جذاب
14-01-2007, 08:49 AM
من تداعيات قانون حوكمة الشركات
شركات الأسهم الخاصة تنقض على الشركات العامة وتستقطب المواهب
- فرانسيسكو جويريرا، وجيمس بولايتي - 25/12/1427هـ
من دون أدنى أسى، يشرح جيف كلارك، الرئيس التنفيذي لشركة ترافيلبورت، صاحبة موقع السفر المباشر ونظام جاليليو للحجز، الأسباب التي سوف تحرمه قريباً من الاستمتاع بالمنظر الرائع لمتنزه نيويورك المركزي الذي يطل عليه مكتبه.
إذ يقول وهو يحدق بالأشجار والبرك التي اتخذت ألوان الشتاء الصامتة: "إننا لا نقدر على ذلك". ذلك أن شركة ترافيلبورت في سبيلها إلى الانتقال إلى مالك جديد هو مجموعة بلاك ستون، التي ستنقل مقر الشركة إلى حي متواضع: ربما في خطوة للتعويض عن مبلغ ال 900 مليون دولار ( 459 مليون جنيه إسترليني، 684 مليون يورو) الذي دفعته ثمناً لشراء الشركة من مجموعة شركات سيندات الأمريكية، في وقت سابق من هذا العام.
ويعتبر فقدانه للمنظر الذي يطل عليه مكتبه مجرد واحد من التغييرات التي يواجهها كلارك في عمله الجديد- فبعد عمله في مجموعة مدرجة للتداول مثل "كومباك" التي أشرف فيها على عملية الاندماج بينها وبين "هيوليت باكارد" و "كمبيوتر أسوشيتس"، التي ساعدها على التخلص من صدمة تورط مسؤوليها التنفيذيين في عمليات تحايل، ترك كلارك أسواق شركات الأسهم العامة خلفه تحت إغراء التحديات المالية والتشغيلية للعمل مع شركات الأسهم الخاصة.
إن تقييمه المتوقد لمزايا الملكية الجديدة، التي تتراوح من الضرورة الملحة الناجمة عن حمل المديونية الثقيلة، إلى العلاقة الأوثق بين مجموعات الشراء الكامل والإدارة، يوحي بأنه سيفتقد أسواق الأسهم أقل من مشهد المتنزه المركزي.
وهو ليس الوحيد على هذا الصعيد. ذلك أن طفرة الشراء الكامل في السنتين الماضيتين جعلت مئات الشركات في أمريكا تنتقل من الأسواق العامة إلى الملكية الخاصة. إذ إن حشداً كبيراً من كبار المسؤولين التنفيذيين الذين يتراوحون من المديرين الصاعدين مثل كلارك، إلى المديرين المخضرمين مثل مايكل تشابيلاس، الذي سبق أن عمل لدى شركة إم. سي. آي، والسير ديريك موجان من "سيتي جروب"، حذوا حذوه.
إن هجرة المواهب هذه، يضاف إليها حقيقة أن بعض الصفقات التي تتجاوز الحدود المعتادة بالنسبة لمجموعات شركات الأسهم الخاصة الغنية بالسيولة، تطرح على كبار المديرين التنفيذيين في أمريكا سؤالاً ملحاً: هل يبقون في مواقعهم أم يتركونها؟
هل يبقون في الشركات العامة ذات الحوكمة المتشددة والتقارير الكثيرة التي تطلبها- ويغامرون بفقدان وظائفهم إذا تفوقت عليها الشركات المنافسة غير الخاضعة للرقابة العامة، والتي تستطيع الاعتماد على الموارد الهائلة؟ أم ينبغي عليهم الانتقال إلى شركات الأسهم الخاصة، التي يعتمد فيها نجاحهم ومكافآتهم المالية على حسن إدارتهم لشركات مثقلة بالديون تملكها الصناديق الجريئة التي يتمثل هدفها في أن تباع بسعر أعلى بكثير في غضون بضع سنوات؟
يقول لي هانسون، الشريك المدير لمجموعة هيدريك أند ستراجل Heidrick & Struggles للأبحاث التنفيذية: "حين نجتمع مع الرؤساء التنفيذيين هذه الأيام، فإن طبيعة الحوار تختلف عما كانت عليه قبل بضع سنوات. إننا نتحدث إليهم عن الفرص في الشركات العامة، ولكننا نتحدث إليهم أيضاً، ويسألوننا عن الفرص في شركات الأسهم الخاصة."
إلا أن الخيارات المعقدة التي يتعين على قادة الشركات الأمريكية الحاليين أن يتخذوها، تتجاوز مستقبلهم الشخصي. فحين تضع شركات الأسهم الخاصة أعينها على عينة أكبر من النشاط الاقتصادي، سوف يترتب على المسؤولين التنفيذيين الذين يظلون مع الشركات العامة المدرجة في البورصة أن يقوموا بعملية إصلاح شامل لاستراتيجيات شركاتهم تجنباً لمنافسة الشركات الأخرى التي تلعب بقواعد مختلفة.
وعلى العكس من ذلك، فإن كل هروب من الشركات العامة إلى شركات الأسهم الخاصة من جانب كبار المديرين سوف يعمق عملية القضم التدريجي للبنى الأساسية التي يقوم عليها بناء الرأسمالية الأمريكية: ونعني بها دور الأسواق العامة باعتبارها المحطة النهائية التي يتطلع إليها أصحاب المشاريع والشركات التي تبحث عن تمويل مشاريعها وتوزيع مخاطرها.
وعلى الصعيد العالمي، أحرزت سوق الأسهم الخاصة هذه السنة صفقات بقيمة قياسية تزيد على 700 مليار دولار، وفقاً لما ذكرته مؤسسة دبلوجيك للبيانات، مدفوعة بتعاملات أمريكية كبيرة. بيد أن البيئة في أوروبا بالنسبة لمجموعات الشراء الكامل بخصوص الاستحواذ على شركات من الأسواق العامة كانت أصعب، خاصة في المملكة المتحدة. وكانت مجموعة إي. إم. آي الموسيقية المدرجة في بورصة لندن آخر مجموعة تعمل على طرد شركات الأسهم الخاصة.
إن أوروبا توفر بيئة تشريعية أسهل لإدارة الشركات العامة بالنسبة للمديرين التنفيذيين، بينما يتزايد حذر مجالس الإدارة والمساهمين المؤسسيين في السماح بالاستحواذ على شركاتهم- ومرد ذلك إلى رغبتهم في بيعها بربح أعلى بعد بضع سنوات. فعلى سبيل المثال، قام تجمع استثماري للشراء الكامل بشراء شركة دبنهامز البريطانية للتجزئة، وأعيد تعويمها بعد سنتين فقط، الأمر الذي جعل حملة أسهمها السابقين يشعرون بالخديعة.
ويلاحظ أحد التنفيذيين المسؤولين عن عمليات الشراء الكامل قائلاً: "إن نجاح هذه الصفقات يصعب الأمر الآن. وأصبحت مجالس الإدارة أكثر تشككاً."
إن منتقدي ما يدعى بالاستحواذ على الشركات العامة وتحويلها إلى شركات خاصة في المملكة المتحدة يشيرون أيضاً إلى نجاح شركة ماركس آند سبينسر، التي رفضت العرض الافتراضي من السير فيليب جرين، المولع بشراء متاجر التجزئة، وأعادت إنعاش نفسها كشركة مدرجة.
ومع إدراك المسؤولين التنفيذيين بشركات الشراء الكامل إلى أن فورة نشاطهم في مجال الاستحواذ زاد من حالة التوتر مع الشركات المدرجة وحملة أسهمها، فإنهم يرفضون الاتهامات القائلة إن صناعتهم تعمل على تقويض أسواق الأسهم وعلى خداع الشركات المدرجة. وهم يجادلون بأن النفوذ المتزايد لشركات الأسهم الخاصة يفيد المستثمرين في المجموعات المدرجة عبر شحذ التركيز الاستراتيجي لإداراتها وحثها بقوة على تحقيق قيمة طويلة المدى لحملة أسهمها.
يقول ديفيد روبينشتاين، المؤسس المشارك والمدير العام لمجموعة كارلايل: "من الواضح أن هناك قدراً كبيراً من الأموال في قطاع شركات الأسهم الخاصة. فهل هذا جيد بالنسبة لقطاع الشركات العامة، المدرجة في البورصة؟ أعتقد أنه جيد، لأن المنافسة من جانب شركات الأسهم الخاصة جعلت الرؤساء التنفيذيين يركزون على تحسين قيمة حملة الأسهم."
على أن الرؤساء التنفيذيين الذين يعانون من هموم الأسعار في البورصة يشتكون من أن جرأة شركة الأسهم الخاصة في استخدام الأموال الموجودة تحت تصرفها تشغلهم عن الاهتمام بالنواحي الأساسية والجوهرية في شركاتهم. ويقول أحد الرؤساء التنفيذيين الأمريكيين: " ليس من السهل إظهار ما لديك من رؤية وقيادة، وأنت واقع تحت خطر المنافسة أو الاستحواذات من جانب مجموعات الأسهم الخاصة."
ويحذر آخرون من أن حملة الأسهم سوف يعانون مع خروج المزيد من الشركات والمديرين من أسواق الأسهم. وخلص تقرير حديث أعدته لجنة مرموقة من الخبراء بدعم من وزير الخزانة الأمريكي، هانك بولسون، إلى أن: "أي انكماش لسوق الأسهم العامة سيترك المستثمر العادي في أسواق أقل سيولة وأكثر كلفة من الأسواق التي نعمت بها المؤسسات والأثرياء."
ولكن مؤيدي شركات الأسهم الخاصة ومنتقديها متفقون على شيء واحد: وهو أن التشريع الحديث الخاص بحوكمة الشركات في الولايات المتحدة أعطى صناديق الشراء الكامل ميزة جديدة على الشركات العامة المدرجة ومسؤوليها التنفيذيين. ذلك أن قانون ساربانز- أوكسلي الذي تم سنه في عام 2002، حين كانت الآثار التي خلفتها فضائح شركتي "إنرون" و"ورلدكوم" ما زالت ماثلة في الأذهان، يقضي بأن يمارس الرؤساء التنفيذيون وأعضاء مجالس الإدارة إشرافاً أكثر صرامة على عمليات الحوكمة وتدقيق الحسابات.
ويحتج المسؤولون التنفيذيون في الشركات بأن التقيد بالقانون الجديد الذي زاد من خطر تعرض الشركات والأفراد لاتخاذ إجراء قانوني بحقهم، هو عملية مكلفة وتأخذ الكثير من وقتهم، وتضعف تركيزهم على أداء الشركة وعلى استراتيجيتها.
ومن جانبهم، لا يخفي المسؤولون التنفيذيون في مجموعات الشراء الكامل استعدادهم لاستغلال المناخ الحالي من أجل إغراء الشركات والمسؤولين التنفيذيين على الابتعاد عن الأسواق العامة. ويقول كيفين كونواي، الشريك المدير لشركة كلايتون، دوبلير أند رايس للشراء الكامل: "لدينا ميزة عظيمة على صعيد حوكمة الشركات. إذ يركز أعضاء مجلس إدارتنا على دفع أداء الشركة أكثر مما يركزون على النظر في العمليات."
ويزيد من المصاعب التي يواجهها مديرو الشركات المدرجة، إصرار المستثمرين على تحقيق نتائج في المدى القصير. ويأتي هذا الضغط من جانب صناديق التحوط التي يتطلب سعيها إلى تحقيق عوائد أعلى من توقعات الأسواق سرعة تداول الأسهم وكثرة عمليات التداول، ويأتي أيضاً من جانب مديري الصناديق الذين يقاس نجاحهم أو فشلهم بالنتائج ربع السنوية.
ويقول ستيفن شوارزمان، الرئيس التنفيذي والمؤسس الشريك لصندوق بلاك ستون: "أوجد ظلم الأرباح ربع السنوية مسألة نسقية. ففي كثير من الحالات، يكون لدى كبار المديرين أفكار رائعة عما ينبغي فعله بشركاتهم، ولكنهم غير مستعدين للقيام به لأن حملة الأسهم غير مستعدين للرضا به عن طيب قلب."
وكانت شركة تويز آر آص Toys R Us أكبر الشركات المتخصصة بتجارة التجزئة في مجال الألعاب في العالم، تموت ببطء تحت وطأة المنافسة من جانب المتاجر التي تقدم خصماً على المشتريات مثل "وول- مارت". ولكن عملية الاستحواذ التي بلغت قيمتها 6.6 مليار دولار، بقيادة "بين كابيتال" و"كولبيرج كرافيس روبرتس"، مكنت الشركة من البدء بتحقيق الأرباح مرة أخرى. وتم تجديد نصف المتاجر بعد الإتيان بإدارة جديدة بقيادة جيرالد ستورتش، الذي كان في السابق مديراً تنفيذياً في شركة تارجيت.
ويقول ستورتش الذي كان يبذل جهوداً مضنية لمواجهة أول موسم تسوق لعيد الميلاد: "كانت هناك أعمال تجديد كبيرة، وقمنا بعمل رائع لإعادة المتجر إلى السوق."
ويجادل منتقدو شركات الأسهم الخاصة بأن هذه الملكية توجد مرونة أكبر في المدى الطويل. ويقولون إن حاجة صناديق الشراء الكامل إلى مخرج بعد بضع سنوات، تضع المديرين تحت ضغوط مشابهة في المدى القصير. ويقول ديمون سيلفرز، المستشار العام في اتحاد نقابات العمال الأمريكية AFL- CIO: " أشعر بارتياح أكثر تجاه مقولة إن شركة الأسهم هي مستثمر طويل الأجل لو لم يكن أفقها مقصوراً على فترة ثلاث إلى خمس سنوات."
ومن المعوقات الأخرى، ارتفاع مستوى المديونية التي تعاني منها الشركات التي تقوم بعمليات الشراء الكامل للشركات العامة. فمع توجه اقتصاد الولايات المتحدة إلى التباطؤ، قد تجد هذه الشركات في القريب العاجل صعوبة في توليد العوائد التي تمكنها من سداد ديونها. ويمكن أن يضطرها ذلك إلى التخلي عن أمور استراتيجية أساسية في المدى الطويل من أجل تسديد القروض قصيرة المدى. ويقول ثوماس بيرنيت، من شركة وول ستريت اكسيس البحثية المستقلة: "سوف يكون لهذا الأمر عواقب وخيمة. وإذا حدث تباطؤ في الاقتصاد، سوف ستكون هناك أعداد لا تحصى من الشركات التي تلجأ إلى عمليات إعادة للهيكلة."
ويرد المديرون التنفيذيون لشركات الأسهم الخاصة على ذلك، بأن محافظ شركاتهم مجهزة جيداً للتعامل مع تباطؤ الاقتصاد ومع حدوث أزمة في السيولة النقدية لأنها أكثر ذكاء من المجموعات المدرجة في البورصة. وعلى سبيل المثال، فقبل الانفصال عن مجموعة سينداننت، كان يتوجب اعتماد أي قرار كبير له تأثير على شركة ترافيلبورت من مجلس إدارة المجموعة بأعضائه الـ 16. وتحت راية صندوق بلاك ستون، يتوجب على كلارك أن يقنع أربعة أعضاء آخرين فقط في مجلس الإدارة.
ويقول كلارك إن الحجم الصغير للمجلس كان يمكِّنه من الانقضاض حين كان يجد فرصة كبيرة للاستحواذ: في هذا الشهر استحوذت ترافيلبورت على شركة ورلدسبان مقابل 1.4 مليار دولار- وهي صفقة كان يمكن أن تعترض عليها سيندانت لأنها كانت ستجرد باقي شركاتها التي تواجه صعوبة في مسيرتها من الأموال.
وإضافة إلى التخلص من قيود التقارير ربع السنوية ومجالس الإدارة ذات الرؤوس الثقيلة، تتاح للمديرين أيضاً فرصة الإثراء من العمل لدى شركات الأسهم الخاصة. إذ حين ترك ديفيد كالهون الذي وصفته مجلة فورتشين بأنه "النجم الإداري الذي تسعى الشركات لاستقطابه أكثر من غيره" عمله كمدير لأكبر قسم في شركة جنرال إليكتريك في شهر أب (أغسطس) ليترأس مجموعة في. إن. يو الإعلامية الصغيرة التي تملكها شركة أسهم خاصة، قدرت مكافأته المحتملة بمبلغ مائة مليون دولار.
وكثيراً ما وجهت الانتقادات لهذه الحزم المسرفة، خاصة في حالة عمليات الشراء الكامل التي تقوم بها الإدارة، وذلك لأنها تعطي المديرين التنفيذيين حافزاً مربحاً لبيع شركتهم إلى شركات الأسهم الخاصة. ويذكر المسؤولون التنفيذيون في مجموعات الشراء الكامل بأنه يتم التدقيق في كل عملية استحواذ من جانب مديرين مستقلين، وتتم مراجعتها من قبل خبراء خارجيين. وهم يرون أن الراتب هو عنصر الربط بين مصلحة أصحاب الشركة ومديريها.
ويقول مارك ليبشولتز، الشريك في شركة كيه.كيه.آر: " لا شيء يسعدنا أكثر من جني موظفينا ومديرينا مبالغ طائلة من الأموال، لأن معنى ذلك بالتأكيد أننا نحقق أرباحاً كبيرة لمستثمرينا." فإذا صح قوله، فإنه يتعين على الشركات العامة المدرجة وعلى حملة أسهمها أن يقدموا أكثر من إطلالة على منظر جميل للحيلولة دون قيام مديري هذه الشركات باتخاذ قرار حاسم بالانتقال إلى شركات الأسهم الخاصة.
شركات الأسهم الخاصة تنقض على الشركات العامة وتستقطب المواهب
- فرانسيسكو جويريرا، وجيمس بولايتي - 25/12/1427هـ
من دون أدنى أسى، يشرح جيف كلارك، الرئيس التنفيذي لشركة ترافيلبورت، صاحبة موقع السفر المباشر ونظام جاليليو للحجز، الأسباب التي سوف تحرمه قريباً من الاستمتاع بالمنظر الرائع لمتنزه نيويورك المركزي الذي يطل عليه مكتبه.
إذ يقول وهو يحدق بالأشجار والبرك التي اتخذت ألوان الشتاء الصامتة: "إننا لا نقدر على ذلك". ذلك أن شركة ترافيلبورت في سبيلها إلى الانتقال إلى مالك جديد هو مجموعة بلاك ستون، التي ستنقل مقر الشركة إلى حي متواضع: ربما في خطوة للتعويض عن مبلغ ال 900 مليون دولار ( 459 مليون جنيه إسترليني، 684 مليون يورو) الذي دفعته ثمناً لشراء الشركة من مجموعة شركات سيندات الأمريكية، في وقت سابق من هذا العام.
ويعتبر فقدانه للمنظر الذي يطل عليه مكتبه مجرد واحد من التغييرات التي يواجهها كلارك في عمله الجديد- فبعد عمله في مجموعة مدرجة للتداول مثل "كومباك" التي أشرف فيها على عملية الاندماج بينها وبين "هيوليت باكارد" و "كمبيوتر أسوشيتس"، التي ساعدها على التخلص من صدمة تورط مسؤوليها التنفيذيين في عمليات تحايل، ترك كلارك أسواق شركات الأسهم العامة خلفه تحت إغراء التحديات المالية والتشغيلية للعمل مع شركات الأسهم الخاصة.
إن تقييمه المتوقد لمزايا الملكية الجديدة، التي تتراوح من الضرورة الملحة الناجمة عن حمل المديونية الثقيلة، إلى العلاقة الأوثق بين مجموعات الشراء الكامل والإدارة، يوحي بأنه سيفتقد أسواق الأسهم أقل من مشهد المتنزه المركزي.
وهو ليس الوحيد على هذا الصعيد. ذلك أن طفرة الشراء الكامل في السنتين الماضيتين جعلت مئات الشركات في أمريكا تنتقل من الأسواق العامة إلى الملكية الخاصة. إذ إن حشداً كبيراً من كبار المسؤولين التنفيذيين الذين يتراوحون من المديرين الصاعدين مثل كلارك، إلى المديرين المخضرمين مثل مايكل تشابيلاس، الذي سبق أن عمل لدى شركة إم. سي. آي، والسير ديريك موجان من "سيتي جروب"، حذوا حذوه.
إن هجرة المواهب هذه، يضاف إليها حقيقة أن بعض الصفقات التي تتجاوز الحدود المعتادة بالنسبة لمجموعات شركات الأسهم الخاصة الغنية بالسيولة، تطرح على كبار المديرين التنفيذيين في أمريكا سؤالاً ملحاً: هل يبقون في مواقعهم أم يتركونها؟
هل يبقون في الشركات العامة ذات الحوكمة المتشددة والتقارير الكثيرة التي تطلبها- ويغامرون بفقدان وظائفهم إذا تفوقت عليها الشركات المنافسة غير الخاضعة للرقابة العامة، والتي تستطيع الاعتماد على الموارد الهائلة؟ أم ينبغي عليهم الانتقال إلى شركات الأسهم الخاصة، التي يعتمد فيها نجاحهم ومكافآتهم المالية على حسن إدارتهم لشركات مثقلة بالديون تملكها الصناديق الجريئة التي يتمثل هدفها في أن تباع بسعر أعلى بكثير في غضون بضع سنوات؟
يقول لي هانسون، الشريك المدير لمجموعة هيدريك أند ستراجل Heidrick & Struggles للأبحاث التنفيذية: "حين نجتمع مع الرؤساء التنفيذيين هذه الأيام، فإن طبيعة الحوار تختلف عما كانت عليه قبل بضع سنوات. إننا نتحدث إليهم عن الفرص في الشركات العامة، ولكننا نتحدث إليهم أيضاً، ويسألوننا عن الفرص في شركات الأسهم الخاصة."
إلا أن الخيارات المعقدة التي يتعين على قادة الشركات الأمريكية الحاليين أن يتخذوها، تتجاوز مستقبلهم الشخصي. فحين تضع شركات الأسهم الخاصة أعينها على عينة أكبر من النشاط الاقتصادي، سوف يترتب على المسؤولين التنفيذيين الذين يظلون مع الشركات العامة المدرجة في البورصة أن يقوموا بعملية إصلاح شامل لاستراتيجيات شركاتهم تجنباً لمنافسة الشركات الأخرى التي تلعب بقواعد مختلفة.
وعلى العكس من ذلك، فإن كل هروب من الشركات العامة إلى شركات الأسهم الخاصة من جانب كبار المديرين سوف يعمق عملية القضم التدريجي للبنى الأساسية التي يقوم عليها بناء الرأسمالية الأمريكية: ونعني بها دور الأسواق العامة باعتبارها المحطة النهائية التي يتطلع إليها أصحاب المشاريع والشركات التي تبحث عن تمويل مشاريعها وتوزيع مخاطرها.
وعلى الصعيد العالمي، أحرزت سوق الأسهم الخاصة هذه السنة صفقات بقيمة قياسية تزيد على 700 مليار دولار، وفقاً لما ذكرته مؤسسة دبلوجيك للبيانات، مدفوعة بتعاملات أمريكية كبيرة. بيد أن البيئة في أوروبا بالنسبة لمجموعات الشراء الكامل بخصوص الاستحواذ على شركات من الأسواق العامة كانت أصعب، خاصة في المملكة المتحدة. وكانت مجموعة إي. إم. آي الموسيقية المدرجة في بورصة لندن آخر مجموعة تعمل على طرد شركات الأسهم الخاصة.
إن أوروبا توفر بيئة تشريعية أسهل لإدارة الشركات العامة بالنسبة للمديرين التنفيذيين، بينما يتزايد حذر مجالس الإدارة والمساهمين المؤسسيين في السماح بالاستحواذ على شركاتهم- ومرد ذلك إلى رغبتهم في بيعها بربح أعلى بعد بضع سنوات. فعلى سبيل المثال، قام تجمع استثماري للشراء الكامل بشراء شركة دبنهامز البريطانية للتجزئة، وأعيد تعويمها بعد سنتين فقط، الأمر الذي جعل حملة أسهمها السابقين يشعرون بالخديعة.
ويلاحظ أحد التنفيذيين المسؤولين عن عمليات الشراء الكامل قائلاً: "إن نجاح هذه الصفقات يصعب الأمر الآن. وأصبحت مجالس الإدارة أكثر تشككاً."
إن منتقدي ما يدعى بالاستحواذ على الشركات العامة وتحويلها إلى شركات خاصة في المملكة المتحدة يشيرون أيضاً إلى نجاح شركة ماركس آند سبينسر، التي رفضت العرض الافتراضي من السير فيليب جرين، المولع بشراء متاجر التجزئة، وأعادت إنعاش نفسها كشركة مدرجة.
ومع إدراك المسؤولين التنفيذيين بشركات الشراء الكامل إلى أن فورة نشاطهم في مجال الاستحواذ زاد من حالة التوتر مع الشركات المدرجة وحملة أسهمها، فإنهم يرفضون الاتهامات القائلة إن صناعتهم تعمل على تقويض أسواق الأسهم وعلى خداع الشركات المدرجة. وهم يجادلون بأن النفوذ المتزايد لشركات الأسهم الخاصة يفيد المستثمرين في المجموعات المدرجة عبر شحذ التركيز الاستراتيجي لإداراتها وحثها بقوة على تحقيق قيمة طويلة المدى لحملة أسهمها.
يقول ديفيد روبينشتاين، المؤسس المشارك والمدير العام لمجموعة كارلايل: "من الواضح أن هناك قدراً كبيراً من الأموال في قطاع شركات الأسهم الخاصة. فهل هذا جيد بالنسبة لقطاع الشركات العامة، المدرجة في البورصة؟ أعتقد أنه جيد، لأن المنافسة من جانب شركات الأسهم الخاصة جعلت الرؤساء التنفيذيين يركزون على تحسين قيمة حملة الأسهم."
على أن الرؤساء التنفيذيين الذين يعانون من هموم الأسعار في البورصة يشتكون من أن جرأة شركة الأسهم الخاصة في استخدام الأموال الموجودة تحت تصرفها تشغلهم عن الاهتمام بالنواحي الأساسية والجوهرية في شركاتهم. ويقول أحد الرؤساء التنفيذيين الأمريكيين: " ليس من السهل إظهار ما لديك من رؤية وقيادة، وأنت واقع تحت خطر المنافسة أو الاستحواذات من جانب مجموعات الأسهم الخاصة."
ويحذر آخرون من أن حملة الأسهم سوف يعانون مع خروج المزيد من الشركات والمديرين من أسواق الأسهم. وخلص تقرير حديث أعدته لجنة مرموقة من الخبراء بدعم من وزير الخزانة الأمريكي، هانك بولسون، إلى أن: "أي انكماش لسوق الأسهم العامة سيترك المستثمر العادي في أسواق أقل سيولة وأكثر كلفة من الأسواق التي نعمت بها المؤسسات والأثرياء."
ولكن مؤيدي شركات الأسهم الخاصة ومنتقديها متفقون على شيء واحد: وهو أن التشريع الحديث الخاص بحوكمة الشركات في الولايات المتحدة أعطى صناديق الشراء الكامل ميزة جديدة على الشركات العامة المدرجة ومسؤوليها التنفيذيين. ذلك أن قانون ساربانز- أوكسلي الذي تم سنه في عام 2002، حين كانت الآثار التي خلفتها فضائح شركتي "إنرون" و"ورلدكوم" ما زالت ماثلة في الأذهان، يقضي بأن يمارس الرؤساء التنفيذيون وأعضاء مجالس الإدارة إشرافاً أكثر صرامة على عمليات الحوكمة وتدقيق الحسابات.
ويحتج المسؤولون التنفيذيون في الشركات بأن التقيد بالقانون الجديد الذي زاد من خطر تعرض الشركات والأفراد لاتخاذ إجراء قانوني بحقهم، هو عملية مكلفة وتأخذ الكثير من وقتهم، وتضعف تركيزهم على أداء الشركة وعلى استراتيجيتها.
ومن جانبهم، لا يخفي المسؤولون التنفيذيون في مجموعات الشراء الكامل استعدادهم لاستغلال المناخ الحالي من أجل إغراء الشركات والمسؤولين التنفيذيين على الابتعاد عن الأسواق العامة. ويقول كيفين كونواي، الشريك المدير لشركة كلايتون، دوبلير أند رايس للشراء الكامل: "لدينا ميزة عظيمة على صعيد حوكمة الشركات. إذ يركز أعضاء مجلس إدارتنا على دفع أداء الشركة أكثر مما يركزون على النظر في العمليات."
ويزيد من المصاعب التي يواجهها مديرو الشركات المدرجة، إصرار المستثمرين على تحقيق نتائج في المدى القصير. ويأتي هذا الضغط من جانب صناديق التحوط التي يتطلب سعيها إلى تحقيق عوائد أعلى من توقعات الأسواق سرعة تداول الأسهم وكثرة عمليات التداول، ويأتي أيضاً من جانب مديري الصناديق الذين يقاس نجاحهم أو فشلهم بالنتائج ربع السنوية.
ويقول ستيفن شوارزمان، الرئيس التنفيذي والمؤسس الشريك لصندوق بلاك ستون: "أوجد ظلم الأرباح ربع السنوية مسألة نسقية. ففي كثير من الحالات، يكون لدى كبار المديرين أفكار رائعة عما ينبغي فعله بشركاتهم، ولكنهم غير مستعدين للقيام به لأن حملة الأسهم غير مستعدين للرضا به عن طيب قلب."
وكانت شركة تويز آر آص Toys R Us أكبر الشركات المتخصصة بتجارة التجزئة في مجال الألعاب في العالم، تموت ببطء تحت وطأة المنافسة من جانب المتاجر التي تقدم خصماً على المشتريات مثل "وول- مارت". ولكن عملية الاستحواذ التي بلغت قيمتها 6.6 مليار دولار، بقيادة "بين كابيتال" و"كولبيرج كرافيس روبرتس"، مكنت الشركة من البدء بتحقيق الأرباح مرة أخرى. وتم تجديد نصف المتاجر بعد الإتيان بإدارة جديدة بقيادة جيرالد ستورتش، الذي كان في السابق مديراً تنفيذياً في شركة تارجيت.
ويقول ستورتش الذي كان يبذل جهوداً مضنية لمواجهة أول موسم تسوق لعيد الميلاد: "كانت هناك أعمال تجديد كبيرة، وقمنا بعمل رائع لإعادة المتجر إلى السوق."
ويجادل منتقدو شركات الأسهم الخاصة بأن هذه الملكية توجد مرونة أكبر في المدى الطويل. ويقولون إن حاجة صناديق الشراء الكامل إلى مخرج بعد بضع سنوات، تضع المديرين تحت ضغوط مشابهة في المدى القصير. ويقول ديمون سيلفرز، المستشار العام في اتحاد نقابات العمال الأمريكية AFL- CIO: " أشعر بارتياح أكثر تجاه مقولة إن شركة الأسهم هي مستثمر طويل الأجل لو لم يكن أفقها مقصوراً على فترة ثلاث إلى خمس سنوات."
ومن المعوقات الأخرى، ارتفاع مستوى المديونية التي تعاني منها الشركات التي تقوم بعمليات الشراء الكامل للشركات العامة. فمع توجه اقتصاد الولايات المتحدة إلى التباطؤ، قد تجد هذه الشركات في القريب العاجل صعوبة في توليد العوائد التي تمكنها من سداد ديونها. ويمكن أن يضطرها ذلك إلى التخلي عن أمور استراتيجية أساسية في المدى الطويل من أجل تسديد القروض قصيرة المدى. ويقول ثوماس بيرنيت، من شركة وول ستريت اكسيس البحثية المستقلة: "سوف يكون لهذا الأمر عواقب وخيمة. وإذا حدث تباطؤ في الاقتصاد، سوف ستكون هناك أعداد لا تحصى من الشركات التي تلجأ إلى عمليات إعادة للهيكلة."
ويرد المديرون التنفيذيون لشركات الأسهم الخاصة على ذلك، بأن محافظ شركاتهم مجهزة جيداً للتعامل مع تباطؤ الاقتصاد ومع حدوث أزمة في السيولة النقدية لأنها أكثر ذكاء من المجموعات المدرجة في البورصة. وعلى سبيل المثال، فقبل الانفصال عن مجموعة سينداننت، كان يتوجب اعتماد أي قرار كبير له تأثير على شركة ترافيلبورت من مجلس إدارة المجموعة بأعضائه الـ 16. وتحت راية صندوق بلاك ستون، يتوجب على كلارك أن يقنع أربعة أعضاء آخرين فقط في مجلس الإدارة.
ويقول كلارك إن الحجم الصغير للمجلس كان يمكِّنه من الانقضاض حين كان يجد فرصة كبيرة للاستحواذ: في هذا الشهر استحوذت ترافيلبورت على شركة ورلدسبان مقابل 1.4 مليار دولار- وهي صفقة كان يمكن أن تعترض عليها سيندانت لأنها كانت ستجرد باقي شركاتها التي تواجه صعوبة في مسيرتها من الأموال.
وإضافة إلى التخلص من قيود التقارير ربع السنوية ومجالس الإدارة ذات الرؤوس الثقيلة، تتاح للمديرين أيضاً فرصة الإثراء من العمل لدى شركات الأسهم الخاصة. إذ حين ترك ديفيد كالهون الذي وصفته مجلة فورتشين بأنه "النجم الإداري الذي تسعى الشركات لاستقطابه أكثر من غيره" عمله كمدير لأكبر قسم في شركة جنرال إليكتريك في شهر أب (أغسطس) ليترأس مجموعة في. إن. يو الإعلامية الصغيرة التي تملكها شركة أسهم خاصة، قدرت مكافأته المحتملة بمبلغ مائة مليون دولار.
وكثيراً ما وجهت الانتقادات لهذه الحزم المسرفة، خاصة في حالة عمليات الشراء الكامل التي تقوم بها الإدارة، وذلك لأنها تعطي المديرين التنفيذيين حافزاً مربحاً لبيع شركتهم إلى شركات الأسهم الخاصة. ويذكر المسؤولون التنفيذيون في مجموعات الشراء الكامل بأنه يتم التدقيق في كل عملية استحواذ من جانب مديرين مستقلين، وتتم مراجعتها من قبل خبراء خارجيين. وهم يرون أن الراتب هو عنصر الربط بين مصلحة أصحاب الشركة ومديريها.
ويقول مارك ليبشولتز، الشريك في شركة كيه.كيه.آر: " لا شيء يسعدنا أكثر من جني موظفينا ومديرينا مبالغ طائلة من الأموال، لأن معنى ذلك بالتأكيد أننا نحقق أرباحاً كبيرة لمستثمرينا." فإذا صح قوله، فإنه يتعين على الشركات العامة المدرجة وعلى حملة أسهمها أن يقدموا أكثر من إطلالة على منظر جميل للحيلولة دون قيام مديري هذه الشركات باتخاذ قرار حاسم بالانتقال إلى شركات الأسهم الخاصة.