تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كيف مات هؤلاء


SIF
06-04-2006, 01:11 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا ، أما بعد:

في الحياة ومواقفها عبر لمن اعتبر، وفي تقلب الناس وتبدل أحوالهم ذكرى لمن تذكر.

يسير الناس كل الناس في هذه الدنيا فرحين جذلين يتسابقون في دنياهم، ويلهثون وراء أمانيهم، كل بحسبه الصغير والكبير الرجال والنساء . ترمقهم من حولك يجرون ويلهثون كل يسعى لشأنه، والمعظم منهم قد غرق في غيه ولهوه وشهوته وأمانيه.

لكن يا رعاك الله أعطني قلبك، وافتح لي سويداء فؤادك، ودعني وإياك نتأمل في هذا المشهد العظيم وذلك المنطر الرهيب، أما سمعت عنه ؟‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌‍‍‍

أما تخيلته يوما ما، إنه مشهدُ جدير بنا جميعاً أن نتذكره وأن نتأمل فيه، بل جدير بنا أن لا يفارقنا، بينما أنت بين أهلك وأطفالك تغمرك السعادة ويغشاك السرور، تمازج هذا وتلاطف ذاك، بهي الطلعة، فصيح اللسان، قائم الأركان، إذ بقدميك تعجزان عن حملك لتسقط شاحب الوجه شاخص البصر قد أعجم لسانك، وعطلت أركانك، والأهل حولك قد تحلقوا وبأبصارهم أليك نظروا، وبك صرخوا، ينادونك فهل تجيب ؟!

بماذا تحس ؟ بماذا تشعر ؟ وأنت تنظر إليهم بعينيين ذابلتين، تريد الحديث فما تستطيع، ترفع يديك لتضمهم إليك فما تقدر.

أمك قد غصًت بدموعها، وأبناؤك قد ارتموا على صدرك الحنون، وزوجتك قد غشاها الذهول، فليت شعري أي حال هي حالك.

ووالله يا عبدالله ما حالي وحالك إلا كما قال أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه : ألا أحدثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن، أول يوم يأتيك البشير من الله إما يرضاه وإما يسخطه ، واليوم الثاني يوم تعرض فيه على ربك آخذاً كتابك إما بيمينك وإما بشمالك، وأول ليلة ثبت فيها القبر، والليلة الثانية صبحتها يوم القيامة .

نعم يا عبد الله: ليلتان اثنتان، ليلتان اثنتان يجعلهما كل مسلم في مخيلته. ليلة في بيته مع أهله وأبنائه متنعماً سعيداً فرحاً مسروراً، يضاحك أولاده ويضاحكونه، والليلة التي تليها مباشرة أتاه ملك الموت فنقله بأمر ربه من الدور إلى القبور، ومن السعة إلى الضيق، ومن الفرش الوثيرة، ومن القصور المثيرة إلى ظلمة مخيفة، ووحشه رهيبة، وسفر بعيد، وهو مطلع شديد، ((وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ )) (ق:22،19).

إنها حقيقة الموت وما بعد الموت.

وعند النهاية تميّز النهاية، نعم إنها النهاية، محطة أقلقت الخائفين, وأرقت عيون العارفين، وأسهرت بالأسحار عيون عباد الله المتقين، محطة لطالما تساقط عندها المذنبون، وهلك بأرضها الهالكون .

وهذه صور لنهايات كان أصحابها يعيشون كما نعيش وسنموت كما ماتوا، (( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )) (الرحمن:27،26) .

أسوقها لعل فيها عبرة للمعتبرين، وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

ذكر أهل السير أن أبا مريم الغساني رحمه الله كان صائما يوماً من الأيام فنزل به الموت واشتد به الكرب، فقال له من حوله لو جرعت جرعة من ماء فقال بيده لا، فلما دخل المغرب قال أأذن ؟! قالوا نعم، ففطروه وجعلوا في فمه قطرة ماء ثم مات بعدها.

وذكر الشيخ عبد الملك القاسم في ترجمته لوالده العالم الفقيه محمد بن عبد الرحمن القاسم، أن أحد الصالحين من رفقاء أخ والده عبد الله "عمه" مرض هذا الرجل مرض الموت، وكان صائماً فقال له أبناؤه: أفطر, فقال: لا, فلما أصروا على ذلك وقربوا له الماء رده بيده وقال إني لأجد ريح الجنة فمات صائماً قبيل المغرب .

وفي المقابل هناك صور للخاتمة السيئة أعاذنا الله وأياك منها، وإن من علامات الخاتمة السيئة أن يتوفى الله العبد على غير الإسلام، أو أن تكون وفاة الإنسان وهو معرض عن ربه جلا وعلا، مقيم على ما يسخطه، مضيع لما أوجبه، أو أن يتوفاه الله وهو معاقر لمنكر، ولا ريب أن تلك نهاية سيئة بائسة طالما خافها المتقون وعباد الله المؤمنون .

في أحدى الطرق كان ثلاثة من الشباب يستقلون سيارتهم بسرعة كالبرق، والموسيقى تصيح بصوت مرتفع وهم فرحون بذلك كحال كثير من شبابنا إلا من رحم الله ، كان من أبعد ما يفكرون فيه أن يفارقوا هذه الدنيا، كانت الآمال تطير بهم وهم يتابعون تلك المزامير، وفجأة حدث ما لم يكن بالحسبان، انقلبت السيارة عدة مرات، وصلت سيارة الإسعاف حملت المصابين ، أحدهم كان مصاباً إصابات بليغة جلس صديقاه بجانبه كان يتنفس بصعوبه والدم قد غطى جسده حتى غير ملامحه، حينئذ علم الضابط أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، عرف اسمه من صاحبيه، قال له: يا فلان قل لا إله إلا الله، يا فلان قل لا إله إلا الله، فيقول: هو هو" يقصد نفسه " في سقر، فيقول يا فلان قل لا إله إلا الله فيقول هو في سقر ثم سقط رأسه ولفظ أنفاسه ولا حول ولا قوة إلا بالله .

إن فئاماً من الناس لا يحبون أو لا يحبذون الحديث عن الموت وساعة الاحتضار، لأن ذلك على حد زعمهم يؤلمهم ويشعرهم باليأس، ويقطع حبل أملهم، ويورق حياتهم، فهم يريدون العيش دون سماع ما ينغص حياتهم ويفزع خواطرهم، وأغلب هؤلاء ممن قصروا في حق ربهم وخانوا أنفسهم، وإن الحديث عن الموت يامحب كما أنه شرع ودين فهو سجيه العقلاء والراشدين.

يقول عبد الرحمن بن مهدي: (لو قيل لحماد بن مسلمة أنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً ) لأن أوقاته بالتعبد معمورة وعن الشر يدية مقصورة.

والاستعداد للموت ليس بالأماني الباطلة والألفاظ المعسولة، بل هو بهجر المنكرات، والثواب إلى رب الأرض والسموات، وإزالة الشحناء والبغضاء، والعداوة من القلوب وبر الوالدين وصلة الأرحام.

ولكن يا عبد الله متى يستعد للموت من تظلله سحائب الهون، ويسير في أودية الغفلة ؟!

متى يستعد للموت من لا يبالي بأمر الله في حلال أو حرام ؟! متى يستعد للموت من هجر القرآن ولا يعرف صلاة الفجر مع الجماعة من أكل أموال الناس بالباطل، وأكل الربا وارتكب الزنا ؟ ! كيف يكون مستعداً للموت من لوث لسانه بالغيبة والنميمة، وامتلاء قلبه بالحقد والحسد، وضيع أوقات عمره في تتبع عورات المسلمين والوقوع في أعراضهم ؟!

فيا أيها المذنب وكلنا كذلك عد إلى ربك وجدد التوبة قبل فوات الأوان، ولا تمت ساعة مندم.

فالحذر الحذر يا عبد الله، والبدار البدار، والتوبة التوبة، وعلينا جميعاً الإستعداد لذلك اليوم وتلك النهاية كما كان هو دأب السلف الصالح .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

عبد الله الشمري