فقاعة جديدة تتكون في سوق الأسهم السعودية *
من يكتفِ بمراقبة مؤشر سوق الأسهم السعودية ليكوّن تصورا عن وضع السوق خلال الأسابيع القليلة الماضية، سيصل إلى قناعة مفادها أن السوق ارتفعت بنسبة تقل عن 30 في المائة عن أدنى نقطة وصلت إليها خلال عملية التصحيح، وهي نسبة قد تكون مقبولة بالنظر إلى حدة التصحيح التي تعرضت لها السوق. هذا الانطباع الأولي، المبني على قيمة المؤشر فقط، يخفي واقعا مختلفا تماما، فالثقل الكبير لعدد محدود جدا من الشركات المدرجة في تكوين مؤشر السوق، ترتب عليه أنه مهما بلغت حدة التذبذبات التي تتعرض لها أسعار معظم الشركات المدرجة في السوق، فإنها لا تنعكس بأي مستوى مقبول على مؤشر السوق، وما لم تكن متابعا لكل سهم بعينه، فإن مجرد متابعتك لمؤشر السوق يعطيك، في الغالب، صورة مضللة عن حقيقة أداء السوق بشكل عام.
فأسعار أسهم شركات المضاربة التي هي في مجملها شركات خاسرة أو متدنية الأداء حققت ارتفاعات مذهلة خلال الفترة التي أعقبت التصحيح، ومعظم أسعار أسهم المضاربة وصلت لمستويات كانت عندها عندما كان مؤشر السوق يتجاوز 18 ألف نقطة لا عندما كان يقف عند حاجز 13 ألف نقطة، والمحير أنه بقدر ما يكون أداء الشركة المالي أسوأ بقدر ما يكون أداء سهمها في السوق أعلى. والسؤال الذي يطرح نفسه، ما سبب هذا الوضع غير الطبيعي الذي تتصف به سوق الأسهم السعودية وتجعلها مختلفة تماما عن أسواق مالية أخرى تعرضت لتصحيح حتى أقل حدة؟ فعادة ما يتلو عملية التصحيح تراجع في عمليات المضاربة وتوجه تام نحو الشركات ذات العوائد والأداء الجيد، وغالبا ما تتصف السوق بالاستقرار ثم النمو التدريجي البطيء لا أن تتعرض أسعار الشركات الخاسرة ومتدنية الأداء لارتفاعات هائلة غير مبررة وفي فترة وجيزة، بل يحدث كل ذلك بعد انتهاء عملية التصحيح مباشرة وفي وقت لا تزال ذكرى احتراق أصابع المتعاملين في تلك الشركات حاضرة في أذهانهم تماما.
هذا الوضع الغريب يعود لعاملين: الأول، إن التراجع الذي تعرضت له سوق الأسهم السعودية لم يكن ناتجا عن تحول جذري في سبب ارتفاعها، ترتب عليه بالتالي تراجعها، وإنما حدث بسبب مختلف ومستقل تماما عن سبب الارتفاع. فارتفاع السوق كان مدفوعا في الأساس بارتفاع كبير في معدلات نمو السيولة المحلية، وبمعدلات تفوق كثيرا المتناسب مع معدلات النمو في القطاع غير النفطي السعودي. أما تراجع السوق فكان نتيجة لتولد قناعة لدى معظم المتعاملين في السوق بأن أسعار أسهم الشركات المتداولة قد بلغت معدلات مبالغا فيها جدا لا يمكن المحافظة عليها. لذا عند ظهور أول بادرة تراجع، اندفع الجميع للبيع ما سبب انهيار السوق. كون السبب الرئيسي لارتفاع السوق لا يزال قائما، نظرا لأن السيولة المحلية ما زالت تنمو بل بمعدلات قد تكون أكبر من السابق، ما يجعل السوق عرضة لارتفاع جديد مبالغ فيه، فمجرد تولد قناعة، سواء كانت حقيقية أو متوهمة، بأن أسعار الأسهم قد وصلت لمعدلات مقبولة، يجعل السوق مرشحة لدورة جديدة من الارتفاع غير المبرر. العامل الآخر الذي تسبب في هذا الوضع الغريب، هو التخوف الواضح من قبل هيئة السوق المالية من تأثير أي موقف صارم تتخذه ضد المتلاعبين في السوق، ما شجعهم على التمادي في سلوكياتهم وتحالفاتهم غير المشروعة، مستغلين نمو السيولة العالي الذي يبدو، ودون أدنى سبب واضح، أن الجهات المسؤولة عن الشأن الاقتصادي تقف عاجزة تماما عن إدارتها بأي مستوى مقبول من الكفاءة، ما خلق بيئة مناسبة للمتلاعبين في السوق، وجعلهم قادرين على دفع السوق في موجة ارتفاع جديدة خطورتها أشد من السابقة، نظرا لأنها الآن تستهدف في الغالب أسهم شركات مضاربة خاسرة ومتدنية الأداء.
وطالما بقيت الظروف المحيطة بسوق الأسهم السعودية التي تسببت سابقا في ارتفاعها المبالغ فيه قائمة على حالها، فإن السوق مرشحة للارتفاع بحدة، مكونة فقاعة جديدة قد تنفجر في وجه الجميع في أي لحظة ودون سابق إنذار، ملحقة بالغ الضرر بصغار المتعاملين في السوق. فحسب تقديرات مؤسسة النقد السعودي فإن معدل نمو السيولة المحلية خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2006 فقط قد بلغ 7 في المائة، وهو ما يفوق كثيرا معدل نمو السيولة العالي جدا المتحقق خلال كامل عام 2005 البالغ 11 في المائة. تباطؤ الجهات المسؤولة عن الشأن الاقتصادي في طرح شركات جديدة أو بيع جزء من أسهم الدولة في الشركات المساهمة أو حتى إصدار سندات حكومية تمتص فائض السيولة المحلية، واستمرار التغاضي عن مخالفات المتلاعبين في السوق، يعني أننا ما زلنا نكرر الأخطاء نفسها وبالتالي علينا تحمل النتائج نفسها.
** د. عبد الرحمن محمد السلطان - أكاديمي وكاتب أقتصادي 07/06/1427هـ
amsultan*************
http://aleqtisadiah.com/article.php?do=show&id=2503