http://www.aleqt.com/images/Header_12.jpg
حسنا فعلت "ساما"..
خضر المرهون
04/12/2005
نعم حسنا فعلت ساما.. بقرارها الأخير الخاص بتخفيض مدة التمويل الشخصي لقروض موظفي القطاعين الحكومي والخاص المحولة رواتبهم على البنوك المحلية، أن انعكاس خفض مدة التمويل الشخصي أثر بصورة تلقائية على خفض حجم القرض نفسه بحيث لا يتمكن المقترض من الحصول على أكثر من 17 ضعف راتبه الشهري بعد أن كان يحصل على 28 ضعف الراتب بمعنى أن الموظف الذي كان يستحق 280 ألف ريال لن يحصل الآن سوى على 170 ألف ريال وقد اعتبر بعض الموظفين هذا القرار بالمجحف خاصة وإن مؤسسة النقد لم تصرح عن أسبابه، إلا أنه يعتقد على نطاق واسع أن هناك جملة من الأسباب الموضوعية والإيجابية من وراء القرار تصب جميعها في خانتي الوضعين الاجتماعي والاقتصادي.
ولو تطرقنا للصعيد الاجتماعي لوجدنا أن الثقافة التمويلية لدى أفراد المجتمع السعودي من موظفي القطاع الحكومي والخاص وكذلك المقيمين من أصحاب الرواتب المتوسطة والعالية قد تغيرت بصورة كبيرة جدا، حيث تحولت هذه الثقافة من ثقافة تمويل الاحتياجات الأساسية إلى ثقافة التمويل الاستهلاكي وبعضها إلى ثقافة التمويل الاستثماري، وانتشرت هذه الثقافة طولا وعرضا لتشمل السواد الأعظم من أصحاب الدخل المحدود الذي وجد ضالته في قروض البنوك، ليتحول معها المجتمع بصورة دراماتيكية وسريعة إلى مجتمع مدين بامتياز خاص، إذا ما علمنا أن حجم التمويل الشخصي الممنوح من البنوك قد ارتفع بنسبة 600 في المائة خلال الفترة من عام 2000 إلى منتصف 2005، وهذه النسبة بلا شك عالية جدا بمقاييس نمو التمويل الشخصي حتى في إطار معرفة طبيعة التداعيات التي رافقت طرح برامج التمويل خلال السنوات الخمس الأخيرة، ولعل من المخيف أن تتحول ثقافة الاقتراض إلى ثقافة مقبولة بل ومطلوبة لدى معظم الأسر السعودية حتى أصبح الحديث عنها من المسلمات الطبيعية في مجتمعنا، ولعله من الأمور الجيدة في هذا القرار أنه لن يتمكن المقترضون الحاليون من الحصول على تمويل تكميلي جديد ما لم يسدد النسبة الكبرى من المبلغ القائم، وهذا يعني تقليص دورة القرض الحالي إلى حدود أدنى، إلا أنه من جهة أخرى لا يتوقع لهذا القرار أن يضر بأرباح البنوك من عمولات التمويل فبالرغم من تخفيض مدة السداد وحجم القرض إلا أن لديها من البرامج ما تقنع به المقترض من إعادة الحصول على تمويل جديد قبل نهاية تمويله القائم وهذا يعني استمرار دورة التمويل إلى فترات استحقاق أطول ولكن على مراحل.
ويبقى المفهوم القائم لدى الشريحة المتوسطة من أصحاب الدخل المحدود هو المقلق حقا مع تحول هذه الشريحة إلى الاقتراض من أجل الاستهلاك الكمالي بدلا من تلبية الحاجات الأساسية وإن كان بعضها تحول إلى الاستهلاك الاستثماري عبر تجربة تعظيم الثروة من خلال سوق الأسهم المحلية، التي وبلا شك تميزت عن المنافذ الأخرى بثلاثة عوامل رئيسية، هي: ارتفاع العائد فيها حتى وصلت خلال السنتين الأخيرتين إلى 400 في المائة، ولا يوجد حسب علمي وربما علمكم أن استثمارا شرعيا يدر على صاحبه عائدا يبلغ 200 في المائة خلال عام واحد، والعامل الثاني هو سهولة تسييل الأسهم في أي لحظة بعكس الأصول العينية الثابتة، والأمر الثالث ضعف وقلة المنافذ الاستثمارية.
وبصورة خاصة أن الطريقة التي تصرف بها معظم المقترضين نحو التوسع بأسلوب غير مسبوق لطرق كافة القنوات التمويلية المتاحة من بنوك وشركات تقسيط وبطاقات ائتمان خاصة في ظل الاحتياجات الأساسية من تسديد أجرة السكن وفواتير الخدمات العامة وأقساط مدارس الأبناء وراتب الخادمة.. الخ، أنذرت بحالة خطرة من انهيار اجتماعي في سلوكيات أكبر شريحة في المجتمع وهي شريحة أصحاب الدخل المتوسط، فكيف يمكن لصاحب الراتب المحدود أن يسدد كل التزاماته بيسر وسهولة وهو يدفع كل راتبه لسداد التزاماته دون أن يتمكن من تلبية حاجاته الأساسية، وهو ما دعا بالكثيرين من هذه الشريحة أن يتجهوا إلى إعادة تجديد القرض ودفع مزيد من العمولات لصالح البنوك، وإذا ما رفضت هذه البنوك التجديد بسبب كثرة التزامات الشخص التمويلية فإنه يلجأ إلى بعض أصحاب رؤوس الأموال الذين أخذوا يمارسون دور المقرضين خارج النظام المصرفي دون ضوابط وفي ظل شروط تعجيزية ومجحفة.
نتوقع من "ساما" أن تواصل خطواتها التصحيحية لسوق التمويل الشخصي، بحيث تشمل أيضا وضع ضوابط جديدة للحد من تسهيلات محافظ الأسهم، ونطالبها بالتدخل للحد من حجم هذه التسهيلات، حيث أصبحت أشبه بالبركان الذي ينتظر الانفجار.
فمن غير المعقبول أن تقدم بعض البنوك تسهيلات ائتمانية تعادل ثلاثة أضعاف قيمة المحفظة الاستثمارية في ظل سوق يتصف بتذبذ كبير في حركة سعر السهم، خاصة إذا ما علمنا أن بعض هذه المحافظ يصل حجم أصولها إلى مئات الملايين من الريالات أغلبها لمستثمرين غير صاحب المحفظة وضعوا ثقتهم في أصحاب المحافظ.
إن أي حركة تصحيحية كبيرة للسوق ستؤدي إلى انهيار بعض المحافظ القائمة، خاصة تلك التي تستثمر معظم أصولها في أسهم المضاربات، وبالمناسبة فإن أبسط التقديرات تشير إلى أن أسهم المضاربات والمقدر عددها حاليا بـ 25 شركة في حاجة إلى تصحيح سعري بنسبة 70 في المائة، في حين أن التذبذب المسموح به في التسهيلات الممنوحة مقابل المحافظ لا يتجاوز في المتوسط نسبة 30 في المائة، وهذا يعني أن أصحاب هذه المحافظ قد يدخلون مرحلة الخطر الحقيقي وقد يفقدون مكتسباتهم الربحية التي تم جنيها خلال العام الجاري والسابق، خاصة في إطار التوقعات أن يكون عام 2006 عام تصحيح حقيقيي في مسار سوق الأسهم في ظل تحركات لإحياء الأنشطة الاستثمارية الموازية كالعقار والصناعة على الصعيدين الحكومي والخاص، وبدأ كبار المستثمرين بإعادة ترتيب سياساتهم ووضع خطط لإنشاء مشاريع قدرت حتى الآن بعشرات المليارات من الريالات.
هل يعيد المقترضون الجدد مفهومهم لثقافتهم التمويلية.. خاصة مع انخفاض حجم التمويل الجديد؟.
* كاتب ومصرفي، عضو الجمعية السعودية للإدارة