في البداية؛ كل عام والجميع بألف خير. وأحسن الله عزاء كل من خسر ريال في سوق الأسهم المنهارة في عامها الأسود 2006م، والله يعوضنا جميعاً خيراً في القادم من الأيام.
حصاد العام.. اقتصادٌ ينمو وسوق تخسر وشؤونٌ أخرى
http://www.aleqt.com/article.php?do=show&id=4238
أيّامٌ معدودة وينقضي عمر عام 2006؛ العام الأكثر دراماتيكية في التاريخ الاقتصادي بالنسبة للسعوديين! عامٌ تربّع فيه الاقتصاد الوطني فوق إنجازات ونجاحات غير مسبوقة في تاريخه المعاصر الذي يناهز الأربعة عقود ليقفز حجمه فوق 1.3 تريليون ريال، محققاً معدل نمو فاق 4.2 في المائة! في الزمن ذاته الذي تكبدت سوق الأسهم المحلية خسائر مريرة فاقت 1.9 تريليون ريال، بانخفاضٍ يسجل في خانة الانهيارات تجاوز 63 في المائة! وبين هاتين المفارقتين في الدرجة القصوى تباينت بقية التطورات الاقتصادية بنسبٍ متفاوتة؛ إذ في غمرة الخسائر المريرة على حساب مدخرات الأفراد نتيجة انهيار سوق الأسهم، صحا التضخم في الأسعار "المارد" الذي ظل نائماً لحقبة طويلة من الزمن. ومن جانبٍ آخر؛ لم يحدث تغييرٌ ملفت على مستوى معدلات البطالة بين المواطنين؛ خاصةً في صفوف المواطنات الباحثات عن فرصٍ كريمة للعمل رغم وتيرة النمو الاقتصادي المتصاعدة، وتحديداً في القطاع الخاص الذي نما خلال العام بمعدلٍ حقيقي فاق 6.3 في المائة، لم نلاحظ انعكاسه بصورةٍ ملموسة على خفض معدلات البطالة المحلية حتى خلال السنوات الأخيرة التي اتسمت بارتفاع معدلات النمو الحقيقية في القطاع الخاص تحديداً. الأمر المؤكد أن ما تحمله تلك التطورات المتعاكسة الاتجاهات من خفايا يشير في حقيقته إلى العديد من القضايا الأساسية؛ أو لنقل الإشكالات التي يجب الوقوف منها موقفاً جادّا لا يقبل أنصاف الحلول.
القضية الأولى: تناقض السياسات الاقتصادية الكلية؛ والتي أسهمت مع عددٍ محدودٍ من الكتاب في إثارة النقاش حولها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ورغم ذلك لم نشاهد تحركاً حقيقياً وجادّاً على هذا السطح البالغ الأهمية. ولعل ما حدث لسوق الأسهم المحلية أخيرا هذا العام أحد الشواهد الصارخة بوجود هذا التناقض. وكما لاحظ المراقبون في الفترة ما قبل سقوط السوق في مستنقع الخسائر المريرة الراهنة، تدفق الملايين من المستثمرين والمليارات الضخمة من الريالات إلى سوق الأسهم في فترة وجيزة لا تتجاوز السنوات الثلاث، أدّت فيما بعد إلى اكتظاظها بالسيولة الضخمة أمام أسهم محدودة للتداول. ماذا حدث أمام هذه الصورة المفزعة من احتشاد المستثمرين ومليارات الريالات على سوقٍ تفتقد أدنى مقومات العمق والتطور؟! لقد حدث عكس ما كان يجب أن يحدث! فبدل أن يتم ضخ عدد أكبر من الأسهم للتداول كالأسهم "الجاهزة" المملوكة للحكومة تفيد في امتصاص هذا التدفق الهائل من السيولة الداخلة، وبدل أن يتم تحييد التسهيلات البنكية التي تعادل تقريباً السيولة المتأتية من محافظ المستثمرين الجدد، حدث أن لم نرَ أي تحركٍ حقيقي أو رسمي على الجانبين! فلا أسهم إضافية قابلة للتداول دخلت، ولا تسهيلات بنكية تم ضبط وتيرتها المتصاعدة! وقد زاد من اندفاع الأخيرة انخفاض معدلات الفائدة "تكلفة رأس المال" نظير ارتباط الريال بالدولار، ولك أن تتخيل حجم الإغراء لدى المستثمرين في منطقة تقع بين معدلات فائدة مقاربة للصفر من جهة، ومن جهةٍ أخرى معدلات الربحية المرتفعة المتحققة في السوق بصورةٍ لم يسبق لها مثيل! وما زاد من ابتلال الطين أن أغلب تلك التسهيلات البنكية الضخمة اتجه عنوةً إلى المناطق المشتعلة بنار المضاربات المحمومة. خرج الجميع من الحفلة الصاخبة في السوق التي استمرّت لنحو ثلاث سنوات كل طرفٍ بما جنى رهين؛ فالبنوك استعادت تسهيلاتها كاملة متوّجة بعمولاتها! والسوق انهارت على رؤوس ملايين المستثمرين بأكثر من 63 في المائة من قيمة مؤشرها العام! واليوم نقف في مفترق الطرق أمام اقتصاد ينبض بالقوة يحمل على يديه سوقاً خائرة القوى! وما يجعلني أؤكد خطورة استمرار التناقض في السياسات الاقتصادية الكلية وتنفيذها، أنه لم يُلاحظ إلى الآن أي تحركٍ حقيقي لسد هذه الثغرة، وكل ما أخشاه أن تكون هذه الثغرة مستترة حتى الآن على الأجهزة والمؤسسات الاقتصادية ذات العلاقة!
القضية الثانية: ممثلة في اكتظاظ القطاع الخاص بالكثير من المعوقات التي تفوق الوصف فيما يتعلق بدورها الوطني تجاه قضايا التوظيف! فرغم الفرص المفتوحة والداعمة لهذا القطاع على مستوى الاقتصاد الوطني، ورغم ما يملكه من محفّزات ضخمة للنمو المستمر والاتساع؛ سواءً من داخله أو من خلال دعم الدولة اللامحدود لهذا القطاع "المدلل"، إلا أن أياديه "البيضاء" لم تمتد بالصورة المأمولة والمنسجمة مع دعم الدولة له إلى "حملة الملفات الخضراء". ولست بصدد الدخول في جدالٍ بيزنطي طويل مع رجالات ونساء هذا القطاع من ملاك المشاريع؛ بالخوض فيما يواجهونه من تعقيدات بيروقراطية حكومية تعرقل كثيراً – حسب قولهم - التوسّع في أنشطتهم التجارية والصناعية! إذ إن الحديث إذا تمَّ بهذه الصورة فكأننا على مائدة مفاوضات بين أعداء ألداء؛ منطقها الوحيد "المقايضة" بين أسرى وتعويضات مالية! وليست المسألة أبداً بهذه الصورة الفجّة. إنما هي مساندة ودعم وموقف مسؤول يجب أن يقفه رجالات ونساء القطاع الخاص مع الدولة لأجل الوطن الذي يحتضنهم، يوازي حجم العطاء المقدم من مختلف شرائح المجتمع الذي يمثل السوق الضخم لسلع وخدمات هذا القطاع المنتج. آمل أن نكون قد تعلمنا كثيرا من الدروس الباهظة الثمن التي تكبدناها جميعاً خلال هذا العام المكتظ بالكثير من التطورات والتداعيات الاقتصادية، التي ستظل حالاتها مواضيع بحثية ودراسية بالغة الأهمية تستحق التوقف كثيراً عنده مستقبلاً، بما فيه مصلحة عليا تقتضي السعي إلى المحافظة عليها لأجل حاضرنا ومستقبلنا. وكل عام والجميع بألف خير.