ايكنوميات
أبوظبي الأغنى .. دبي الأغلى!!
علي القحيص
تعودنا هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة على ظاهرة الأرقام القياسية التي تجتاح البلاد، فلا تمض بضعة أيام إلا ويطرق مسامعنا سبق الإمارات إلى رقم جديد فلكي فتارة نسمع بأعلى برج في العالم، وتارة أخرى بأكبر مطار في المنطقة والأسرع نمواً في العالم وأكبر متحف في العالم، وغيرها من المشاريع التجارية الاستثمارية والصناعية التي كانت دولة الإمارات سباقة في ابتكارها، أو جلبها إلى المنطقة، حتى إنه لم يفت عليها أن تتوج أكبر مدينتين فيها بلقبين على مستوى العالم والدول العربية، فاللقب الأول كان من نصيب العاصمة الإماراتية "أبوظبي" كأغنى مدينة في العالم باستثماراتها الخارجية التي تجاوزت التريليون دولار أمريكي،وتقدمها على أخواتها من الإمارات الأخرى بقيمة المشاريع العقارية التي بلغت 42.77مليار درهم إماراتي في الربع الأول من العام الحالي 2007م، وصروحها الفريدة لاسيما فندق "قصر الإمارات" بتكلفة 3مليارات دولار، وغيرها من الاستثمارات الضخمة كجزيرة السعديات التي تحتضن عدداً كبيراً من الصروح الثقافية والتراثية أهمها متحفي اللوفر والآرت الفرنسيين والتي من المنتظر لها أن تكون من أكبر مراكز الجذب السياحي في المنطقة،أو ما يسمى ب (السياحة الثقافية)، أما اللقب الثاني وهو موضوع مقالنا تمثل في تربع مدينة دبي على عرش المدينة الأغلى عربياً، وقد يستدعي الحديث بهذه الفكرة الكثير من التساؤلات ليس أبسطها لماذا وإلى أين تسير الأمور؛ لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن دبي والإمارات عموماً تشكل حالة جاذبة للاستثمار والسياحة والأيدي العاملة من مختلف الجنسيات ومركزاً مهماً يتطلع إليه الجميع، فلماذا هذا الغلاء وبماذا يرتبط وهل يستمر وإلى متى..وهل هو تميز أو حالة طارئة لا يعرف أسبابها، كلها أسئلة مشروعة كما يبدو ومهمة أيضاً، خاصة ان الإمارات تشكل أرقاماً قياسية في أكثر من مجال وتحديداً ما ارتبط منها في المجال الاقتصادي والتجاري والاستثماري، بالإضافة إلى سيادة نمط الحياة الاستهلاكية والترفيهية، فالإمارات تمكنت من التقدم على اليابان في مجال استثماراتها الخارجية في المملكة العربية السعودية، وقد أظهرت أرقام الهيئة العامة للاستثمار في السعودية "ساجيا" أن قيمة الاستثمارات الإماراتية التي تمت الموافقة عليها رسميا وصلت إلى 9ر 122مليار ريال لتشكل بذلك ما نسبته 41% من إجمالي الاستثمارات الخارجية المباشرة التي ضخت إلى المملكة منذ تأسيس "ساجيا" في ابريل من عام 2000م. والإمارات عموماً تشكل حالة جاذبة لكل المستثمرين من شتى بقاع الدنيا، فهل تتغير هذه الصورة في ظل الارتفاع المتزايد في كل شيء وهل يضر الارتفاع الشديد لتكاليف المعيشة بسمعة الإمارات العربية المتحدة كمركز أعمال ذي تكاليف معقولة، ويضعف من جاذبيتها للعمال الأجانب الذين يؤلفون العمود الفقري للاقتصاد المزدهر للبلاد.
ومن جهة أخرى أصبح من الواضح تناقص عدد السياح من المملكة في الإمارات، وخصوصاً في دبي، بحيث أصبحت وجهاتهم السياحية نحو الدول العربية الأخرى كمصر ولبنان والأردن وإلى ماليزيا، ولا شك أن السبب في ذلك يعود إلى الغلاء وارتفاع الأسعار الذي تجاوز حاجز 100% إذا لم يكن أكثر.
بيد أنه ومع كل هذا الغلاء تبقى الإمارات وجهة للمستثمر الخليجي وتحديداً السعودي في القطاعين الأبرز العقارات والأسهم، فقد أشارت مصادر في المملكة إلى حجم الاستثمارات العقارية التي خرجت من السوق السعودي إلى دبي خلال الأعوام الثلاثة الماضية والتي بلغت مستويات قياسية، وخروج هذه الاستثمارات إلى دبي كان بسبب التسهيلات التي تقدم للمستثمر السعودي ،فالاستثمارات السعودية في دبي تقدر بنسبة 40بالمئة من الحجم الإجمالي للاستثمارات العقارية، وهذه النسبة مرشحة للارتفاع خلال السنوات المقبلة، على الرغم من كبر السوق السعودي في قطاع العقار وحجم الطلب الذي يشهده السوق المحلي.
وهنا نود الإشارة إلى أن العرب يشكلون أقل من 25% من العمالة في الإمارات، ما يستوجب طرح السؤال الذي يقول: هل لغلاء الأسعار وارتفاع الإيجارات دور في ضآلة هذه النسبة في بلد يفكر جدياً في الاحتفاظ بموقعه كمركز جذب للجميع من وافدين وعاملين ومستثمرين وسائحين.
الإمارات عموماً ودبي خصوصاً تشكل إغراءً للوافد سواء كان عاملاً ام مستثمراً ام زائراً، وفيها نمط من الحياة الاستهلاكية يغري مختلف الأفراد من مختلف مستويات الدخل والشرائح والطبقات الاجتماعية والاقتصادية، وهنا كما يبدو تكمن المشكلة التي تشير إلى ان من يدخل الإمارات "وإن قست عليه ظروف العمل والبطالة المؤقتة" لا يريد الخروج منها، فهو برغم هذا الغلاء اعتاد على نمط حياة لا يريد ان يتخلى عنه، وهو اصلاً يحبها ويتشبث بالإقامة فيها برغم الارتفاع في درجات حرارتها ومستويات الأسعار وأزمة الازدحام لدرجة يبدو معها أنه متفائل وواثق بالحل على كافة السبل،.. ويحلم ويقول: سيتوقف الارتفاع الجنوني للإيجارات في ظل الاستمرار للأبراج والنهضة العمرانية وحركة البناء المستمرة، وسوف يتحسن الدخل وسيخطط كل فرد لتنويع مصادر دخله، هكذا هو التحايل على المُعاش، فالإنسان في حالة بحث مستمر عن آليات التحايل على المُعاش وغالباً ما يلجأ إلى فن إدارة المشكلة وليس بالضرورة حلّها، لكنه يميل إلى وعي المشكلة وكيفية التعاطي معها في الطريق إلى حلّها إن أمكن، وهنا تأتي أهمية البحث عن آليات التحايل على المُعاش لدرجة أن الأمور تصل إلى مستوى أو درجة الموافقة على أقل الأضرار والخسائر. ويتساءل البعض "هل تنتهي معاناتنا، ونخلص من نيران الغلاء والإيجارات"؟.
في المحصلة النهائية تبقى دبي الوجهة المفضلة للأغنياء من السياح والمستثمرين ونار يكتوي بها البسطاء!!
@ المدير الإقليمي لمكتب دبي.
.