المصارف الإسلامية .. بنوك متوافقة مع الشريعة فحسب
صلاح بن فهد الشلهوب - محاضر في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران. - - 13/04/1428هـ
sshalhoob*************
ما دعا لكتابة هذا المقال هو ما نشاهده كثيرا من خلال نقاشات تدور مع عدد من المتعاملين مع ما يسمى بالبنوك الإسلامية، وقد كان آخرها عددا من النقاشات التي حصلت في المؤتمر الذي أقيم في كوالالمبور في الفترة بين 6 إلى 8 ربيع الآخر عام 1428هـ تحت رعاية معهد المصرفية الإسلامية في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، الذي جاء تحت عنوان "المصرفية الإسلامية والجسر بين المثاليات والواقع" Islamic Banking and finance the bridge between the Ideals and Realities ، وكان كثير من أسئلة المناقشين تتناول وضع المصارف الإسلامية ومدى اختلافها واقعيا عن البنوك التقليدية، ومدى مشاركتها في حل مشاكل المجتمع وتخفيف أعبائه ومعاناته، والحقيقة أننا من خلال ما نرى من ممارسات المصارف الإسلامية، ونقصد القطاع الخاص، نجد أنها مؤسسات تجارية تبحث عن الربحية وتسعى إليها بمختلف الطرق، وفي الوقت نفسه تسعى إلى الحد من الدخول في معاملات تتسم بالمخاطرة، فهي تركز على الأرباح المضمونة، طبعا ما سبق يتناسب مع الطريقة نفسها التي تنتهجها البنوك التقليدية.
مع ما سبق نجد أن كثيرا من المتعاملين يعتقد أن وجود اسم الإسلام يتطلب أن تكون هذه المؤسسات تحقق ولو بشكل جزئي ما تتضمنه رسالة الإسلام السامية من التعاون والرحمة والرأفة بالضعيف والفقير ومساعدة الناس في احتياجاتهم وتلبية متطلباتهم، خصوصا أننا نجد أن المكون الأساسي للمتعاملين مع تلك المؤسسات هم من المسلمين وذلك حرصا على تحقيق رضا الله، وهذا بلا شك كان له أثر كبير في تحول توجهات كثير من البنوك بشكل جزئي أو كلي إلى المعاملات المتوافقة مع الشريعة.
ويبقى التساؤل: ما السبب الذي جعل هذه الفجوة تزيد يوما بعد يوم بين المصارف الإسلامية والمجتمع ومتطلباته؟
من خلال قراءة في معاملات البنوك الإسلامية اليوم نجد أنها لا تختلف عن أي نشاط تجاري مباح على افتراض أن جميع معاملاتها متوافقة مع الشريعة، ونجد أنها تعتمد في تعاملاتها على أسس تجارية ربحية، فمثلا فيما يتعلق بالعرض والطلب نجد أنها أحيانا قد تكون أعلى تكلفة في تعاملاتها من المصارف التقليدية نتيجة لتميزها بالمنتج الإسلامي، ما يشعر وبشكل واضح أن الربحية هي المحرك الأساس في تعاملاتها، وتبقى الأمور الأخرى تحتل مرتبة ثانية، إلا أن عددا منها يسعى وبشكل كبير إلى توفير منتجات متوافقة مع الشريعة كبديل للمنتج التقليدي غير المتوافق مع الشريعة، وهناك مؤسسات أخرى تسعى إلى تحقيق الحد الأدنى من المسمى وذلك لما ينتاب كثيرا من منتجاتها الكثير من النقاش والخلاف، الذي قد لا يحقق كثيرا قناعات المجتمع المسلم.
ونجد أن المصارف التي تسمى بالإسلامية لا تلتزم إلا بالأنظمة والتشريعات والقوانين التي تفرضها البلاد التي تعمل بها وما تنص عليه القوانين المنظمة لعملها والهيئة الشرعية التي تقوم بتعيينها، بمعنى أنها لا تلزم نفسها بالمشاركة في تلبية حاجة المجتمع من معالجة مشكلة الفقر والبطالة، ودعم المشاريع التنموية والمؤسسات الخيرية، بل قد لا يكون ذلك إطلاقا ضمن أجندتها، ونجد أنها أيضا في التعامل مع العملاء في حال تأخرهم في السداد نجد أنها قد تخالف القاعدة الشرعية والتي نص عليها كتاب الله سبحانه وتعالى (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة)، وذلك في حال تأخر المدين في السداد. بل قد تفرض رسوم إضافية عبر إدخال العميل في عقود جديدة، أو فرض غرامات تأخير تحول إلى الجمعيات الخيرية.
ولكن لنا أن نتساءل: لماذا البنوك الإسلامية لا تزال تتمسك بامتياز إدخال وصف الإسلام في تسميتها، رغم أنه عند بدايات هذه المصارف كان هناك من يطلق عليها "بنوك دون فوائد" interest-free bank، ونجد أن الكثير من المؤسسات التجارية التي لا تمارس أي نشاط محرم لا تسمى مؤسسات أو شركات إسلامية، رغم أن محل الإشكالات فيها أقل منه المصارف الإسلامية اليوم، ويبقى التساؤل: لماذا الإصرار على تسمية المؤسسات المصرفية التي لا تتعامل بما هو مخالف للشريعة بالبنوك الإسلامية؟
لا شك أنه وكما هو معلوم لا مشاحة في الاصطلاح وهذا في حالة إذا ما كان المصطلح ليس محل إشكال، ولكننا نجد أن كثيرا من النقاشات تدور على هذا الأساس، وهو أنه كيف تكون هذه البنوك تسمى إسلامية رغم أنها تحقق ربحية من العميل أحيانا أكثر من التقليدية، ولا تمارس دورا كبيرا في تلبية حاجات المجتمع.
لذلك ومن وجهة نظر متواضعة يمكن لنا ألا نلتزم بهذا الاسم ولا يتجاوز الأمر إلا أن نسميها مصارف متوافقة مع الشريعة أو البنوك الحلال، أو بنوك من دون فوائد وإن كان المعنى الأخير قاصرا، لأنه قد لا يشمل معاملات أخرى قد تكون أيضا غير متوافقة مع الشريعة.
أما فيما يتعلق باسم الإسلامي أو الإسلامية، فينبغي ألا يتوسع في استخدامها فيما يوصف به كثير من الأمور التي لا تتعدى أن تكون مباحة، وأن يقتصر ما يأخذ مسمى الإسلام يأخذ طابع الإسلام الذي يدعو إلى الخير، واجتناب الشر، وتحقيق رضا الله سبحانه وتعالى.