يا متعبنـــــي*
11-06-2007, 12:32 PM
بسم الله الرحمن الرحيم http://www.islammemo.cc/media//iiran.jpg يمثل البرنامج النووي الإيراني محور الصراع الدائر الآن في الشرق الأوسط حيث يخفي الجدل الدائر حوله كثيرًا من الأهداف والإستراتيجيات المتصارعة في المنطقة. فهناك أطراف عديدة تسعى كل منها إلى اللعب بورقة هذا الملف وأول هذه الأطراف بالطبع هي النظام الإيراني الذي يستخدم ورقة التخصيب يوقف أو يستأنفه في لعبة باتت معروفة للجميع. وفي هذا الملف نتناول حقيقة هذا الملف: حقيقة البرنامج النووي الإيراني قراءة إستراتيجية لأبعاد الملف النووي الإيراني أولاً: تاريخ إيران نووياً يعود التاريخ النووي الإيراني لعام 1960م، حين كانت إيران ذات علاقة قوية وطيبة مَعَ الولايات المتحدة الأمريكية. فَفِي غضون عام 1960، وبمساعدة أمريكية، أنشأ شاه إيران "مُحَمَّد رضا بهلوي" منظمة الطاقة النووية الإيرانية ومركز طهران للبحوث النووية. إلا أن هذا المركز لم يأخذ الدور البحثي المطلوب إلا عام 1967م عندما أُلحقَ بجامعة طهران وأشرفت عليه منظمة الطاقة النووية الإيرانية. وبمجرد أن بدأ المركز بحوثه النووية من جامعة طهران أهدت الولايات المتحدة الأمريكية للمركز مفاعلاً صغيرًا بقدرة 5 ميغاواط لأغراض البحث. وكان لهذا المفاعل التدريبي قدرة على إنتاج 600 غرام من البلوتونيوم سنويًا من وقوده النووي المستهلك. وقّعت إيران على معاهدة الحَدّ من إنتاج وتجربة الأسلحة النووية في الأول من يوليو 1968م، وأصبح التوقيع نافذًا في الخامس من مارس عام 1970م. وَقَدْ جاء في نص القرار الذي وقعته إيران في الفقرة الرابعة منه أن معاهدة الحَدّ من إنتاج الأسلحة النووية وتجربتها تعترف بما يلي: بأن لإيران الحَقّ في تطوير وإنتاج واستعمال الطاقة النووية للأغراض السلمية دون تمييز يذكر، وامتلاك المواد والأجهزة والمعلومات التكنولوجية والعلمية. واستنادًا إِلى توقيع المعاهدة ونص الفقرة أعلاه؛ تمكنت إيران من استيراد ما تحتاجه من مصادر لبناء المفاعل النووي وللأغراض التي حددتها نص الفقرة الرابعة من المعاهدة، ما بين إيران ومجلس الأمن بخصوص منع انتشار الأسلحة النووية. لَقَدْ تطورت العلاقة الإيرانية الأمريكية النووية بعد حرب أُكتوبر عام 1973م، حين امتنع الشاه من أن يدخل لعبة استعمال البترول كأداة ضغط على الولايات المتحدة الأمريكية. وتمكنت إيران من ضَخّ بترولها إِلى الأسواق العالمية وبكميات كبيرة سدّت الاحتياج المطلوب في وقته. ولهذا مَعَ عام 1973م كانت الولايات المتحدة الأمريكية تشجع على تطوير المشروع النووي الإيراني السلمي بحجة حاجة إيران إِلى طاقة أُخرى غير الطاقة النفطية مَعَ مطلع عام 1990م لسدّ احتياجاته من الطاقة الكهربائية. وَمَعَ عام 1975م؛ بدأ المشروع النووي الإيراني السلمي يأخذ طريقه لإنتاج الطاقة الكهربائية، حين أصدر معهد ستان فرد للبحوث التابع للحكومة الأمريكية تقريرًا جاء في مضمونه: على الولايات المتحدة الأمريكية أن تساعد إيران على بناء 5-7 مفاعل نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، وبالتالي خلال ثلاثة أشهر من هذا التقرير قامت الشركات الأمريكية ببناء تلك المفاعلات في أماكن متفرقة من إيران. كان طموح شاه إيران أبعد مما أعلنه معهد ستان فرد الأمريكي، وشده طموحه لبناء 23 مفاعلاً نوويًا لإنتاج الطاقة الكهربائية، وبمدة قصيرة جدًا وعلى مرأى ومسمع من الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن العقد الذي أبرمه الشاه مَعَ الشركة الألمانية كرافت ورك في عام 1975م قَدْ سبب إزعاجًا كبيرًا للولايات المتحدة الأمريكية. وكان فحوى العقد هو بناء مفاعل نووي في منطقة بوشهر بقدرة 1200 ميغاواط تنفذه شركة سيمنز الألمانية. ولإرضاء الولايات المتحدة الأمريكية؛ قام الشاه بتوقيع معاهدة مَعَ معهد ماسيوشست التكنولوجي لتدريب 800 مهندس وفني إيراني لإدارة وتشغيل مفاعل بوشهر عند الانتهاء منه، كما تعاقد الشاه عام 1974 مَعَ الحكومة الفرنسية لبناء مفاعلين نوويين، تنفذهما شركة فرام أتم قدرة كلا منهما 950 ميغاواط. إلا أن هذين المفاعلين لم يريا النور أبدًا كنتيجة لقيام الثورة الإيرانية وسقوط الشاه. وبالإضافة إِلى ما تَمَّ ذكره من عقود نووية مَعَ الشركات الغربية، كان هناك عقدان آخران وقعهما الشاه قبل سقوطه مَعَ الصين لبناء مفاعلين نوويين في منطقة داركوفن قرب نهر كارون، لكنهما أَيضًا لم يريا النور قَطّ لقيام الجمهورية الإيرانية الإسلامية. يبدو أن شاه إيران بدأ داء القوة وعدم الاكتراث لإرضاء الولايات المتحدة الأمريكية يجعله يتصرف بوسيلة انعكست عليه سلبيًا، فعلى الرغم من خروجه من أزمة التعاقد مَعَ الشركة الألمانية؛ إلا أنَّه أخطأ دون استشارة الولايات المتحدة الأمريكية بتوقيع معاهدة تعاون نووي مَعَ الهند. ولم تكن الهند البلد الوحيد الذي التجأ إليها الشاه للحصول على المعلومة النووية، بل وقّع عقدًا مَعَ فرنسا تَمَّ على أثره فتح مركز للدراسة والتدريب والإنتاج النووي في أصفهان. كانت حجة افتتاحه لتدريب المهندسين والفنيين لإدارة مفاعل بوشهر عند الانتهاء منه من قبل الشركة الألمانية وتسليمه إِلى الإيرانيين لتشغيله (257). إلا أن فرنسا سرعان من أخلفت معاهداتها فأغلق المركز وترك مفاعله إِلى أن تَمَّ الاتفاق مَعَ الصين لفتحه عام 1996م، وهو الآن يعمل ضمن المعاهدة النووية الصينية الإيرانية وفيه مفاعل نووي بقدرة 400 ميغاواط. كانت الولايات المتحدة الأمريكية تترقب تطور العلاقات النووية الإيرانية السلمية عن كثْب، وتحاول أن تتدخل بصورة سريعة لإنهاء أية نية لتطوير السلاح النووي، فعندما واجهت الولايات المتحدة الأمريكية تحديات الشاه بعقد اتفاقيات مَعَ الهند وفرنسا كحقيقة تؤدي إِلى الاستغناء عن خبرة الولايات المتحدة الأمريكية نوويًا، أرسلت في أُكتوبر عام 1977م ممثل وزارة الحكومة الأمريكية في وزارة الخارجية سدني سوبر للتفاوض مَعَ الشاه بخصوص البرنامج النووي الإيراني، وَتَمَّ الاتفاق على إلغاء كُلّ المعاهدات القائمة بين إيران والدول الأُخرى، شرط أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد إيران بثمانية مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية. وَقَدْ تَمَّ التوقيع على شراء هذه المفاعلات رسميًا بين البلدين في العاشر من يوليو/تموز عام 1978م. وَقَدْ كان الاتفاق شاملاً ويحتوي على تزويد إيران بكل ما يحتاجه المفاعل، بما فيه الوقود النووي وكيفية تطويره ومواده الأساسية. لم ير العقد الأمريكي الإيراني النووي النور أبدًا، وصادرت الولايات المتحدة الأمريكية مبلغ ثمانية مليارات كجزء من سعر المفاعلات التي تَمَّ التعاقد عليها، بعد نجاح الثورة الإيرانية ضدّ الشاه وإلغاء رئيس الوزراء حينذاك "مهدي بزركان" العقد عام 1979(257,258). وبهذا لم تكتسب إيران بعده أية خبرة نووية إلا من خلال البحوث البسيطة لعلمائها بين أروقة الجامعات الإيرانية. وبقي هكذا الحال حَتَّى عام 1992م، عندما بدأت إيران تنشط نوويًا مجددًا. ولكن مَعَ سقوط الشاه؛ كان مفاعل (بوشهر-1 ( قَدْ أنجز العمل فيه بما يقارب 90%. في حين لم ينجز من مفاعل (بوشهر-2 ) إلا 50%. خلال الحرب العراقية الإيرانية التي دامت أمدًا طويلاً قصفت الطائرات العراقية مفاعل (بوشهر-1 ) ست مرات، وعلى وجه التحديد في 13 مارس 1984م، فبراير 1985، 11 مارس 1985، 17 يوليو 1986، 2 نوفمبر 1987 و 13 نوفمبر 1987م. وخلال هذا القصف المركز والمستمر دُمر مفاعل بوشهر-1 بالكامل وسويَّ بالأرض تَمامًا . لَقَدْ خلفت الحرب العراقية الإيرانية دمارًا كبيرًا في البنى التحتية الإيرانية، فلذا كان من أول أولويات الدولة الإيرانية بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية البحث عن العقود السابقة مَعَ الدول الأوربية لبناء مفاعل نووية لتوليد الطاقة الكهربائية. وكانت حكومة رفسنجاني ترى أن توليد الطاقة الكهربائية تعد أساسًا في إعادة تشغيل المعامل التي أغلقت مُنْذُ زمن الشاه بعد تحسينها لإعادة بناء إيران. وعليه فَقَدْ فاتحت حكومة إيران برئاسة رفسنجاني في أبريل عام 1990 شركة كرافت ورك لإكمال عملها في مشروع بوشهر الثلاثي، الذي نفذت منه مشروعين أحدهما بواقع 90% والآخر بـ: 50% وكلاهما دمرته الحرب. إلا أن الشركة رفضت التجاوب تحت ضغط أمريكي فطلبت حكومة رفسنجاني من الحكومة الألمانية التدخّل في حَلّ المشكلة؛ لأن الشركة قَدْ استلمت مبالغ بناء المشروع الثلاثي في بوشهر بالكامل دون أن تنجز مشروعها، مؤكدة أن التعاقد كان مَعَ الحكومة الإيرانية وأيّ عقد موقع مسبقًا يبقى يحافظ على صورته القانونية حَتَّى عند سقوط الحكومة. لم تفلح الدبلوماسية في إقناع شركة كرافت ورك التابعة لشركة سمينز لتنفيذ المشروع، ما أجبر الحكومة الإيرانية في الخامس من أُغسطس على أن تقدم شكوى للمحاكم الألمانية بحَقّ الشركة والحكومة الألمانية. وَقَدْ طالبت بشكواها دفع مبلغ 5.2 مليار دولار كتعويض عن عدم التزام الشركة والحكومة الألمانية بتنفيذ العقد وبنوده، ومازالت القضية في أروقة المحاكم الألمانية. مُنْذُ عام 1990م وإيران تحاول أن تبني مفاعلها النووي لتوليد الطاقة الكهربائية في بوشهر. إلا أنه في كُلّ مرة تحاول الولايات المتحدة الأمريكية أن تضع ضغوطاتها على تلك الدول لإلغاء أيّة صفقة أَو تعاقد مَعَ إيران. فعلى سبيل المثال تعاقدت إيران عام 1990م مَعَ المركز الوطني الأسباني للصناعة والأجهزة النووية لتزويدها بالأجهزة والمعدات لأكمال مفاعل بوشهر. إلا أن هذا العقد ألغي بعد شهرين بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية. وتعاقدت إيران في عام 1993م مَعَ شركة إنسلودو الإيطالية التي تعمل مَعَ مجموعة شركات الألمانية لتزويدها بست مجسات نووية فصادرتها الحكومة الإيطالية. وتعاقدت عام 1993م مَعَ شركة سكودا بلزن الجيكية لتزويدها بأجهزة لبناء مفاعل نووي لتوليد الطاقة الكهربائية وألغي في صيف عام 1994م، وبضغط أمريكي أَيضًا. وتعاقدت في الرابع من مارس مَعَ الحكومة البولندية لتزويدها بمعدات تكميلية لمفاعل لتوليد الطاقة الكهربائية فأُلغيت بعد أسبوعين بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية. هكذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تلاحق إيران في بناء مفاعلها النووي. والواقع أن السبب الكامن ليس في معاقبة إيران من التمتع بطاقة كهربائية من مشروع نووي سلمي بقدر ما أن الوقود النووي عند تفاعله لتوليد الطاقة الكهربائية يولّد كمية من البلوتونيوم. ولمثل مشروع بوشهر ذي الطاقة الكبرى، يمكنه أن يولد ما يقارب 23 كيلو من البلوتونيوم سنويًا. ويعني ذلك أن إيران بهذا القدر المتولد من البلوتونيوم يمكن لها أن تطور السلاح النووي ببساطة من خلال تحوير أيّ مفاعل نووي سلمي إِلى مفاعل نووي للبحوث والتجارب التسليحية. يبدو أن إيران كانت تتوقع الضغوط الأمريكية على تلك الدول الصديقة والمتطلعة لرضا الولايات المتحدة الأمريكية، فاستغلت بناءً على ذلك انهيار الاتحاد السوفيتي وحاجة روسيا الفتية للخلاص من أزمتها الاقتصادية؛ فوقعت عقدًا مَعَ الحكومة الروسية في موسكو في الأول من مارس 1990م لإكمال مشروع مفاعل بوشهر الثلاثي النووي وبناء مفاعلين أُخريين في إيران (259). إلا أن البلدين اختلفا على تسديد الفواتير المالية الخاصة بالمشروع؛ فتأخر عن التنفيذ في حينه. كما استغلت إيران العداء الصيني - الأمريكي السلمي وتمكنت من التعاقد مَعَ الصين لتزويدها بالوقود النووي مَعَ يناير/كانون الثاني من عام 1991م. كما أن انشغال الولايات المتحدة بالمسألة العراقية- الكويتية قَدْ ساعد على تمرير التعاقد الصيني - الإيراني لاعتبارات سياسية. فكان من تلك الاعتبارات تحييد الصين وإيران في المسألة العراقية - الكويتية حَتَّى تنهي الولايات المتحدة الأمريكية أعمالها الحربية التي اندلعت قبل التعاقد الإيراني - الصيني بيومين (15 كانون الثاني 1991م). كان العقد مَعَ الصين والذي تَمَّ تنفيذ بسرعة كبيرة ينص على تزويد إيران بالوقود النووي اليورانيومي الغازي المسمى باليورانيوم الهكسا فلورايد (وهو عبارة عن مركب يورانيوم يستعمل في تخصيب اليورانيوم الخام من خلال قصفه بكمية منه وبصورة متسلسلة). ومن خلال المعلومات التي قدمتها إيران إِلى وكالة الطاقة النووية الدولية تبين أن إيران استلمت من الصين عام 1991م ما يقارب 1000 كيلوغرام من اليورانيوم الغازي، و 400 كيلوغرام من اليورانيوم المتأكسد دون إشعار وكالة الطاقة النووية الدولية، و 400 كيلوغرام من اليورانيوم الفلوريدي الرباعي ، بالإضافة إِلى 120 كيلوغرام من اليورانيوم المكثّف الخام دون أن تشعر وكالة الطاقة النووية أَيضًا. مَعَ بداية عام 1993م عادت إيران للتعاقد مَعَ روسيا مجددًا لإحياء عقد موسكو في بناء مفاعل بوشهر ومفاعلين أُخريين؛ إلا أنَّه لم يتم التنفيذ نتيجة مرور إيران بأزمة اقتصادية ومالية شرسة؛ أدت إِلى إعادة تقييم العملة الإيرانية وهبوطها 7% من قيمتها الحقيقية. ولكن أصبح المشروع النووي الإيراني يأخذ صورة أكثر واقعية للتنفيذ مهما كانت الظروف الإيرانية الاقتصادية خلال آذار/مارس من عام 1995م، حين وقعت عقدًا مَعَ روسيا لتنفيذ مشروع بوشهر تحت إشراف وكالة الطاقة النووية الدولية. وكان العقد ينص على إنشاء عدة مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية لها القابلية على إنتاج 180 كيلوغرامًا من البلتونيوم في السنة من الوقود النووي المستنفذ. كما كان العقد ينص على ضرورة إنجاز روسيا عملها في أول مفاعل نووي في بوشهر لتوليد 30-50 ميغاواط خلال أربع سنوات، وأن تدرب خمسة عشر خبيرًا نوويًا إيرانيًا في السنة. بالإضافة إِلى بناء وحدة لإنتاج الغاز النووي القاذف لتخصيب اليورانيوم. لَقَدْ حاولت إدارة "كلنتون" اتباع كُلّ السبل لإلغاء العقد المبرم ما بين روسيا وإيران إلا أنها فشلت في إلغائه وباشرت روسيا في بناء وتطوير المفاعلات النووية في بوشهر. ويبدو أن سبب إصرار روسيا على ذلك الأمر يعود لأسباب مادية بحتة؛ نتيجة أزمة روسيا الاقتصادية. ووجدت روسيا في المفاعلات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية أداة لدخول السوق الدولية بقوة لجلب مليارات الدولارات لروسيا من جانب، وللضغط على الولايات المتحدة الأمريكية من جانب آخر. إلا أن إدارة "كلنتون" استغلت مسألة البلوتونيوم المتولد من الوقود النووي وأخذت تصرح أن إيران سوف تستعمله لإنتاج السلاح النووي. وبناءً على المناقشات التي دارت بين إدارة "كلنتون" وإدارة "بوتن"، توصل البلدان إِلى أن تقوم روسيا باستعادة الوقود النووي المستنفد في بوشهر إِلى روسيا. إلا أن إيران تمكنت في عام 1998م من إقناع روسيا بضرورة ترك البلوتونيوم لها وقررت أن تعوض روسيا ماليًا لقاء عدم نقل النفايات النووية لروسيا لخزنها في سبيريا. وهو من الناحية العلمية والسياسية اعتبرته الولايات المتحدة الأمريكية إنجازًا يصب في خانة إيران لتطوير سلاحها النووي وتهديد وجود إسرائيل حسب تعبيرها. بعد أن عجزت الولايات المتحدة الأمريكية، وبضغط من إسرائيل، على منع إنجاز مفاعلات بوشهر، راح الاثنان يصرحان بخطورة البرنامج النووي الإيراني، وكيفية استعمال النوويات الإيرانية السلمية للأغراض الحربية. وكان السبب الذي حشد هواجس إسرائيل وأمريكا يعود إِلى قيام روسيا على تدريب علماء نوويين إيرانيين للعمل في بوشهر بعد الانتهاء من التعاقد مَعَ روسيا. ثانياً:قراءة استراتيجية لأبعاد الملف النووي الايراني الدارسون للعلاقات الدولية يعرفون أن هنالك تعرفين للأزمة الدولية, أولها تقيسها بالنسبة لأطرافها؛ حيث تحدث حالة استثنائية أو مفاجئة تهدد قيمًا عليا للدولة ومرتكزاتها, وتدفعها لاتخاذ قرارات مصيرية قد تستخدم فيها القوى المسلحة وما تملك من مقومات الردع الذاتي خلال فترة قصيرة, والأخرى تقيسها بالنسبة لحالة التفاعلات بين طرفين أو أطراف دولية عدة والتي تنتقل بمقتضاها من الحالة العادية أو الروتينية, أو يمكن معرفتها والتنبؤ بها إلى حالة عدائية ملفوفة بالشك وانعدام اليقين قد تقتضي بدورها استخدام السلاح أو الآلة القهرية. وبهذا المعنى قال محمد شريف نواصري وهو قيادي في التيار الديمقراطي الأحوازي: إن أزمة دولية تجمعت سحبها الآن بين إيران من جانب وأطراف دولية كثيرة وأساسية، لاشك إنها سوف تفرض على عواصم كثيرة خاصة في العالم العربي والإسلامي قرارات مصيرية وهامة. هذه القرارات تبدأ قبل انتقال الأزمة من حالتها السياسية, ثم تتصاعد بعد أن تنتقل إلى حالتها العنيفة, ولكن ربما كان ما لا يقل أهمية عن هذا وذاك، تلك القرارات والإحداث التي سوف تؤثر على البنية الإقليمية والدولية بعد انتهاء الأزمة التي لا يعود العالم ومنطقة الشرق الأوسط إلى حالته قبلها. وتأتي الأزمة الدائرة بين إيران والمجتمع الدولي في هذا السياق, خاصة بعد وصول الملف النووي إلى دهاليز مجلس الأمن وأصبح على طاولة الكبار للبت فيه، وما يترتب على ذلك من تأثيرات إستراتيجية على منطقة الشرق الأوسط والتداعيات المختلفة جراء هذه الأزمة المستفحلة, خاصة لو أخذنا بعين الاعتبار الاصطفاف التي يشهده مجلس الأمن بالآونة الأخيرة. فهنالك تصعيد من قبل الدول الأوروبية وبالأخص على لسان اللاعبين الكبار مثل الرئيس الفرنسي وتصريحه الشهير حول استخدام الأسلحة النووية إذا ما تعرضت المصالح الفرنسية للخطر وكذلك وزير خارجيته دوست بلازي ضد إيران والتقرير الذي قدمه مدير الاستخبارات الألمانية إلى البرلمان حول قدرة إيران بالوصول إلى السلاح النووي خلال شهور، وكذلك وزير الدفاع ورئيس الوزراء الإسرائيليين ومعظم المسئولين الأمريكيين خلال هذه الفترة القصيرة. ونذكر من هذه التصريحات تعليق المندوب الأمريكي لدى الوكالة الذرية غريغوري شولت والذي قال بالحرف الواحد: إن إيران تمتلك ما يكفي من اليورانيم لصنع عشر قنابل نووية بعد التخصيب وإن إيران ستمتلك بعد تحويل معدن اليورانيوم 85 طنًا من "سداسي فلوروراليورانيم" الذي سيكون في وسعها استخدامه في أجهزة الطرد المركزي لإجراء عمليات تخصيب، وأنه سيكون في وسع إيران في نهاية هذه العملية إنتاج عشر قنابل نووية. ولم يكن الدكتور البرادعي, المعروف بمواقفه المعتدلة والمتزنة إلى حد بعيد, مجانبًا عن الواقع, أو مبالغًا في التعبير عن قلقه ومشاعر الخشية والغضب التي تساوره, عندما وجد نفسه مضطرًا إلى الكشف عن تلك المشاعر, وفي صورة نادرة لم تكن معهودة به. فالدكتور البرادعي وصف الإعلان الإيراني عن العزم على استئناف عمليات الأبحاث الهادفة إلى تكثيف اليورانيوم المشع, وتحويله إلى يورانيوم مخصب, وربما أيضًا إلى بلوتونيوم, أي بما يوفر لإيران الموارد الضرورية لإنتاج أسلحة نووية, بأنها إجراء غير مبرر, من شأنه أن يزيد الشكوك والمخاوف المحيطة بالجهود النووية الإيرانية وأهدافها المحتملة. ثم خلص الدكتور البرادعي إلى القول: "إن صبره يكاد ينفد" حيال برامج طهران وحقيقة نياتها, مضيفًا أنه لم يعد قادرًا على التأكد من حقيقة الأهداف والنيات الإيرانية وأن يصدق التطمينات الإيرانية التي تتحدث عن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني. من جهة أخرى صدرت على الأقل أربعة مواقف أساسية من جانب النظام الإيراني في الآونة الأخيرة و كلها مواقف تصعيدية: الموقف الأول: جاء على لسان حكومة أحمدي نجاد والوفد المفاوض مع الوكالة الدولية, حيث دعا المسئولون الإيرانيون صراحة إلى تخصيب اليورانيوم فورًا وعلى نطاق صناعي واسع وهذا يعني السعي للحصول على الطاقة النووية مهاما كلف الأمر, وحد من زيارة وإشراف المفتشين الدوليين أو طردهم من إيران. الموقف الثاني: جاء على لسان عدد من أعضاء مجلس الشورى حيث هدد هؤلاء بالانتقام مباشرة من دول المنطقة, وخاصة الدول التي صوتت لمصلحة القرار, وكذلك الانتقام مباشرة من دول المنطقة, وخاصة الدول المصدرة للنفط, في حال قيام أمريكا بقرار من مجلس الأمن, بحرمان إيران من تصدير نفطها إلى دول أخرى. الموقف الثالث: جاء على لسان قادة الجيش والحرس, الذين أكدوا مرة أخرى الانتقام من دول في المنطقة مثل إسرائيل أو أي دولة تساعد أمريكا بضرب هذه الدول بصواريخ بعيدة المدى. الموقف الرابع: فقد صدر عبر أجهزة الإعلام التابعة للقوى المحافظة, التي ارتأت ضرورة خوض ما وصفته الحرب الشاملة مع أمريكا بدون الرضوخ إلى مجلس الأمن مهما كانت. أكدت هذه الأجهزة الإعلامية أيضًا عدم الاعتماد إطلاقًا على موقف أي دولة أخرى مثل روسيا أو الصين, نظرًا إلى أن هذه الدول وقفت صامتة ومكتوفة الأيدي حيال ما فعلته أمريكا مع العراق. وكان للقرار الإيراني الذي أدى إلى نزع الأختام التي كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وضعتها على المنشآت النووية الإيرانية واستئناف عمليات تخصيب اليورانيوم في تلك المنشآت, خلافًا للتفاهمات التي توصلت إليها الوكالة المذكورة مع طهران, خلال المفاوضات السابقة التي جرت بين الجانبين على مدى الثلاثة الأعوام الماضية, كفيلاً بتحويل الجدل الدائر منذ فترة طويلة, حول البرنامج النووي الإيراني وأهدافه المحتملة إلى أزمة مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها مواجهة شاملة ذات أبعاد خطرة وواسعة النطاق بين إيران والمجموعة الدولية. وتحتل هذه الأزمة حاليًا, مقدمة الاهتمامات الإقليمية والعالمية؛ حيث إنها نجحت وبسرعة ملحوظة في احتلال تلك المرتبة المتقدمة على لائحة الأولويات الدولية, مكان أزمات حادة أخرى تشهدها منطقة شرق الأوسط في المرحلة الحاضرة كالأزمة العراقية والوضع اللبناني السوري والصراع العربي الإسرائيلي وظاهرة الإرهاب والتشدد الديني والتجاذب الطائفي وغيرها من المحاور التي كان تشكل حتى الآن مواضع القلق والتركيز الرئيسة للدوائر المعنية بشئون المنطقة، بل إن عددًا لا يستهان به كمن المصادر الدبلوماسية والأمنية, باتت تعرب عن الاقتناع بأن الأزمة الحالية مع طهران أصبحت المحور الأساس التي ترتبط وتتشعب منه غالبية الأزمات الأخرى التي تعصف بالمنطقة, نظرًا إلى الانعكاسات المباشرة التي يمكن أن تنجم عنها على صعيد بؤر التوتر الأخرى كالعراق ولبنان وفلسطين وسوريا وإسرائيل إلى جانب التأثيرات السلبية البالغة التي سيكون من الصعب تلافيها جراء الاحتمالات الكبيرة للتصعيد الكامنة في تلك الأزمة على مجمل الأوضاع السياسية والأمنية في منقطة الخليج والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية وآسيا الوسطى والقوقاز. والظاهر حتى الآن على الأقل أن الأزمة الإيرانية وبما تشتمل عليه من جوانب تتعلق بجهود طهران النووية خصوصًا وبالتوجهات الأوسع إطارًا التي تعتمدها طهران حاليًا في صياغة سياستها الخارجية, وكما تبدو واضحة من خلال التصريحات والمواقف التي تصدر في صورة متكررة عن رئيسها محمود أحمدي نجاد, باتت تتخذ مسارًا تصعيديًا متسارعًا تنبأ بنهاية تراجيدية. فهل أصبحت تلك الأزمة المدخل التي كانت تخشاها دوائر دفاعية ودبلوماسية عدة في المنطقة وخارجها, إلى انفجار مواجهة عسكرية شاملة, لن تظل أطرافها محصورة بالقوى الإقليمية, بل إنها ستهدد بالتحول إلى صراع واسع النطاق. كيف يكون ذلك؟ ببساطة إن حالة إيران تحت حكم محمود أحمدي نجاد هي حالة فيها جدة الشخصية بشطحاتها الأيدولوجية والميتافيزيقية, وفيها جديد مصادر السياسة الشعبية والشعوبية الطائفية, وفي لحظة استعرت فيها تناقضات عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر في العراق و أفغانستان وساحة عالمية واسعة يتجاور فيها الإرهاب مع المقاومة في صحبة ملعونة ومقدسة في آنٍ واحد. إن مؤسسة الحكم في إيران هي أكثر تعقيدًا من مثيلاتها في الدول العربية والإسلامية وحتى الأوروبية وهي أشبه بمافيا السلطة منها بالمؤسسات المتعارف عليها دوليًا, حيث كانت وما تزال على مدى أكثر من 27 عامًا من عمر الجمهورية الإسلامية الإيرانية, تتحكم المؤسسة الدينية المتمثلة برجالات الدين والحوزة الدينية والمؤسسة العسكرية (الحرس الثوري) والأمنية (كبار رجال الأمن وأجهزة الاستخبارات وقوات القدس) وكبار الإقطاعيين ورجالات البازار, بمفاصل الدولة والنظام البيروقراطي وتخرج معظم رجالات الحكم من المتشددين والإصلاحيين من هذه المؤسسات. وكان للمرشد السابق لثورة الإيرانية الخميني وكذلك المرشد الحالي علي خامنئي دورًا مفصليًا في كيفية إدارة الحكم وضبط إيقاع اللعبة السياسية على ضوء المعطيات الموجودة. لكن المتغير الأساس الذي دخل على الخط هذه المرة بعد انتخابات المجالس المحلية والبرلمان ورئاسة الجمهورية هو دخول تلاميذ مصباح يزدي على الخط بقوة وهيمنتهم على كل تلك المفاصل والمؤسسات, حيث يعتبر الأخير الأب الروحي لمؤسسة الحجتية ذات التوجهات المتشددة والشطحات الميتافيزيقية والطائفية الصفوية والفارسية العنصرية. وتعتبر المدرسة الحقانية في قم والجامعة الفاطمية ومؤسسة الخميني فيها من أهم مراكز صنع توجهات تلك المؤسسة الطائفية المتزمتة. وينتمي إلى مؤسسة الحجتية معظم رجالات السلطة الحالية في إيران ومنهم على سبيل المثال: رئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد وأحمد جنتي( رئيس مجلس صيانة الدستور) وإمامي كاشاني ومعظم أعضاء مجلس الخبراء (المشرفين على انتخابات وأعمال المرشد) ومعظم أعضاء مجلس الشورى وأعضاء قادة الحرس الثوري مثل يحيى رحيم صفوي و حزب الأعمار (آبادگران) والوزراء الأساسيين مثل وزير الاستخبارات محسن إجه إيي ووزير الداخلية مصطفى بور محمدي ومساعده محمد باقر ذو القدر ووزير الخارجية متكي ووزير الدفاع نجار وغيرهم من الوزراء والقادة العسكريين و الأمنيين. الجناح الذي يمثله أحمدي نجاد هو الأكثر تطرفًا في المؤسسة الدينية الحاكمة في إيران, حيث وقف بحزم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة دائمًا مع مرشحه وبرنامجه السياسي المتطرف ضد المرشح الآخر في الجناح البرجماتي المتمثل بالإصلاحيين وهاشمي رفسنجاني وجماعة كوادر البناء وثلة من مراجع التقليد ورجال الدين بالمؤسسة الدينية الإيرانية. وبوصول أحمدي نجاد أطبق الجناح المتشدد ومؤسسة الحجتية على كافة مفاصل السلطة وشرعوا في تطبيق برنامجهم المتطرف والمتزمت وسياسة المواجهة خلافًا لبرجماتية هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي المهادنة, وهم – أي مؤسسة الحجتية - منطلقين من "بردايم" هو تهيئة الأرضية والساحة الداخلية والرأي العام إلى المواجهة المصيرية بين الخير المطلق الذي يمثلونه هم والشر المطلق الذي يمثله الآخر وصولاً إلى المعركة المصيرية التي تمهد لظهور المهدي الموعود في تراجيدية هي أشبه إلى حكايات كان يا ما كان أو على الأقل إعادة استحضار بعض مفاهيم الحرب الباردة وتدشين تلك الحرب من خلال أدلجة منطلقات الثورة الإيرانية، وتعميمها لكي تكون نموذجًا يحتذى بها إلى كافة الدول الإسلامية وحركات التحرر العالمية ويكون لهم الدور المركزي في صياغة وانطلاقة تلك الحرب وإدارتها حسب مصالحهم الطائفية والقومية الفارسية، كما فعل الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة و مع المعسكر الشرقي. - منقول -