تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حرب العراق ... مهمة واشنطن الانتحارية للكاتب سول لاندو


عزمي1
27-06-2008, 01:21 PM
مفكرة الإسلام: إذا كانت الخسائر المادية والبشرية التي تلحق بالولايات المتحدة جراء حروب الرئيس "جورج دبليو بوش" في أفغانستان والعراق تمثل غصة في حلق الأمريكيين، فإن حالة البؤس والاحتياج والعجز الذي يعانيه المجندون المصابون الذين سبق لهم الخدمة بالجيش، وكذلك التصاعد المطرد في معدلات الانتحار بينهم، كل ذلك يمثل صفعة في وجه الإدارة الأمريكية.

وقدم الكاتب والباحث "سول لاندو"- زميل معهد الدراسات السياسية بواشنطن- تحقيقًا تناول من خلاله نماذج لمجندين أمريكيين سابقين تفترسهم مشكلات بدنية أو عقلية، واصفًا إياهم بأنهم نموذج يلائم الأوصاف التي وردت في كتاب "المعذبون في الأرض"، للطبيب النفسي والفيلسوف الاجتماعي الفرنسي الشهير "فرانز فانون".

وتحت عنوان "حرب العراق تتحول إلى مهمة انتحارية" كتب لاندو:

في أثناء سيري بشارع السوق في سان فرانسيسكو، أعطيت دولارًا لشاب رث الثياب يحمل لافتة كتب عليها "ساعدني". وكان أغلب متسوقي يوم السبت قد تجاهلوا ذلك الشاب وغيره من عشرات المشردين الآملين في الحصول على العملات النقدية الصغيرة الزائدة عن الحاجة. وقد شكرني هذا الشاب واسمه ديف.

ولقد سألته عن سبب عدم قيامه بأي عمل للتربح منه، ففسر لي ذلك قائلاً: "إن ظهري يؤلمني". لقد بدأ الألم "خارج بغداد". وأشار ديف إلى قاعدة عموده الفقري "لقد انفجرت قذيفة هاون، واستقرت شظيتان من المعدن هنا في مكان ما... كما أصيب أحد رفاقي في عينه. إنه أسوأ حالاً مني". وقال ديف: إنه على مشارف السادسة والعشرين ويعيش مشردًا في الشوارع منذ نحو عامين.

"البعض حالته أسوأ. أذرع، سيقان، مخ".

ثم سألته عن المكان الذي ينام فيه، فضحك قائلاً: "المتنزهات، وأسفل الطرق السريعة، وأحيانًا في ملاجئ المشردين إن لم يكن معي شيء يمكن سرقته".

في النهاية صافحته يدًا بيد وتمنيت له حظًا طيبًا، ثم صاح قائلاً لي: "لا عليك... لازلت لم أنتحر بعد لكن بعضًا من رفاقي قد فعلوا".

وهو يشير بذلك إلى المجندين القدامى الذين يتخلصون من حياتهم بمعدل يومي 18 جنديًا في المتوسط داخل الولايات المتحدة. وذكر الصحافي "جون كوبمان": "أنه في كاليفورنيا بمفردها عام 2006، انتحر 666 جنديًا سابقًا"- "سان فرانسيسكو كرونيكل، 12 مايو، 2008".

وربما كان يشير ديف إلى "تيم شابمان"، وهو من سان فرانسيسكو أيضًا. وهو مثل ديف، لم يستطع التكيف مع الحياة المدنية بعد تجربته مع الحرب في الشرق الأوسط. فقد انخرط تيم في عالم المخدرات. وأخبر كوبمان أنه انضم إلى عصابة، وتركته زوجته وبدأ في التركيز على إنهاء حياته.

وفي جميع أنحاء البلاد، تتعامل المجتمعات المحلية مع عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين الذين عادوا من أفغانستان والعراق بأجساد وعقول مصابة. وطالما استمرت حروب بوش- علمًا بأن أحدًا من المرشحين الرئاسيين لم يتعهد بسحب جميع القوات- فإن البلاد ستواجه بصورة متزايدة نماذج من المجندين المتقاعدين، لا يستطيع العديد منهم التواصل في محيط الأسرة أو العمل. فهم يعانون من إصابات الحرب- الجسدية والعقلية- التي تتطلب علاجات باهظة التكلفة.

بالرغم من ذلك فإن العدد الإجمالي للمجندين الذين سبق لهم المشاركة في الحروب الأمريكية- يطلق عليهم (المحاربين القدامى)- قد أخذ في الانخفاض بعد رحيل العديد من الجنود السابقين ممن خدموا أثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية. "وتتوقع الحكومة أن تنفق 59 مليار دولار سنويًا لتعويض المصابين من المحاربين خلال 25 عامًا، وذلك بزيادة عن الـ 29 مليار دولار الحالية". ونقلت الصحافية "جنيفر سي. كير" عن دائرة شئون المحاربين القدامى، أنها "اعترفت أن قائمة الحساب يمكن أن تكون أكثر ارتفاعًا"- "أسوشيتيد برس، 11 مايو، 2008".

وهؤلاء الذين لا يظهرون إصابتهم أو لا يحصلون أو يستجيبون للعلاج أصبحوا يمثلون الخطر الأكبر. وبدأت شبكة "سي بي إس نيوز" في عام 2005 في إجراء تحقيقات في حالات الانتحار في الجيش الأمريكي. وقد انتهى تقرير للصحافي "أرمن كيتيان" إلى أن: "120 شخصًا من المحاربين السابقين يقدمون على الانتحار أسبوعيًا. وهو متوسط يعادل مرتين النسبة بين غير المحاربين القدامى"- "13 نوفمبر، 2007".

وطلبت "سي بي إس" من د. "ستيف راثبن"، نائب رئيس قسم الأوبئة والإحصاء الحيوي بجامعة جورجيا، تحليلاً مُفصلاً عن الإحصائيات الخاصة بالانتحار التي حصل عليها من السلطات الحكومية للعامين 2004 و2005. ومن خلال الأرقام، وجد راثبن أن المجندين السابقين "كانوا أكثر بنسبة الضعف في إقبالهم على الانتحار عن من هم من غير المحاربين القدامى". كما مثل الجنود الذين سبق لهم المشاركة في حربي العراق وأفغانستان، والذين تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عامًا، أعلى معدلات الانتحار بين جميع فئات المحاربين السابقين، حيث بلغت بين 22.9 و31.9 لكل 100.000.

وفي مطلع إبريل، قامت مجموعة من المحامين الذين يمثلون حقوق المحاربين القدامى برفع دعوى أمام المحكمة الفيدرالية في سان فرانسيسكو. واتهمت الدعوى دائرة شئون المحاربين القدامى بأنها أخفت عمدًا وجود خطر الانتحار بين المجندين السابقين. وهو ما وضعه المحامي "جوردون إرسبيمر" بوضوح. قائلاً: "مما يؤسف له أن دائرة شئون المحاربين القدامى في حالة إنكار". حيث كان يشير إرسبيمر إلى رسائل بريد إلكتروني كتبها د. "إرا كاتز"، مدير دائرة شئون المحاربين القدامى لشئون الصحة العقلية.

وكان كاتز قد أصر على أن خطر الانتحار بين المجندين العائدين من أفغانستان والعراق كان في الحد الطبيعي. وقال كاتز في نوفمبر الماضي للصحافي كيتيان من "سي بي إس": "ليس هناك شكل وبائي في انتحار المحاربين القدامى". غير أنه كان قد كتب في رسالة بريد إلكتروني عام 2007 : "إن منسقينا المعنيين بمنع عمليات الانتحار قد لاحظوا نحو 1000 محاولة انتحار شهريًا – 12.000 سنويًا- بين المجندين السابقين الذين نراهم بمنشآتنا الطبية". ويتعارض ذلك مع العدد الذي قدمته دائرة شئون المحاربين القدامى لشبكة "سي بي إس نيوز"، وهو أنه تم اكتشاف 790 محاولة انتحار بين المجندين السابقين في عام 2007.

وأنهى كاتز رسالته الإلكترونية بقوله: "هل هذا أمر ينبغي علينا التعاطي معه ( بعناية ) ... قبل أن يتعثر فيه أحد؟"

من جهته وصف "بوب فلينر"، النائب الديموقراطي عن ولاية كاليفورنيا ورئيس لجنة شئون المحاربين القدامى بمجلس النواب، هذا الأمر بأنه "جريمة ضد أمتنا، جنود أمتنا السابقين"- "سي بي إس نيوز".

وقد أعرب كاتز في وقت لاحق عن أسفه بشأن تلك العبارة التي وردت في رسالته حيث قال: "لقد كانت خطأ وأنا أعتذر (لمجلس النواب ) عن ذلك"- "سي بي إس نيوز إنترأكتيف، 23 إبريل، 2008". واعترف كاتز أنه كان يعلم بأن نحو 12.000 جندي من المجندين السابقين يحاولون سنويًا إنهاء حياتهم بالانتحار أثناء علاجهم تبع دائرة شئون المحاربين القدامى. وهذا العدد لا يشمل من هم ليسوا تابعين لرعاية دائرة شئون المحاربين القدامى العلاجية. وأوضح كاتز أن تساؤله- الذي ورد بالعبارة- كان بشأن "ما إذا كان هذا أمرًا ينبغي علينا بأنفسنا التعاطي معه ( بعناية ) بنوع من التصريح قبل أن يتعثر فيه أحد؟"

وطالما خرج مسئولو إدارة بوش بأقسى النوادر. هل تتذكر مدير الوكالة الاتحادية لإدارة الطوارئ، "مايكل براون" عقب كارثة إعصار كاترينا؟ غير أن البيروقراطيين اليمينيين قد احتفظوا بأقسى نوادرهم لهؤلاء الجنود الذين تم نشرهم بالشرق الأوسط وعودتهم منه، وهو عدد يقرب من 1.7 مليون من الرجال والنساء. فالمحاربون القدامى الذين يعانون من إصابات وصدمات نفسية نلاحظ في كثير من الأحيان تدهور حالاتهم، ما يؤدي إلى إعاقات أكثر خطورة. ويحظى المجندون السابقون الذين شاركوا في الحروب الحديثة بوعي بشأن كيفية الحصول على امتيازاتهم الشرعية وذلك بصورة أكبر من سابقيهم الذين شاركوا في حروب ماضية؛ ومن ثم ترتفع التكاليف.

ونظرًا للتحسن الهائل الذي شهدته الرعاية الطبية في ميادين القتال وحالات الطوارئ منذ الحرب العالمية الثانية، والحرب الكورية- وحتى منذ حرب فيتنام- فإن الإصابات التي كانت تتسبب في موت صاحبها سابقًا أصبحت الآن قابلة للعلاج. وقد ارتفع عدد المجندين السابقين الذين تم حصرهم بعد الخدمة في أفغانستان والعراق إلى ما يقرب من 200.000.

وبالرغم من ذلك، فعندما ظهر مطلب الرئيس بوش "الخاص" الروتيني بشأن مواصلة الحرب أمام الكونجرس، فإن أغلب الأعضاء – وبالتأكيد الرئيس كذلك- لم يضعوا في محور تركيزهم قضية المحاربين السابقين الذين يعانون من حالات عجز. ومنذ عام 2001، عندما دشن بوش حربيه، فإن أعداد المحاربين السابقين الذين يعانون من عجز جزئي قد تجاوز 25%. حيث يقطن نحو 2.9 مليون شخص حالهم من حال ديف- أو ربما من حالات أسوأ- في البلاد الآن. ويشكل هؤلاء مع غيرهم من قدماء المحاربين في حروب سابقة نموذجًا يلائم وصف "فرانز فانون"- الطبيب النفسي والفيلسوف الاجتماعي الفرنسي الشهير- لمن أسماهم: "المعذبون في الأرض".

على سبيل المثال، اعتاد المجند السابق ريك الإسراف في الشراب، وهي عادة كان قد اكتسبها في فيتنام حيث كان قد خدم هناك لجولتين بعمليات "البحث والإنقاذ". وفي غضون عقد من عودته إلى الولايات المتحدة، أصبح لدى ريك قناعة بأنه يرى خيالات حاقدة. وأن تلك الكيانات الوهمية تقوم بصنع طفيليات توجهها إلى مخبأ تحت جلده حتى أنها تبعته إلى محطة البنزين القريبة من مسكنه في شارع أوكلاند.

ولقد قضى ريك عامين يحارب تلك المخاوف- بمساعدة الخمر وغيرها من المواد، بطبيعة الحال. وبينما كان يخدش ريك مناطق جسده التي تزحف إليها تلك الكيانات الوهمية تحت جلده، قال إن: "الحرب كانت الوقت الأكثر إثارة في حياتي... إن المرء ليتساءل: لماذا عليهم أن يكرروها من جديد"؟

ويتساءل عشرات الملايين من الأمريكيين: لماذا يقوم الرئيس بوش ومستشاروه المفترض أنهم من المحافظين مجددًا بإرسال الشباب من الرجال والنساء لخوض حرب ليس لها سبب وجيه وتهدد بالاستمرار بلا نهاية. إن الملايين يتساءلون: لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة الانسحاب؟ لماذا لا يقوم الكونجرس مباشرة بقطع التمويل؟

وإجابات ذلك مثل: قد تنشب حربًا أهلية. لا يمكننا أن نخذل هؤلاء العراقيين المساكين. إن القاعدة يمكن أن تعلن انتصارها. وتبريرات أخرى مثل سمعتنا، وهيبتنا، وضميرنا الوطني، وغير ذلك من ثرثرة جوفاء.

وقد صرح "ستيف سميثسون"، نائب مدير جمعية قدامى المحاربين الأمريكية، لمراسلة وكالة "أسوشيتيد برس" الصحافية "جينيفر كير" أن الانتحار هو "كلفة الحرب" كما لو كان تضحية وطنية؟ إن الأمريكيين ببساطة كان عليهم أن يتقبلوا أن الحرب تجلب كل ما هو قبيح، ولكن عندما يدعو الرئيس فإن الوطنيين يبادرون بالاستجابة.

ويرى ما يقرب من 24 مليون شخص من المجندين السابقين- عاجزين أو غير ذلك- أعدادهم تتناقص مع وفاة المحاربين القدامى ممن شاركوا في الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية. وتتوقع دائرة شئون المحاربين القدامى أنه بحلول عام 2033 لن يبقى من هؤلاء سوى 15 مليونًا فحسب، ولكن الأمر سيتطلب تكلفة أكبر للتعامل معهم. كما سترتفع التعويضات الخاصة بالمجندين السابقين الذين يعانون من عجز من 29 مليار دولار اليوم إلى 33 مليار دولار على الأقل. كما ستتزايد حالات العجز، وتصبح الإصابات أكثر حدة.

وأكدت دراسة لمؤسسة راند البحثية أن نحو 300.000 من المجندين الذين سبق لهم الخدمة بالجيش يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة. كما أن أكثر من 320.000 قد يكونون عانوا من إصابات دماغية رضحية – صادمة- في ميدان القتال. إن طبيعة حروب بوش تعني أن "في العراق وأفغانستان جميع أفراد الخدمة العسكرية- ليس فقط جنود المشاة- معرضون لانفجار العبوات الناسفة المزروعة على جوانب الطرق ووفيات المدنيين. وهذا الفارق الملحوظ يعرض نطاقًا أوسع من أفراد الجيش إلى صدمات الحرب."- "جوليان بارنز، لوس أنجيليس تايمز، 18 إبريل، 2008".



--------------------------------------------------------------------------------

([1]) موقع "كاونتر بونتش" الأمريكي يُمثل نشرة إخبارية نصف أسبوعية تُنشر بالولايات المتحدة وتهتم بالشأن السياسي.

متوازن
28-06-2008, 07:07 AM
الفاضل عزمي1
شكرا على النقل...

موضوع خطير ونذير هلاك شيطان العصر..امريكا