Al Jazirah NewsPaper Saturday 15/10/2005G Issue 12070الاقتصاديه السبت 12 ,رمضان 1426 هـ 15 أكتوبر 2005 م العدد 12070
مع هجرتهم في أسراب للبيئة الاستثمارية الإماراتية
دانة الغاز: رسالة غير مباشرة سطرها السعوديون ولم تقرأها هيئة السوق المالية
* تحقيق - منيرة المشخص:
غردت كثيراً البيئة الاقتصادية الإماراتية في مناخ الخليج، نتج عنها توفر قنوات استثمارية خصبة أغرت أسراب من السعوديين للهجرة إليها، مبتعدين عن التضاريس الجافة والأوعية الاستثمارية الشحيحة في بيئتهم القديمة.
ومع تدفق جداول السيولة السعودية إلى الإمارات وعت الأخيرة إلى التغيرات الجديدة القادمة من البيئات الأخرى التي يمكن أن تحدث لبيئتها الاستثمارية بالاستفادة المستقبلية إلى ضرورة توسيع رقعة الاستثمارات عبر توفير فرص جديدة لاستيعاب الأسراب الزائرة من دول الجوار.
أحد تلك الأمثلة هو اكتتاب دانة غاز الإماراتية التي فاق حجم قيمة الاكتتابات فيها 288 مليار درهم وفي المقابل وجد السعوديون رغم تجربتهم الأولى للهجرة الاستثمارية بالشكل الذي حدث أنهم أمام فرصة حقيقية ميسرة لها خلفيات داعمة مع السمعة التي تحظى بها الإمارات في مجال الاستثمار وما يحمله المواطنون من تجارب استثمارية فقيرة نسبياً في وطنهم.
لكن المناخ الاستثماري الذي تدفق على السعوديين لم يكن بحجم تطلعاتهم من الناحية العملية فوقعت أحداث مؤسفة عند اكتتاب السعوديين في دانة غز، وتدفقهم بالآلاف على دولة الإمارات العربية المتحدة، وتدافعهم الشرس على البنوك لفتح الحسابات، واستغلال ذلك من قبل البنوك والفنادق والعديد من المرافق العامة من إساءة معاملة لهم مثل بيع شهادات الاكتتاب عليهم بقيمة 500 درهم وانخفاض قيمة الريال السعودي أمام الدرهم الإماراتي وغيرها من الأحداث التي كشفت واقعا مريرا عاشه السعوديون وكل هذا حدث أثناء احتفالنا بأول إجازة رسمية في يومنا الوطني!!.. هل هي مصادفة أم غير ذلك؟.. الله وحده يعلم.
ونحن هنا نتساءل لماذا حدث كل ذلك؟ ومن الملام في ذلك؟ وما هو الحل لمنع حدوث مثل ذلك مستقبلاً؟ كل هذه التساؤلات وغيرها طرحناها على عدد من الاقتصاديين وأجابوا عليها.
بداية دعونا نذكر بعضا من تلك الأحداث لكي نصور الواقع المرير الذي عاشه السعوديون تلك الأيام وإن كانت وسائل الإعلام المختلفة لم تتوان عن بث الصور بالصوت والصورة ومن المؤكد أن الصورة أبلغ.
أحداث عاشها أهلها
على أرض الواقع
يقول أحد المكتتبين: لن أنسى منظرنا ونحن واقفون أمام البنوك بالآلاف نريد الحصول على استمارة اكتتاب فيخرج علينا عامل آسيوي من الداخل ويقوم ببيع الواحد بخمسمائة درهم وعندما حاولنا الاعتراض أصر فاضطررنا للشراء فقيمة السهم لم نحلم بها.
وآخر يقول عندما نذهب إلى مطعم أو فندق ويعرفون أننا سعوديون يصرفون المائة ريال بخمسة وثمانين درهما مع أن سعره الحقيقي 99 درهما، وثالث يقول: لقد أمضيت الليل بطوله أمام البنك حتى اليوم الثاني ولا أدري كيف أصف لكم الزحام الشديد والتدفق الهائل الذي شاهدته وكدت أن أكمل يومي في المستشفى لولا لطف الله للأعداد الهائلة من البشر فالسعودية تحتفل بأول إجازة رسمية في يومنا الوطني ووسائل الإعلام المختلفة احتفلت بنا على طريقتها الخاصة!!
بعد تعرفنا على جزء يسير من تلك الأحداث توجهنا إلى الاقتصاديين لمعرفة رأيهم:
وسائل الإعلام أهم هذه الأسباب
بداية تحدث الأستاذ أحمد عقيل الخطيب مخطط مالي ومدير ثروات معتمد فقال: لقد كان لتجربة المواطنين السعوديين في الاكتتابات بدءا من اكتتابهم في شركة الاتصالات السعودية وانتهاءً ببنك البلاد الأثر الكبير على حرصهم على المشاركة في أي اكتتاب.. كما أن الهالة الإعلامية حول اكتتاب دانة غاز والإجراءات السهلة للمساهمة فيها والفكر لدى الجميع عن مدى كفاءة الشركات الإماراتية كل هذه العوامل دفعت بالكثيرين للاندفاع للمساهمة في دانة غاز.
ويذكر الأستاذ الخطيب أن هناك عددا من الجهات التي يمكن أن يقع عليها اللوم في حدوث هذا وهي التي دفعت السعوديين لذلك فقال: هناك عوامل كثيرة للأسف تفاعلت مع بعضها ودفعت المواطنين السعوديين للتدافع على هذا الاكتتاب منها: كبر شريحة ذوي الدخل المتوسط لدينا، وفي الغالب فإن هذه الشريحة للأسف ينقصها الوعي الاستثماري الكافي، كذلك أن وسائل الإعلام لم تذكر لهم أي شيء عن الاكتتاب في دانة غاز من توقعات وتحليلات لنتائج الاكتتاب وما سيتمخض عنه ولو عرف كل شخص أنه سينتهي به الأمر بنسبة تخصيص 0.5% أو أقل لما تحمل مشاق السفر وصارع وزاحم للدخول في هذا الاكتتاب.
وينفي الخطيب أن سبب ذلك هو استئثار البنوك لدينا في قطاع الاستثمار حيث قال: إن ذلك غير صحيح على الإطلاق بل على العكس فهناك قنوات استثمار عديدة بدءًا بالتجارة والعقار وانتهاءً بأوعية الاستثمار التي توفرها البنوك، ولكن هناك عاملين رئيسيين يجب التعامل معهما الأول: توقعات المستثمرين السعوديين للأرباح حيث اعتادوا على تحقيق أرباح طائلة خلال السنوات الثلاث الماضية.
ثانياً: قلة الأطروحات الجديدة وإذا بالفعل تم طرح شركات للاكتتاب العام فإن حجمها صغير جداً إذا ما تمت مقارنته بالسيولة العالية المتوفرة في النظام.
وحول ما إذا كان هناك إمكانية لفتح المجال لغير المؤسسات المالية في مجال الاستثمار؟.. قال: نعم فلقد صدرت اللوائح الخاصة بتنظيم شركات وساطة وإدارة محافظ جديدة كذلك فتح السوق للبنوك الأجنبية بالتأكيد فكل ذلك سيجلب معه أفكاراً وأوعية استثمارية جديدة.
ويضع في نهاية حديثه عدداً من الحلول لمنع حدوث ذلك مستقبلاً حيث قال: هناك عدد من الحلول منها: التوعية، يجب على وسائل إعلام الاستثمار توعية المواطنين السعوديين عن جدوى مثل هذه الاكتتابات، والتطرق إلى المخاطر الاستثمارية الناتجة عن المشاركة في أسواق أسعارها مرتفعة جداً، أهمية توزيع الأصول الاستثمارية، كذلك الإسراع في طرح شركات جديدة للاكتتاب العام مثل البنك الأهلي والخطوط السعودية وطرح جزء من حصص الدولة في شركات مساهمة كثيرة وذلك لامتصاص السيولة العالية في الاقتصاد.
ارتفاع أسعار البترول
والغاز هو السبب
وحول نفس الموضوع تحدث لنا الدكتور محمد الجبريون المسهر أستاذ الاستثمار والتمويل حيث قال: هناك عدة أسباب أدت لحدوث ذلك منها: الانخفاض الملحوظ لسعر السهم في دانة غاز وهو ما يجعل ذوي الدخل المحدود يتدفقون بغزارة للاكتتاب فالذي لديه مثلاً (10.000 ريال) أو أكثر من ذلك أو أقل فإنه سيكون باعتقاده أنه سيحصل على عدد كبير من الأسهم وهكذا فبمجرد سماعه أن قيمة السهم هو درهم واحد كفيل أن يهرع لشراء أكبر عدد ممكن من الأسهم بغض النظر عن الذي سيخسره وهكذا، كذلك لو رجعنا إلى الشركة نفسها وأعني دانة غاز هي شركة غاز ونحن نعلم أن البترول والغاز سوف ترتفع أسعارهما وه1ا اعتقاد أصبح حاسماً لدى الجميع تقريباً في المنظور القريب، إذاً فهذان القطاعان أرباحهما مضمونة من وجهة نظرهم بإذن الله، أيضاً عدم توفر قنوات استثمار في المملكة بدرجة كافية لسحب السيولة المتدفقة في السوق والناس بحاجة إلى استثمار أموالهم، لذا فهم يبحثون عن أي مجال وبأقل الأسعار.
وعند سؤالنا له: هل نلقي باللوم حول ما حدث على هيئة السوق المالية؟ أم أن هناك جهات أخرى ملامة؟.. فأجاب: نحن هنا لا يجب أن نلقي بأي لوم على هيئة سوق المال فهي غير مطالبة بفتح الأبواب على مصراعيها لأي شركة لكي تطرح أسهمها للاكتتاب ما لم تكن الهيئة متأكدة أن تلك الشركة تتوفر فيها الظروف والشروط الملائمة لطرح أسهمها كأن تكون قوية ولها ثقلها في السوق.
ويستطرد المسهر في حديثه قائلاً: لكنني ألوم هنا صندوق الاستثمارات العامة الذي يجب عليه أن يطرح أسهم عدد من القطاعات التي تملكها الحكومة للاكتتاب مثل: سابك وشركة الاتصالات والبنك الأهلي والخطوط السعودية وذلك لتوسيع دائرة الأسهم لامتصاص السيولة.
ويختم الدكتور المسهر حديثه بقوله: كذلك يجب على ساما أن تمارس ضغطها على البنوك لتطرح أكبر عدد من أسهمها للاكتتاب لسحب السيولة من السوق والتي تسبب ثقلاً عليه، ويجب أن تخفض القيمة الاسمية للسهم ويفضل أن تصل إلى سعر يكون في متناول الجميع لكي لا يحدث لا قدر الله مستقبلاً ما حدث في دانة غاز في شركات أخرى سواء في الداخل أو الخارج.
انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية سيسهل
وصول الآخرين إلينا
الدكتور سليمان بن عبدالله السكران أستاذ العلوم المالية المشارك قال: إن السباق المحموم إلى الاكتتاب في دانة غاز يمكن أن ينظر إلى أنه نتيجة لعدة أسباب من المنتظر أن يتأمل المتابعون وصانعو القرار الاقتصادي إليها، إذ يجب التعمق في مسبباتها، وفي تقديري أن هناك أسباباً عديدة هي بلا شك نتيجة لسياسات اقتصادية تشترك فيها جهات مختلفة علاوة على ما يمكن أن ينسب إلى السلوك الاستثماري ووجود مناخ وبيئة يساعدان على مثل ذلك.
ويتطرق الدكتور سليمان إلى الأسباب قائلاً: محدودية منافذ الاستثمار، خصوصاً الصغيرة منها وعدم تشجيع المؤسسات الصغيرة، التي ينادي بها الاقتصاديون والمؤسسات الراعية للتنمية الاقتصادية من أكبر أسبابها هذا النزوح الذي لن يكون الأخير إذا ما استمرت دوائرنا الاقتصادية بالاهتمام برؤوس الأموال الكبيرة فقط، ولسنا هنا في موقع توجيه أصابع اللوم لجهة محددة، وذلك لكونها منظومة تراكمية تتشارك فيها غالبية الدوائر الحكومية ذات العلاقة بديناميكية الاقتصاد.
غير أن هناك جهات أقرب إلى واقع الحال من هذه الدوائر وهي المسئول الأول، فمثلاً.. الهيئة العامة للاستثمار تعتبر جهة مسئولة عن الاستثمارات الصغيرة والكبيرة المحلية منها والخارجية، ولكن التركيز الذي نسمعه إعلامياً على الأقل هو الاستثمارات الأجنبية، خصوصاً الكبيرة منها، وهي جزء بلا شك كبير ومهم، غير أن الاستثمار المحلي الصغير لم ينل قدراً كافياً من الانتباه، ولذلك تراكمت المعوقات أمام الاستثمارات الصغيرة، مما أدى إلى عدم وجود بيئة ملائمة لها.
وبخلاف ما قاله الدكتور (المسهر) بعدم إلقاء اللوم على هيئة السوق المالية، فإن الدكتور (سليمان) يلقي عليها نوعاً من اللوم، حيث قال: إن محدودية فرص الاستثمار ومنافذه قد تلام عليه أيضاً الجهة المسئولة عن سوق رأس المال، وهي هيئة السوق المالية، فالتشجيع على إدراج الأسهم بالشكل الصحيح بما في ذلك نسب التملك وعدم استئثار أصحاب الأموال الكبيرة بالنسب العليا، والتشريعات الخاصة بالسوق المتعلقة بهيكلة الاقتصاد وغير ذلك من الجوانب التي تقلل من ادعاء سوق الأسهم.. كلها عوامل تراكمت للوصول بنا إلى هذه الحال، يضاف إلى محدودية الفرص الاستثمارية وبطء عملية التخصيص خصوصاً للقطاعات التي تعتبر ذات جدوى اقتصادية واضحة مثل: النقل الجوي والتعدين وغيرهما وهذه الصناعات بلا شك تفتح آفاقاً استثمارية جديدة من القاعدة الإنتاجية والاستثمارية.
ويعود مرة أخرى للحديث عن دانة غاز بقوله: حين الحديث عن دانة غاز لا يمكن تجاهل سلوك المستثمر السعودي وتدني الوعي الاستثماري حيث أجزم بأن هناك نسباً كبيرة لم تتكلف بالاطلاع على كيفية الاكتتاب وأسلوبه في سوق الإمارات المالي، والذي يختلف عن أسلوب السوق السعودي، ناهيك عن هذه الشركة المراد الاكتتاب فيها والصناعة التي ستكون فيها، حيث درج كثير من المستثمرين -للأسف- سواء في سوق الأسهم الآن أو غيره باتباع سياسة التغريد مع السرب.
ويختتم الدكتور (السكران) حديثه بنظرة تفاؤلية للمستقبل حيث قال: على أي حال ليس هناك ثمة ما يدعو إلى تعظيم هذا السلوك والسباق إلى الفرص الاستثمارية خارج حدود الاقتصاد السعودي وذلك لكون المملكة قريباً ستكون في قائمة عضوية النادي الدولي وهو منظمة التجارة العالمي حيث سيكون أسهل على الآخرين للوصول إلينا وفي ذلك سيتنافس الجميع اقتصادياً.