متنبي الأسهم
03-07-2006, 04:52 PM
عبد الله صالح العثيمين - لمن لا يعلم - يكتب أسبوعياً في صحيفة الجزيرة (كل يوم إثنين) ومقالاته متميزة جزاه الله كل خير
إليكم مقال اليوم
رُبَّ (وامعتصماه) انطلقت
لا يمرُّ يوم أو ليلة إلا ويرى العربي والمسلم ما يدمي قلبه من كوارث مفجعة آخذٌ بعضها برقاب بعض تنزل بأمته على أيدي أعدائها من الصهاينة والمتصهينين، أو بأيد ملوَّثة من هذه الأمة متعاونة مع هؤلاء وأولئك.
وكارثة فلسطين هي أمُّ هذه الكوارث وأبوها. وما ارتكبه - وما زال يرتكبه - الصهاينة بدعم غير محدود من المتصهينين من جرائم بشعة فظيعة لا حصر لها ولا عدّ. ومنظر الطفلة هدى، التي تمزَّقت هلعاً وهي ترى أسرتها قد صرعتها نيران الصهاينة على شاطئ غزة، يذيب قلب كلِّ إنسان سويّ، مسلماً كان أو غير مسلم، عربياً كان أو غير عربي.. أما صرخاتها.. أما ولولتها.. أما تمزَّقها ألماً.. فكل ذلك بدون صدى. على أن أمثال ذلك المنظر الفاجع كثيرة وكثيرة جداً، سواء في فلسطين أو العراق، أو أفغانستان أو سجن جوانتانامو أو غير هذه الأمكنة.
والواقع أن مما يذكر فيشكر للملك عبد العزيز، رحمه الله، أن موقفه كان مشرِّفاً بالنسبة للقضية الفلسطينية بالذات، وأنه قد بذل أقصى ما يستطيع لإقناع زعامة أمريكا بعدالة تلك القضية، ووقف بحزم ضد تقسيم فلسطين، بانياً موقفه المشرِّف ذلك على أساس أن الاعتراف بشرعية احتلال الصهاينة لجزء من ذلك القطر العربي المسلم ذنب لا يغتفر وجريمة لا تقبل. ولم يكن رفض الملك فيصل، رحمه الله، الاعتراف بشرعية وجود الدولة الصهيونية على أرض فلسطين إلا استمراراً لموقف والده العظيم وهكذا جميع ملوك المملكة العربية السعودية. على أن الحديث، هنا، ليس منصباً على موقف قيادة عربية أو إسلامية بعينها.
وكلما مرَّت بالمرء فاجعة من فواجع أمته، وبخاصة في فلسطين، دفعه الألم إلى تذكُّر ما قاله ذوو المشاعر الوطنية الفيَّاضة آملاً أن يخفِّف ذلك التذكُّر شيئاً من وقع الفاجعة على نفسه. والمعبِّرون عن مشاعرهم النبيلة بتقديم أرواحهم الطاهرة فداء لدينهم وأمتهم وأوطانهم هم أعظم المعبِّرين وأصدقهم بالتأكيد. لكن المعبِّرين عن تلك المشاعر بما وهبهم الله من قدرة بيانية لهم ما لهم من الحمد والثناء، فهم قد أتوا بما استطاعوا مما أمرهم به دينهم الحق.. دين العدل الرافض للضيم والذّل.
والشعراء الذين عبَّروا عن نبض أمتهم الصادق الحيّ فيما يتعلَّق بالقضية الفلسطينية، وفواجع الجرائم التي ارتكبها - ومازال يرتكبها - الصهاينة العنصريون بحق الفلسطينيين، كثيرون. كان منهم - حسب معرفة كاتب هذه السطور المحدودة - الشاعر المصري علي محمود طه في قصيدته التي مطلعها:
أخي جاوز الظالمون المدى
فحقَّ الجهاد وحقَّ الفدا
وكانت كلمة (الجهاد)، لفظاً ومدلولاً، حينذاك لم تلغ بعد من قاموس أمتنا، التي نص نبيُّها، صلى الله عليه وسلم، على أن الجهاد ذروة سنام الإسلام. وكان من أولئك الشعراء السوري العملاق، تعبيراً وبياناً، عمر أبو ريشة. ولقد صوَّر ذلك الشاعر العظيم تخاذل القيادات العربية عن القيام بنجدة الشعب الفلسطيني، الذي كان يستنجد بها، صوتاً صارخاً وواقعاً مأساوياً، عام 1948م، الذي شهد مجازر وحشية ارتكبها الصهاينة الأنذال ضد الفلسطينيين الأبرياء، رجالاً ونساء شيوخاً وأطفالاً، كما شهد قيام دولة أولئك الصهاينة على أرض فلسطين الطاهرة، ومما قاله في تصوير ما كان يحدث قصيدة رائعة إثر النكبة مطلعها:
أمتي هل لك بين الأمم
منبر للسيف أو للقلم؟
أتلقَّاك وطرفي مطرقٌ
خجلاً من أمسك المنصرم
ويكاد الدمع يهمي عابثاً
ببقايا كبرياء الألم
ومنها:
أمتي كم غصة دامية
خنقت نجوى علاك في فمي
أيّ جرح في إبائي راعف
فاته الآسي فلم يلتئم
ألإسرائيل تعلو راية
في حمى المهد وظلِّ الحرم؟
كيف أغضيت على الذل ولم
تنفضي عنك غبار التُّهم؟
ثم يخاطب الأمة عن القادة العرب قائلاً:
رُبَّ (وامعتصماه) انطلقت
ملء أفواه البنات اليُتَّم
لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم
وإذا كان الشاعر العملاق، عمر أبو ريشة، قد صوَّر وضع أمتنا وقادتها التي لم تلق صرخات المستنجدين بهم نخوة المعتصم عام 1948م فإن هناك آخرين عبَّروا عن مشاعرهم تجاه وضعها الأمر والأقسى الآن. وكان كاتب هذه السطور - بمقدرته التعبيرية المحدودة جداً - قد كتب يوماً قصيدة عنوانها: (الشجن المرّ)، مصوراً ما كان يحزُّ في نفسه من حزن مبعثه تحكُّم أمريكا في شؤون العالم، وبخاصة مجلس الأمن، الذي يفترض أن يكون أداة لتحقيق العدل ورفع الظلم، ومواقف بعض قادة أمته الذين خضعوا لإرادة الدولة المتحكِّمة، ولم يكترثوا بقضية أمتهم. ومما ورد في تلك القصيدة:
تملك الدنيا وتحكمها
بعصا الإذلال والدَّخن
قوة من كيدها ملئت
جنبات الأرض بالمحن
مجلس الأمن الذي زعموا
كيفما شاءت له يكن
وأين من صنائعها
نصبته غير مؤْتَمنِ
غير أن الحزن أعظمه
قسوة للروح والبدن
قادة باعت كرامتها
لأعاديها بلا ثمن
جعلت منهم لها أملاً
يرتجى في السرِّ والعلن
تتبارى وهي صاغرة
تحمل القربان للوثن
عزَّة الإسلام لحمته
وسداه مجدها الوطني
أنكرت ما كان يربطها
بثرى الأقصى مدى الزمن
ما لها إن يستبح علناً
طهره باغٍ وإن يُهَن؟
همُّها إرضاء سيِّدها
باتخاذ (الموقف المرن)
كل ما يرضى به شرف
عندها لو كان من درن
وعبَّر عن موقف بعض القادة المتخاذل قائلاً:
السادرون من الحكام ما برحوا
يرجون من نهب الأوطان واستلبا
لمجلس الأمن قد مدُّوا أكفَّهمُ
ساء المؤمِّل والمأمول منقلبا
هل يفرض المجلس الدولي سلطته
إلا إذا استهدف الإسلام والعربا؟
منقول سند الربع
إليكم مقال اليوم
رُبَّ (وامعتصماه) انطلقت
لا يمرُّ يوم أو ليلة إلا ويرى العربي والمسلم ما يدمي قلبه من كوارث مفجعة آخذٌ بعضها برقاب بعض تنزل بأمته على أيدي أعدائها من الصهاينة والمتصهينين، أو بأيد ملوَّثة من هذه الأمة متعاونة مع هؤلاء وأولئك.
وكارثة فلسطين هي أمُّ هذه الكوارث وأبوها. وما ارتكبه - وما زال يرتكبه - الصهاينة بدعم غير محدود من المتصهينين من جرائم بشعة فظيعة لا حصر لها ولا عدّ. ومنظر الطفلة هدى، التي تمزَّقت هلعاً وهي ترى أسرتها قد صرعتها نيران الصهاينة على شاطئ غزة، يذيب قلب كلِّ إنسان سويّ، مسلماً كان أو غير مسلم، عربياً كان أو غير عربي.. أما صرخاتها.. أما ولولتها.. أما تمزَّقها ألماً.. فكل ذلك بدون صدى. على أن أمثال ذلك المنظر الفاجع كثيرة وكثيرة جداً، سواء في فلسطين أو العراق، أو أفغانستان أو سجن جوانتانامو أو غير هذه الأمكنة.
والواقع أن مما يذكر فيشكر للملك عبد العزيز، رحمه الله، أن موقفه كان مشرِّفاً بالنسبة للقضية الفلسطينية بالذات، وأنه قد بذل أقصى ما يستطيع لإقناع زعامة أمريكا بعدالة تلك القضية، ووقف بحزم ضد تقسيم فلسطين، بانياً موقفه المشرِّف ذلك على أساس أن الاعتراف بشرعية احتلال الصهاينة لجزء من ذلك القطر العربي المسلم ذنب لا يغتفر وجريمة لا تقبل. ولم يكن رفض الملك فيصل، رحمه الله، الاعتراف بشرعية وجود الدولة الصهيونية على أرض فلسطين إلا استمراراً لموقف والده العظيم وهكذا جميع ملوك المملكة العربية السعودية. على أن الحديث، هنا، ليس منصباً على موقف قيادة عربية أو إسلامية بعينها.
وكلما مرَّت بالمرء فاجعة من فواجع أمته، وبخاصة في فلسطين، دفعه الألم إلى تذكُّر ما قاله ذوو المشاعر الوطنية الفيَّاضة آملاً أن يخفِّف ذلك التذكُّر شيئاً من وقع الفاجعة على نفسه. والمعبِّرون عن مشاعرهم النبيلة بتقديم أرواحهم الطاهرة فداء لدينهم وأمتهم وأوطانهم هم أعظم المعبِّرين وأصدقهم بالتأكيد. لكن المعبِّرين عن تلك المشاعر بما وهبهم الله من قدرة بيانية لهم ما لهم من الحمد والثناء، فهم قد أتوا بما استطاعوا مما أمرهم به دينهم الحق.. دين العدل الرافض للضيم والذّل.
والشعراء الذين عبَّروا عن نبض أمتهم الصادق الحيّ فيما يتعلَّق بالقضية الفلسطينية، وفواجع الجرائم التي ارتكبها - ومازال يرتكبها - الصهاينة العنصريون بحق الفلسطينيين، كثيرون. كان منهم - حسب معرفة كاتب هذه السطور المحدودة - الشاعر المصري علي محمود طه في قصيدته التي مطلعها:
أخي جاوز الظالمون المدى
فحقَّ الجهاد وحقَّ الفدا
وكانت كلمة (الجهاد)، لفظاً ومدلولاً، حينذاك لم تلغ بعد من قاموس أمتنا، التي نص نبيُّها، صلى الله عليه وسلم، على أن الجهاد ذروة سنام الإسلام. وكان من أولئك الشعراء السوري العملاق، تعبيراً وبياناً، عمر أبو ريشة. ولقد صوَّر ذلك الشاعر العظيم تخاذل القيادات العربية عن القيام بنجدة الشعب الفلسطيني، الذي كان يستنجد بها، صوتاً صارخاً وواقعاً مأساوياً، عام 1948م، الذي شهد مجازر وحشية ارتكبها الصهاينة الأنذال ضد الفلسطينيين الأبرياء، رجالاً ونساء شيوخاً وأطفالاً، كما شهد قيام دولة أولئك الصهاينة على أرض فلسطين الطاهرة، ومما قاله في تصوير ما كان يحدث قصيدة رائعة إثر النكبة مطلعها:
أمتي هل لك بين الأمم
منبر للسيف أو للقلم؟
أتلقَّاك وطرفي مطرقٌ
خجلاً من أمسك المنصرم
ويكاد الدمع يهمي عابثاً
ببقايا كبرياء الألم
ومنها:
أمتي كم غصة دامية
خنقت نجوى علاك في فمي
أيّ جرح في إبائي راعف
فاته الآسي فلم يلتئم
ألإسرائيل تعلو راية
في حمى المهد وظلِّ الحرم؟
كيف أغضيت على الذل ولم
تنفضي عنك غبار التُّهم؟
ثم يخاطب الأمة عن القادة العرب قائلاً:
رُبَّ (وامعتصماه) انطلقت
ملء أفواه البنات اليُتَّم
لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم
وإذا كان الشاعر العملاق، عمر أبو ريشة، قد صوَّر وضع أمتنا وقادتها التي لم تلق صرخات المستنجدين بهم نخوة المعتصم عام 1948م فإن هناك آخرين عبَّروا عن مشاعرهم تجاه وضعها الأمر والأقسى الآن. وكان كاتب هذه السطور - بمقدرته التعبيرية المحدودة جداً - قد كتب يوماً قصيدة عنوانها: (الشجن المرّ)، مصوراً ما كان يحزُّ في نفسه من حزن مبعثه تحكُّم أمريكا في شؤون العالم، وبخاصة مجلس الأمن، الذي يفترض أن يكون أداة لتحقيق العدل ورفع الظلم، ومواقف بعض قادة أمته الذين خضعوا لإرادة الدولة المتحكِّمة، ولم يكترثوا بقضية أمتهم. ومما ورد في تلك القصيدة:
تملك الدنيا وتحكمها
بعصا الإذلال والدَّخن
قوة من كيدها ملئت
جنبات الأرض بالمحن
مجلس الأمن الذي زعموا
كيفما شاءت له يكن
وأين من صنائعها
نصبته غير مؤْتَمنِ
غير أن الحزن أعظمه
قسوة للروح والبدن
قادة باعت كرامتها
لأعاديها بلا ثمن
جعلت منهم لها أملاً
يرتجى في السرِّ والعلن
تتبارى وهي صاغرة
تحمل القربان للوثن
عزَّة الإسلام لحمته
وسداه مجدها الوطني
أنكرت ما كان يربطها
بثرى الأقصى مدى الزمن
ما لها إن يستبح علناً
طهره باغٍ وإن يُهَن؟
همُّها إرضاء سيِّدها
باتخاذ (الموقف المرن)
كل ما يرضى به شرف
عندها لو كان من درن
وعبَّر عن موقف بعض القادة المتخاذل قائلاً:
السادرون من الحكام ما برحوا
يرجون من نهب الأوطان واستلبا
لمجلس الأمن قد مدُّوا أكفَّهمُ
ساء المؤمِّل والمأمول منقلبا
هل يفرض المجلس الدولي سلطته
إلا إذا استهدف الإسلام والعربا؟
منقول سند الربع