تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : محرر النفط السعودي و مؤسس اوبك -- عبدالله الطريقي رحمه الله


basha4040
31-05-2007, 06:34 AM
مقال جميل للكاتب محمد آل الشيخ عن كتاب رائع وشخصيه وطنية عظيمه .



الطريقي والوطن


عن دار رياض الريس للكتب والنشر صدر مؤخراً للكاتب السعودي محمد السيف كتاب بعنوان: (عبدالله الطريقي صخور النفط ورمال السياسة). الكتاب رصد دقيق، وبلغة أدبية راقية، لسيرة رمز من رموز هذا الوطن، والمؤسسين الرواد الأوائل للإدارة البترولية في المملكة.

من (الزلفي) حيث (يطأطئ جبل طويق الشهير هامته) - كما يقول المؤلف - ابتدأت مسيرة هذا الرجل، لتمر بمحطات جغرافية وعلمية وعملية متعددة، ابتدأت بجامع الزلفي الكبير طالباً عند المطوع (ابن عمر) الذي علمه الحرف الأول في مسيرته العلمية، فالكويت والمدرسة الأحمدية، فالهند، فالقاهرة وثانوية حلوان، وبعدها جامعة الملك فؤاد (القاهرة حالياً)، ثم أمريكا و(جامعة تكساس) في مدينة أوستن، وفي الختام العمل في أرض الوطن حتى نال شرف تأسيس وزارة البترول والثروة المعدنية وكان أول وزير لها؛ ولتنتهي هذه المسيرة العلمية الغنية والعملية بمقبرة النسيم في الرياض حيث مثواه الدنيوي الأخير، بعد تاريخ حافل ومليء بالإنجازات الوطنية، سيتحدث عنها مؤرخو التنمية في هذه البلاد طويلاً.

من يقرأ الكتاب سيلحظ أن مؤلفه بذل فيه جهداً كبيراً، وبحث ونقب عن كل شاردة وواردة في حياة هذا الرمز، وسافر والتقى بأصدقائه ومعاصريه خارج البلاد إضافة إلى من هم في الداخل، وانتهى بعد هذا الجهد إلى هذا الكتاب (الثري)، والذي سيبقى أحد المراجع الهامة لتاريخ صناعة النفط في هذه البلاد للأجيال القادمة.

وأنا هنا سأتحدث على وجه التحديد عن نقطتين وجدت أن عبدالله الطريقي تميّز بهما، وهما جديرتان بأن يسلط عليهما الضوء ويُحتفى بهما، وهما تتعلقان بذوبان (الأنا) عند هذا الرائد في الأرض والهوية الوطنية، في زمن أصبحت (الأنا) تتقدم على الوطن، و(الذات) وإيثارها تحتل في ممارسات البعض محلاً بارزاً، لتصبح الأرض - بالتالي - قضية ثانوية أمام انتفاخ الذات، عبدالله الطريقي عندما يتحدث عن إنجازاته لا ينسبها لنفسه، وإنما ينسبها لبلده الذي كان يشغل فيه منصباً وظيفياً، سواء عندما ترك المنصب، وعاش وعمل خارج البلاد أو عندما كان في المنصب، الموقف ذات الموقف، لم يتغير ولم يتبدل. وكان في اختلافه مع بعض قرارات الحكومة عندما ترك عمله الوظيفي يؤكد هذا الموقف ولا يحيد عنه قيد أنملة. يقول - مثلاً - في رد له في جريدة (الرأي العام) الكويتية بعد أن ترك منصب وزير البترول كما جاء في الكتاب: (قضية المحاسبة على أساس السعر المعلن أثارتها السعودية في مؤتمر البترول الثاني عام 1960م، ومسألة تنفيق العائدات أثارتها السعودية في مؤتمر البترول الثالث، ومسألة تحديد الإنتاج بحيث يتناسب مع الطلب في الأسواق أثارتها المملكة).

وعندما سأله أحد الصحفيين عن موقفه المختلف مع حكومته بعد خروجه منها قال: (أنا أنتقد حكومتي لأنهم بني وطني وأهلي وعشيرتي وأنا أهتم ببقائهم. أنا أعيش في السعودية، وأقول للحكماء ماذا أفكر فيه أمامهم، هذا لأني قلق عليهم وليس لأني ضدهم)!!

ويقول المؤلف: (وحينما تحدث السيد أحمد زكي يماني، خلفه في وزارة البترول والثروة المعدنية عن المشاركة، وأنها كانت (حلمه) الأول، كتب الطريقي في افتتاحية مجلته (نفط العرب) قائلاً: (يحلو للسيد أحمد زكي يماني أن يتفلسف أحياناً ويقول إن المشاركة كانت (حلمه) الأول منذ البداية، والذين كانوا يتابعون الأحداث النفطية في الخمسينات يعرفون أن (السعودية) كانت قد رفعت شعار المشاركة من البئر إلى السيارة، وأنها قد حققت ذلك في اتفاقيتها مع الشركة اليابانية في نهاية الخمسينات).

ورغم هذه الذهنية المتقدة بكل ما هو (عملي) ووطني في الوقت ذاته، فلابد من القول إن (النزعة) الناصرية الديماغوجية التي اتسمت بها بعض مواقف وكتابات الطريقي كانت قد (أساءت) له عند كثيرين، وكاتب هذه السطور واحد منهم. غير أنني بعد أن تأملت مواقفه، وقرأت بعض المقاطع التي أوردها المؤلف في الكتاب عن بعض مقالاته ومواقفه من الناصرية، وجدت أن أهمية عبدالله الطريقي كرمز ورائد تكمن (حصراً) في أنه واحد من أهم (التكنوقراط) السعوديين تاريخياً، وعندما يخرج الطريقي في الرؤية والكتابة والتنظير عن (الشأن التكنوقراطي) المتخصص، فليس ثمة ما يُميزه عن متعلمي الحقبة الزمنية التي ينتمي إليها، حيث الإيديولوجيات العروبية آنذاك، ومنها الناصرية، تأسر بوهجها وإعلامها الجميع بمن فيهم التكنوقراطيون السعوديون. ومن الظلم وعدم العدالة (محاكمة) مواقف الطريقي على أساس نتائج اليوم، بعد أن اتضح للجميع (عوار) الناصرية، وكوارثها، ليس على مصر فحسب، وإنما على المنطقة برمتها.

ومن أهم ما يلحظه القارئ في حياة عبد الله الطريقي العملية، وما اشتهر عنه، حسه الوطني و(أمانته) عندما كان يؤدي عمله في وزارة البترول والثروة المعدنية. فالطريقي - مثلاً - عندما كان يختار موظفيه والعاملين معه كان يختارهم حسب (الكفاءة) إلى درجة التطرف أحياناً، فالكفاءة هي التي تهمه قبل أي شأن آخر، ولعل من أهم تشوهات العاملين في الجهاز البيروقراطي الحكومي في المملكة عندما يختارون موظفيهم كانت - وما تزال للأسف - تقديم القرابة، و الانتماء المناطقي، أو الانتماء للبلدة أو للقرية، على الكفاءة، وأحياناً الخبرة والتجربة، بشكل يخل بالأمانة، الطريقي ضرب بهذه المفاهيم الخاطئة عرض الحائط، ورفع شعار (الكفاءة أولاً)؛ وهذا يؤكد ما ذهبت إليه في الحلقة الأولى من هذا المقال من أن هذا الرمز تضمحل لديه (الأنا) على مختلف مستوياتها ليصبح الوطن هو (ذاته) التي يعمل دائماً على نصرتها وتأكيدها. ورغم أن هذه الخصلة قد شاعت واشتهرت في سيرته العملية، إلا أن المؤلف لم يعرها - في رأيي - ما تستحق من الاهتمام.

ويورد مؤلف الكتاب حادثة تحمل كثيراً من الدلالات، وتؤكد مدى أمانة الرجل، وإيثاره مصالح وطنه على مصالحه الشخصية؛ عندما عرضت عليه في فندق السان جورج في بيروت (رشوة) بلغت رقماً وصل إلى ملايين الدولارات مقابل (صمته) على تجاوزات شركات النفط غير أنه رفض - كما يقول المؤلف - مقدماً المبادئ على المال. ومهما تكن تحفظات المشككين في صحة هذه الرواية، إلا أن معاصري الطريقي قد أثبتوا نزاهته، وزهده في المال. يقول - مثلاً - معاصره (علي محمد فخرو) الوزير البحريني في شهادته التي أوردها المؤلف وهو يتحدث عنه: (وهذا يقودنا إلى شعوري الدائم في كل جلساتنا بأننا كنا أمام إنسان شبه متصوف، لا يريد من الدنيا إلا ضرورياتها). ويقول (الشيخ عبد العزيز التويجري) معلقاً على وثيقة أمر الملك عبد العزيز - رحمه الله - بابتعاث الطريقي وأحد زملائه للدراسة في أمريكا كما جاء في الكتاب: (عرفنا المرحوم عبدالله الطريقي معرفة تامة، وعرف الناس أجمع فيه النزاهة، والإخلاص، والرجولة في التعبير عن آرائه. تولى وزارة البترول وخرج منها طاهر اليد والضمير، عاش البساطة إلى أن توفاه الله). ومهما يكن الأمر فإن الطريقي - بلا شك - لم يحاول أن يستغل منصبه ومكانته في صناعة القرار النفطي (للإثراء) غير المشروع، ولا بد أنه قاوم كثيراً من الإغراءات من قبل شركات النفط، وعاش كبيراً ومخلصاً ونقياً وأميناً، وسيبقى في التاريخ كذلك بكل تأكيد.

ولا يمكن الحديث عن عبد الله الطريقي دون التطرق إلى دوره في إنشاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، التي كان الطريقي ومعه وزير النفط والتعدين الفنزويلي (خوان بابلو بيريز الفونسو) مهندسي تأسيس هذه المنظمة، بعد أن اجتمع الاثنان لأول مرة في نادٍ لليخوت بالقاهرة - كما جاء في الكتاب - وصاغا ما عُرِفَ فيما بعد (باتفاقية السادة)، التي كانت الأساس الذي انبثقت عنه المنظمة ذائعة الصيت (أوبك). كانت أوبك من أهم المنظمات التي أقيمت لحماية حقوق الدول المصدرة للنفط في وجه الشركات والدول المستهلكة، في حقبة من الزمن كانت فيها السيطرة تكاد أن تكون شبه مطلقة للشركات والدول المستهلكة. يقول الطريقي بعد عام من تأسيس هذه المنظمة كما جاء في الكتاب: (ونحن نعتقد أن وحدة التفكير البترولي وتنظيمه وتوحيد أساليبه كفيل بإيجاد حل للمشاكل المعلقة منذ سنوات، كما نعتقد أنه بمزيج من الحنكة والحكمة تستطيع مؤسسة الدول المصدرة للبترول أن تخرج إلى العالم المتمدن الذي يستفيد من هذه الثروة الطبيعة بروح جديدة من المشاركة في خيراته على أساس من العدالة والتعاون). وها نحن اليوم وعلى بعد أكثر من أربعة عقود من تاريخ تأسيس هذه المنظمة نحكم أن (استشرافه) للمستقبل آنذاك كان استشراف ورؤية خبير متمكن، وكان كزارع الزيتون الذي كان يزرع ليقطف الأبناء والأحفاد ما تغرسه يداه.

وسوف أختم بمقولة تحمل كثيراً من الدلائل للدكتور روبرت فيتالس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بنسلفانيا في أمريكا، يقول: (كل من يرغب الاطلاع على تاريخ العالم العربي، كيف كان في السابق، وإلى أين يتجه، عليه أن يقرأ حياة الطريقي الذي يستحق أن يكون موضوعاً لعديد من الأطروحات والكتب الوثائقية). ولعل هذا الكتاب الذي أتحدث عنه هنا يكون باكورة أعمال بحثية أخرى لا حقة تتحدث بشكل تخصصي وتفصيلي عن إنجازات عبد الله الطريقي في صناعة النفط في المملكة.

basha4040
31-05-2007, 06:36 AM
للامانه الموضوع منقول