عرض مشاركة واحدة
قديم 18-08-2005, 02:14 AM   #1
د. علي دقاق
مستشار اقتصادي
 
تاريخ التسجيل: Dec 2003
المشاركات: 984

 

افتراضي عوائد النفط والتوازن المفقود ...

:619:


الرأي




عوائد النفط والتوازن المفقود


د. علي دقاق
17/08/2005
منذ فترة ليست بالقصيرة، خاصة الفترة بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، بدأت تحركات أسعار النفط تلفت انتباه حتى غير المتخصصين، ولم يكن ذلك مستبعدا ولا مستغربا فالنفط سلعة حضارية وعالمية واستراتيجية تخضع للعديد من المتغيرات الاقتصادية وغير الاقتصادية، وبصفة خاصة السياسية (فنزويلا) والجيوسياسية (إيران). فمنذ ما يقارب العامين أو أكثر دخلت سوق النفط تجربة مختلفة نوعاً ما عما كان يحصل في السابق، حيث لفت الارتفاع التدريجي والمتواصل للأسعار الانتباه إلى العديد من المتغيرات وبدت الاجتهادات تتوالى في إعطاء الأوزان المختلفة والمتفاوتة للمتغيرات الاقتصادية (العرض والطلب) والفنية (التقنية) والسياسية (فرض الطاقات البديلة) والسلطوية (القطب الواحد) والبيئية، إضافة إلى اختلاف الثقافة المعيشية، خاصة بين الدول المنتجة الأقل قرباً من الواقعية المعيشية والدول المستهلكة، خاصة المتقدمة التي تعتبر الأكثر قرباً من الواقعية المعيشية بسبب اعترافها بالعلاقة المصلحية فيما يتعلق بالنفط .

كل هذه المتغيرات بدأت تظهر على السطح وبأوزان مختلفة كان آخرها ومن باب متغير السلطوية عنوان نشرته ''الديلى ولث'' Wealth Daily يقول العنوان: عزيزتي إيران نحن قادمون لزيارة. وهذا بالطبع مبني على ما قاله كريس ولاس من ''فوكس نيوز''. إن الرئيس الأمريكي بوش مسح مع فريق السياسة الخارجية جميع دول العالم ولم يجد سوى إشارة واحدة تثير القلق وهي إيران وبرنامجها النووي، ومن هنا نقول إن النفط كسلعة استراتيجية لا تختلف تأثيراتها السعرية وعلى جميع المستويات سواء المحلية والإقليمية أو العالمية، وأيضاً يختلف التأثير اعتماداً على الأسباب وراء هذه الارتفاعات السعرية. أسعار النفط وحتى تاريخ كتابة هذا المقال وبتجمع العديد من الأسباب تجاوزت حاجز 67 دولاراً للبرميل بزيادة (48 في المائة) عن أسعار 2004، ولن تقف عند هذا الحد طالما بقيت تلك الأسباب قائمة وخصبة للإضافة أيضاً على بعض الأسباب، حيث يشير العديد من التوقعات إلى احتمال وصول سعر البرميل إلى ما يقارب 150 دولاراً وبعض تلك التوقعات يميل إلى التحفظ ويتحدث عن أكثر من 90 دولارا للبرميل بعد ربطها بمعدل التضخم المعدل لعام 1980.

موضوعنا هنا لا يتعلق بالإمعان في الأسباب وراء ارتفاع أسعار النفط بقدر ما نريد التركيز على النتائج المتوخاة من هذه الارتفاعات. فعلى المستوى المحلي التوقعات بمداخيل كبيرة للاقتصاد السعودي تتوالى وهذا بالطبع يعني الكثير، خاصة فيما يتعلق بالانفاقات الحكومية والتي منها لا شك دفع القطاع الخاص للقيام بدور قيادي أكبر في تفعيل العملية الإنتاجية وهذه النقطة حقيقة تحتاج إلى أن نتوقف عندها للتمعن في حقيقة وواقع الاقتصاد السعودي وواقع التوازن بين الاستهلاك والإنتاج، خاصة على مستوى القطاع الخاص بشركاته ورجالاته ومساهميه. العملية الإنتاجية كما هو متعارف تقوم على التوليف بين أربعة عناصر إنتاج، وهي: العمل (القوة العاملة) والأرض ورأس المال والتنظيم، حيث يفترض (نظرياً وعلمياً) أن تكون هناك محفزات لدخول المستثمرين في دائرة العملية الإنتاجية، دائرة تقل فيها المخاطرة وتغلب عليها المنطقية ومكتملة بنظام ولوائح شاملة للحوافز والعقوبات. دعونا نتكلم عن مدى استفادتنا من التجارب السابقة بالذات في الطفرة الأولى (السبعينيات الميلادية) كيف كانت توليفة عوامل الإنتاج، العمل لم يكن جاهزاً وكان البديل جلب العمالة من الخارج وبثقافات مختلفة. الأرض: اتجه معظم رؤوس الأموال نحو هذا العنصر وغلب على النشاط التدوير وليس التطوير.
رأس المال: جمع قواه وهاجر، حيث العائد المنضبط والعلاقة الواضحة بنظام ولوائح بين الجهات الحكومية والمنظمة والقطاع الخاص.
وأخيراً التنظيم: أيضاً تم استيراده والآن شبه جاهز.

لا تقول إنها تجربة سيئة لكنها تبقى تجربة والتفكير الإيجابي يتطلب إعادة تقييم الماضي لتوجيه الحاضر واستشراف المستقبل.
فيما يبدو أن العملية الإنتاجية كانت معطلة بسبب عدم التوازن مثلا في عنصر القوى العاملة، حيث إن التوازن بين المهني والنظري كان مغيباً ومازال نسبياً.
الأرض، مازال عنصر التدوير يغلب على عنصر التطوير، وبالتالي مازالت الأرض تمثل عنصر عدم توازن في العملية الإنتاجية والمحصلة النهائية أن كفة الاستهلاك غلبت كفة الإنتاج بسبب غلاء الأرض.
من المهم أن نقيم تجربة الإصلاح الاقتصادي التي بدأناها قبل ما يقارب خمس سنوات ولكن يبقى الأهم هو أن نعترف أننا نسير ببطء يجعل من العملية التنموية تتأخر مقارنة بمن حولنا، فنحن لسنا دولة صناعية مقارنة بالدول الصناعية الثماني، وأيضاً لسنا دولة نامية كما هو متعارف كوننا نقع في قمة الدول النامية، ومن حيث الدخل نقع في مصاف الدول المتقدمة. ولا أريد هنا أن أطرح فكرة البحث عن تصنيف بقدر ما أريد البحث عن واقع نستطيع أن نخطط ونركز من خلاله على ما نريد. فهل الهدف القريب أو المتوسط أو بعيد المدى واضح؟ لا أظن... كوننا كثيراً ما نتجاهل طرح العوائق والمشاكل التي تواجهنا والتي في مقدمتها الاستلام الفكري للمشكلة. فليس من المعقول أن كل شيء تمام مع أنه غير ذلك.
إعادة التوازن بين مكونات كل عنصر وبين جميع العناصر ليست بالسهولة التي نعتقدها وبالتالي تحتاج إلى اعتراف ومن ثم التشخيص والتفكير ومنه يبدأ النظر في الحلول. تفكيرنا فيما يتعلق بحياتنا الاقتصادية لا بد أن يبنى على حوار المعيشة، كما يرى الأستاذ وهيب بن زقر، وهذا الحوار يعني توفير فرصة العمل وأحقية العائد وهذا يتطلب الالتزام بأمرين، الأول: أن هناك ثمناً لابد من دفعه لتحقيق ما نريد، والثاني: ضرورة أن يكون الاختيار متوافقاً مع الطموح حتى لا نصاب بخيبة أمل.
الآن ومع ارتفاع أسعار النفط التي تعكس حجم السيولة والقدرة المالية في السوق السعودية نتطلع إلى إعادة هذا التوازن المفقود بين عناصر الإنتاج، خاصة فيما يتعلق بعنصري الموارد البشرية والأرض. نريد تأهيلاً وتدريباً لاستغلال الفرص الكبيرة الموجودة في السوق (تدريب من أجل العمل لا من أجل الوظيفة) وفي الأرض نريد تطويراً لا تدويراً وهذا لا يتأتى إلا بنظام متكامل الدائرة.



آخر خبر: ''انقراض التعامل بالشيكات خلال 20 عاماً''


جريدة الاقتصادية
د. علي دقاق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس