تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عمر.... عمر ما تجي وياي


بنت تداول
30-11-2006, 07:03 PM
في طريق الموت الذي امشيه كل يوم وأنا ذاهب لاكمل آخر عمل مسرحي كتبته واخرجتة تحت عنوان(عشتار والموت المقدس) كنت امر عبر ازقه مليئه بالكتل الخرسانيه وجذوع النخل واحيانا براميل تسدها حتى أصل الى مستشفى اليرموك ومن هناك استطيع ان اركب الباص الى باب المعظم واصل الى مكان عملي في كلية الفنون الجميله .

كان الطريق محفوفاَ دوما بالمنقصات،لكنني في ذالك اليوم بالذات وجدت نفسي أود أن ادون ما حدث امامي بعد أن استوقفتني عبارة (عمر.... عمر ما تجي وياي).

في طريقي هذا المشحون والمضمخ دوما بالدماء كان يشغلني هاجس واحد الا وهو الموت.

هذا الهاجس اصبح عراقيا مئه بالمئه لاينافسنا فيه احد على مر العصور ونحن متفوقون فيه مع مرتبة الشرف. خرجت من الزقاق الى الشارع المؤدي الى المستشفى وبالقرب من الباب الخلفي للمستشفى كانت سيارات التوابيت قد تجمعت بشكل غزير كأمطار آذار, قلت في نفسي وانا اتطلع في وجوه الواقفين قرب مشرحة مستشفى اليرموك كي يستلموا موتاهم ويوارونهم التراب ياإلهي: تبدد العراق..
يا الهي العراقيون على ارصفة الموت ممدون ..
وضحكت ضحكة استهزاء .وقلت...كلنا ميتون.
استرسلت في مشيي الى ان وصلت باب مدرسه ابتدائيه وكان الوقت ظهرا ورأيت الاطفال يخرجون من باب المدرسه كالزهور.
الله ما اجملهم ..!
يشعرونك دوما بالحياة ..
ياالله كيف أمتزجت رائحة الموت والحياة ..

مشيت وراء اثنين من الاطفال كانا في السابعه من العمر على ما اعتقد ووجدت نفسي اصغي إلى حديثهما الشيق الذي شدني فعلا , كنت امشي طربا مع اصواتهما الملائكيه , كانا يتحدثان عن اسئلة المعلم لهما وكيف انه قال لاحدهم ممتاز , ظلت النشوة تغمرني وانا ورائهما الى ان دخل احدهما مسرعا الى احد الازقه القريبه مناديا ( ها ها ما ما) كانت امه بأنتظاره لكن الطفل الاخر ظل ينظر الى رفيقه منتظرا اياه فصاح به :

(عمر ..عمر.. ماتجي وياي)

لكن عمر لم يلتفت اليه فصاح الطفل الآخر بصوت اعلى(عمر.. عمر ..ما تجي وياي )..

وهنا انتبهت الأم الى الطفل الاخر وصاحت به بشده ( يمعود هاي شبيك .... فضحتنا يلا روح روح لاهلك).

لم يعرف الطفل الاخر ماهو الذنب الذي اقترفه كي تغضب منه أم عمر فأنكس رأسه وراح مترنحا لايدري إن كان سيعبر الشارع سالما ام لا في مدينة لم يفرق فيها الموت بينه وبين غيره.

لكنني اعرف لماذا غضبت ام عمر منه واعتقد انتم ايضا تعرفون.

قصة أعجبتني للكاتب العراقي عادل المأمون نقلتها هنا مع بعض التعديلات .