ابن اليمامة
31-05-2003, 02:27 PM
قيل : إنه كان لأحد التجار ولد وحيد ، فلما بلغ أشده أعد له أحمالاً من البضائع النفيسة ، و أرسله يتاجر بها ، فبينما هو سائر بأحماله ، و قد توسط البرية ، رأى ثعلباً قد شاخ و كبر حتى عجز عن المشي ولم يعد يستطيع أن يخرج من جحره إلا زاحفاً فقال في نفسه : ما يصنع هذا الثعلب في حياته ؟ وكيف يقدر أن يعيش في هذه الصحراء المقفرة وهو لا يقدر أن يصيد ؟ وبينما هو كذلك إذ بأسد قد أقبل ، وفي فمه كبش فوضعه على مقربة من الثعلب وأكل حاجته ثم تركه ؛ وانصرف فأقبل الثعلب يجر نفسه إلى أن أكل ما تبقى عن الأسد وكان ابن التاجر ينظر إليه . فقال : سبحان الله يرسل الرزق للثعلب وهو في مكانه لا يستطيع المشي ، و أنا أتعب و أسافر لأرتزق وعاد وأخبر والده بالأمر فقال الأب : إني أرسلتك تتاجر وتتعب كي تكون أسداً تطعم الناس لا أن تكون ثعلباً تنتظر أن يطعمك سواك .
رغم طرافة هذه الحكاية ، و ربما عدم وقوعها ، لكن أحببت أن أجعلها مدخلاً لمفاهيم ومعان بودي أن نقف عندها نتأملها جيداً لتكون واضحة في أذهاننا فنستفيد منها ، ونؤصلها في أنفسنا وفي الآخرين.
الأولى : لا تكن عالة على غيرك ، و اسع في الأرض ؛ لأن ابن التاجر اعتاد أن يعيش عالة على والده ، يصرف عليه و يعطيه ، فكان أول ما تبادر إلى ذهنه أن يصنع كما يصنع الثعلب لا الأسد فرجع لوالده يحمل مفهوم التواكل لا التوكل و فرق بينها ، ففي الأول اعتماد على الله سبحانه وتعالى ، لكن بدون بذل سبب إنما مجرد تمني ، والثانية اعتماد عليه سبحانه مع بذل الأسباب.
وهذا المفهوم يجدر بنا أن نؤصله في أنفسنا واقعياً بعيداً عن النظريات و أن نسترشد فيه بهدي المصطفى صلى الله عليه و سلم ( احرص على ما ينفعك ، و استعن بالله و لا تعجز ) و أن نحذر من القعود سواء كان عن عمل الآخرة أو عن عمل الدنيا و لقد عاب الله على الذين تخلفوا عن الغزو مع الرسول صلى الله عليه و سلم " إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين "التوبة : 83 ".
الثانية : علينا أن نهجر عالم الأماني و الأحلام ، وأن نخوض غمار الحياة ؛ لأن المطالب العالية لا تأتي بالأمنيات بل بالتضحيات و رحم الله شوقي إذ يقول :
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غــلابا
فمن كان يتوقع أن يحصل على ما يريد بمجرد أنه يعرف ما يريد ، أو أن يتمناه فقد أخطأ ، إذ لا بد من السعي و الطلب ، يذكر انتوني روبنز في كتابه قدرات بلاحدود أنه درس الأسباب التي بذلها الكثير من القادة و المؤثرين في حياة شعوبهم أيان كانت مبادئهم سواء مبادئ إصلاحية أوتدميرية فوجد أنها وضوح الهدف والسعي الدؤوب لتحقيقه .
لم يعرف أن مزرعة أثمرت بمجرد أمنيات المزارع ، و هذا المبدأ ليس بجديد علينا أمة الإسلام لننتظر انتوني ليخبرنا به بل هو أصيل في شريعتنا الغراء كثيراً ما أمرنا الشارع به و من ذلك قوله سبحانه و تعالى : " فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ {7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ { 8 } " الزلزلة ، كذلك قوله جل في علاه : " وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {105}" التوبة ، و قول المصطفى صلى الله عليه و سلم : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) و هنا يجب التذكير بأنه لا بد مع العمل من الاستمرار ؛ لأن الأمور بعواقبها و خواتيمها.
الثالثة : الإنسان قيمته بقدر عطائه ، و بقدر ما يعمل ، قيمته بما يقدمه لنفسه وللآخرين ، واليد العليا خير من اليد السفلى.
أعرف إخوة كان أبوهم نجماً بارزاً من نجوم السياسة ، وكانوا زمن حياته يجاورونه تحت الأضواء ، لكن بمجرد وفاته فقدوا الأضواء ولأنهم لم يسيروا على نهج والدهم فقد أضاعوا المجد الذي بناه لهم ؛ ولأنهم لم يقدموا لأنفسهم وللناس كما قدم أبوهم فإن الناس ابتعدوا عنهم وهذه عادة الدنيا فأخذوا يصرخون نحن أبناء فلان أين من كان يأتينا من قبل ؟ و لا مجيب .
إن قيمة الإنسان يجب أن تنطلق منه ، و أن يكون هو من يرسم مجد نفسه لا أن ينتظر أن يرسمه له الآخرون ، ولو كان أقرب قريب .
فكن يا أخي عصاميا لا عظاميا تبني مجدك بيديك ، ولا تجتر من الأموات أمجاد آبائك.
و لم أجــــد الإنسان إلا ابن سعيه
فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
و بالهمـة العلياء ترقى إلى الــعلا
فمــن كان أعـلى همة كان أظهرا
ابحث عن العمل الذي يناسبك و لا تتهرب من المسئوليات فيكون حالك كحال النعامة التي قيل لها: احملي و انقلي ، فقالت : أنا طائر . فقيل لها : طيري وامرحي فقالت : أنا بعير.
الرابعة: العزيمة...الهمة العالية...الإرادة كلمات يجب أن يكون لها مساحة كبيرة في قاموس حياتنا .
قال طاغور : سأل الممكنُ المستحيلَ : أين تقيم ؟
فقال : في أحلام العاجز .
مع العزيمة تتصاغر العظائم ، وتتحقق المعجزات ، وتضيق دائرة الغير ممكن ، بالعزيمة شيدت الحضارات ، وقامت الدول ، وبالعزيمة انتشرت الديانات والملل وبالعزيمة افترق الناس إلى رفيع ووضيع ، وبالعزيمة سيطر الإنسان المخلوق الضعيف على الدنيا وأقام بها حضارته ، و لأبي قاسم الشابي :
إذا ما طمـــــحت إلى غاية
لبست المنى و نسيت الحذر
ومن يتهيــب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحـــفر
من فقد العزيمة فقد إكسير الحياة ، من فقد الإرادة فقد الوقود الذي يسير حياته ، من فقد الهمة العالية فقد حياته.
يجب على الواحد منا أن يشحذ همته و يجددها دائماً .
قال العقاد : ما الإرادة إلا كالسيف يصدئه الإهمال و يشحذه الضرب و النزال .
فإذا عزمت فتوكل على الله .
رغم طرافة هذه الحكاية ، و ربما عدم وقوعها ، لكن أحببت أن أجعلها مدخلاً لمفاهيم ومعان بودي أن نقف عندها نتأملها جيداً لتكون واضحة في أذهاننا فنستفيد منها ، ونؤصلها في أنفسنا وفي الآخرين.
الأولى : لا تكن عالة على غيرك ، و اسع في الأرض ؛ لأن ابن التاجر اعتاد أن يعيش عالة على والده ، يصرف عليه و يعطيه ، فكان أول ما تبادر إلى ذهنه أن يصنع كما يصنع الثعلب لا الأسد فرجع لوالده يحمل مفهوم التواكل لا التوكل و فرق بينها ، ففي الأول اعتماد على الله سبحانه وتعالى ، لكن بدون بذل سبب إنما مجرد تمني ، والثانية اعتماد عليه سبحانه مع بذل الأسباب.
وهذا المفهوم يجدر بنا أن نؤصله في أنفسنا واقعياً بعيداً عن النظريات و أن نسترشد فيه بهدي المصطفى صلى الله عليه و سلم ( احرص على ما ينفعك ، و استعن بالله و لا تعجز ) و أن نحذر من القعود سواء كان عن عمل الآخرة أو عن عمل الدنيا و لقد عاب الله على الذين تخلفوا عن الغزو مع الرسول صلى الله عليه و سلم " إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين "التوبة : 83 ".
الثانية : علينا أن نهجر عالم الأماني و الأحلام ، وأن نخوض غمار الحياة ؛ لأن المطالب العالية لا تأتي بالأمنيات بل بالتضحيات و رحم الله شوقي إذ يقول :
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غــلابا
فمن كان يتوقع أن يحصل على ما يريد بمجرد أنه يعرف ما يريد ، أو أن يتمناه فقد أخطأ ، إذ لا بد من السعي و الطلب ، يذكر انتوني روبنز في كتابه قدرات بلاحدود أنه درس الأسباب التي بذلها الكثير من القادة و المؤثرين في حياة شعوبهم أيان كانت مبادئهم سواء مبادئ إصلاحية أوتدميرية فوجد أنها وضوح الهدف والسعي الدؤوب لتحقيقه .
لم يعرف أن مزرعة أثمرت بمجرد أمنيات المزارع ، و هذا المبدأ ليس بجديد علينا أمة الإسلام لننتظر انتوني ليخبرنا به بل هو أصيل في شريعتنا الغراء كثيراً ما أمرنا الشارع به و من ذلك قوله سبحانه و تعالى : " فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ {7} وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ { 8 } " الزلزلة ، كذلك قوله جل في علاه : " وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {105}" التوبة ، و قول المصطفى صلى الله عليه و سلم : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) و هنا يجب التذكير بأنه لا بد مع العمل من الاستمرار ؛ لأن الأمور بعواقبها و خواتيمها.
الثالثة : الإنسان قيمته بقدر عطائه ، و بقدر ما يعمل ، قيمته بما يقدمه لنفسه وللآخرين ، واليد العليا خير من اليد السفلى.
أعرف إخوة كان أبوهم نجماً بارزاً من نجوم السياسة ، وكانوا زمن حياته يجاورونه تحت الأضواء ، لكن بمجرد وفاته فقدوا الأضواء ولأنهم لم يسيروا على نهج والدهم فقد أضاعوا المجد الذي بناه لهم ؛ ولأنهم لم يقدموا لأنفسهم وللناس كما قدم أبوهم فإن الناس ابتعدوا عنهم وهذه عادة الدنيا فأخذوا يصرخون نحن أبناء فلان أين من كان يأتينا من قبل ؟ و لا مجيب .
إن قيمة الإنسان يجب أن تنطلق منه ، و أن يكون هو من يرسم مجد نفسه لا أن ينتظر أن يرسمه له الآخرون ، ولو كان أقرب قريب .
فكن يا أخي عصاميا لا عظاميا تبني مجدك بيديك ، ولا تجتر من الأموات أمجاد آبائك.
و لم أجــــد الإنسان إلا ابن سعيه
فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
و بالهمـة العلياء ترقى إلى الــعلا
فمــن كان أعـلى همة كان أظهرا
ابحث عن العمل الذي يناسبك و لا تتهرب من المسئوليات فيكون حالك كحال النعامة التي قيل لها: احملي و انقلي ، فقالت : أنا طائر . فقيل لها : طيري وامرحي فقالت : أنا بعير.
الرابعة: العزيمة...الهمة العالية...الإرادة كلمات يجب أن يكون لها مساحة كبيرة في قاموس حياتنا .
قال طاغور : سأل الممكنُ المستحيلَ : أين تقيم ؟
فقال : في أحلام العاجز .
مع العزيمة تتصاغر العظائم ، وتتحقق المعجزات ، وتضيق دائرة الغير ممكن ، بالعزيمة شيدت الحضارات ، وقامت الدول ، وبالعزيمة انتشرت الديانات والملل وبالعزيمة افترق الناس إلى رفيع ووضيع ، وبالعزيمة سيطر الإنسان المخلوق الضعيف على الدنيا وأقام بها حضارته ، و لأبي قاسم الشابي :
إذا ما طمـــــحت إلى غاية
لبست المنى و نسيت الحذر
ومن يتهيــب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحـــفر
من فقد العزيمة فقد إكسير الحياة ، من فقد الإرادة فقد الوقود الذي يسير حياته ، من فقد الهمة العالية فقد حياته.
يجب على الواحد منا أن يشحذ همته و يجددها دائماً .
قال العقاد : ما الإرادة إلا كالسيف يصدئه الإهمال و يشحذه الضرب و النزال .
فإذا عزمت فتوكل على الله .