لكيلا تنهار القيم وتنحط المفاهيم لدى الفقراء
د. عبد العزيز الغدير - 15/04/1428هـ
Abdalaziz3000*************
ما من مجتمع – بصرف النظر عن الزمان والمكان – إلا وفيه فئات ذات مستوى من الدخل المالي المحدود، لكن الاختلاف بين مجتمع وآخر يكمن في مدى العناية بهذه الشرائح وكذلك في وسائل وأساليب مساعدتها لكي تندمج مع سائر المكونات الاجتماعية. فالاهتمام بها – من حيث المبدأ – ضرورة سياسية وأمنية واجتماعية، تتصل باستقرار البلد وأمنه الوطني، ناهيكم عن الدوافع الأخلاقية لرعاية الفقراء وذوي الدخول المتواضعة.
وربما تتجلى هذه القضية أكثر ما تتجلى في الجانب الإسكاني، حيث تبدو الفروق الهائلة بين مجتمع وآخر، ففي المجتمعات التي تهمل فقراءها تبدو أحزمة الفقر في محيط العاصمة أو المناطق البعيدة، حيث تنتشر الأكواخ البائسة "الصنادق" المكتظة بحشود من هؤلاء المهمشين، لتجعل من أبنائهم فريسة للإحباط، وضحية جاهزة للجنوح نحو الإجرام.
والمملكة – بفضل الله ثم بحكمة قيادتها الرشيدة – ليس فيها مثل هذه الأحوال، لكن بعض المعالجات ذات النية الطيبة بكل تأكيد، لتوفير سكن مقبول للطبقات المحتاجة، تنطوي على خطر لم نتنبه إليه بعد. فالإسكان الشعبي يتم في تجمعات يطلق عليها – شعبيا – أحياء الفقراء، الأمر الذي يؤدي إلى تصنيف اجتماعي سلبي، وإلى شعور ساكنيها بالنقص تجاه الآخرين من أبناء الطبقتين الوسطى والميسورة. وهذه حالة تذكر بأسلوب اتبعته بعض الدول في مدارسها بتخصيص فصول للطلبة النوابغ، وأخرى للمتأخرين في تحصيلهم العلمي ، ثم عدلت عن هذا المسلك لما له من آثار وخيمة على العملية التعليمية كلها.
ومن أخطر الأمور التي يتعرض لها أبناء الفقراء في أحياء الفقراء - وهم الأكثرية بطبيعة الحال – انهيار القيم والمفاهيم السليمة بشكل تتابعي مروع، حيث لا يلبث كل شاب يقطن في هذه الأحياء أن يتبنى فكرا انتقاميا من المجتمع بسبب هذا الإقصاء لتترسب بمرور الزمن الأفكار الشاذة والمفاهيم السلبية ليتكون لدينا مجموعة من الشباب الذين يعانون من الانحطاط الاجتماعي في بؤرة تحفز الجريمة بكافة أنواعها ومستوياتها، وكل ذلك يتراكم مع الزمن حتى تصبح تلك الأحياء مشكلة كبيرة تحتاج لميزانيات بأضعاف ما استخدم لتأسيسها لمعالجة آثارها السلبية الكارثية، وما قصة إسكان شيكاغو عنا ببعيد حيث أصبح هذا الحي مرتعا للجريمة والرذيلة ومثالا للحياة الدنيئة.
ولهذه الأسباب فإننا بقدر ما نفرح عندما نسمع الأخبار التي تقول بقيام الكثير من أصحاب الأيدي البيضاء ببناء منازل للفقراء وتسليمها لهم، فإننا نشعر بالحزن الشديد لاستخدام هذا البديل الخطير لمساعدة هؤلاء الفقراء، حيث نعلم علم اليقين ما ينتظرهم وينتظر أبناءهم والمجتمع عموما من معاناة على المديين المتوسط والبعيد.
لذلك أعتقد أنه حان الوقت للبحث عن بدائل أخرى لمساعدة إخواننا من الفقراء لاجتياز مخاطر مرحلة الفقر دون عزلهم عن الآخرين، بل من خلال دمجهم في الطبقة المتوسطة التي عادة ما تحمل أفضل الأفكار والقيم والمفاهيم، وهذا الدمج بلا شك سيعزز من إمكانية تجاوزهم مرحلة الفقر من خلال رغبتهم في محاكاة النماذج الناجحة من أبناء الطبقة المتوسطة، نعم فالبديل السليم هو أن يجري إسكان هؤلاء داخل أحياء سكنية لا تقتصر عليهم لكي يسهل دمجهم في المجتمع، عبر الارتقاء العام بأحوالهم في محيط طبيعي، ييسر انتقالهم إلى الطبقة الوسطى بسلاسة وهدوء، خاصة أن علماء الاجتماع متفقون على التأثير الحاسم الذي يلعبه المحيط الاجتماعي سلبا أو إيجابا.
وقد يكون التغلب على الصعوبات العملية في البداية دافعا إلى التردد، بسبب غياب الآليات الملائمة لهذا الحل المنطقي، غير أن السبيل الأكثر واقعية، يتمثل في تعاون وزارة الشؤون الاجتماعية التي تزمع بناء أكثر من 20 ألف وحدة سكنية للإسكان الخيري والجهات الخيرية التي تساهم في بناء هذا النوع من المساكن أيضا مع المطورين العقاريين الذين ينتهجون مفهوم التطوير الإسكاني الشامل، لكي يتم تخصيص نسبة من المساكن في الأحياء التي يطورونها للإسكان ذات تكاليف معقولة تتناسب ورغبات الميسورين والميزانيات المتوافرة لدى وزارة الشؤون وذلك بتطبيق فلسفة الهندسة القيمية، لينشأ إخواننا من المواطنين التي دفعت بهم الظروف إلى الطبقة الفقيرة في بيئة طبيعية بعيدة عن الهمز واللمز من جانب، والشعور بالدونية من جانب آخر.