عرض مشاركة واحدة
قديم 16-04-2006, 09:19 PM   #1
الغريب الاول
متداول نشيط
 
تاريخ التسجيل: Mar 2003
المشاركات: 2,471

 

افتراضي لكل من هو خاسر هذه النصائح ..

[‏155 ـ 157‏]‏ ‏{‏وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْاَمْوَالِ وَالْاَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ اِذَا اَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا اِنَّا لِلَّهِ وَاِنَّا اِلَيْهِ رَاجِعُونَ * اُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَاُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ‏}‏

اخبر تعالى انه لا بد ان يبتلي عباده بالمحن‏,‏ ليتبين الصادق من الكاذب‏,‏ والجازع من الصابر‏,‏ وهذه سنته تعالى في عباده؛ لان السراء لو استمرت لاهل الايمان‏,‏ ولم يحصل معها محنة‏,‏ لحصل الاختلاط الذي هو فساد‏,‏ وحكمة الله تقتضي تمييز اهل الخير من اهل الشر‏.‏ هذه فائدة المحن‏,‏ لا ازالة ما مع المؤمنين من الايمان‏,‏ ولا ردهم عن دينهم‏,‏ فما كان الله ليضيع ايمان المؤمنين، فاخبر في هذه الاية انه سيبتلي عباده ‏{‏بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ‏}‏ من الاعداء ‏{‏وَالْجُوعِ‏}‏ اي‏:‏ بشيء يسير منهما؛ لانه لو ابتلاهم بالخوف كله‏,‏ او الجوع‏,‏ لهلكوا‏,‏ والمحن تمحص لا تهلك‏.‏

‏{‏وَنَقْصٍ مِنَ الْاَمْوَالِ‏}‏ وهذا يشمل جميع النقص المعتري للاموال من جوائح سماوية‏,‏ وغرق‏,‏ وضياع‏,‏ واخذ الظلمة للاموال من الملوك الظلمة‏,‏ وقطاع الطريق وغير ذلك‏.‏

‏{‏وَالْاَنْفُسِ‏}‏ اي‏:‏ ذهاب الاحباب من الاولاد‏,‏ والاقارب‏,‏ والاصحاب‏,‏ ومن انواع الامراض في بدن العبد‏,‏ او بدن من يحبه، ‏{‏وَالثَّمَرَاتِ‏}‏ اي‏:‏ الحبوب‏,‏ وثمار النخيل‏,‏ والاشجار كلها‏,‏ والخضر ببرد‏,‏ او برد‏,‏ او حرق‏,‏ او افة سماوية‏,‏ من جراد ونحوه‏.‏

فهذه الامور‏,‏ لا بد ان تقع‏,‏ لان العليم الخبير‏,‏ اخبر بها‏,‏ فوقعت كما اخبر، فاذا وقعت انقسم الناس قسمين‏:‏ جازعين وصابرين، فالجازع‏,‏ حصلت له المصيبتان‏,‏ فوات المحبوب‏,‏ وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو اعظم منها‏,‏ وهو الاجر بامتثال امر الله بالصبر، ففاز بالخسارة والحرمان‏,‏ ونقص ما معه من الايمان، وفاته الصبر والرضا والشكران‏,‏ وحصل ‏[‏له‏]‏ السخط الدال على شدة النقصان‏.‏

واما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب‏,‏ فحبس نفسه عن التسخط‏,‏ قولا وفعلا‏,‏ واحتسب اجرها عند الله‏,‏ وعلم ان ما يدركه من الاجر بصبره اعظم من المصيبة التي حصلت له‏,‏ بل المصيبة تكون نعمة في حقه‏,‏ لانها صارت طريقا لحصول ما هو خير له وانفع منها‏,‏ فقد امتثل امر الله‏,‏ وفاز بالثواب، فلهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ‏}‏ اي‏:‏ بشرهم بانهم يوفون اجرهم بغير حساب‏.‏

فالصابرين‏,‏ هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة‏,‏ والمنحة الجسيمة، ثم وصفهم بقوله‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ اِذَا اَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ‏}‏ وهي كل ما يؤلم القلب او البدن او كليهما مما تقدم ذكره‏.‏

‏{‏قَالُوا اِنَّا لِلَّهِ‏}‏ اي‏:‏ مملوكون لله‏,‏ مدبرون تحت امره وتصريفه‏,‏ فليس لنا من انفسنا واموالنا شيء، فاذا ابتلانا بشيء منها‏,‏ فقد تصرف ارحم الراحمين‏,‏ بمماليكه واموالهم‏,‏ فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد‏,‏ علمه‏,‏ بان وقوع البلية من المالك الحكيم‏,‏ الذي ارحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك‏,‏ الرضا عن الله‏,‏ والشكر له على تدبيره‏,‏ لما هو خير لعبده‏,‏ وان لم يشعر بذلك، ومع اننا مملوكون لله‏,‏ فانا اليه راجعون يوم المعاد‏,‏ فمجاز كل عامل بعمله، فان صبرنا واحتسبنا وجدنا اجرنا موفورا عنده، وان جزعنا وسخطنا‏,‏ لم يكن حظنا الا السخط وفوات الاجر، فكون العبد لله‏,‏ وراجع اليه‏,‏ من اقوى اسباب الصبر‏.‏

‏{‏اُولَئِكَ‏}‏ الموصوفون بالصبر المذكور ‏{‏عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ‏}‏ اي‏:‏ ثناء وتنويه بحالهم ‏{‏وَرَحْمَةٌ‏}‏ عظيمة، ومن رحمته اياهم‏,‏ ان وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الاجر، ‏{‏وَاُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ‏}‏ الذين عرفوا الحق‏,‏ وهو في هذا الموضع‏,‏ علمهم بانهم لله‏,‏ وانهم اليه راجعون‏,‏ وعملوا به وهو هنا صبرهم لله‏.‏

ودلت هذه الاية‏,‏ على ان من لم يصبر‏,‏ فله ضد ما لهم‏,‏ فحصل له الذم من الله‏,‏ والعقوبة‏,‏ والضلال والخسار، فما اعظم الفرق بين الفريقين وما اقل تعب الصابرين‏,‏ واعظم عناء الجازعين، فقد اشتملت هاتان الايتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها‏,‏ لتخف وتسهل‏,‏ اذا وقعت، وبيان ما تقابل به‏,‏ اذا وقعت‏,‏ وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر‏,‏ وما للصابر من الاجر، ويعلم حال غير الصابر‏,‏ بضد حال الصابر‏.‏

وان هذا الابتلاء والامتحان‏,‏ سنة الله التي قد خلت‏,‏ ولن تجد لسنة الله تبديلا.


تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن) ‏



منقول
الغريب الاول غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس