آل بديوي
27-09-2004, 08:43 AM
محمد ناهض القويز
الباندا والبانادول
التاريخ: الاثنين 2004/09/27 م
الباندا (تلفون نقال بكاميرا) ذلك الجهاز الخبيث الذي يكشف عورات الناس ويهتك الأستار ويربط العشاق. إنه رجس من عمل الشيطان.....الخ. ممنوع من دخول الوطن ومحاصر ومطارد ومصادر.
السيارة المفخخة هي الأخرى المجرمة الشرسة التي تمزق الناس أشلاء وتهدم البيوت وتروع الآمنين. هي الأخرى رجس من عمل الشيطان - على الأقل حسب منطق الباندا -.. الخ. تخيلوا لو صودرت السيارات ومنع استخدامها وحرم استيرادها لأن شرذمة من الخوارج تستخدمها في التفجيرات لتقتل أبناء الوطن.
إن منطق محاربة الباندا - وهو عندي شيء مثير- يحتم محاربة السيارات، ولكن الأخير واضح العوار ولو تم منع السيارات لأصبح مثار سخرية. هذا ليس دفاعا عن الباندا ولا هجوما على السيارات، ولكنه تسليط للضوء على آلية للمنع تعتمد على ردة الفعل لفعل خاطئ فتضيف إلى المشكلة الأساس مشكلة أخرى من دون أن تسلط الضوء على المشكلة الأساسية التي يمثلها الانحراف السلوكي لدى فئة يسيرة مرده شذوذ في السلوك أو سوء في التربية أو اختلال نفسي...
وللأسف فإن ظاهرة رد الفعل والقوانين الناتجة عنها تتحكم بحياتنا الخاصة والعامة إلى حد كبير. ولست بحاجة إلى حشر الأمثلة التي تحاصرنا لتأكيد معاناتنا من نتائج قوانين ردة الفعل. تخيلوا لومنعت الصحف أو التلفزيونات لأن واحدا أو أكثر أساء استخدامها....
في حياتنا اليومية عندما نغضب - ونحن لا نغضب إلا من سيئ- فإن ردة فعلنا الأولى في الغالب تكون خاطئة وتورثنا حسرة وقد تفقدنا مكاسب كنا نملكها قبل أن تحيلها ردة فعلنا إلى هباء. ولاشك أننا على المستوى الفردي قد نخسر كثيرا جراء ردة الفعل الخاطئة. أما على مستوى المجتمعات فلا شك أن كل مجتمع يكتوي بشذوذ بعض أفراده، ولكن المجتمعات المتحضرة لا تجعل ردة فعل الشاذ ترسم حياة الأسوياء. وهذا مثال بسيط من بريطانيا فتناول أقراص البانادول كان يشكل أحد أهم أسباب الوفاة لدى الفتيات لدرجة أنه كان يسمى مرض الإنجليز. وتمت مناقشة المشكلة في مجلس العموم وكانت هناك أصوات تطالب بمنع تسويق البانادول (مما يعني أن نحرم المرضى من فوائده كتسكين الألم وخفض الحرارة)، ولكنهم خرجوا بحل آخر بعد دراسة المشكلة فقد تبين أن عبوات البانادول الزجاجية تحتوي على الأقل مائة قرص ( 50جم بينما الجرعة القاتلة أكثر من 10جرامات) ولانتشارها وسهولة تناولها فإن الفتاة تفتح العلبة ثم تملأ يدها بكمية منها ثم تبتلعها فتحدث الوفاة بعدها بيومين أو ثلاثة.
خرجوا بتوصية أن يكون التغليف كرتونيا على شكل أشرطة مغلفة بالقصدير بشرط أن لا تحتوي العلبة على أكثر من عشرين قرصا. وقد نجح هذا الإجراء بخفض الوفيات نتيجة البانادول بأكثر من 80% من دون أن يحرم الناس من فوائد البانادول.
خلاصة القول أن ردة الفعل الخاطئ عندنا هي احدى قنوات التشريع المدني التي اعتمدناها بغير علم ولا نتوقع من مجتمع تتحكم فيه ردود الفعل أن ينشأ سليما، حيث أضفنا للسلوك الخاطئ مخالفة أخرى تتمثل بالتحايل على قانون منع الباندا وقد يكون هذا أحدالعوامل التي تساعد المجتمع ككل على تجاوز أنظمة أخرى أكثر أهمية.
الباندا والبانادول
التاريخ: الاثنين 2004/09/27 م
الباندا (تلفون نقال بكاميرا) ذلك الجهاز الخبيث الذي يكشف عورات الناس ويهتك الأستار ويربط العشاق. إنه رجس من عمل الشيطان.....الخ. ممنوع من دخول الوطن ومحاصر ومطارد ومصادر.
السيارة المفخخة هي الأخرى المجرمة الشرسة التي تمزق الناس أشلاء وتهدم البيوت وتروع الآمنين. هي الأخرى رجس من عمل الشيطان - على الأقل حسب منطق الباندا -.. الخ. تخيلوا لو صودرت السيارات ومنع استخدامها وحرم استيرادها لأن شرذمة من الخوارج تستخدمها في التفجيرات لتقتل أبناء الوطن.
إن منطق محاربة الباندا - وهو عندي شيء مثير- يحتم محاربة السيارات، ولكن الأخير واضح العوار ولو تم منع السيارات لأصبح مثار سخرية. هذا ليس دفاعا عن الباندا ولا هجوما على السيارات، ولكنه تسليط للضوء على آلية للمنع تعتمد على ردة الفعل لفعل خاطئ فتضيف إلى المشكلة الأساس مشكلة أخرى من دون أن تسلط الضوء على المشكلة الأساسية التي يمثلها الانحراف السلوكي لدى فئة يسيرة مرده شذوذ في السلوك أو سوء في التربية أو اختلال نفسي...
وللأسف فإن ظاهرة رد الفعل والقوانين الناتجة عنها تتحكم بحياتنا الخاصة والعامة إلى حد كبير. ولست بحاجة إلى حشر الأمثلة التي تحاصرنا لتأكيد معاناتنا من نتائج قوانين ردة الفعل. تخيلوا لومنعت الصحف أو التلفزيونات لأن واحدا أو أكثر أساء استخدامها....
في حياتنا اليومية عندما نغضب - ونحن لا نغضب إلا من سيئ- فإن ردة فعلنا الأولى في الغالب تكون خاطئة وتورثنا حسرة وقد تفقدنا مكاسب كنا نملكها قبل أن تحيلها ردة فعلنا إلى هباء. ولاشك أننا على المستوى الفردي قد نخسر كثيرا جراء ردة الفعل الخاطئة. أما على مستوى المجتمعات فلا شك أن كل مجتمع يكتوي بشذوذ بعض أفراده، ولكن المجتمعات المتحضرة لا تجعل ردة فعل الشاذ ترسم حياة الأسوياء. وهذا مثال بسيط من بريطانيا فتناول أقراص البانادول كان يشكل أحد أهم أسباب الوفاة لدى الفتيات لدرجة أنه كان يسمى مرض الإنجليز. وتمت مناقشة المشكلة في مجلس العموم وكانت هناك أصوات تطالب بمنع تسويق البانادول (مما يعني أن نحرم المرضى من فوائده كتسكين الألم وخفض الحرارة)، ولكنهم خرجوا بحل آخر بعد دراسة المشكلة فقد تبين أن عبوات البانادول الزجاجية تحتوي على الأقل مائة قرص ( 50جم بينما الجرعة القاتلة أكثر من 10جرامات) ولانتشارها وسهولة تناولها فإن الفتاة تفتح العلبة ثم تملأ يدها بكمية منها ثم تبتلعها فتحدث الوفاة بعدها بيومين أو ثلاثة.
خرجوا بتوصية أن يكون التغليف كرتونيا على شكل أشرطة مغلفة بالقصدير بشرط أن لا تحتوي العلبة على أكثر من عشرين قرصا. وقد نجح هذا الإجراء بخفض الوفيات نتيجة البانادول بأكثر من 80% من دون أن يحرم الناس من فوائد البانادول.
خلاصة القول أن ردة الفعل الخاطئ عندنا هي احدى قنوات التشريع المدني التي اعتمدناها بغير علم ولا نتوقع من مجتمع تتحكم فيه ردود الفعل أن ينشأ سليما، حيث أضفنا للسلوك الخاطئ مخالفة أخرى تتمثل بالتحايل على قانون منع الباندا وقد يكون هذا أحدالعوامل التي تساعد المجتمع ككل على تجاوز أنظمة أخرى أكثر أهمية.