تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الإغراء من الغرباء


شرواك
26-06-2010, 01:37 PM
الإغراء من الغرباء

نهى علي

"كل من يقبل عرضا مغريا من شخص غريب عليه أن يشك بالعرض وبالشخص", هذا ما اعتدنا أن نسمعه دائما.

حتى في عهد إنسان الكهف الذي كان يستخدم الإشارة للتعبير عن نفسه ومشاعره كان يحذر أطفاله من الثقة بالغرباء، وكان يهاجم من يقترب من صغاره حتى ولو بغرض المساعدة أو تقديم طعام. كل أطفال العالم وبكل اللغات والأجناس وعبر كل العصور تلقوا هذه التحذيرات الأبوية بألا يقبلوا أي شيء من غرباء مهما كانت مغرية.

قد يكون هذا الأمر متأخرا جدا بالنسبة لكثير من الأمريكيين الذين انجروا إلى تلك المغريات التي أطلقتها كثير من مؤسسات التمويل والمصارف لجرهم للاستدانة لشراء منازل على فترات زمنية طويلة، وضمن دفعات ميسرة ودون الحاجة إلى دفعات أولية, على الرغم من معرفة هؤلاء المقرضين عدم مقدرة كثيرين على السداد، وأن الأسعار التي وضعت للمنازل كان مبالغا فيها لتبرير الفوائد الكبيرة التي حملت على أقساطهم. الدعايات المغرية "والمغرضة " انطلقت من طغيان الحلم الأمريكي على عقول الأمريكان أن بلدهم يوفر لهم الفرص للرفاهية والعيش الرغيد ودون مجهود يذكر. وانتشرت حملات نفسية منظمة تهدف إلى إقناع الناس بأن من يحملون بطاقة الائتمان هم أكثر الناس تعليما وثقافة وحضارة". وابتدأت الكارثة عندما بدأ الناس بالاستدانة ليشتروا الرفاهية وكماليات الحياة وكلما استدانوا أكثر زادوا من مستويات الترفيه. وكلما لاحت أرقام تعبر عن تضاؤل هذه القدرة الاستهلاكية العالمية (في البلدان الرأسمالية كما في بلدان العالم الثالث) لجأت الدوائر المالية إلى سياسة (تشجيع الاستهلاك) عن طريق تسهيلات القروض .. إذ ولدت ونمت مؤسسات متخصصة في هذا الحقل راحت تغري متوسطي ومحدودي الدخل بالقروض الميسرة لتمكينهم من شراء السلع والمنتجات والخدمات. وفي مقدمتها القروض العقارية لشراء المساكن. وتصعيداً لهذه العملية (التي يمكن تسميتها الاستهلاك القسري) ولدت مؤسسات أخرى تقوم بالتأمين على تلك القروض لقاء حصة أخرى من الأرباح). كل ذلك ضمن عملية المال مقابل المال، لقد أحدثت هذه العملية في البداية فقاعات ربحية كبيرة ارتفعت بأسعار أسهم مؤسساتها وشركاتها إلى مستويات مغرية، وساقت كثيرا من ممولي العالم للتهافت على استثمار أموالهم فيها .. لكن طبيعتها غير الإنتاجية كانت تحتم عليها الوصول إلى نهاية، لأن أصحاب الدخل المحدود لن يكونوا قادرين على تغذية هذه العملية بدخولهم المحدودة إلى مدى غير محدود

إذا الطمع له جانبان أو طرفان من يستدين ويستدين ليشتري وآخر يدين ليحصل على فوائد أعلى وتزيد الأرباح ويحصل على عمولات.

أي عندما تكون السمسرة والطمع في العمولات هي المحرض الأكبر لكثير من الأعمال الورقية وتجاهل الكدح اللازم للعمل المنتج. إذا كان عصر السنوات الثلاثين الماضية ملائما لبناء ناطحات السحاب فقد انخفضت قيمة اقتراض المال بالقيمة الاسمية انخفاضا حادا، فلا عجب أن تظهر فقاعة تلو أخرى. وكانت الأحلام بالثراء تنقل مراكز الاستثمار من أسهم شركات التكنولوجيا التي لم تكن معالمها قد وضحت بعد في التسعينيات ووظفت أموالا هائلة في رفع أسعار كثير من تلك الشركات التي كانت معظمها شركات ورقية تعتمد على حملات الترويج في تضخيم أسعارها. ثم انتقلت الأموال إلى سوق المساكن والعقار التي انفجرت فقاعتها قريبا.

من بين أكثر الأمور ملاحظة ارتباط عصر البنايات العملاقة بنهاية فترات الطفرة، فعلى سبيل المثال تم افتتاح مبنى امباير ستيت عام 1931 بعد عامين من انهيار "وول ستريت" وتم الكشف عن أبراج بيروناس في كوالالمبور عام 1999 في عز الأزمة الآسيوية، حيث يتم التكليف ببناء هذه الأبراج حين يكون المال رخيصا والتفاؤل على أشده بالوضع الاقتصادي .

لكن عندما يقترض الناس لشراء الأصول يسهمون في زيادة الأسعار أكثر, مما يجعل الأسواق معرضة لأن تنكمش بسرعة عندما يتدافع المستثمرون على بيع ممتلكاتهم لسداد الديون، عندما يغرق بلد ما بالركود وتضيق السبل بالناس لإيجاد عمل قد يرحلون إلى مكان آخر لكن عندما تصبح الكرة الأرضية كلها مهددة فلن يكون من السهل أن يهاجر المرء إلى أماكن أخرى ولا يتبقى أمامه إلا المحاولة لتغيير مجرى الأمور.

خوف الأمريكيين من الكارثة الاقتصادية الحالية هو خوف من شيء يعرفونه واختبروه سابقا لأنه شكل ركنا مهمًا من ثقافة الحلم الأمريكي أنه " الإفلاس".