ثلاثة مشاريع للزيت والغاز شرق السعودية تتقدم بوتيرة سريعة وتشديد على إشراك القطاع الخاص
رئيس «أرامكو» السعودية يبحث في اجتماعه برؤساء شركات المقاولات العالمية سير أعمال المشاريع العملاقة
في إطار التحرك السريع الذي تقوم به السعودية للإيفاء بخطط توسعها الإنتاجي عبر استثمارات عدة في مجالي النفط والغاز، شهدت مدينة ميلانو، عاصمة الأزياء والصناعة والتجارة الإيطالية، لقاء صناعيا رفيع المستوى جمع بين عدد كبير من رؤساء كبريات شركات الهندسة والإنشاء العالمية مع قياديين من شركة «أرامكو» السعودية، الذراع التنفيذي لوزارة البترول والثروة المعدنية السعودية، لتبادل الأفكار ومراجعة سير العمل في ثلاثة مشاريع حيوية للزيت والغاز، لا سيما أن بعض تلك المشاريع ينتهج أساليب مبتكرة في التنفيذ. وذكرت مصادر مسؤولة في «أرامكو» السعودية لـ«لشرق الأوسط»، أن قيادات تلك الشركات أكدت خلال الاجتماع، أن هذه المشاريع تشكل أولوية بالنسبة لها، وعبرت عن التزامها الجماعي بالعمل على إنجازها في موعدها المحدد، رغم التحديات التي يواجهها قطاع الإنشاءات الصناعية العالمية لمواكبة الاستثمارات العديدة المطروحة حول مستوى العالم، لزيادة إمدادات الطاقة التي تقبل من وجهة نظر العديد من المحللين على فترة محرجة. وقد تميز الاجتماع، الذي استمر ليوم كامل، بعروض مكثفة وشاملة قدم فيها ممثلو كل شركة عرضا حول سير العمل في الجزء الخاص بهم من مشاريع برنامج النفط الخام والغاز الطبيعي في الخرسانية، وبرنامج الغاز في الحوية، ومشروع توسعة معمل سوائل الغاز في الجعيمة، التي تقع شرق السعودية. وقد تناولت العروض مراجعة نطاق العمل، وجداول التنفيذ وسبل تحسينها والاطمئنان على موثوقية طلبات المواد والمعدات الهندسية وأجزاء المعامل التي تحتاج إلى تصنيع متخصص وفترة زمنية مسبقة لتصنيعها. كما تمت مراجعة نسبة الإنجاز على صعيد الأعمال الهندسية، وتوريد المواد وأعمال الإنشاء، وزيادة حصة القطاع الخاص الوطني وتوفير فرص عمل للسعوديين في تلك الأعمال الإنشائية العملاقة. كما ناقشت العروض أداء أعمال كل مشروع بالنسبة لسجل السلامة والمحافظة على البيئة.
الجدير بالذكر، أن مشاريع الغاز التي تشغلها شركة «أرامكو» السعودية تقوم بتغذية صناعة البتروكيماويات في السعودية، التي تشهد توسعاً كبيراً في المرحلة الحالية، بما تحتاجه من الغاز الطبيعي لاستخدامه كوقود لمعاملها أو كلقيم يستخرج منه العديد من منتجاتها. وقد حضر الاجتماع رؤساء ومسؤولون تنفيذيون من شركات بكتل وجنرال دينامكس وجنرال اليكتركس من الولايات المتحدة الأميركية، بينما حضره رؤساء شركات سنامبروجيتي وتكنيب الإيطالية وشركات جي جي سي ويوكوجاوا اليابانية وشركة تكنيكاس ريونيداس الإسبانية، بينما حضره من «أرامكو» السعودية رئيس الشركة وكبير ادارييها التنفيذيين، عبد الله بن صالح بن جمعة وفريق من أعضاء الإدارة العليا والتنفيذية ومديرو المشاريع المطروحة للنقاش. وقد افتتح الاجتماع علي العجمي، نائب الرئيس لإدارة المشاريع في «أرامكو» السعودية، الذي أشار إلى الأهمية الحيوية لتلك المشاريع، قائلا «إن عقد مثل هذا الاجتماع الرفيع، هو أحد الممارسات التي تحرص عليها «أرامكو» السعودية في مشاريعها العملاقة، لتبادل الخبرات وتعزيز القدرة على التعلم والاستفادة من التجارب، وكذلك لبناء روح الفريق بين مختلف المقاولين وتحقيق أقصى درجات الالتزام على مستوى القيادة، لكون تلك المشاريع وما تنطوي عليه من تقنيات متطورة وتفاصيل متشعبة وجداول زمنية صارمة، يتطلب تنسيقها وتنفيذها العمل الجماعي وتظافر جهود مؤسسات وأفراد كثيرون ذوي ثقافات وخلفيات متنوعة من أنحاء العالم».
وفي لفتة مازحة شبه شيجي هيسا، رئيس مجلس إدارة جي جي سي، ذلك الحشد المميز من رؤساء شركات المقاولات والهندسة العالمية بدورة أولمبية للمنافسة بين أداء الشركات، مؤكدا أن التحدي أمامهم كبير، وضرب مثلا على أن حجم أعمال الفولاذ في الجزء الخاص بشركته من مشروع سوائل الغاز الطبيعي في الحوية، يبلغ نحو 53 ألف طن، وهذا الرقم يمثل أكثر من سبعة أضعاف حجم الفولاذ المستخدم في برج ايفل الشهير. من جهة أخرى قال رئيس بكتل إن «المشروع مهم بالنسبة لنا ونحن ملتزمون به. إننا في بكتل ننتقي بعناية المشاريع التي ندخل فيها، وقد اخترنا الدخول مع تكنيب لإنجاز مشروع الغاز الطبيعي في الخرسانية، وهو مشروع رائع ومعقد، وقد وضعنا له مجموعة من أفضل الكفاءات الهندسية والقيادية لدينا، وهو يحظى بالمراجعة والإشراف عليه من رأس الهرم في بكتل». وقال دانيل فالوت رئيس مجلس إدارة شركة تكنيب «إن أرامكو السعودية، تقود الطريق بالنسبة لصناعة النفط العالمية، من خلال النموذج المبتكر الذي طرحته في صياغة عقد برنامج مشاريع الخرسانية، لكون هذا النموذج المسمى converted LSTK، يجمع بذكاء بين نموذجين سائدين في الصناعة، ويساعد في تقليص الفترة الزمنية لتطوير وتنفيذ المشاريع بشكل كبير، ويوزع تحمل المخاطرة بدرجة أكثر كفاءة بين شركات المقاولات ومالك المشروع». وأكد أنه يسعى لتشجيع تبني هذا النموذج بشكل أكبر مع عملاء تكنيب الآخرين. وقال كريدي رئيس شركة سنامبروجيتي، إننا نعتز بعلاقاتنا القديمة والقوية مع «أرامكو» السعودية، وتشكل لنا المشاريع الحالية فرصة لترسيخ هذه العلاقة وتنميتها. وقد كان نجاحنا وقدرتنا في تحقيق التحسينات في المشاريع يعزى في جزء مهم منه إلى التشجيع المميز من قبل «أرامكو» السعودية وسعيها لفتح آفاق واتجاهات جديدة في أساليب العمل.
وفي تعليقه على الشروح التي قدمتها الشركات، قال سالم آل عائض، النائب الأعلى للرئيس للهندسة والتشغيل في «أرامكو» السعودية، إن أمله في ألا يقتصر الالتزام على تلك المشاريع، ولكن على العلاقة طويلة المدى مع «أرامكو» السعودية والمملكة، وقال «في حين أننا نقدر أشد التقدير وفاءكم بالتزاماتكم التعاقدية وزيادتكم عليها في بعض الأحيان من حيث نسبة السعودة وإشراك القطاع الخاص المحلي وقيام البعض منكم بمبادرات مميزة، إلا أننا نتطلع لرؤية مبادرات جديدة من جانبكم تحقق اختراقات ونقلات نوعية، وألا تكتفوا بما تمليه العقود، لكوننا مقتنعين بأن ذلك يخدم المصلحة التجارية لجميع الأطراف على المدى الطويل». وفي الكلمة الختامية للقاء أشار عبد الله بن جمعة إلى «أن اليوم الوطني للمملكة فرصة تدعو لتدبر الدور العالمي المميز للسعودية، وما تبذله من جهد دؤوب لرفع طاقتها الإنتاجية بما يتواكب مع ما أنعم الله به على البلاد من ثروات طبيعية كبيرة. والمملكة من خلال السياسات الحكيمة التي وضعتها قيادتها تسعى بكل مسؤولية للمحافظة على نمو الاقتصاد المحلي والعالمي، عبر العمل على استقرار أسواق الطاقة». كما خاطب رؤساء الشركات قائلا «إن مشروع الخرسانية الذي ينتج 500 ألف برميل من الزيت الخام، رغم ضخامته، إلا أنه واحد من سلسلة من المشاريع العملاقة التي تخطط لها «أرامكو» السعودية، وبدأت في تنفيذ البعض منها، وسيتم إكمالها، إن شاء الله، على مدى الخمس السنوات وما وراءها. وتقديرا لحجم التحدي الناجم من حساسية المشاريع وتعقيداتها وضخامتها، قال عبد الله بن جمعة، مخاطبا المسؤولين في شركات الهندسة والإنشاءات، «إني على ثقة بأن العقول المجتمعة في هذا اللقاء تمتلك من القدرات والطاقات والمواهب ما يجعلها قادرة على تحقيق أفضل مستوى من الإنجاز لتلك المشاريع، وما عليكم إلا أن تشمروا عن سواعدكم لبلوغ مستويات جديدة على صعيد التنفيذ». وأعرب عن أمله في أن يفوز أحد هذه المشاريع بجائزة أفضل مشروع في العالم، التي سبق أن حصلت عليها مشاريع «أرامكو» السعودية في كل من الحوية وحرض عامي 2002 و2004. يذكر أن مسؤولي سنامبروجيتي قدموا عرضين، تناول أحدهما مرافق معالجة وضغط الغاز الطبيعي في مشروع حرض. بينما تناول العرض الآخر مرافق الزيت الخام في مشروع الخرسانية. كما قدم مسؤولو جي جي سي عرضا حول الجزء الخاص بمرافق سوائل الغاز الطبيعي في مشروع حرض. وقدم مسؤولو تكنيكاس ريونيداس عرضا حول مشروع سوائل الغاز في الجعيمة، وقدم مسؤولو تكنيب وبكتل عرضا مشتركا، يمثل التحالف بينهما لإنجاز مشروع الغاز الطبيعي في الخرسانية، الذي تبلغ طاقته بليون قدم قياسية مكعبة في اليوم. كما قدم مسؤولو جنرال دينامكس آخر المستجدات حول أعمال المشاريع المتعلقة بتصميم وتوريد وتركيب أنظمة الاتصالات وتجهيزات الألياف البصرية وشبكات الهاتف والبيانات ونظام اتصالات الطوارئ. وقدم مسؤولو جنرال إليكتركس عرضا حول توربينات الغاز ومعدات متطورة لضغط الغاز الطبيعي والبروبان، وسيشهد عالم الصناعة استخدام بعض منها للمرة الأولى في مشروع الحوية. وقد كان آخر العروض المقدمة من شركة يوكوجاوا، وهي رائدة عالمية في مجال أنظمة المراقبة والتحكم والأتمتة، التي تعتبر في المعامل والمشاريع الصناعية الحديثة من الجوانب الحيوية. وقد أعلن رئيس شركة يوكوجاوا أن شركته، من باب تأكيد التزامها بخدمة النهضة الصناعية السعودية، ستقوم في نهاية العام الحالي بتدشين أول مركز لها في السعودية بمدينة الخبر، مما سيساعد في جهود نقل التقنية المتقدمة ويعزز خدمتها للعملاء في تلك المنطقة الحيوية من العالم.