استطلاعات الرأي وآلية اتخاذ القرار
د. عبد الرحمن سليمان الطريري - كلية التربية ـ جامعة الملك سعود 14/04/1428هـ
Atrairy@Ksu.Edu.SA
تمثل استطلاعات الرأي العام وسيلة مهمة من وسائل الوقوف على اتجاهات الناس وما يحبون وما يكرهون خصوصا في القضايا العامة وشؤون المجتمع، وفي المجتمعات الغربية تستخدم استطلاعات الرأي بكثرة وبصورة موسعة وفي مجالات عدة، حيث تم توظيفها في مجال الاقتصاد، والسياسة، وفي القضايا الاجتماعية، وفي المجال الصناعي والإداري، وبغرض توظيف هذه الأداة التوظيف الأفضل وجدت مؤسسات رسمية خاصة مستقلة عن الدولة تضطلع بهذه المهمة وأوجدت أدوات وأساليب متنوعة، مثل مؤسسة جالوب لاستطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن وسائل الإعلام من صحف ومحطات تلفزيون تقوم بهذا الأمر. ولتفسير أسباب الاهتمام في المجتمعات الغربية باستطلاعات الرأي يلزم الإشارة إلى طبيعة تلك المجمعات والفلسفة التي تسير اقتصادها ونظامها السياسي، فالرأسمالية تستوجب التنافس والتنافس الحاد بين الشركات الإنتاجية والخدمية والنظام السياسي، يتطلب إجراء الانتخابات بهدف الاختيار للمناصب السياسية العليا وهذا بدوره يستدعي استطلاع رأي الناخبين بهدف معرفة من يفضلون بين المتنافسين، كما أن استطلاع رأي المستهلكين يفيد في تحسين الإنتاج وجعله في وضع تنافسي جيد يمكنه من الصمود في وجه البضائع الأخرى، وفي ظني أن العولمة وما أحدثته وستحدثه من تغيرات في العلاقات بين الأمم والمجتمعات وتحريك السلع والبضائع المادية والمعنوية والثقافية والمعرفية والقيمية ستفضي إلى مزيد من استطلاعات الرأي بهدف الفوز بنصيب الأسد من الساحة في السوق الاستهلاكية.
وتحسن الإشارة إلى أن استطلاعات الرأي تدخل ضمن المسح الاجتماعي الذي يتيح الفرصة للجماعة أو عينة ممثلة للمجتمع من التعبير عن آرائها وأفكارها ومشاعرها ومعتقداتها واتجاهاتها حيال فرد أو موضوع معين وفي وقت معين، إذ إنه على سبيل المثال في وقت الانتخابات الرئاسية أو قبلها تجرى استطلاعات الرأي على الناخبين بهدف معرفة من يفضلون من المتنافسين وأقرب مثال على ذلك الانتخابات الفرنسية حيث تتوالى استطلاعات الرأي بهذا الخصوص، ونتائج الاستطلاع من بيانات ومعلومات تفيد في التخطيط وإحداث تغييرات في البرامج الانتخابية بهدف تحسين الصورة لدى الناخبين وكسب رضاهم، أما إذا كان استطلاع الرأي حول بضاعة، فإن البيانات تفيد في تحسين الإنتاج أو التغيير في الأسعار أو تقديم المنتج بشكل مناسب يغري المستهلكين ويحقق رغباتهم التي عبروا عنها من خلال استطلاع الرأي.
أما على المستوى القيادي فإن استطلاعات الرأي تفيد في اتخاذ القرارات الحاسمة خصوصا في الظروف الصعبة والأزمات كالحروب على سبيل المثال، ذلك أن قياس الرأي العام حيال موضوع أو قضية من القضايا ونشر نتائجها على الناس قد تحدث أثراً كبيراً لدى صناع القرار أو في الساحة الاجتماعية. ففي حرب فيتنام لعبت استطلاعات الرأي دوراً كبيراً في إيقافها وانسحاب الولايات المتحدة منها، كما أن استطلاعات الرأي التي تتوالى نتائجها بشأن الحرب الأمريكية على العراق تبين الموقف السلبي للشارع الأمريكي خاصة بعد زيادة ضحايا الحرب من الأمريكيين وتردي سمعة الإدارة الأمريكية خصوصا الرئيس بوش الذي تراجعت شعبيته بصورة كبيرة لم يسبقه رئيس أمريكي آخر بهذه السمعة المتراجعة والشعبية المتردية.
وإذا كانت استطلاعات الرأي بهذه القيمة والفائدة على المستوى الاجتماعي وفي مجالات عدة فما الذي يمنع بعض المجتمعات من استخدامها؟ نجاح استطلاعات الرأي وتأديتها لدورها بصورة صحيحة يتطلب نضجاً اجتماعياً يتحقق من خلاله إدراك الناس لقيمتها وفائدتها في النمو الاجتماعي السليم وفي اتخاذ القرار المناسب، وهذا الإدراك، إن وجد، سيؤدي إلى تعاون الناس وعدم ترددهم في المشاركة في استطلاع الرأي، إضافة إلى تعبيرهم الصادق والشفاف بشأن الموضوع أو القضية محل الدراسة، مما يعطي الجهة المستفيدة من المعلومات والبيانات الفرصة لاتخاذ القرار بالصورة التي تحقق المصلحة العامة، ولذا لا يمكن الاستفادة من استطلاعات الرأي، بل لا يمكن تطبيقها في مجتمعات لم تبلغ النضج الذي يؤهلها لإدراك قيمتها ومن ثم تنفيذها وفق الإجراءات العلمية المناسبة. إن ثقافة استطلاعات الرأي لا تنحصر في عموم الناس لكنها تشمل المؤسسات، والجهات المنفذة لها، كما أنها تشمل الجهات المستفيدة من شركات، وأجهزة حكومية، ولذا فإن ما يعوق استخدامها في بعض المجتمعات عدم جاهزية المؤسسات المؤهلة لتنفيذها بصورة علمية أو عدم قناعة الناس بجدواها، أو خوف القيادات الاجتماعية من الأثر الذي قد تحدثه نتائجها على الصعيد الاجتماعي، لأنها تمثل قناة من قنوات التعبير الحر عن الآراء والمشاعر، وهذا قد يشكل في نظر البعض خطراً يحسن تجنبه، ذلك أن تعبير الناس عن مشاعرهم واتجاهاتهم الإيجابية، والسلبية نحو موضوع، أو قضية قد يشكل خطراً في نظر البعض، وهذا الهاجس لا شك في خطئه وعدم صوابه، مما يفقد الكثير من المجتمعات، ويحرمها من الاستفادة من هذه الآلية لمعرفة ما لدى الناس. وإذا كان هذا هو حال بعض المجتمعات إزاء استطلاعات الرأي وموقفها منها، فكيف يمكن لهذه الدول معرفة مشاعر الناس وأفكارهم ومعتقداتهم واتجاهاتهم حيال بعض القضايا ؟ بعض المجتمعات تلجأ إلى ما يمكن تسميته باستطلاع الرأي غير الرسمي، أو غير المعلن، وهذا النوع يتم من خلال استطلاع آراء النخبة كالمستشارين، والوجهاء والمثقفين، كما يتم استطلاع الرأي من خلال تحليل ما يتداوله الناس في المجالس، والمنتديات، أو يكتب في الصحف أو يعبر عنه من خلال البرامج الإذاعية والتلفزيونية أو خطب الجمعة. كما أن الشائعات تعبر عن رأي المجتمع، وبتحليلها، والوقوف عندها يمكن معرفة مشاعر الناس الحقيقية إذ على سبيل المثال يمكن أن تسري شائعة في مجتمع حول وفاة مسؤول أو إقالته وذلك لأن مشاعر سلبية نحوه توجد عند قطاع كبير من الناس أو قد تنتشر شائعة بشأن تحسين المعيشة، وزيادة المرتبات. إن لجوء الناس لهذه الأساليب للتعبير عن آرائهم واتجاهاتهم يحدث في المجتمعات المغلقة أو التي لم تتشكل لديها ثقافة استطلاعات الرأي، أو التي تعتبر أن كل الأمور تسير على ما يرام، ولذا وفي نظر هذه المجتمعات لا يسمح بالتعبير عما هو سائد أو إبراز السلبيات حتى لا تنخدش الصورة ويبقى البريق المزيف. إن شعور الناس بعدم الأمان لا يشجعهم على التعاون وإبداء الرأي بصورة صحيحة، وموضوعية، لذا فمن المسلمات لنجاح استطلاعات الرأي شيوع مناخ من الطمأنينة، وإيمان بقيمتها، وفائدتها على الصعيد الاجتماعي، والرسمي على حد سواء.
هذا وتجدر الإشارة إلى تتعدد أساليب استطلاعات الرأي الرسمية ومنها الاستبيانات والمقابلات الشخصية إضافة إلى المكالمات الهاتفية وهذه الأساليب تختلف باختلاف الظروف والمواضيع التي هي محل الدراسة، فالمكالمات الهاتفية تستخدم في الحالات الطارئة والمستعجلة، أما الاستبيانات، وتحليل محتوى الكتابات، والخطب، فإنها قد تستخدم في المواضيع غير المستعجلة وفي الظروف الاعتيادية.