مهندس DSL
07-10-2012, 12:32 AM
مقال في موقع المقف الجديد احببت ان اقله لكم .
هل فعلاً هذا واقعنا؟
عبدالواحد الأنصاري:
كلانا بها ذئب يحدث نفسه ....... بصاحبه والجدّ يتعسه الجدُّ
هذا البيت الذي قاله البحتري هو أول مما يرد إلى الذهن حين استحضر صورة الداعية إذ يقدم برنامجاً في قناة فضائية هابطة، لكن تلك القصة انتهت بأن صرع الإنسان الذئب، فكيف ستنتهي قصتنا هذه؟!
وبما أننا نتحدث في قصص الاختلاء مع الذئب، فإننا نستحضر أيضاً أبياتاً قيلت قبل ذلك، وقائلها الفرزدق حين أنشد عن لقائه مع الذئب:
وأنت امرؤٌ يا ذئب والغدرَ كنتما ....... أخيّين كانا أرضعا بلبانِ
ولو غيرَنا نبهت تلتمس القرى ....... أتاكَ بسهمٍ أو شباةِ سنانِ
تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني ....... نكنْ مثلَ من يا ذئب يصطحبانِ
وقبل ذلك نسترجع قول امرئ القيس في معلقته:
ووادٍ كجوف العير قفرٍ قطعتُه ....... به الذئب يعوي كالخليع المعيّلِ
فقلتُ له لما عوى: إن شأننا ....... قليل الغنى إن كنت لما تموّلِ
كلانا إذا ما نال شيئاً أفاته ....... ومن يحترث حرثي وحرثك يهزلِ
اتجهت هنا في إسقاط العلاقة بين الإنسان والذئب في تراثنا الشعري القديم من الأدنى زماناً إلى الأعلى، ومن حال التماهي بين الذئب والإنسان عند البحتري من أجل تحصيل الغلبة إلى حال التفريق والتشبيه في حال الفقر وشدة الحاجة عند امرئ القيس. وقد يحسن لحكمة بلاغية أن ينتقل من الأدنى زماناً إلى الأقدم، باعتبار ترتيب شرف المكانة، كما جاء في سورة التين: "والتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين". فبدأ بالإشارة إلى عيسى عليه السلام ودياره في فلسطين، ثم إلى موسى عليه السلام، ثم إلى نبي الأمة عليه السلام، وهو كما ذكرت انتقالاً أهمل فيه الترتيب الزماني والمكاني من أجل ترتيب المكانة والمنزلة، من العالي إلى الأعلى.
بشيء من التأمل نجد أن القنوات الفضائية الهابطة تسلك في مواسم الخير، ونحن نقبل الآن على موسم الحج وعشر ذي الحجة مسلكين، كأنها تتمثل قول أهل الكتاب: "آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون، ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم".
فهذه القنوات في وقت الذروة تغرق المشاهدين بالمسلسلات والأفلام والأغاني، ثم في النهار، في وقت قلة المشاهدين، تستغل اليقظين من عباد الله في وقت الصوم أو وقت الاستعداد للعبادة كصباح يوم عرفة أو يوم النحر لنقل برنامج ديني، تبثه قبيل العصر أو بعده، وتعيده غداً بعد صلاة الفجر.
لكن هل يعي الداعية الذي يشارك في هذه القنوات العلاقة بينه وبين القناة الفضائية الهابطة؟
هل ينظر إليها كما ينظر إليها البحتري؟ على أنه يجب أن يتحول إلى ذئب ليلتهم الذئب؟
أم ينظر إليها كما ينظر إليها الفرزدق الذي يريد أن يهادن الذئب ويتعشى معه ليعاهده على ألا يخون أحدهما الآخر، وهو بذلك مطمئن إلى وعد الذئب وعهده رغم إدراكه أنه والغدر أخوان رضعا من لبان واحد هو ضرع الخيانة؟
أم أنه ينظر إليه نظر امرئ القيس الذي يعبر واديا الذي يعبره الذئب معه مستعرضاً بطولته وجلده وحيطته، ويحدث شريكه العاوي في الوادي بأن كليهما مفتقر إلى معيشته، وأن على كليهما أن يجهد في البحث عما يقوت به نفسه، فالداعية يبتغي مريد الدعوة، والقناة تجتذب مريديها؟
وبين هذا وذاك وذلك، يخوض الداعية والقناة معركتين في معركة واحدة، كلاهما يعتقد أنه هو الكاسب فيها: الداعية يقول: ارتكاب أخف الضررين بالظهور في القناة، وتخفيف الشر قدر المستطاع، وإيقاد شمعة في الظلام خير من شتمها كما يقول المثل العالمي. والقناة تقول: لنجتذب به الجمهور المحافظ إلى متابعينا ومشاهدينا غير المحافظين.
غير أنني أجد أن العلاقة إنما تكمن في بيت البحتري الذي ينطق كما أسلفنا وذكرناه بهذا الوصف:
كلانا بها ذئب يحدث نفسه بصاحبه والجدّ يتعسه الجدُّ
لكننا في العلاقة بين القناة والداعية، لا ندري من سيكون البحتري من القناة أو الداعية، ومن سيحدثنا بقصة قتله لصاحبه، والتهامه له:
فأوجرته خرقاء تحسب ريشها ....... على كوكب ينقضّ والليل مسودّ
وقمت فجمّعت الحصى فاشتويته ....... عليه وللرمضاء من تحته وقدُ
ونلتُ خسيساً منه ثم تركته ....... ووليت عنه وهو منعفرٌ فردُ
http://www.al-muthaqaf.net/index/news.php?action=show&id=114
هل فعلاً هذا واقعنا؟
عبدالواحد الأنصاري:
كلانا بها ذئب يحدث نفسه ....... بصاحبه والجدّ يتعسه الجدُّ
هذا البيت الذي قاله البحتري هو أول مما يرد إلى الذهن حين استحضر صورة الداعية إذ يقدم برنامجاً في قناة فضائية هابطة، لكن تلك القصة انتهت بأن صرع الإنسان الذئب، فكيف ستنتهي قصتنا هذه؟!
وبما أننا نتحدث في قصص الاختلاء مع الذئب، فإننا نستحضر أيضاً أبياتاً قيلت قبل ذلك، وقائلها الفرزدق حين أنشد عن لقائه مع الذئب:
وأنت امرؤٌ يا ذئب والغدرَ كنتما ....... أخيّين كانا أرضعا بلبانِ
ولو غيرَنا نبهت تلتمس القرى ....... أتاكَ بسهمٍ أو شباةِ سنانِ
تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني ....... نكنْ مثلَ من يا ذئب يصطحبانِ
وقبل ذلك نسترجع قول امرئ القيس في معلقته:
ووادٍ كجوف العير قفرٍ قطعتُه ....... به الذئب يعوي كالخليع المعيّلِ
فقلتُ له لما عوى: إن شأننا ....... قليل الغنى إن كنت لما تموّلِ
كلانا إذا ما نال شيئاً أفاته ....... ومن يحترث حرثي وحرثك يهزلِ
اتجهت هنا في إسقاط العلاقة بين الإنسان والذئب في تراثنا الشعري القديم من الأدنى زماناً إلى الأعلى، ومن حال التماهي بين الذئب والإنسان عند البحتري من أجل تحصيل الغلبة إلى حال التفريق والتشبيه في حال الفقر وشدة الحاجة عند امرئ القيس. وقد يحسن لحكمة بلاغية أن ينتقل من الأدنى زماناً إلى الأقدم، باعتبار ترتيب شرف المكانة، كما جاء في سورة التين: "والتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين". فبدأ بالإشارة إلى عيسى عليه السلام ودياره في فلسطين، ثم إلى موسى عليه السلام، ثم إلى نبي الأمة عليه السلام، وهو كما ذكرت انتقالاً أهمل فيه الترتيب الزماني والمكاني من أجل ترتيب المكانة والمنزلة، من العالي إلى الأعلى.
بشيء من التأمل نجد أن القنوات الفضائية الهابطة تسلك في مواسم الخير، ونحن نقبل الآن على موسم الحج وعشر ذي الحجة مسلكين، كأنها تتمثل قول أهل الكتاب: "آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون، ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم".
فهذه القنوات في وقت الذروة تغرق المشاهدين بالمسلسلات والأفلام والأغاني، ثم في النهار، في وقت قلة المشاهدين، تستغل اليقظين من عباد الله في وقت الصوم أو وقت الاستعداد للعبادة كصباح يوم عرفة أو يوم النحر لنقل برنامج ديني، تبثه قبيل العصر أو بعده، وتعيده غداً بعد صلاة الفجر.
لكن هل يعي الداعية الذي يشارك في هذه القنوات العلاقة بينه وبين القناة الفضائية الهابطة؟
هل ينظر إليها كما ينظر إليها البحتري؟ على أنه يجب أن يتحول إلى ذئب ليلتهم الذئب؟
أم ينظر إليها كما ينظر إليها الفرزدق الذي يريد أن يهادن الذئب ويتعشى معه ليعاهده على ألا يخون أحدهما الآخر، وهو بذلك مطمئن إلى وعد الذئب وعهده رغم إدراكه أنه والغدر أخوان رضعا من لبان واحد هو ضرع الخيانة؟
أم أنه ينظر إليه نظر امرئ القيس الذي يعبر واديا الذي يعبره الذئب معه مستعرضاً بطولته وجلده وحيطته، ويحدث شريكه العاوي في الوادي بأن كليهما مفتقر إلى معيشته، وأن على كليهما أن يجهد في البحث عما يقوت به نفسه، فالداعية يبتغي مريد الدعوة، والقناة تجتذب مريديها؟
وبين هذا وذاك وذلك، يخوض الداعية والقناة معركتين في معركة واحدة، كلاهما يعتقد أنه هو الكاسب فيها: الداعية يقول: ارتكاب أخف الضررين بالظهور في القناة، وتخفيف الشر قدر المستطاع، وإيقاد شمعة في الظلام خير من شتمها كما يقول المثل العالمي. والقناة تقول: لنجتذب به الجمهور المحافظ إلى متابعينا ومشاهدينا غير المحافظين.
غير أنني أجد أن العلاقة إنما تكمن في بيت البحتري الذي ينطق كما أسلفنا وذكرناه بهذا الوصف:
كلانا بها ذئب يحدث نفسه بصاحبه والجدّ يتعسه الجدُّ
لكننا في العلاقة بين القناة والداعية، لا ندري من سيكون البحتري من القناة أو الداعية، ومن سيحدثنا بقصة قتله لصاحبه، والتهامه له:
فأوجرته خرقاء تحسب ريشها ....... على كوكب ينقضّ والليل مسودّ
وقمت فجمّعت الحصى فاشتويته ....... عليه وللرمضاء من تحته وقدُ
ونلتُ خسيساً منه ثم تركته ....... ووليت عنه وهو منعفرٌ فردُ
http://www.al-muthaqaf.net/index/news.php?action=show&id=114