عرض مشاركة واحدة
قديم 01-05-2007, 10:48 AM   #26
bosaleh
الفريق الصحفي لتداول - عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: May 2005
المشاركات: 21,525

 
افتراضي

المدن الاقتصادية. . موجة الانتقادات
محمد بن عبد الكريم بكر - 14/04/1428هـ
mohbakr@alum.mit.edu

يعد برنامج المدن الاقتصادية في المملكة من أبرز المبادرات التي أطلقتها الدولة خلال العامين الماضيين بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ضمن خطوات واسعة من الإصلاحات لتشجيع الاستثمار وتنويع مصادر الدخل. وقد أُسندت مهمة الإشراف على ذلك البرنامج إلى الهيئة العامة للاستثمار التي نجحت في تكوين تحالفات دولية ومحلية من القطاع الخاص لتطوير تلك المدن وتجهيز بنيتها التحتية، ومن ثم تشغيلها وفق أسس تجارية بحتة دون أية تكلفة على الخزينة العامة.
استهلت الهيئة البرنامج بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ، تلتها مدينة في حائل، وأخرى في المدينة المنورة ثم في جازان، والبقية في الطريق آتية بإذن الله. ومن المؤمل، إن سارت الأمور كما هو مخطط لها، أن تضع تلك المدن في متناول المستثمرين ورجال الأعمال بشكل عام مساحات من الأراضي تقدر في مجموعها بمئات الملايين من الأمتار المربعة مكتملة الخدمات بشروط ومزايا منافسة.
هناك فرص واعدة تحملها تلك المدن لزيادة دخل المواطن وتوفير الآلاف من الوظائف. لكن بالرغم من الحملات الإعلانية المكثفة التي تبنتها الهيئة مع إطلاق كل مدينة لإطلاع الجمهور على تلك الفرص، بدت في بعض الصحف المحلية والمنتديات في الآونة الأخيرة انتقادات للبرنامج طالت، من ضمن جوانب أخرى، جدواه الاقتصادية وآثاره الاجتماعية والبيئية. بالطبع كانت هناك طروحات رصينة في خضم تلك الانتقادات تناولت أسس اختيار مواقع تلك المدن ومعايير تخطيطها، مدى كفاية إمدادات الطاقة واللقيم لسد احتياجات المجمعات الصناعية المزمع إنشاؤها، ملكية الأراضي التي ستقام عليها المدن الاقتصادية، وبرامج تدريب المواطنين للمساهمة في إدارة المشروعات المقبلة، وقضايا أخرى مشابهة تدور في أذهان الناس.
إن تلك الأطروحات ينبغي أن يُنظر إليها كردود أفعال طبيعية لرؤية اقتصادية جديدة ربما لم تُهيأ لها الأرضية الكافية بين الأوساط المعنية في وقت مبكر، وإلا لما أُثير الكثير من ذلك الجدل حول المدن الاقتصادية الذي بلغ حد التحذير من تعثرها. ولعل بعضاً من ذلك الجدل ما دعا مثلاً رئيس مجلس الشورى للتعبير عن ثقته في مشروع مدينة رابغ الاقتصادية بقوله "لسنا مشككين. . لسنا قلقين. . لسنا خائفين" إثر زيارته للمشروع يوم الأربعاء الموافق 23/3/1428هـ على رأس وفد يضم 30 عضواً من المجلس.
لذا قد ترى الهيئة العامة للاستثمار أن الحاجة قد أصبحت ملحة لتصميم وإطلاق برنامج تحت العنوان العريض "تثقيف وحوار" يتناول بشفافية ومهنية القضايا والتساؤلات التي طُرحت حول المدن الاقتصادية واستباق ما قد يكون هناك من محاور أخرى تستشرفها الهيئة. وليس المقصود هنا إعداد برنامج على غرار ما تقدمه شركات العلاقات العامة، بل إن المقصود هو إعداد برنامج عمل يرتكز على تقديم المعلومة وحوار يقوده كبار مسؤولي الهيئة والشركات المطورة للمدن الاقتصادية في لقاءات موسعة تدعى إليها شرائح مختلفة من المجتمع برعاية الغرف التجارية الصناعية، الجامعات، وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني.
إن الأفكار والمفاهيم الجديدة على أي مجتمع سواء كانت اقتصادية، سلوكية، أو غيرها، تحتاج إلى الكثير من الجهد لإقناع الآخرين بمزاياها ومنافعها، ولن يتحقق مثل ذلك الإقناع دون التحاور مع الآخر وسماع رأيه. وهناك عدة نماذج لمثل ذلك الجهد في المملكة يمكن الإشارة إليها، من بينها برنامج العمل الذي قاده شخصياً الأمين العام للهيئة العليا للسياحة للتواصل مع كل الفعاليات والأطياف في المجتمع لإرساء تقاليد جديدة، ربما لم يسمع الكثير بها من قبل، للتعامل الإيجابي مع صناعة السياحة.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة أيضاً إلى تجربة برنامج تخصيص خدمات الموانئ وما بدا في مطلع تلك التجربة من أهمية التواصل المبكر مع جميع الأطراف المعنية بتلك الخدمات ولاسيما المستفيدين منها لطمأنتهم بسلامة الإجراءات ما استدعى بالضرورة أن تكون هناك درجة عالية من الشفافية والمصداقية في جميع الخطوات ("الاقتصادية" 6/4/1425هـ). وكان من أهداف التواصل في تلك المرحلة التحضيرية من البرنامج كسب صوت رجال الأعمال لما لهم من مصالح مباشرة في كفاية أداء الموانئ، وذلك عبر تنظيم لقاءات موسعة معهم في الغرف التجارية الصناعية في كل من الرياض، جدة، والدمام لإطلاعهم على القصة بكاملها بالأرقام، مع التوكيد في تلك اللقاءات على بعض المحاور التي تشكل عادة نقاط قلق لدى رجال الأعمال. . وهي: إن التخصيص لن يرتب زيادة في أجور مناولة البضائع، وإن البرنامج يتضمن حوافز للمستثمرين لتقديم خدمات أفضل، كما أن كل الأعمال ستطرح في منافسات عامة، وبالتالي فإن الفرصة متاحة أمام جميع المستثمرين للمشاركة. وقد كانت حصيلة تلك اللقاءات مع رجال الأعمال رسالة واحدة مضمونها أن الموانئ ستمارس الشفافية بكل أبعادها، وأن بيئة العمل الجديدة سيكون محور ارتكازها المنافسة.
إن التجارب التي خاضها البعض كالهيئة العليا للسياحة، والمؤسسة العامة للموانئ، وربما جهات أخرى أيضاً، في التواصل مع الجمهور لبناء أرضيات ورؤى مشتركة للتعامل مع مفاهيم وآليات جديدة قد تقدم نماذج يمكن الإفادة منها في تجربة المدن الاقتصادية، فالحكمة ضالة المؤمن.
bosaleh غير متواجد حالياً