رسائل "ألبرتا" النفطية إلى دول الخليج
د. أنس بن فيصل الحجي - أكاديمي وخبير في شؤون النفط 14/04/1428هـ
مشكلات ولاية ألبرتا الحالية لا تختلف كثيراً عن المشكلات التي تعانيها دول الخليج: معدلات نمو مرتفعة ترافقها معدلات تضخم عالية، نقص كبير في العمالة المدربة، طفرة في أسعار العقارات والأراضي، وارتفاع إيجارات السكن. ولعل أهم تشابه بين ألبرتا ودول الخليج هو اعتماد ألبرتا المتزايد على صادرات النفط مصدرا أساسيا للدخل، الأمر الذي يثير قلق المسؤولين والمستثمرين والمفكرين على حد سواء. ففي الوقت الذي يعد فيه اقتصاد ألبرتا من أفضل اقتصادات الولايات الكندية وأقواها وأكثرها نمواً، إلا أنه أكثر الاقتصادات تذبذبا وأكثرها عرضة للخطر.
الرسالة الأولى: أسسوا معهد بحوث لدراسات الطاقة
أدركت حكومة ألبرتا أهمية قطاع الطاقة في اقتصادها فقامت بإنشاء معهد بحوث الطاقة الكندي، وهو معهد مستقل يتم تمويله من الحكومة والقطاع الخاص، بهدف مساعدة الحكومة والصناعة في تقديم الحلول الفنية والاستشارات لكل من القطاعين الخاص والعام. ثم قامت بتوظيف كبار المتخصصين في هذا المجال من كندا وخارجها كي يقوم المعهد بوظيفته بالشكل المراد. ويذكر أن من أهم الدراسات التي يقوم بها المعهد حالياً تتعلق بجدوى استخدام الطاقة النووية لتوليد الكهرباء بهدف تطوير حقول النفط والغاز في المنطقة.
دول الخليج في حاجة إلى معهد مماثل يقوم بدراسات في مجال الطاقة في دول الخليج. أعمال هذا المعهد تختلف تماماً عما تقوم به مراكز البحوث في "أوبك" و"أوابك". وفي الوقت الذي تركز فيه "أوبك" و"أوابك" على النفط وتأثير مصادر النفط البديلة في إنتاجه وأسعاره، سيركز هذا المعهد على الاستهلاك الداخلي في دول الخليج، ومصادر الطاقة غير النفطية، بما في ذلك الكهرباء ومصادر الطاقة المتجددة، وتحسين الكفاءة في الاستخدام، وتحسين البيئة المحلية عن طريق التخفيف من انبعاث غازات ثاني أوكسيد الكربون وغيرها. سيحل هذا المعهد محل كثير من الشركات الاستشارية الأجنبية، وسيصبح مركزاً عالمياً للمعلومات عن المنطقة.
الرسالة الثانية
نوعوا الدخل عن طريق التركيز على تكنولوجيا قطاع النفط
أدركت حكومة ألبرتا أن محاولات تنويع الدخل لتخفيف أثر الاعتماد على النفط لن تنجح بالشكل المرغوب نظراً لكمية النفط الهائلة الموجودة في ولاية ألبرتا، التي تعطي كندا المركز الثاني في العالم من حيث الاحتياطات بعد السعودية. لذلك تبنت الحكومة الحالية استراتيجية مفادها التركيز على تصنيع تكنولوجيا الطاقة وتجريبها واستخدامها في الولاية ثم تسويقها في أنحاء العالم كافة. وبما أن تكنولوجيا الطاقة، بما في ذلك تكنولوجيا التنقيب عن النفط واستخراجه ونقله وتكريره، من أكثر أنواع التكنولوجيا تقدماً، فإن الحكومة مقتنعة بأن هذه التكنولوجيا ستسهم في تنويع مصادر الدخل، وستسهم في استقرار اقتصاد ألبرتا، بخاصة أن لها ارتباطات متعددة مع بقية الصناعات الأخرى، وبقية القطاعات الاقتصادية.
حالة دول الخليج مماثلة تماماً لألبرتا حيث إنها تتمتع باحتياطات ضخمة, ومهما حاولت التنويع فإن النفط سيظل المصدر الأساسي للدخل في هذه الدول. من هذا المنطلق فإن هناك دورا كبيرا لشركات النفط الخليجية في تنويع مصادر الدخل عن طريق تطوير التكنولوجيا المستخدمة في هذه الشركات ثم تسويقها عالمياً بحيث تصبح دول الخليج مصدرة للنفط وللتكنولوجيا المتخصصة في هذا المجال، سواء في مجال الإنتاج أو الاستهلاك. وبالنظر إلى شركات النفط الخليجية نجد أن شركة أرامكو السعودية هي الرائدة ضمن الشركات الخليجية في هذا المجال وهناك العديد من براءات الاختراع باسمها. وبمقارنة عدد براءات الاختراع مع شركات النفط العالمية نجد أن هناك مجالا واسعا لتطوير هذا الجانب بحيث تنعكس آثار هذه الاختراعات على الاقتصاد المحلي، بخاصة إذا تم تصنيع هذه الاختراعات محلياً، وبدأ أثر هذا التصنيع يظهر في القطاعات الأخرى. باختصار، هناك ميزة نسبية لدول الخليج إذا ركزت على تطوير تكنولوجيا الطاقة، وهي الميزة نفسها التي اكتسبتها ولاية تكساس خلال الـ 100 سنة الماضية.
الرسالة الثالثة: أعيدوا هيكلة التعليم لتتناسب مخرجاته مع الاحتياجيات المحلية والعالمية
تعاني ولاية ألبرتا نقصا شديدا في العمالة الماهرة وغير الماهرة، وعلى كل المستويات، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأجور بشكل كبير خلال العامين الماضيين. نتج عن وفرة الوظائف وارتفاع الأجور ومحاولة الولاية جلب العمال المهرة من الولايات الأخرى زيادة كبيرة ومفاجئة في عدد سكان الولاية، الأمر الذي رفع من تكاليف المعيشة بشكل هائل، خاصة تكاليف السكن. ورغم الهجرة الكبيرة من الولايات الكندية إلى ألبرتا إلا أن هناك عشرات الآلاف من الوظائف الشاغرة التي لا تجد من يشغلها، الأمر الذي أجبر حكومة الولاية على تطوير مشروع يقضي باستقدام آلاف العمال الأجانب ولفترات محدودة حتى تتمكن الولاية من إيجاد العمالة الوطنية الكافية. هذا المشروع مازال يعاني مشكلات كثيرة على مستوى الحكومة الفيدرالية، ولكن يتوقع له النجاح قريباً.
بناء على ذلك أعلن حاكم الولاية أن هناك خططاً لتعزيز التعليم في الولاية ليتم إخراج المهارات المطلوبة على المستويين القريب والبعيد. ما يميز هذه الخطط أمران يمكن أن تستفيد دول الخليج منهما: الأول هو التركيز على المدى القريب عن طريق التركيز على التدريب المهني بهدف إخراج مهنيين يشغلون الوظائف التي تحتاج إليها شركات النفط في المنطقة، الذين ارتفعت أجورهم بشكل عجيب خلال الأعوام الماضية حيث وصل راتب لحام الأوكسجين في الفترات الأخيرة إلى نحو 15 ألف دولار كندي شهرياً. بعبارة أخرى، التدريب يلائم ما تطلبه الشركات، وليس ما يريده النظام التعليمي السائد. كان من نتائج هذا البرنامج تخفيف الضغط عن الجامعات, حيث فضل عدد كبير من الشباب دخول المعاهد الفنية بدلاً من الذهاب إلى الجامعة.
الثاني هو التركيز على المدى البعيد بهدف ملء الوظائف الشاغرة بعمالة مؤهلة من جهة، وتنويع مصادر الدخل من جهة أخرى. ويتم ذلك عن طريق دعم التعليم العالي المتخصص في جامعات ألبرتا وإنشاء معاهد بحثية متخصصة تمكن ألبرتا من تصدير خدماتها إلى بقية دول العالم. ويقتضي هذا إعادة هيلكة النظام التعليمي بما يتناسب مع اقتصاد ألبرتا الجديد بحيث تتلاءم مخرجات التعليم مع ما تتطلبه الشركات. وهذا يعني أيضاً أن ألبرتا ستسفيد من اقتصادات النطاق لأن وجود النفط فيها بكميات هائلة ووجود عشرات الشركات في المنطقة سيوفران فرصا تدريبية ضخمة لخريجي الجامعات، كما سيمكنان من إجراء البحوث بتكاليف أقل. ما يجري الآن في ألبرتا حصل في تكساس في الماضي وأعطى جامعات تكساس ميزة نسبية مازالت تتمتع بها حتى الآن، وجلب لها مئات الملايين من الدولارات. وإدراكاً لهذا الدور الضخم للجامعات المحلية قامت الحكومة، بمساعدة بعض الشركات بدعم جامعة كالجاري عن طريق تأسيس عدة كراسي للأستاذية في مجال الطاقة بهدف جذب أفضل الخبرات العالمية في مجال الطاقة للمنطقة.
وضع دول الخليج مماثل لألبرتا ويمكنها أن تقوم بالدور نفسه عن طريق التركيز على التعليم العالي بشكل يجعل منتجاته مرغوبة من قبل الشركات من جهة، ويجعل من هذه المخرجات سلعة عالمية من جهة أخرى.
خلاصة الأمر هو أنه يجب النظر إلى تكنولوجيا الطاقة وخبراء الطاقة على أنهم سلع عالمية تسهم في تنويع مصادر الدخل، وهذه طريقة مجدية بسبب الميزة النسبية لدول الخليج، وأجدى من البدائل الأخرى المكلفة، التي قد تتطلب جلب تكنولوجيا جديدة وخبراء من الخارج. تفكير الجيل الجديد يجب أن يركز على إمكان الحصول على عمل أو دخل في أي مكان في العالم، وليس فقط في مدينة المنشأ.
|