متداول نشيط
تاريخ التسجيل: Mar 2003
المشاركات: 2,471
|
لكل من هو خاسر هذه النصائح ..
[155 ـ 157] {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْاَمْوَالِ وَالْاَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ اِذَا اَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا اِنَّا لِلَّهِ وَاِنَّا اِلَيْهِ رَاجِعُونَ * اُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَاُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
اخبر تعالى انه لا بد ان يبتلي عباده بالمحن, ليتبين الصادق من الكاذب, والجازع من الصابر, وهذه سنته تعالى في عباده؛ لان السراء لو استمرت لاهل الايمان, ولم يحصل معها محنة, لحصل الاختلاط الذي هو فساد, وحكمة الله تقتضي تمييز اهل الخير من اهل الشر. هذه فائدة المحن, لا ازالة ما مع المؤمنين من الايمان, ولا ردهم عن دينهم, فما كان الله ليضيع ايمان المؤمنين، فاخبر في هذه الاية انه سيبتلي عباده {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} من الاعداء {وَالْجُوعِ} اي: بشيء يسير منهما؛ لانه لو ابتلاهم بالخوف كله, او الجوع, لهلكوا, والمحن تمحص لا تهلك.
{وَنَقْصٍ مِنَ الْاَمْوَالِ} وهذا يشمل جميع النقص المعتري للاموال من جوائح سماوية, وغرق, وضياع, واخذ الظلمة للاموال من الملوك الظلمة, وقطاع الطريق وغير ذلك.
{وَالْاَنْفُسِ} اي: ذهاب الاحباب من الاولاد, والاقارب, والاصحاب, ومن انواع الامراض في بدن العبد, او بدن من يحبه، {وَالثَّمَرَاتِ} اي: الحبوب, وثمار النخيل, والاشجار كلها, والخضر ببرد, او برد, او حرق, او افة سماوية, من جراد ونحوه.
فهذه الامور, لا بد ان تقع, لان العليم الخبير, اخبر بها, فوقعت كما اخبر، فاذا وقعت انقسم الناس قسمين: جازعين وصابرين، فالجازع, حصلت له المصيبتان, فوات المحبوب, وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو اعظم منها, وهو الاجر بامتثال امر الله بالصبر، ففاز بالخسارة والحرمان, ونقص ما معه من الايمان، وفاته الصبر والرضا والشكران, وحصل [له] السخط الدال على شدة النقصان.
واما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب, فحبس نفسه عن التسخط, قولا وفعلا, واحتسب اجرها عند الله, وعلم ان ما يدركه من الاجر بصبره اعظم من المصيبة التي حصلت له, بل المصيبة تكون نعمة في حقه, لانها صارت طريقا لحصول ما هو خير له وانفع منها, فقد امتثل امر الله, وفاز بالثواب، فلهذا قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} اي: بشرهم بانهم يوفون اجرهم بغير حساب.
فالصابرين, هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة, والمنحة الجسيمة، ثم وصفهم بقوله: {الَّذِينَ اِذَا اَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ} وهي كل ما يؤلم القلب او البدن او كليهما مما تقدم ذكره.
{قَالُوا اِنَّا لِلَّهِ} اي: مملوكون لله, مدبرون تحت امره وتصريفه, فليس لنا من انفسنا واموالنا شيء، فاذا ابتلانا بشيء منها, فقد تصرف ارحم الراحمين, بمماليكه واموالهم, فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد, علمه, بان وقوع البلية من المالك الحكيم, الذي ارحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك, الرضا عن الله, والشكر له على تدبيره, لما هو خير لعبده, وان لم يشعر بذلك، ومع اننا مملوكون لله, فانا اليه راجعون يوم المعاد, فمجاز كل عامل بعمله، فان صبرنا واحتسبنا وجدنا اجرنا موفورا عنده، وان جزعنا وسخطنا, لم يكن حظنا الا السخط وفوات الاجر، فكون العبد لله, وراجع اليه, من اقوى اسباب الصبر.
{اُولَئِكَ} الموصوفون بالصبر المذكور {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} اي: ثناء وتنويه بحالهم {وَرَحْمَةٌ} عظيمة، ومن رحمته اياهم, ان وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الاجر، {وَاُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} الذين عرفوا الحق, وهو في هذا الموضع, علمهم بانهم لله, وانهم اليه راجعون, وعملوا به وهو هنا صبرهم لله.
ودلت هذه الاية, على ان من لم يصبر, فله ضد ما لهم, فحصل له الذم من الله, والعقوبة, والضلال والخسار، فما اعظم الفرق بين الفريقين وما اقل تعب الصابرين, واعظم عناء الجازعين، فقد اشتملت هاتان الايتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها, لتخف وتسهل, اذا وقعت، وبيان ما تقابل به, اذا وقعت, وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر, وما للصابر من الاجر، ويعلم حال غير الصابر, بضد حال الصابر.
وان هذا الابتلاء والامتحان, سنة الله التي قد خلت, ولن تجد لسنة الله تبديلا.
تفسير السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن)
منقول
|