a8_333
25-06-2005, 08:28 PM
لرياض: سمر المقرن
انتشل مواطن سعودي يدعى أبو بندر شابا يتيما مجهول الأبوين من الضياع والشتات، بعد أن تخلت وزارة الشؤون الاجتماعية عنه، وتركته تائهاً في الطرقات بين رفقاء السوء، يتعاطى المخدرات حيناً، ويبيع جسده حيناً آخر، هيأ أبو بندر لليتيم ماجد غرفة في منزله، وأعاده إلى صفوف الدراسة مرة أخرى بعد فصله بسبب الغياب، وهو يبحث من وراء ذلك عن الأجر والمثوبة لوجه الله، بعد أن وجد ماجد في أحد الأيام يبكي أمام باب منزله، فقرر رعايته لعل ذلك يكون طريقاً لهداية شاب جاء إلى هذه الدنيا يحمل خطيئة لا ذنب له بها.
وكانت المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام قد هيأت لماجد سكناً مؤثثاً فوجد نفسه وحيداً في هذا المنزل بلا طعام أو شراب إلا من ثلاجة خاوية، وكانت المؤسسة قد اشترطت أن لا يزور إخوانه الأيتام، فكان الخيار صعباً بالنسبة له، إما أن يتنازل عن زيارة إخوته، وإما أن يتنازل عن السكن، فتنازل عن الأخير بعقلية المراهق الضائع، فقامت المؤسسة باستكتابه إقرارا بتحمل مسؤولية نفسه، وجاء في تقرير مشرف التوجيه والإرشاد بوزارة التربية والتعليم خالد الجعيد إلى مدير شؤون الطلاب أن قسم التوجيه لم يتمكن من زيارته بعد انقطاعه عن الدراسة بسبب عدم تجاوب مندوب مؤسسة الأيتام مع المدرسة.
يؤكد ماجد ومجموعة أخرى من الأيتام على وجود مستحقات مادية لهم لم يحصلوا عليها، يقولون إنهم كانوا يذهبون في محاولات لمقابلة المسؤولين بوزارة الشؤون الاجتماعية دون جدوى، ومنهم من مضت عليه سنوات طويلة لم يأخذ أي مستحقات مادية.
ويؤكد رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والقوى العاملة بمجلس الشورى حمدي بن حمزة الجهني قيام اللجنة بعمل نظام للأيتام مجهولي الأبوين ليكونوا من ضمن الفئات التي يشملها نظام الضمان الاجتماعي، مؤكدا أن النظام حالياً في مرحلة الدراسة، وسيحول قريباً للتصويت عليه من قِبل أعضاء المجلس ليرفع بعدها للمقام السامي.
ومن أبرز الملاحظات المتعلقة باليتيم أن الأيتام الشباب يتم إخراجهم من الدور في سن يتراوح ما بين 15 - 16 سنة، وإطلاقهم في الشوارع دون مصروف ودون تهيئة أي مكان يستطيع اليتيم أن يعيش به، خاصة وأن الأكثرية لا يحملون أكثر من شهادة المرحلة المتوسطة.
ويكشف أبو بندر سر تعاطفه مع هذا الشاب المراهق الذي ذهب كغيره ضحية للإهمال، وتحدث وزوجته أثناء زيارتها لمنزله الكائن بحي العريجاء جنوب الرياض، يقول أبو بندر: زوجتي يتيمة، إلا أن الحظ كان معها بعد أيام من ولادتها، حيث تبنتها خالتي، وقامت بتربيتها، حتى تزوجتها، لتكون أماً لأبنائي أفتخر بها، ويضيف: الإنسانية دفعتني لمساعدة اليتيم ماجد، بعد أن تعرفت عليه صدفة عن طريق أحد أصدقائه الأيتام ويدعى خالد، بعد أن استنجد بي لمساعدة زميله، فشعرت بمدى حاجة هذا الشاب لشخص واع يرشده ويوجهه إلى الخير، فماجد ليس منحرفاً بالفطرة، كما أنه ليس راضياً عن وضعه، ويحتاج لمن يرشده نحو الاستقامة، وأكد أبو بندر أنه قبيل اتخاذه لقرار بقاء ماجد بمنزله قد تعهد له بأن ينظر لمستقبله، ويترك رفقاء السوء، مؤكداً أنه لن يتخلى عنه في حدود إمكانياته.
من جهتها توضح أم بندر أن ماجد ضحية للإساءة الجنسية عندما كان طفلاً لم يتجاوز الثامنة، وبدلا من أن يؤخذ لهذا الطفل حقه وجد الضرب والانتهاك، فتعود أن لا يقول لا لأي أحد يريد أن ينتهكه، فنشأ على أن ينتهك ويُنتهك داخل الدار في غفلة من القائمين عليها.
وتضيف: بعد أن تخلت الجهة المعنية بالأيتام عن ماجد، من الصعب أن نتركه في مواجهة الضياع، طالما لديه الرغبة في حياة الطهر، وترى أم بندر أن تخلي الوزارة والمؤسسة الخيرية عن هذا المراهق ليس في صالحه، وأن من الواجب أن تقوم هذه الجهات بالوقوف معه، لا أن تتركه وتخلي مسؤولياتها.
بداية الضياع
يروي ماجد بدايته مع الضياع ويقول عندما كنت طفلاً في السابعة من عمري، كنت أعيش في الحضانة بجدة، أتذكر عندما جاءت (أبله نوره) تطلب مني أن أحمل أغراضي لأني كبرت، وسأنتقل إلى دار التربية المخصصة للأولاد في مكة، دخلت أحمل حقيبتي، واستقبلني أحد الموظفين، وطلب من أحد الطلاب الأكبر مني أن يحمل لي الحقيبة، ويأخذني إلى غرفة المراقبين، فإذا به يأخذني لغرفة ويغلق علي الباب، وهذه كانت المرة الأولى التي أتعرض فيها للتحرش، لم أكن وقتها أفهم ما الذي يحدث، وعندما شكوت تم تجاهل شكواي، وحصلت على علقة ساخنة من (الزعيم)، حيث جرى العرف في هذه الدور أن يكون لكل دار زعيم يأتمر الجميع بأمره وينتهي الجميع بنهيه، ومن هنا أصبح التحرش أمراً عادياً من الكبار للصغار، حتى تحول الأمر من كونه تحرشاً إلى ممارسة، وأضاف أنه لا فائدة من الشكوى حيث ستكون تبعاتها مؤلمة، والرضوخ هو الطريق الأسلم للعيش بينهم.
رحلة الشتات
ويتابع ماجد عندما وصل الأمر للاعتداء قررت الهروب من الدار، وبالفعل هربت مرات كثيرة إلى ساحة الحرم المكي، وعندما أحتاج إلى نقود لمصاريف التنقل أذهب إلى (أبله نوره) مستنجداً بها، وكانت تحاول مساعدتي بشتى الطرق، إلا أنه كان من الصعب أن أبقى لديها، فكانت تتصل بدار البنين فيأتي (أستاذ حسين) ويعود بي مرة أخرى إلى المكان الذي هربت منه، وهكذا أهرب وأعود، حتى تم إيداعي بدار التوجيه بالرياض، وكانت قديما تسمى الإصلاحية، وهي مخصصة للمنحرفين، أو لمن هم بالطريق إلى الانحراف، وقتها لم أكن قد أكملت عامي الحادي عشر.
ويضيف ماجد انتقلت بعدها إلى دار مدينة شقراء، وكان الانحراف الجنسي قد استشرى في عقلي وجسدي، بعد أن اكتشفت أن ما يحدث في الدور التي سبقتها يحدث بها، مؤكداً أن هذا الانحراف الذي وصل إليه الكثير من الأيتام مجهولي الأبوين انتقل لهم وتعلموه من المنحرفين الذين يقضون فترات عقوبة داخل الدور.
كنت أحاول أن أتوب... عبارة قالها ماجد وهو مطأطئ رأسه واستدرك قائلا لكني عجزت، انتقلت إلى دار أخرى بالقصيم، وهي تكاد تكون الأقل في وجود منحرفين، فالرقابة صارمة، لا أخفي عليكم شعرت ببعض الراحة، خاصة مع وجود بعض التوجيه الديني من شيوخ لديهم القدرة على التأثير، إلا أني لم أستمر طويلاً، فقد جاء قرار بنقلي مجدداً إلى دار أخرى في الدمام، وهناك كنت أنام الصباح وأستيقظ في التاسعة مساءً وأخرج بعدها إلى شلة فاسدة في حي الثقبة، علموني تدخين الحشيش وشرب المسكر وتناول الحبوب المنبهة.
ويؤكد ماجد أن هذه التنقلات من دار إلى دار ومن مدينة إلى مدينة كانت أحد أهم العوامل التي جعلته منحرفا، حتى وصل إلى مرتبة (الزعيم) يقول أصبحت أعلم الصغار ما علمني إياه الزعيم السابق في طفولتي، وأقوم بنفس الممارسات التي كانت تُمارس ضدي حتى مللت حياتي وكرهت نفسي وفكرت جدياً بالانتحار، إلى أن التقيت أبا بندر الرجل الطيب الذي جعلني أعود إنساناً إلى هذه الحياة، أنام مبكراً وأستيقظ مبكراً لمدرستي، وأصلي بانتظام، بل وفتح لي ***** الحلم، مشيراً إلى حلمه وهو أن يتحدث اللغة الإنجليزية، ويعمل في مجال الترجمة أو التدريس.
لحظة النجدة
محطة ماجد الأخيرة في رحلة الشتات قبل وصوله إلى الرياض كانت مكة حيث التقى صدفة بخالد أخيه الذي تربى معه عندما كان صغيراً في دار الرياض، يقول خالد كنت في زيارة للدار لإنهاء بعض الأوراق، فإذا بي ألتقي صدفة في الشارع بماجد، كان منهكاً ورائحة المسكر تتطاير من فمه، فعرفت أنه قد تدمر، تجاذبنا أطراف الحديث، وعرفت أنه يعيش مع رفقاء السوء، فأخذته معي فوراً إلى الرياض وساقتنا مشيئة الله إلى أن يدخل أبو بندر وأسرته حياة ماجد.
المستحقات المادية
يؤكد خالد أنه ترك الدار منذ حوالي 6 سنوات عندما كان في الخامسة عشرة من عمره، ومن وقتها لم يتقاض ريالاً واحداً، ولم تكن له صلة بأي من المسؤولين في الدار أو في الوزارة، يقول حاولت مرات عديدة أن ألتقي بأي منهم لطلب مستحقاتيِ المادية دون جدوى، وكان مديرو المكاتب يقولون لي ولزملائي دائما المسؤول مشغول ولا يستطيع مقابلتك، حتى يئست من الحصول على مستحقاتي.
ويروي خالد أحد المواقف التي مرت به عندما وقع له حادث سير وأودع في التوقيف، حينها حاول الاتصال بالوزارة لمساعدته في هذا الموقف، إلا أنه لم يجد تجاوبا، مؤكداً أنه غادر الدار بعد أن أنهى المرحلة المتوسطة بسبب ما قاله له أحد المسؤولين هناك: أنت الآن رجل وعليك الاعتماد على نفسك.
وتؤكد أم بندر على ما قاله خالد، وتضيف : حاولت أنا أيضاً أن أطالب بحقوقي المادية التي خصصتها الدولة لي، إلا أنه في كل مرة يقولون لي أنت متزوجة، وتتساءل هل الزواج سبب يحتم حرمان يتيمة مثلي من حقوقها؟ وتضيف: نحن الأيتام فئة ضائعة، نسير في طريق لا نرى له نهاية، وإن كان الحظ حالفني بزوج رائع وأسرة تكفلت بي منذ أيامي الأولى هناك كثيرون من الأيتام واليتيمات لم يجدوا ما وجدته، لافتة إلى لقب (ذوي الظروف الخاصة) الذي أطلق مؤخراً على الأيتام مجهولي الأبوين، مؤكدة أن هذا اللقب لم يجد حاملوه ما يليق به من معاملة.
بلا حقوق ولا واجبات
الأيتام مجهولو الوالدين ليس لديهم حقوق وليس عليهم واجبات... هذا ما قاله اليتيم ع، ع، الذي يؤكد أنه بعد بلوغه سن السادسة عشرة تم إخراجه من الدار، إلا أنه قد تمكن من إيجاد سكن بمساعدة أشخاص تعرف عليهم وساندوه، ولم يستلم (ع) منذ خروجه من الدار قبل 10 سنوات أي مبلغ مادي، يقول إن كانت الدار هي الأسرة الافتراضية لليتيم، فهي أسرة تريد الخلاص من أبنائها متسائلاً هل الشاب في هذا العمر قادر على معالجة أوضاعه بنفسه.
وعن طفولته يقول (ع) وقتها كنت في السابعة من عمري كان المشهد مرعباً عندما جاء قرار انتقالي من دار الحضانة إلى دار التربية، بكاء وصراخ، وهو مشهد يتكرر سنوياً، فيفقد الطفل أمهاته اللائي تعلق بهن في الحضانة سواء مشرفات أو اختصاصيات، وينتقل الطفل مباشرة من دار كل من فيها من العنصر النسائي إلى دار جميعها رجال.
ويؤكد ع، ع التجاوزات الأخلاقية داخل الدور موضحا أن الطفل يجد العاطفة التي فقدها في هذه الممارسات غير الشرعية في غياب التربية السليمة والتوجيه، فتصبح هذه الانحرافات عادة لا يستطيع الخلاص منها، وهذا أيضاً ما يجعل اليتيم عند وصوله إلى مرحلة المراهقة وبعد خروجه من الدار يدخل في قضايا وتجاوزات أكبر.
يقول اليتيم س، ن خرجت من الدار قبل 6 سنوات وكان عمري وقتها 15 سنة، لا أعرف أحدا، ولا أعلم إلى أين سأذهب، طردوني لأني مشاغب، كنت أعود للدار بعد أن أشعر بالتعب بحثاً عن النوم، وكان المراقبون يرفضون ذلك ويقولون لي أنت رجل وعليك أن تجد مكاناً لتنام فيه غير الدار، وكل يوم يطردونني وأعود.
ويضيف وجدت عملا في محل مفاتيح براتب 900 ريال، وكنت أنام في غرفة صغيرة مع مجموعة من العمال الآسيويين، أجد أحياناً طعامي، وأحياناً كثيرة لا أجد شيئاً يسد جوعي، وهكذا مرت 6 سنوات، أحياناً أنام على الأرصفة، وذات مرة نمت أسبوعا كاملا على الرصيف بأحد شوارع الرياض، حتى التقطتني سيارة الدورية، وظللت في التوقيف 20 يوما، اتصلت بالوزارة فلم يرسلوا أي مندوب ليخرجني، حتى جاء أحد إخواني الأيتام وقام بكفالتي، مؤكداً أنه لم يساعده أي أحد لاستخراج بطاقة أحوال يستطيع أن يثبت بها هويته.
توجيه للعمل وإعانة زواج
ويوضح مدير الإدارة العامة لرعاية الأيتام بوزارة الشؤون الاجتماعية عوض الجميلي أن الطفل ينتقل بعد سن السابعة من دار الحضانة إلى دار التربية الاجتماعية (قسم الأشبال)، والقسم يديره ويشرف على الأطفال فيه طاقم نسائي متخصص، ويستفيد الأطفال من مرافق الدار، ويتواصلون بعض الساعات مع إخوانهم الفتيان الذين يشرف عليهم طاقم رجالي ضمن أقسام الدار، مشيرا إلى وجود تعاون بين إدارة الأيتام أو فروع المتابعة ومكاتب العمل بكافة طلبات العمل، ويتم تحويل الأيتام إلى هذه المكاتب، موضحاً أن عدد الشباب الذين تم توجيههم للعمل خلال العام الهجري الماضي بلغ 82 شاباً، وفي العام نفسه تم توجيه 108 شباب وفتيات للدراسة الجامعية.
وحول الزواج أكد الجميلي حرص الوزارة على تزويج الأيتام من الجنسين وتقديم إعانة خاصة بالزواج قدرها 30 ألف ريال، ووجود برامج للمتابعة الميدانية لهم بعد الزواج عن طريق وحدات ومكاتب المتابعة الاجتماعية، مشيرا إلى أن حالات الزواج خلال العام الماضي وصلت إلى 65 حالة، فيما كان مجمل العدد خلال السنوات الثلاث الأخيرة 145 حالة.
انتشل مواطن سعودي يدعى أبو بندر شابا يتيما مجهول الأبوين من الضياع والشتات، بعد أن تخلت وزارة الشؤون الاجتماعية عنه، وتركته تائهاً في الطرقات بين رفقاء السوء، يتعاطى المخدرات حيناً، ويبيع جسده حيناً آخر، هيأ أبو بندر لليتيم ماجد غرفة في منزله، وأعاده إلى صفوف الدراسة مرة أخرى بعد فصله بسبب الغياب، وهو يبحث من وراء ذلك عن الأجر والمثوبة لوجه الله، بعد أن وجد ماجد في أحد الأيام يبكي أمام باب منزله، فقرر رعايته لعل ذلك يكون طريقاً لهداية شاب جاء إلى هذه الدنيا يحمل خطيئة لا ذنب له بها.
وكانت المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام قد هيأت لماجد سكناً مؤثثاً فوجد نفسه وحيداً في هذا المنزل بلا طعام أو شراب إلا من ثلاجة خاوية، وكانت المؤسسة قد اشترطت أن لا يزور إخوانه الأيتام، فكان الخيار صعباً بالنسبة له، إما أن يتنازل عن زيارة إخوته، وإما أن يتنازل عن السكن، فتنازل عن الأخير بعقلية المراهق الضائع، فقامت المؤسسة باستكتابه إقرارا بتحمل مسؤولية نفسه، وجاء في تقرير مشرف التوجيه والإرشاد بوزارة التربية والتعليم خالد الجعيد إلى مدير شؤون الطلاب أن قسم التوجيه لم يتمكن من زيارته بعد انقطاعه عن الدراسة بسبب عدم تجاوب مندوب مؤسسة الأيتام مع المدرسة.
يؤكد ماجد ومجموعة أخرى من الأيتام على وجود مستحقات مادية لهم لم يحصلوا عليها، يقولون إنهم كانوا يذهبون في محاولات لمقابلة المسؤولين بوزارة الشؤون الاجتماعية دون جدوى، ومنهم من مضت عليه سنوات طويلة لم يأخذ أي مستحقات مادية.
ويؤكد رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والقوى العاملة بمجلس الشورى حمدي بن حمزة الجهني قيام اللجنة بعمل نظام للأيتام مجهولي الأبوين ليكونوا من ضمن الفئات التي يشملها نظام الضمان الاجتماعي، مؤكدا أن النظام حالياً في مرحلة الدراسة، وسيحول قريباً للتصويت عليه من قِبل أعضاء المجلس ليرفع بعدها للمقام السامي.
ومن أبرز الملاحظات المتعلقة باليتيم أن الأيتام الشباب يتم إخراجهم من الدور في سن يتراوح ما بين 15 - 16 سنة، وإطلاقهم في الشوارع دون مصروف ودون تهيئة أي مكان يستطيع اليتيم أن يعيش به، خاصة وأن الأكثرية لا يحملون أكثر من شهادة المرحلة المتوسطة.
ويكشف أبو بندر سر تعاطفه مع هذا الشاب المراهق الذي ذهب كغيره ضحية للإهمال، وتحدث وزوجته أثناء زيارتها لمنزله الكائن بحي العريجاء جنوب الرياض، يقول أبو بندر: زوجتي يتيمة، إلا أن الحظ كان معها بعد أيام من ولادتها، حيث تبنتها خالتي، وقامت بتربيتها، حتى تزوجتها، لتكون أماً لأبنائي أفتخر بها، ويضيف: الإنسانية دفعتني لمساعدة اليتيم ماجد، بعد أن تعرفت عليه صدفة عن طريق أحد أصدقائه الأيتام ويدعى خالد، بعد أن استنجد بي لمساعدة زميله، فشعرت بمدى حاجة هذا الشاب لشخص واع يرشده ويوجهه إلى الخير، فماجد ليس منحرفاً بالفطرة، كما أنه ليس راضياً عن وضعه، ويحتاج لمن يرشده نحو الاستقامة، وأكد أبو بندر أنه قبيل اتخاذه لقرار بقاء ماجد بمنزله قد تعهد له بأن ينظر لمستقبله، ويترك رفقاء السوء، مؤكداً أنه لن يتخلى عنه في حدود إمكانياته.
من جهتها توضح أم بندر أن ماجد ضحية للإساءة الجنسية عندما كان طفلاً لم يتجاوز الثامنة، وبدلا من أن يؤخذ لهذا الطفل حقه وجد الضرب والانتهاك، فتعود أن لا يقول لا لأي أحد يريد أن ينتهكه، فنشأ على أن ينتهك ويُنتهك داخل الدار في غفلة من القائمين عليها.
وتضيف: بعد أن تخلت الجهة المعنية بالأيتام عن ماجد، من الصعب أن نتركه في مواجهة الضياع، طالما لديه الرغبة في حياة الطهر، وترى أم بندر أن تخلي الوزارة والمؤسسة الخيرية عن هذا المراهق ليس في صالحه، وأن من الواجب أن تقوم هذه الجهات بالوقوف معه، لا أن تتركه وتخلي مسؤولياتها.
بداية الضياع
يروي ماجد بدايته مع الضياع ويقول عندما كنت طفلاً في السابعة من عمري، كنت أعيش في الحضانة بجدة، أتذكر عندما جاءت (أبله نوره) تطلب مني أن أحمل أغراضي لأني كبرت، وسأنتقل إلى دار التربية المخصصة للأولاد في مكة، دخلت أحمل حقيبتي، واستقبلني أحد الموظفين، وطلب من أحد الطلاب الأكبر مني أن يحمل لي الحقيبة، ويأخذني إلى غرفة المراقبين، فإذا به يأخذني لغرفة ويغلق علي الباب، وهذه كانت المرة الأولى التي أتعرض فيها للتحرش، لم أكن وقتها أفهم ما الذي يحدث، وعندما شكوت تم تجاهل شكواي، وحصلت على علقة ساخنة من (الزعيم)، حيث جرى العرف في هذه الدور أن يكون لكل دار زعيم يأتمر الجميع بأمره وينتهي الجميع بنهيه، ومن هنا أصبح التحرش أمراً عادياً من الكبار للصغار، حتى تحول الأمر من كونه تحرشاً إلى ممارسة، وأضاف أنه لا فائدة من الشكوى حيث ستكون تبعاتها مؤلمة، والرضوخ هو الطريق الأسلم للعيش بينهم.
رحلة الشتات
ويتابع ماجد عندما وصل الأمر للاعتداء قررت الهروب من الدار، وبالفعل هربت مرات كثيرة إلى ساحة الحرم المكي، وعندما أحتاج إلى نقود لمصاريف التنقل أذهب إلى (أبله نوره) مستنجداً بها، وكانت تحاول مساعدتي بشتى الطرق، إلا أنه كان من الصعب أن أبقى لديها، فكانت تتصل بدار البنين فيأتي (أستاذ حسين) ويعود بي مرة أخرى إلى المكان الذي هربت منه، وهكذا أهرب وأعود، حتى تم إيداعي بدار التوجيه بالرياض، وكانت قديما تسمى الإصلاحية، وهي مخصصة للمنحرفين، أو لمن هم بالطريق إلى الانحراف، وقتها لم أكن قد أكملت عامي الحادي عشر.
ويضيف ماجد انتقلت بعدها إلى دار مدينة شقراء، وكان الانحراف الجنسي قد استشرى في عقلي وجسدي، بعد أن اكتشفت أن ما يحدث في الدور التي سبقتها يحدث بها، مؤكداً أن هذا الانحراف الذي وصل إليه الكثير من الأيتام مجهولي الأبوين انتقل لهم وتعلموه من المنحرفين الذين يقضون فترات عقوبة داخل الدور.
كنت أحاول أن أتوب... عبارة قالها ماجد وهو مطأطئ رأسه واستدرك قائلا لكني عجزت، انتقلت إلى دار أخرى بالقصيم، وهي تكاد تكون الأقل في وجود منحرفين، فالرقابة صارمة، لا أخفي عليكم شعرت ببعض الراحة، خاصة مع وجود بعض التوجيه الديني من شيوخ لديهم القدرة على التأثير، إلا أني لم أستمر طويلاً، فقد جاء قرار بنقلي مجدداً إلى دار أخرى في الدمام، وهناك كنت أنام الصباح وأستيقظ في التاسعة مساءً وأخرج بعدها إلى شلة فاسدة في حي الثقبة، علموني تدخين الحشيش وشرب المسكر وتناول الحبوب المنبهة.
ويؤكد ماجد أن هذه التنقلات من دار إلى دار ومن مدينة إلى مدينة كانت أحد أهم العوامل التي جعلته منحرفا، حتى وصل إلى مرتبة (الزعيم) يقول أصبحت أعلم الصغار ما علمني إياه الزعيم السابق في طفولتي، وأقوم بنفس الممارسات التي كانت تُمارس ضدي حتى مللت حياتي وكرهت نفسي وفكرت جدياً بالانتحار، إلى أن التقيت أبا بندر الرجل الطيب الذي جعلني أعود إنساناً إلى هذه الحياة، أنام مبكراً وأستيقظ مبكراً لمدرستي، وأصلي بانتظام، بل وفتح لي ***** الحلم، مشيراً إلى حلمه وهو أن يتحدث اللغة الإنجليزية، ويعمل في مجال الترجمة أو التدريس.
لحظة النجدة
محطة ماجد الأخيرة في رحلة الشتات قبل وصوله إلى الرياض كانت مكة حيث التقى صدفة بخالد أخيه الذي تربى معه عندما كان صغيراً في دار الرياض، يقول خالد كنت في زيارة للدار لإنهاء بعض الأوراق، فإذا بي ألتقي صدفة في الشارع بماجد، كان منهكاً ورائحة المسكر تتطاير من فمه، فعرفت أنه قد تدمر، تجاذبنا أطراف الحديث، وعرفت أنه يعيش مع رفقاء السوء، فأخذته معي فوراً إلى الرياض وساقتنا مشيئة الله إلى أن يدخل أبو بندر وأسرته حياة ماجد.
المستحقات المادية
يؤكد خالد أنه ترك الدار منذ حوالي 6 سنوات عندما كان في الخامسة عشرة من عمره، ومن وقتها لم يتقاض ريالاً واحداً، ولم تكن له صلة بأي من المسؤولين في الدار أو في الوزارة، يقول حاولت مرات عديدة أن ألتقي بأي منهم لطلب مستحقاتيِ المادية دون جدوى، وكان مديرو المكاتب يقولون لي ولزملائي دائما المسؤول مشغول ولا يستطيع مقابلتك، حتى يئست من الحصول على مستحقاتي.
ويروي خالد أحد المواقف التي مرت به عندما وقع له حادث سير وأودع في التوقيف، حينها حاول الاتصال بالوزارة لمساعدته في هذا الموقف، إلا أنه لم يجد تجاوبا، مؤكداً أنه غادر الدار بعد أن أنهى المرحلة المتوسطة بسبب ما قاله له أحد المسؤولين هناك: أنت الآن رجل وعليك الاعتماد على نفسك.
وتؤكد أم بندر على ما قاله خالد، وتضيف : حاولت أنا أيضاً أن أطالب بحقوقي المادية التي خصصتها الدولة لي، إلا أنه في كل مرة يقولون لي أنت متزوجة، وتتساءل هل الزواج سبب يحتم حرمان يتيمة مثلي من حقوقها؟ وتضيف: نحن الأيتام فئة ضائعة، نسير في طريق لا نرى له نهاية، وإن كان الحظ حالفني بزوج رائع وأسرة تكفلت بي منذ أيامي الأولى هناك كثيرون من الأيتام واليتيمات لم يجدوا ما وجدته، لافتة إلى لقب (ذوي الظروف الخاصة) الذي أطلق مؤخراً على الأيتام مجهولي الأبوين، مؤكدة أن هذا اللقب لم يجد حاملوه ما يليق به من معاملة.
بلا حقوق ولا واجبات
الأيتام مجهولو الوالدين ليس لديهم حقوق وليس عليهم واجبات... هذا ما قاله اليتيم ع، ع، الذي يؤكد أنه بعد بلوغه سن السادسة عشرة تم إخراجه من الدار، إلا أنه قد تمكن من إيجاد سكن بمساعدة أشخاص تعرف عليهم وساندوه، ولم يستلم (ع) منذ خروجه من الدار قبل 10 سنوات أي مبلغ مادي، يقول إن كانت الدار هي الأسرة الافتراضية لليتيم، فهي أسرة تريد الخلاص من أبنائها متسائلاً هل الشاب في هذا العمر قادر على معالجة أوضاعه بنفسه.
وعن طفولته يقول (ع) وقتها كنت في السابعة من عمري كان المشهد مرعباً عندما جاء قرار انتقالي من دار الحضانة إلى دار التربية، بكاء وصراخ، وهو مشهد يتكرر سنوياً، فيفقد الطفل أمهاته اللائي تعلق بهن في الحضانة سواء مشرفات أو اختصاصيات، وينتقل الطفل مباشرة من دار كل من فيها من العنصر النسائي إلى دار جميعها رجال.
ويؤكد ع، ع التجاوزات الأخلاقية داخل الدور موضحا أن الطفل يجد العاطفة التي فقدها في هذه الممارسات غير الشرعية في غياب التربية السليمة والتوجيه، فتصبح هذه الانحرافات عادة لا يستطيع الخلاص منها، وهذا أيضاً ما يجعل اليتيم عند وصوله إلى مرحلة المراهقة وبعد خروجه من الدار يدخل في قضايا وتجاوزات أكبر.
يقول اليتيم س، ن خرجت من الدار قبل 6 سنوات وكان عمري وقتها 15 سنة، لا أعرف أحدا، ولا أعلم إلى أين سأذهب، طردوني لأني مشاغب، كنت أعود للدار بعد أن أشعر بالتعب بحثاً عن النوم، وكان المراقبون يرفضون ذلك ويقولون لي أنت رجل وعليك أن تجد مكاناً لتنام فيه غير الدار، وكل يوم يطردونني وأعود.
ويضيف وجدت عملا في محل مفاتيح براتب 900 ريال، وكنت أنام في غرفة صغيرة مع مجموعة من العمال الآسيويين، أجد أحياناً طعامي، وأحياناً كثيرة لا أجد شيئاً يسد جوعي، وهكذا مرت 6 سنوات، أحياناً أنام على الأرصفة، وذات مرة نمت أسبوعا كاملا على الرصيف بأحد شوارع الرياض، حتى التقطتني سيارة الدورية، وظللت في التوقيف 20 يوما، اتصلت بالوزارة فلم يرسلوا أي مندوب ليخرجني، حتى جاء أحد إخواني الأيتام وقام بكفالتي، مؤكداً أنه لم يساعده أي أحد لاستخراج بطاقة أحوال يستطيع أن يثبت بها هويته.
توجيه للعمل وإعانة زواج
ويوضح مدير الإدارة العامة لرعاية الأيتام بوزارة الشؤون الاجتماعية عوض الجميلي أن الطفل ينتقل بعد سن السابعة من دار الحضانة إلى دار التربية الاجتماعية (قسم الأشبال)، والقسم يديره ويشرف على الأطفال فيه طاقم نسائي متخصص، ويستفيد الأطفال من مرافق الدار، ويتواصلون بعض الساعات مع إخوانهم الفتيان الذين يشرف عليهم طاقم رجالي ضمن أقسام الدار، مشيرا إلى وجود تعاون بين إدارة الأيتام أو فروع المتابعة ومكاتب العمل بكافة طلبات العمل، ويتم تحويل الأيتام إلى هذه المكاتب، موضحاً أن عدد الشباب الذين تم توجيههم للعمل خلال العام الهجري الماضي بلغ 82 شاباً، وفي العام نفسه تم توجيه 108 شباب وفتيات للدراسة الجامعية.
وحول الزواج أكد الجميلي حرص الوزارة على تزويج الأيتام من الجنسين وتقديم إعانة خاصة بالزواج قدرها 30 ألف ريال، ووجود برامج للمتابعة الميدانية لهم بعد الزواج عن طريق وحدات ومكاتب المتابعة الاجتماعية، مشيرا إلى أن حالات الزواج خلال العام الماضي وصلت إلى 65 حالة، فيما كان مجمل العدد خلال السنوات الثلاث الأخيرة 145 حالة.