راكان``
06-11-2009, 10:27 PM
.
http://up1.arb-up.com/files/arb-up-2009-9/FWF35295.jpg (http://arb-up.com/)
توفي صباح يوم السبت المفكر والعالم المصري الشهير الدكتور مصطفي محمود عن عمر يناهز 90 عاما بعد صراع طويل مع المرض استمر لسنوات .
وكان الدكتور مصطفي محمود خلال فترة علاجه متواجدا في مستشفى تحمل اسمه والتابعة لمسجد مصطفي محمود بالمهندسين في محافظة الجيزة ، وقد ابتعد بعد مرضه عن الحياة العامة .
ولد الفقيد عام 1921 ، وكان توأم الأخ توفي في نفس العام ، و عرفه الجمهور من خلال برنامج شهير في التلفزيون المصري استمر لسنوات طويلة وهو "العلم والإيمان" ، وله العديد من المؤلفات العلمية والإسلامية .
رحمه الله وغفر له وأجزل مثوبته..
هو أحد قلائل ساهموا في تأسيس عقول جيل المثقفين الذي أنتمي إليه، سواء عبر كتبه أو عبر برنامجه الشهير (العلم والإيمان).
لو طُلِب مني أن أختار كلمة أصف بها حياة الدكتور مصطفى محمود رحمه الله، لقلت
الإنجاز
أنجز وهو يكتب متنوعاً ومختلفاً: المسرحية، القصة القصيرة، الفلسفة، الحوار. وأنجز وهو يقدم العلم برفقة الإيمان مرئياً في عرض جميل ومقنع وموثق. وأنجز وهو يبني بيته ومسجده ومستشفاه ليتحول المثقف في نفسه إلى أبعاد أخرى تساهم في خدمة الذات والمجتمع والناس. وأنجز حين ساهم في الحراك الثقافي عبر النقد والتوجيه والتصويب والمناقشة والتساؤل الشاغل للعقول والباعث على مزيد حركة ونشاط ورقي. وأنجز وهو يصبر ويُصابر في مرضه الأخير دون أن يُحوّل هذا المرض الطويل إلى وسيلة استعطاف، أو طلب صدقة من الناس أو الدولة، أو تباكٍ على أوضاع المثقفين في العالم العربي كله.
هو أحد من ساهم في تأسيس عقول المثقفين السعوديين (من جيلنا) لأن كتبه (رحلتي من الشك إلى الإيمان، الماركسية والإسلام، حوار مع صديقي الملحد، السر الأعظم... وغيرها) كانت من أوائل ما وصل إلينا من نتاج المثقفين العرب. لقد أجازت الرقابة كتبه في المملكة مبكرا فأتيح له أن ينتشر ثقافيا بصورة مقروءة بعد أن انتشر قبل ذلك مرئياً عبر برنامجه الشهير (العلم والإيمان). ولعل الكتب والبرنامج وصلتنا في زمن انفتاح نسبي بين السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، زمن كان إرهاصاً لما عرف بعد ذلك بالصحوة الإسلامية عبر الحرب ضد الشيوعية في أفغانستان وما أفرزته الثورة في إيران وغير ذلك من الأحداث المتعاقبة حينها، وتأثير هذه الأحداث على مثقفي المنطقة العربية عموما والمملكة خصوصا.
وسط هذا كله وصلنا الدكتور مصطفى محمود عبر كتبه وعبر برنامجه الشهير القريب من العلم والإيمان، والبعيد عن السياسة والثورة والسخط، وساهم (العلم والإيمان) في تقديم ثقافة (طبية، عالم الحيوان، الفلك، طبقات الأرض، دارون والدارونية،الحشرات.....الخ) للمجتمع وأوصل هذه الثقافة إلى طبقات من المجتمع لم يتح لها الوقت لتقرأ الكتب والدوريات العلمية والثقافية المتخصصة أو غير المتخصصة. وطبقات قرأت ذلك لكنها لم تر على أرض الواقع ما تتحدث عنه الكتب والدوريات. وأخرى قرأت ورأت لكنها كانت تحتاج توثيقاً واضحاً يربط العلم بالإيمان فأمدهم برنامج (العلم والإيمان) بالتوثيق الذي كانوا يحتاجونه، وطبقات كانت مترددة بين العلم والإيمان والشك واليقين فحسمت مشاهدة لذلك البرنامج الشهير ذلك التردد بجانب العلم والإيمان معاً، والشك الموصل إلى اليقين عقب ذلك. وساهمت في خلق جيل من المثقفين يتحرك ضمن وعي، ويكتب ويقرر وفق بصيرة، ويقول بعيداً عن لوثات الشك وعبث إضاعة الوقت بالتفكير في مفضول في قضايا الفكر مع وجود فاضل جدير بالبحث بين العقل والقلب.
كان يبدأ الحوار قريباً محبباً لسامعيه كأن يقول: (أهلا، أزيكم) ثم ينتقل بانسيابية شديدة إلى موضوع حلقته. ومن يقرأ كتب الدكتور مصطفى محمود الفلسفية: (رحلتي من الشك إلى الإيمان، الماركسية والإسلام، حوار مع صديقي الملحد.. وغيرها) يلمح هذه الصفة فيما كتبه أيضاً، كان مشغولا بتبسيط الفلسفة والخلاف والحوار والبرهان لتكون واضحة للقارئ غير المتخصص، وذاك بعض ما ساهم في انتشار هذه الكتب مع ما احتوته من موضوعات احتاج الناس إليها يوم ذاك ومازالت الحاجة قائمة إليها عند أولئك الذين ينشدون وسائل وأدوات تساعدهم على التعمق في الفكر الذي تقدمه هذه الموضوعات المعقدة في الخارج والواضحة حين نقرأ أو نسمع الدكتور وهو يتحدث عنها. قال لي رجل أمّي بعد مشاهدة حلقة من حلقات (العلم والإيمان) : هذا – وأشار إلى الدكتور – رجل مُلئ علماً. وعجبت يومها من هذا الحُكم الذي أصدره الأمي الواعي، وفهمت أن الدكتور قد وصل إلى عقله، وعلـّمه ما لم يكن يعلم في مسألة تخصص بها العلماء قبل ذلك فشهد له شهادة حق قد تكون أحب إلى الدكتور مصطفى من شهادات كثيرة نالها واستحقها في حياته وسينال أكثر منها بعد رحيله.
حين يرحل الراحلون يَرِدُنا سؤال كبير: ما الذي بقي من هذا الراحل؟
وحين يتصل الأمر بالدكتور مصطفى محمود تكون الإجابة لائقة بمثقف في حجمه:
بقيت القدوة الحسنة،
والانجاز الكبير،
والفكر المتجدد جيلا بعد جيل.
.
http://up1.arb-up.com/files/arb-up-2009-9/FWF35295.jpg (http://arb-up.com/)
توفي صباح يوم السبت المفكر والعالم المصري الشهير الدكتور مصطفي محمود عن عمر يناهز 90 عاما بعد صراع طويل مع المرض استمر لسنوات .
وكان الدكتور مصطفي محمود خلال فترة علاجه متواجدا في مستشفى تحمل اسمه والتابعة لمسجد مصطفي محمود بالمهندسين في محافظة الجيزة ، وقد ابتعد بعد مرضه عن الحياة العامة .
ولد الفقيد عام 1921 ، وكان توأم الأخ توفي في نفس العام ، و عرفه الجمهور من خلال برنامج شهير في التلفزيون المصري استمر لسنوات طويلة وهو "العلم والإيمان" ، وله العديد من المؤلفات العلمية والإسلامية .
رحمه الله وغفر له وأجزل مثوبته..
هو أحد قلائل ساهموا في تأسيس عقول جيل المثقفين الذي أنتمي إليه، سواء عبر كتبه أو عبر برنامجه الشهير (العلم والإيمان).
لو طُلِب مني أن أختار كلمة أصف بها حياة الدكتور مصطفى محمود رحمه الله، لقلت
الإنجاز
أنجز وهو يكتب متنوعاً ومختلفاً: المسرحية، القصة القصيرة، الفلسفة، الحوار. وأنجز وهو يقدم العلم برفقة الإيمان مرئياً في عرض جميل ومقنع وموثق. وأنجز وهو يبني بيته ومسجده ومستشفاه ليتحول المثقف في نفسه إلى أبعاد أخرى تساهم في خدمة الذات والمجتمع والناس. وأنجز حين ساهم في الحراك الثقافي عبر النقد والتوجيه والتصويب والمناقشة والتساؤل الشاغل للعقول والباعث على مزيد حركة ونشاط ورقي. وأنجز وهو يصبر ويُصابر في مرضه الأخير دون أن يُحوّل هذا المرض الطويل إلى وسيلة استعطاف، أو طلب صدقة من الناس أو الدولة، أو تباكٍ على أوضاع المثقفين في العالم العربي كله.
هو أحد من ساهم في تأسيس عقول المثقفين السعوديين (من جيلنا) لأن كتبه (رحلتي من الشك إلى الإيمان، الماركسية والإسلام، حوار مع صديقي الملحد، السر الأعظم... وغيرها) كانت من أوائل ما وصل إلينا من نتاج المثقفين العرب. لقد أجازت الرقابة كتبه في المملكة مبكرا فأتيح له أن ينتشر ثقافيا بصورة مقروءة بعد أن انتشر قبل ذلك مرئياً عبر برنامجه الشهير (العلم والإيمان). ولعل الكتب والبرنامج وصلتنا في زمن انفتاح نسبي بين السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، زمن كان إرهاصاً لما عرف بعد ذلك بالصحوة الإسلامية عبر الحرب ضد الشيوعية في أفغانستان وما أفرزته الثورة في إيران وغير ذلك من الأحداث المتعاقبة حينها، وتأثير هذه الأحداث على مثقفي المنطقة العربية عموما والمملكة خصوصا.
وسط هذا كله وصلنا الدكتور مصطفى محمود عبر كتبه وعبر برنامجه الشهير القريب من العلم والإيمان، والبعيد عن السياسة والثورة والسخط، وساهم (العلم والإيمان) في تقديم ثقافة (طبية، عالم الحيوان، الفلك، طبقات الأرض، دارون والدارونية،الحشرات.....الخ) للمجتمع وأوصل هذه الثقافة إلى طبقات من المجتمع لم يتح لها الوقت لتقرأ الكتب والدوريات العلمية والثقافية المتخصصة أو غير المتخصصة. وطبقات قرأت ذلك لكنها لم تر على أرض الواقع ما تتحدث عنه الكتب والدوريات. وأخرى قرأت ورأت لكنها كانت تحتاج توثيقاً واضحاً يربط العلم بالإيمان فأمدهم برنامج (العلم والإيمان) بالتوثيق الذي كانوا يحتاجونه، وطبقات كانت مترددة بين العلم والإيمان والشك واليقين فحسمت مشاهدة لذلك البرنامج الشهير ذلك التردد بجانب العلم والإيمان معاً، والشك الموصل إلى اليقين عقب ذلك. وساهمت في خلق جيل من المثقفين يتحرك ضمن وعي، ويكتب ويقرر وفق بصيرة، ويقول بعيداً عن لوثات الشك وعبث إضاعة الوقت بالتفكير في مفضول في قضايا الفكر مع وجود فاضل جدير بالبحث بين العقل والقلب.
كان يبدأ الحوار قريباً محبباً لسامعيه كأن يقول: (أهلا، أزيكم) ثم ينتقل بانسيابية شديدة إلى موضوع حلقته. ومن يقرأ كتب الدكتور مصطفى محمود الفلسفية: (رحلتي من الشك إلى الإيمان، الماركسية والإسلام، حوار مع صديقي الملحد.. وغيرها) يلمح هذه الصفة فيما كتبه أيضاً، كان مشغولا بتبسيط الفلسفة والخلاف والحوار والبرهان لتكون واضحة للقارئ غير المتخصص، وذاك بعض ما ساهم في انتشار هذه الكتب مع ما احتوته من موضوعات احتاج الناس إليها يوم ذاك ومازالت الحاجة قائمة إليها عند أولئك الذين ينشدون وسائل وأدوات تساعدهم على التعمق في الفكر الذي تقدمه هذه الموضوعات المعقدة في الخارج والواضحة حين نقرأ أو نسمع الدكتور وهو يتحدث عنها. قال لي رجل أمّي بعد مشاهدة حلقة من حلقات (العلم والإيمان) : هذا – وأشار إلى الدكتور – رجل مُلئ علماً. وعجبت يومها من هذا الحُكم الذي أصدره الأمي الواعي، وفهمت أن الدكتور قد وصل إلى عقله، وعلـّمه ما لم يكن يعلم في مسألة تخصص بها العلماء قبل ذلك فشهد له شهادة حق قد تكون أحب إلى الدكتور مصطفى من شهادات كثيرة نالها واستحقها في حياته وسينال أكثر منها بعد رحيله.
حين يرحل الراحلون يَرِدُنا سؤال كبير: ما الذي بقي من هذا الراحل؟
وحين يتصل الأمر بالدكتور مصطفى محمود تكون الإجابة لائقة بمثقف في حجمه:
بقيت القدوة الحسنة،
والانجاز الكبير،
والفكر المتجدد جيلا بعد جيل.
.