عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2005, 07:11 AM   #16
المخرج
متداول نشيط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2004
المشاركات: 3,587

 
افتراضي

أربعمئة ألف طلب في الانتظار

عبدالله صادق دحلان*
يعتبر صندوق التنمية العقارية من أبرز الأعمال ذات البعد الاجتماعي للحكومة السعودية والذي كان قرار إنشائه يعتبر من أهم القرارات التي اتخذتها الحكومة السعودية قبل أكثر من ثلاثين عاماً ضمن مجموعة من القرارات التي استهدفت تأمين أحد أهم حقوق الإنسان في الحياة والتي يدخل من ضمنها تأمين الغذاء والعلاج والدواء والسكن الملائم والتعليم وغيرها، وكان من ضمن تلك القرارات التاريخية إنشاء صندوق التنمية العقارية وصندوق التسليف السعودي والذي كان من ضمن أنشطته تسليف الراغبين في الزواج وصندوق التنمية الصناعية وصندوق التنمية الزراعية بالإضافة إلى سلسلة من قرارات دعم المواد الغذائية للشعب السعودي.
وهي قرارات حظيت وما زالت تحظى بتقدير واعتزاز الشعب للقيادة ومع تطور النمو السكاني وتطور الطلب على بعض هذه الصناديق بدأ بعضها - ومنذ سنوات - يواجه مشكلة في مواجهة الطلب المتزايد على خدماتها وعلى وجه الخصوص في فترة الأزمات الاقتصادية التي مرت بها المملكة والمنطقة الخليجية بصفة عامة نتيجة الكوارث السياسية والعسكرية في بعض الدول المجاورة والتي استنزفت اقتصادات دول الخليج وعلى وجه الخصوص اقتصاد المملكة العربية السعودية، والتي تأثرت ميزانيتها فترة من الزمن وأبطأت في تحقيق بعض النمو الذي خطط له ولكن الحكومة السعودية وبتعاون شعبها استطاعت تجاوز المرحلة وتخطت الصعوبات الاقتصادية حتى وصلت إلى مرحلة جديدة من النمو الاقتصادي المتصاعد نتيجة العديد من المتغيرات الاقتصادية العالمية وعلى رأسها نمو الطلب على البترول وارتفاع أسعاره إلى مستويات عالية وغير متوقعة ساهمت في تشجيع الحكومة على إعادة رسم الخطط والاستراتيجيات التي تسهم في دعم رفاهية شعبها والعمل على تحقيق الاحتياجات الأساسية للمواطن وعلى وجه الخصوص دعم مشاريع التنمية التعليمية والصحية وتوفير السكن اللائق للمواطنين ومكافحة الفقر، وهو توجه تشكر عليه القيادة السعودية، وكان من أهم الخدمات التي حظيت باهتمام ودعم الحكومة خطط التنمية العقارية في المملكة سواء على مستوى مشاريع إسكان الفقراء من خلال مشاريع الإسكان الخيرية الموجهة للفقراء أو على مستوى المواطنين بصفة عامة من خلال صندوق التنمية العقارية الذي اعتمد له ألفا مليون ريال دعماً لميزانيته مؤخراً من فائض موازنة العام الماضي لدعم مشاريع التنمية العقارية للمواطنين السعوديين وذلك بمعدل دعم سنوي للإقراض مقداره مئتا مليون ريال سعودي.
ورغم كبر حجم الدعم للصندوق إلا أنه لا يتوازى مع حجم الطلب المتنامي على قروض الصندوق والذي وصل إلى حوالي أربعمئة ألف طلب وحسب المعلومات والإحصائيات الرسمية التي اطلعت عليها مؤخراً استخلصت نتيجة تؤكد بأنه لو استمر الصندوق بهذا المعدل في الإقراض السنوي ومقداره حوالي عشرة آلاف قرض سنوياً فإن تحقيق طلبات الأربعمئة ألف مواطن سيكون بعد أربعين عاماً من بداية هذا العام أي أنه لو تقدم أحد المواطنين من الفئة العمرية 21 سنة حسب السن النظامية للإقراض فإن دوره للاقتراض سيأتي عندما يكون عمره إن شاء الله (واحداً وستين عاماً) وستحتاج الحكومة السعودية إلى تمويل مقداره (تسعة وتسعون مليار ريال) لتمويله وهي معضلة ستواجه المواطنين الراغبين في السكن الملائم وهو حلم يتطلعون لتحقيقه.
ويرى العديد من المواطنين وبعض المتشددين أنها مسؤولية الدولة فقط في معالجة المشكلة، أما أنا اليوم فأسجل مخالفتي لهذا الرأي وذلك ليس لأنني أصبحت داخل المنظومة الحكومية وإنما لأنني أشعر بأن أي مواطن صالح داخل أو خارج المنظومة الحكومية هو مسؤول عن وطنه وشعبه وقيادته، لهذا فأنا أتحدث وبكل تجرد مؤكداً أن الحكومة قد أدت دوراً بارزاً تشكر عليه وما زالت تؤدي دورها وعلينا وعليها بعض الانتقادات إلا أنني أجزم بأن قضية السكن لكل مواطن هي ليست مسؤولية الحكومات وحدها ولم أطلع على أية معلومة إقليمية أو دولية تفيد أن هناك حكومة في العالم تتكفل بإسكان كل مواطن لديها.
وإنما توجه الحكومات بعض خططها لتوفير الدعم اللازم للمواطنين ذوي الدخل المحدود لبناء السكن الملائم لهم من خلال قروض ميسرة تُعطى لذوي الدخل المحدود وليس لكل مواطن كما يطالب البعض في بلادنا حيث فتح الباب للاقتراض لكل الطبقات فاقترض بعض المسؤولين في الدولة والعديد من ميسوري الحال من المواطنين اقتناعاً منهم بأن القرض حق شخصي لكل مواطن وفي وجهة نظري أن القرض هو حق شخصي لكل مواطن غير قادر على تأمين قيمة سكن ملائم له. وهم شريحة كبيرة ولهذا فإن فكرة الصندوق قامت لمساعدة ذوي الدخل المحدود الذين لا يملكون سكناً، ولهذا فإنني أعتقد أن انحرافاً قد وقع في تحقيق الهدف الرئيسي الذي أنشئ من أجله الصندوق. مع الأخذ في الاعتبار بأن الدولة ليست مسؤولة لتوفير السكن لجميع أفراد الشعب وإنما هي مسؤولة عن توجيه الخطط التنموية الاقتصادية لدعم المشاريع الإنمائية العقارية الموجهة لذوي الدخل المحدود وتسهيل الإجراءات الداعمة لهذه المشاريع وأجزم بأن القطاع الخاص - أفراداً ومؤسسات وبنوكاً وشركات تمويل - عليه مسؤولية كبيرة في المساهمة لمعالجة مشكلة الإسكان في المملكة وعلى وجه الخصوص لشرائح المواطنين الموظفين ولمستويات معينة قادرة على التعامل مع التمويل التجاري طويل المدى.
إن تقاعس البنوك السعودية في أداء رسالتها التنموية ودورها الإنساني والاجتماعي والتنموي هو السبب في المشكلة ولن تقبل أعذارها التقليدية ويؤسفني كل الأسف أن أكتب اليوم لأقول إنه لا توجد بنوك تربح أرباحاً خيالية في العالم مثل بنوكنا السعودية ولا توجد بنوك سلبية الدور الاجتماعي والتنموي مثل البنوك السعودية ولن تقبل تلك الحجج الباهتة التي تتهم النظام والقضاء السعودي بأنه لا يضمن حقوقها وهو اتهام باطل ومردود عليه. وهذا يدفعني إلى أن أُرجع سبب تفاقم مشكلة الإسكان في المملكة إلى القطاع الخاص الذي لم يدخل مجال الاستثمار في الإسكان الممول على المدى الطويل وهي مشاريع مقامة في العديد من الدول النامية حيث تقوم بالتعمير شركات القطاع الخاص ويقوم بالتمويل البنوك التجارية والتنموية وتضمن الدولة التمويل عن طريق صناديق التنمية العقارية فيها أحياناً أو تضمن جهات العمل للموظفين أقساط التأمين وإذا كان هناك من يعترض على اقتراحي بضرورة دخول البنوك في مجال التمويل العقاري طويل المدى فإنني - للتحفيز فقط وليس للإعلان - أنشر خبر أول مشروع إسكاني تنموي تقوم به (شركة دار الأركان) إحدى الشركات السعودية المميزة لبناء مدينتي إسكان لذوي الدخل المتوسط، الأولى بالعاصمة الرياض بعدد (ألف وحدة) سكنية والثانية بمدينة جدة بعدد (ستمئة وحدة سكنية) وبتمويل طويل يصل إلى عشرة وخمسة عشر عاما، ممولة من أحد البنوك الأجنبية خارج المملكة، وبنفس الضمانات التي ذكرتها في مقالتي.
إنه من المؤسف جداً أن يتخلى القطاع الخاص عن دوره الأساسي في التنمية ومن المجحف جداً أن نلقي اللوم والمسؤولية دائماً على الحكومة وكما سبق وأن كتبت في الأسبوع الماضي أن معظم الاستثمارات في المملكة تقليدية ومتشابهة وبعيدة عن البعد الاجتماعي وتتجه إلى الفردية في الاستثمار والربحية السريعة في العوائد ولم يتعود رجال الأعمال على المشاريع ذات الربحية البسيطة على المدى الطويل.
أما البنوك السعودية صاحبة الدور الاجتماعي المفقود فهي مدعوة لتفعيل البلايين من الأرصدة المودعة لديها بدون فوائد لأصحابها وهي الأولى لدعم المشاريع الإنمائية في المملكة مثل مشاريع الإسكان.
وهي ليست أفكار كاتب ملهم وإنما هي رغبة في نقل تجربة لبنوك أجنبية وإقليمية في تمويل المشاريع التنموية وهل يعقل أن تمنح البنوك الأجنبية الثقة لتمويل طويل المدى لمشاريع تنموية عقارية في المملكة وتحجب بنوكنا السعودية هذه الثقة بحجة عدم الثقة في الضمانات وفي النظام الذي يحمي الحقوق؟.

*كاتب اقتصادي سعودي
المخرج غير متواجد حالياً