت سوق الأسهم السعودية قبل أكثر من ربع قرن، لم يشهد هذا السوق المبروك مضاربات صاخبة لاهبة كما شهد في السنوات الثلاث الأخيرة.
لقد ثار غبار المضاربة وفار وغطى على البصائر والأبصار في أكثر الاحيان حتى رأينا شركات عاثرة بائرة خاسرة تصل قيمة سهم الواحد منها أربعة اضعاف سهم (سابك) العملاقة ستة اضعاف سهم شركة (الاتصالات) طابعة النقود.
فقد وصل سهم (الأسماك) فوق أربعمائة ريال وقيمته الاسمية عشرة ريالات، ووصل سهم المرحومة بيشة فوق ألفي ريال وقيمته الاسمية خمسون وقارب سهم الشرقية الزراعية ألف وأربعمائة ريال وعندك الغذائية وفيبكو وسيسكو وسدافكو وغيرها من أسهم المضاربات التي تنطلق بسرعة الصواريخ وتهوي فجأة كجلمود صخر حطه السيل من عل بعد ان جنى كبار مضاربيها مئات الملايين وتعلق فيها مئات الالوف من المضاربين الصغار كالمشنوقين.
الحقيقة الواضحة للجميع ان سوقنا صارت سوق مضاربة عشوائية بقيادة مجموعات (قروبات) يتفقون ويخططون باليل ثم ينفذون بالنهار فيعلو الغبار وكلما زاد سعر السهم الخشاشي بسرعة وقوة وعانق النسبة بعد النسبة زاد الغبار وثار حتى كاد يعمي البصائر والأبصار فتشتغل مراوح الطمع في صدور المضاربين الصغار وتشتعل نارها على الآخر فيندفعون لشراء الأسهم المنفوخة اندفاع الفراش نحو النار، وما نفخها مضاربوها المحترفون إلا ليبيعوها على هؤلاء المغرورين بالارتفاع والانتفاخ ومادروا أن المضاربين يسمنون الدجاجة ليذبحوها ويوهمون الرائي أن أورامها شحوم ولحوم وما هي إلا أورام سرطانية وفقاعات مملوءة بالهواء المسموم.
قد يقال إن كل أسواق الأسهم في العالم فيها مضاربات شرسة وهو قول صحيح ولكن المضاربات في أسواق العالم لا يمكن أن تصل بها المخاطرة الهائلة ما وصلت إليه كثير من مضاربات أسهم الخشاش في سوقنا حتى صار شعار كثير من مضاربات أسهم الخشاش في سوقنا حتى صار شعار الكثيرين:
"الخطر مهنتي"
مع جهل بأصول المخاطرة وحدودها وعدم القدرة على حسابها بسبب حداثة التجربة لدى كثيرين وبحثهم عن السهم الذي يرتفع ويلمع دون استبصار فما كل ما يرتفع صقر وما كل ما يلمع ذهب، ولكن (القروبات) أذكياء في إثارة الغبار العنيف وتحريك صغار المضاربين بخيوط الطمع الواهية حتى ينطبق على أسهم الخشاش المنفوخة - في نهاية المطاف - قول الشاعر:
سترى إذا انجلا الغبار أفرس تحتك أم حمار؟!
.