«أوبك» واحتمالات السقوط
د. سالم ناصر القظيع
26/06/2005
http://www.aleqt.com/SiteImages/EqAswaq/2990.jpg
لم يظهر الدور الحقيقي لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط ''أوبك'' كلاعب مؤثر ومحرك لمتغيرات الاقتصاد العالمي كما ظهر في السبعينيات الميلادية. فقد كان لصدمة العرض الشهيرة تلك -كما يراها الاقتصاديون الغربيون ـ أثراً واضحاً على متغيرات التضخم والنمو الاقتصادي استمرت آثارها حتى بداية عقد الثمانينيات الميلادية.
كانت تلك الصدمة نذير خطر للاقتصادات المتقدمة وعلى رأسها الاقتصاد الأمريكي. فبدأت مرحلة أكثر جدية للتقليل من الاعتماد على النفط من جهة، وللتقليل من تأثير ''أوبك'' من جهة أخرى، مدفوعة بأهمية النفط كمدخل حيوي لجميع عمليات الإنتاج تقريباً. كما تزايد الاهتمام بعدها عن بدائل الطاقة المحتملة، والتي لم تنجح حتى يومنا هذا في منافسة المصدر الرئيس للطاقة ''النفط'' لاعتبارات اقتصادية وبيئية أحياناً. فالنفط كان وما زال الأقل كلفة، إضافة إلى أن بعض مصادر الطاقة الأخرى أحياناً تعتمد على النفط أصلاً لإنتاجها.
ولأن الطبيعة البشرية لا تنسى ''الأذى'' فالأمر نفسه يجري على طبيعة الدول أيضاً. فهاجس السبعينيات ما زال يراود الكثير من الاقتصادات المتقدمة -تحديداً الاقتصاد الأمريكي- خاصةً مع اعتبارات تناقص أو نضوب النفط خلال قرن أو قرنين.. وهذه المدة الزمنية قصيرة جداً نسبة إلى التاريخ الإنساني بأكمله من جهة وإلى البعد الزمني للتخطيط الاستراتيجي الأمريكي من جهة أخرى. فكان من الطبيعي أن تأخذ الاقتصادات المتقدمة وبالأخص الاقتصاد الأمريكي موقفاً سلبياً من المنظمة.. إلا أنه لم ينتج عن ذلك الموقف السلبي أي ردة فعل أمريكية قوية تجاه أوبك منذ أزمة السبعينيات وحتى الآن وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى العلاقات الأمريكية الحسنة مع بعض أعضاء المنظمة. فقد دأبت الإدارة الأمريكية على ممارسة الضغط السياسي ''اللطيف'' مع هذه الدول لزيادة الإنتاج في حالة تناقص العرض أو زيادة الأسعار.. لم يأخذ ذلك الموقف السلبي تجاه ''أوبك'' منحىً جاداً لسبب آخر يتمثل في تنامي دور المصدرين خارج المنظمة حيث تراوح إنتاجهم بين 55 و70 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي للنفط.
غير أن هناك ردود فعل على مستوى بضع مؤسسات وشركات تمثلت في محاولات متواضعة لمقاضاة ''أوبك''. فعلى سبيل المثال، في العام 1978 قامت إحدى المنظمات العمالية الأمريكية (International Association of Machinists and Aerospace Workers) بتبني قضية ضد سياسات أوبك وذلك باللجوء إلى المحاكم الأمريكية، وفي العام 2000 تقدمت شركة أمريكية تعمل على بيع وتوزيع البنزين وبعض المشتقات النفطية الأخرى (Prewitt Enterprises Inc.) بطلب لإحدى محاكم ولاية ألاباما الأمريكية بمقاضاة ''أوبك'' لسياساتها التسعيرية. لم تنجح هذه القضايا حتى في إثارة الرأي العام الأمريكي أو العالمي على ''أوبك''.
غير أن الأمر بدأ يأخذ منحىً أكثر أهمية من ذي قبل، فخلال العام المنصرم تقدم بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بطلب بالسماح للحكومة الأمريكية بمقاضاة ''أوبك''، وقد تناقلت وسائل الإعلام قبل أيام خبر موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على أن تقوم الحكومة الأمريكية بمقاضاة ''أوبك'' لممارساتها الاحتكارية.. هذا التحرك ينم عن وجود توجه رسمي أمريكي جاد نحو مقاضاة أوبك بتهم الاحتكار والتحكم في أسعار النفط. ولكن يبقى السؤال حول ما إذا كنت الحكومة الأمريكية ستبدأ في التحرك في هذا الاتجاه؟
أرى أن الحكومة الأمريكية ستمضي قدماً في هذه القضية، وهذا يحمل بين ثناياه الدلالات التالية: أولاً، إن الاستغناء عن النفط كمصدر رئيس للطاقة أضحى ضرباً من المستحيل، خاصة مع تناقص احتياطيات المنتجين خارج ''أوبك''، والزيادة المستمرة للطلب العالمي، وغيرها من العوامل.. إضافة إلى حقيقة نضوب النفط والذي سيمنح ''أوبك'' قوة مطلقة في الاقتصاد العالمي، وهذا ما لا ترغب فيه الولايات المتحدة.. الدلالة الثانية: إن الحكومة الأمريكية إذا حققت نجاحاً في بدايات القضية، فقد تبدأ مرحلة من المساومة مع منظمة ''أوبك'' ستجلب للاقتصاد الأمريكي وشركات النفط الأمريكية الكثير من المنافع خاصة في ظل الضعف الواضح للنظام القضائي الدولي.
لست ضليعاً بأمور القانون الدولي، لهذا لا أعلم ما إذا كان موقف ''أوبك'' القانوني في خطر؟ كما لا أعلم عن القنوات التي ستسلكها الحكومة الأمريكية لرفع هذه القضية؟ وما إذا كانت الولايات المتحدة ستلجأ إلى استخدام عصا منظمة التجارة العالمية كأداة في هذه القضية؟
أياً كانت القناة أو الأداة يجب أن تأخذ ''أوبك'' الأمر بمنتهى الجدية، وألا تكتفي بموقف الدفاع بل تسعى إلى انتهاج أسلوب قانوني مضاد. كما يتوجب على ''أوبك'' أن تبدأ بدراسة كل الخيارات المحتملة، والتي قد يكون من ضمنها عقد التحالفات والصفقات التي تمنحها أكبر عدد من المؤيدين وعلى رأسها الصين، إضافة إلى ضرورة تسويق ''أوبك'' لنفسها بين الدول النامية من خلال برامج المساعدات الإنمائية.
في الختام، يرى الاقتصادي الغربي أن من السخافة أن يدافع ''اقتصادي'' عن منظمة ''احتكارية''، أما بالنسبة لنا فالأمر ليس دفاعاً عن منظمة احتكارية بل دفاعاً عن منظمة تسعى بشكل قد يكون غير مباشر إلى المحافظة على ''التوازن الاقتصادي العالمي''.. فإذا نظرنا بتجرد تام نجد أن ''أوبك'' هي التكتل الاقتصادي المؤثر الوحيد الذي يتشكل من دول ''نامية''.. في مقابل التكتلات الاقتصادية المؤثرة الأخرى والتي تحظى بقيادة الدول الأكثر تقدماً.. هب أن الولايات المتحدة الأمريكية نجحت في قضيتها المتوقعة وساهمت في تفكيك ''أوبك'' أو إضعافها.. بماذا سيصير الحال بأحد عشر اقتصاداً نامياً يعتمد بشكل رئيس على إنتاج النفط، اعتماداً إلى درجة أن الدورات الاقتصادية في هذه الدول تتحرك بشكل متوازٍ مع أسعار النفط.. فقد تدخل هذه الاقتصادات مرحلة من الركود الاقتصادي الدائم إن لم يكن كساداً يرمي بها في حلقة فقر مفرغة.
ترى هل ستمضي الولايات المتحدة قدماً في مقاضاة ''أوبك'' أما أنها ستبدأ عهداً من المساومة؟ كل الاحتمالات واردة! أي كان الأمر، يجب أن تسعى ''أوبك'' جاهدة لأخذ هذه القضية بمنتهى الجدية من خلال تسخير كل إمكاناتها لسد أي ثغرة قانونية، أو لعقد التحالفات الكفيلة بحمايتها، فلديها كما يبدو الكثير من الخيارات.