الصريح جدا
01-04-2005, 03:22 PM
فن العقاب فن العقاب
أمر النبي _ صلى الله عليه وسلم _ بتعليق السوط في البيت وكأنه إشعار للأبناء بإمكانية العقوبة، إننا يجب أن نضبط انفعالاتنا عند العقوبة ثم نحسن اختيار العقوبة المناسبة
ومن أنواعها المعتادة : الحرمان من شيء محبوب، أو إظهار عدم استحسان السلوك
أيضاً من العقوبات : أن يترك يتحمل نتائج عمله بعد تنبيهه مسبقاً، مثل : مشكلة التأخر في الاستيقاظ من النوم، ينبه مسبقاً ثم يترك يتحمل العقوبة في المدرسة
وهناك نوع مفيد جداً من العقاب لا يستخدمه كثير من الآباء، وهو الحجز المؤقت، كأن يطلب من الولد الجلوس على كرسي محدد في جانب الغرفة أو أن يقف في ركن من الغرفة بعض الوقت في مساحة صغيرة تُشعره أنها عقوبة، وتوضع ساعة منبهة مضبوطة على مدة انتهاء العقوبة وهي من خمس دقائق إلى عشر دقائق كافية _ إن شاء الله _ يطلب من الطفل التنفيذ فوراً بهدوء وحزم، وإذا رفض يأخذ بيده إلى هناك مع بيان السبب لهذه العقوبة باختصار، ولا يتحدث مع الطفل أثناءها أو ينظر إليه وإذا انتهت العقوبة اطلبي من طفلك المعاقب أن يشرح لك أسباب العقوبة حتى تتأكدي من فهمه لسبب العقوبة، تطبق هذه العقوبة على جميع الأبناء من عمر سنتين حتى 12 سنة، إذا كرر الهرب من مكان العقوبة يتحمل عندها الحجز في غرفة تغلق عليه مع مراعاة أن الحجز في غرفة لا يستخدم إلا بقدر الضرورة الملحة ولمدة محدودة، والأصل الحجز في زاوية أو على كرسي في غرفة مفتوحة
ومن طرق العقاب الشائعة ( الضرب ) فأما الضرب الخفيف المنضبط عند الحاجة فنعم، وأما عدا ذلك فهو يضر أكثر مما ينفع، على أيّة حال يستخدم الضرب كورقة أخيرة، ويجب على الأب الحذر من التعامل معه؛ لأنه لو استخدمها ولم تُجْدِ ماذا سيفعل ستسقط هيبته وهيبة العقوبات وسيستهين الأبناء به مهما اشتد ولو في قرارة أنفسهم، ومما يجب مراعاته عند الضرب تجنب الوجه، وألا يضرب الأب وهو غضبان وهذا مهم جداً، وليكن الأب قدوة لأبنائه في كيفية تعامله مع غضبه بالاقتداء بسنة رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ من وضوء واستعاذة وتغيير وضعه جلوساً أو قياماً أو اضطجاعاً، ثم يتصرف مع أبنائه بما يراه صواباً
من الأخطاء الشائعة في الضرب : أن تهدد الأم ابنها بأن أباه سيعاقبه عندما يعود إلى البيت، وهذا يجعل الأب شرطياً مهمته العقاب لا صديق حميم، بل إن الوالد قد يشعر بالحرج من زوجته يعني يعاقب على شيء لم يشهده، وإذا كان الأب متعباً قد يترك الابن دون عقاب فنكون هددنا ولم ننفذ، وعموماً الضرب له ضوابط ومحاذير كثيرة وطالما هناك وسائل إيجابية فعالة فيحسن ترك هذا الأسلوب بقدر الإمكان
لا تسمح لأية تصرفات من أبنائك أن تستفزك إلى درجة الضرب حتى ولو كانت مشاجرات ومزعجة ومقلقة، أتوقع أن يتغير الكثير من نظرة الآباء والأمهات للشجارات ويغيروا من طريقة تعاملهم معها بعد سماعهم _ بمشيئة الله تعالى _ للعنصر التالي من عناصر السلسلة، وهو: ( دعونا نتشاجر من فضلكم )
لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " كفى بالمر إثماً أن يضيع من يعول "
وقال ابن القيم الجوزية في كتابه ( تحفة المودود بأحكام المولود ) – ولاحظ ما يقول - : " وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم "
أما أبو حامد الغزالي فيقول : " الأبناء جواهر " .. ونقول له : صدقت – الأبناء جواهر – ولكن يا أبا حامد، كثير من الآباء – مع الأسف – حدادون مع هذه الجواهر
أستغرب ممن يقول بكل ثقة : أولادي هم أغلى الناس، ثم يخبئ الكلام المهذب، والأسلوب الظريف ليقدمه للغرباء، ولا يكاد يقدم شيئاً منه لأولاده؛ مع أنهم أولى الناس بالكلمة اللطيفة، والتعامل اللبق
ولعل هؤلاء شغلتهم متاعب التربية وروتينها عن حلاوتها ولذتها، وهي متاعب وآلام لا بد منها، ولا ينبغي أن تؤثر على علاقتنا بهم رغم شدة هذه المتاعب وكثرتها .. إنها كآلام الولادة هل رأيتم أمّاً تضرب ابنها المولود حديثاً؛ لأنه سبب آلامها مستحيل .. إنما تحتضنه .. راضية .. سعيدة .. قريرة العين رغم كل ما تسبب فيه من معاناة وآلام
وكذلك التربية يجب أن نفصل فيها بين متاعبنا بسبب الأطفال، وبين تعاملنا معهم. يجب أن نبحث عن المتعة في تربيتهم، ولا يمكن أن نصل لهذه المتعة إلا إذا نزلنا لمستواهم، هذا النزول لمستوى الأطفال : ( ميزة ) الأجداد والجدات، عند تعاملهم مع أحفادهم، ينزلون لمستوى الطفل، ويتحدثون معه عما يسعده، ويتعاملون معه بمبدأ أن الطفل هو صاحب الحق في الحياة، وأن طلباته مجابة ما دامت معقولة، ورغم أن الأطفال يحبون أجدادهم وجداتهم لا شك، إلا أنهم ينتظرون هذا التعامل اللطيف، والعلاقة الخاصة منا نحن، وتظل صورة الأب الشاب القوي التقي هي النموذج الذي يحبه الولد ويقتدي به ويتعلم منه كيف يقود البيت، ويرعى زوجته وأبناءه في المستقبل
وتظل صورة الأم الشابة الأنيقة، ذات الدين والحياء والعفة، والذوق الرفيع هي النموذج الذي تتعلق به الفتاة وتقتدي به، وتتعلم منه كيف تكون زوجة وأماً، والفرصة لا تزال متاحة للجميع لتغيير العلاقة بالأبناء، تغييراً ينعكس إيجابياً عليكم وعليهم، سواء في التفاهم والحوار معهم، أو احترام شخصياتهم المستقلة، أو قبولنا لعيوبهم ونقائصهم. إذن : تفهم، واحترام، وقبول
كل هذا ممكن أن نحققه إذا جعلنا علاقتنا بأبنائنا أفقية، كعلاقة الصديق بصديقه، يغلب عليها الحوار والتفاهم، أما إذا كانت العلاقة رأسية كعلاقة الرئيس بمرؤوسه، ويغلب عليها الأوامر والنواهي، لا شك سيكون تأثيرها الإيجابي قليل
من علامات نجاحنا في التربية، نجاحنا في الحوار مع أبنائنا بطريقة ترضي الأب وابنه، ولكننا – للأسف – نرتكب أخطاء تجعلنا نفشل في الحوار مع الأبناء؛ وهذا هو مادة هذه المقالة ( لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا ) ، وهو العنوان الثاني من العناوين التي تتناولها سلسلة حلقات ( من أجل أبنائنا )
أهم أسباب الفشل في الحوار أسلوبان خاطئان :
الخطأ الأول : أسلوب : ( ما أريد أن أسمع شيئاً )
الخطأ الثاني : أسلوب : ( المحقق ) أو ( ضابط الشرطة )
الخطأ الأول : هو أننا نرسل عبارات ( تسكيت )، وكذلك إشارات ( تسكيت ) معناها في النهاية ( أنا ما أريد أن أسمع شيئاً منك يا ولدي ). مثل العبارات التالية : ( فكني )، ( بعدين بعدين )، ( أنا ماني فاضي لك )، ( رح لأبيك )، ( رح لأمك )، ( خلاص خلاص )، بالإضافة إلى الحركات التي تحمل نفس المضمون، مثل : التشاغل بأي شيء آخر عن الابن أو عدم النظر إليه، وتلاحظ أن الولد يمد يده حتى يدير وجه أمه إلى جهته كأنه يقول : ( أمي اسمعيني الله يخليك ) أو يقوم بنفسه، ويجيء مقابل وجه أمه حتى تسمع منه .. هو الآن يذكرنا بحقه علينا، لكنه مستقبلاً لن يفعل، وسيفهم أن أمه ممكن تستمع بكل اهتمام لأي صديقة في الهاتف أو زائرة مهما كانت غريبة، بل حتى تستمع للجماد ( التلفاز ) ولكنها لا تستمع إليه كأن كل شيء مهم إلا هو
لذلك عندما تنتهي من قراءة هذا المقال ويأتيك ولدك يعبر عن نفسه ومشاعره وأفكاره، اهتم كل الاهتمام بالذي يقوله، هذا الاستماع والاهتمام فيه إشعار منك له بتفهمه، واحترامه، وقبوله، وهي من احتياجاته الأساسية: التفهم، والاحترام، والقبول بالنسبة له، حديثه في تلك اللحظة أهم من كل ما يشغل بالك أياً كان، إذا كنت مشغولاً أيها الأب أو أيتها الأم .. أعطِ ابنك أو ابنتك موعداً صادقاً ومحدداً .. مثلاً تقول : أنا الآن مشغول، بعد ربع ساعة أستطيع أن أستمع لك جيداً، واهتم فعلاً بموعدك معه .. نريد أن نستبدل كلماتنا وإشاراتنا التي معناها ( أنا ما أريد أن أسمع منك شيئاً ) بكلمات وإشارات معناها ( أنا أحبك وأحب أن أسمع لك وحاس بمشاعرك ) وبالأخص إذا كان منزعجاً أو محبطاً ونفسيته متأثرة من خلال مجموعة من الحركات : الاحتضان، الاحتضان الجانبي، والاحتضان الجانبي حتى نتخيله .. حينما يكون أحد الوالدين مع أحد الأبناء بجانب بعضهم وقوفاً، كما في هيئة المأمومين في الصلاة، أو جلوساً يمد الأب أو الأم الذراع خلف ظهر الابن أو فوق أكتافه ويضع يده على الذراع أو الكتف الأخرى للابن ويلمه ويقربه إليه، بالإضافة إلى الاحتضان الجانبي التقبيل بكل أشكاله، والتربيت على الكتف، ومداعبة الرأس، ولمس الوجه، ومسك اليد ووضعها بين يدي الأم أو الأب .. وهكذا
لمّا ماتت رقية بنت الرسول – صلى الله عليه وسلم – جلست فاطمة – رضي الله عنهما – إلى جنب النبي – صلى الله عليه وسلم – وأخذت تبكي .. تبكي أختها .. فأخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه يواسيها مواساة حركية لطيفة، ودخل علي بن أبي طالب وفاطمة ومعهما الحسن والحسين – رضي الله عنهم أجمعين – على رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فأخذ الحسن والحسين فوضعهما في حجره، فقبلهما، واعتنق علياً بإحدى يديه، وفاطمة باليد الأخرى، فقبّل فاطمة وقبّل علياً – رضي الله عنهما -
حتى الكبير يحتاج إلى لغة الحركات الدافئة، فما بالكم بالطفل الصغير
والشواهد على احتضانه وتقبيله للصغار كثيرة جداً
الخطأ الثاني : ومع مشهد ننقله كما هو بكلماته العامية :
جاء خالد لوالده وقال : ( يبه اليوم ضربني ولد في المدرسة ) .. ركّز أبو خالد النظر في ولده وقال : ( أنت متأكد إنك مش أنت اللي بديت عليه ) قال خالد : ( لا والله .. أنا ما سويت له شي ) .. قال أبو خالد : ( يعني معقولة كذا على طول يضربك ) .. قال : ( والله العظيم ما سويت له شي ) .. بدأ خالد يدافع عن نفسه، وندم لأنه تكلم مع أبيه .. لاحظوا كيف أغلق أبو خالد باب الحوار، لما تحول في نظر ابنه من صديق يلجأ إليه ويشكي له همه إلى محقق أو قاضٍ يملك الثواب والعقاب، بل قد يعد أباه محققاً ظالماً؛ لأنه يبحث عن اتهام للضحية، ويصر على اكتشاف البراءة للمعتدي .. الأب في مثل قصة أبي خالد كأنه ينظر للموضوع على أن ابنه يطلب منه شيئاً .. كأن يذهب للمدرسة ويشتكي مثلاً، ثم يستدرك الأب في نفسه، ويقول : قد يكون ابني هو المخطئ، وحتى يتأكد يستخدم هذا الأسلوب .. في الحقيقة الابن لا يريد شيئاً من هذا أبداً، إنه لا يريد أكثر من أن تستمع له باهتمام وتتفهم مشاعره فقط لا غير
الولد يريد صديقاً يفهمه لا شرطياً يحميه، ولذلك يبحث الأبناء في سن المراهقة عن الصداقات خارج البيت، ويصبح الأب معزولاً عن ابنه في أخطر مراحل حياته، وفي تلك الساعة لن يعوض الأب فرصة الصداقة التي أضاعها بيده في أيام طفولة ابنه، فلا تضيعوها أنتم
أسلوب المحقق يجبر الطفل أن يكون متهماً يأخذ موقف الدفاع عن النفس، وهذه الطريقة قد تؤدي إلى أضرار لا تتوقعونها .. خذ على سبيل المثال، قصة يوسف والسيف المكسور .. يوسف عمره سبع سنوات .. اشترى له والده لعبةً على شكل سيف جميل، فرح يوسف بالسيف، أخذه الحماس، وعاش جو الحرب وكأنه الآن أمام عدو، وبدأ يتبارز معه، وقع عدوه على الأرض، رفع السيف عليه وهوى به بشدة على السيراميك فانكسر السيف طبعاً، خاف يوسف من والده، فكّر في طريقة يخفي بها خطأه، جمع بقايا السيف وخَبَّأه تحت كنب المجلس
جاء ضيف لأبي يوسف، وأثناء جلوسهم سقط الهاتف الجوال لأبي يوسف فانحنى لأخذه وانتبه عندها للسيف المكسور، عندما خرج الضيف، نادى ابنه ( لاحظوا الآن سيأخذ الأب دور المحقق ) صرخ قائلاً : ( يوسف وين سيفك الجديد ) .. قال : ( يمكن فوق ) قال : ( إيه يمكن فوق .. ما أشوفك يعني تلعب به ) قال الولد : ( ما أدري وينه ). قال الأب : ( ما تدري وينه دوّر عليه أبغى أشوفه هالحين ) – ارتبك يوسف – ذهب قليلاً .. رجع قال : ( يمكن أختي الصغيرة سرقته ) صاح الأب قائلاً : ( يا كذاب .. أنت كسرت السيف .. صح ولا لأ أنا شايفه هناك تحت الكنب .. شوف ترى أكره شيء عندي الكذاب )، وأَمْسَكَ يد ابنه وضربه، ويوسف يبكي، أخذته أمه، ونام ليلته ودمعته على خده لتكون هي هدية والده وليست السيف
في هذه القصة ظن الأب أنه معذور في ضرب ابنه؛ لأنه لا يريد أن يكون ابنه كذاباً، وهذا العذر غير مقبول نهائياً .. نقول له : ما الذي جعل يوسف يكذب غير أسلوك كان يكفيه أن يقول : ( أشوف سيفك انكسر يا يوسف ) يقول مثلاً : ( إيه كنت ألعب فيه وكسرته ) يقول الأب : ( خسارة لأن قيمته غالية ) .. وينتهي الأمر عند هذا الحد. وقتها يفهم يوسف عملياً أنه يستطيع التفاهم مع والده، وأن يقول مشاكله وهو مطمئن، وسيشعر بالخجل من نفسه ويحافظ على هدايا والده أكثر؛ لأن الأب أشعر يوسف بأنه مقبول رغم خطئه بكسر السيف
أهم أسباب الكذب
1- عدم الأمان
2- لا تقل يا بني الحقيقة
3- الكذب الخيالي
4- يا كذاب
5- أمي وأبي يكذبان أيضاً
1- أهم أسباب الكذب : الخوف وعدم الشعور بالأمان
عندما نستخدم أسلوب المحقق -كما رأينا- أو نستخدم العقاب الشديد أو النهر واللوم والصراخ بصوتٍ عالٍ عندما يتصرف بشكل خاطئ؛ فيكذب في هذه الأحوال للدفاع عن نفسه، والتخلص مما يخاف من العقوبة
علاج هذا النوع من الكذب، يكون باستخدام الحوار والتفاهم، والأهم إشعاره بالأمان، والسؤال هنا : هل يمكن للوالدين أن يشعرا أبناءهما بالأمان إذا لم يكونا يشعران أصلاً بالأمن والطمأنينة في قلبيهما إن فاقد الشيء لا يعطيه، لذا ينبغي أن يتأملا أسباب عدم طمأنينتهما، سواء في صلتهما بالله أو علاقتهما الزوجية أو ما يتصل بالعمل .. فيبدآن أولاً بتحقيق الأمان والسكينة والطمأنينة لنفسيهما، والإكثار من الدواء الرباني، يقول علام الغيوب : " أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ "
2- من أسباب الكذب : ألا نسمح له بقول الحقيقة
خذ على سبيل المثال موقفاً قد نحتار فيه، عندما يقول الطفل لأمه : إنه يكره أخاه الجديد، يقولها لشعوره بالغيرة منه، قد تضربه أمه لقول الحقيقة وتقول له : عيب لا تقل هذا الكلام، أما إذا لف ودار وساير أمه، وأعلن كذبة واضحة بأنه حالياً يحب أخاه قد تكافئه أمه بحضنه أو قبلة .. فيستنتج الطفل أن الحقيقة تؤذي، وأن عدم الأمانة وعدم الصدق يفيد، والأم تكافئه، إذن فهي تحب الكذبات الصغيرة
العلاج لهذا النوع من الكذب ( لا تقل يا بني الحقيقة ) : قبوله بعيوبه والعمل على تعديلها، نعترف بمشاعره السلبية، ونظهر تفهمنا لها ونشعره باحترامنا لاستقلاليته، واستقلالية مشاعره عنا، وهذا كفيل -إن شاء الله- بزوالها، مع عدم لومه أو معاتبته عليها، مع العمل على علاج جذور المشكلة التي أدت إلى الشعور السلبي الذي رفضته الأم بطريقتها الخاطئة .. كانت المشكلة أنه يغار من أخيه، هذا الأخ سرق اهتمام والديه، وأكل الجو عليه، فيكون العلاج بعد قبوله بمشاعره السلبية، أن نعمل على تغييرها بإعطائه مزيداً من الاهتمام الصادق والمشاركة في اللعب والحديث وتحسين العلاقة بينه وبين أخيه بطريقة غير مباشرة مثلاً : ( أخوك يحتاجك .. أنت ستساعده .. هو يحتاج واحد يلعب معه .. أنت الذي ستفهمه .. أنت الذي ستعلمه .. أنت الذي ستساعدنا على تربيته ... إلخ )
3- من أسباب الكذب : ( الكذب الخيالي ) وهو عند الأطفال الصغار
لمدة معينة من حياة الغير، يعطي الطفل لنفسه ما يحتاجه من ( الأمان ) أو يتمناه من ( الحنان ) أو ( الهدايا ) من خلال الكذب الخيالي، فأكاذيبه هنا تتحدث عن مخاوفه وآماله، عندما يقول الطفل إن أحد أقاربه أهدى إليه سيارة حقيقية كسيارة والده، يمكن أن ندرك رغبته وآماله في ذلك، فنقول له : أنت تريد يكون عندك سيارة مثل سيارة أبيك .. صح .. أنت تريد يكون عندك سيارات كثيرة وسريعة .. جيد )، وهكذا مع مختلف الكذبات التي من هذا النوع .. أظهر تفهمك لما خلف الكلام من المشاعر والمعاني، وساعده على إظهارها والتعرف عليها وقبولها منه، واحذر من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها كثير من الآباء، سواء من السخرية بهذه الكذبات أو نهره عن هذا الكلام أو اتهامه بالكذب، هذا الاتهام بالكذب سيؤدي به مستقبلاً إلى السبب الرابع من أسباب الكذب
4- من أسباب الكذب : ( يا كذاب )
وهو أن يسمع والديه وهم يقولون له : يا كذاب، سواء بالتصريح أو التلميح بأنه بهذا الوصف
الذي يكون عندما نرسل له هذه الرسالة ( يا كذاب ) هو أن نخزن في عقله الباطن صورة الكذاب عن نفسه، فتحركه هذه الصورة نحو الكذب تلقائياً، خلاف ما لو كانت الصورة التي تطبعها في ذهن ابنك عن نفسه صورة مشرقة، كصورة المجاهد والعالم، الذي كانت إحدى الأمهات تذكر ابنها بها، وكانت هذه الصورة هي فعلاً الصورة التي بدأت تكسو شخصية هذا الابن وتحركه نحو الوصول إلى هذا الطموح الرائع
ولذلك يجب على الوالدين أن يخزنوا في عقل ابنهم أنه صادق .. وغيرها من الصفات الحميدة التي يريدون زرعها فيه، ويرسلوا هذه الرسائل باستمرار
5- من أسباب الكذب : ( أبي وأمي يكذبان أيضاً )
وهذه مصيبة في الحقيقة، قد يجد الابن والده يكذب على أمه، وأمه تكذب على والده ، والاثنان يكذبان عليه أو على إخوته ... وهكذا .. فيرث الابن الكذب ويكتسبه من هذا البيت ( بيت الكذابين )، وفضلاً عن أن يكون كذاباً فهو يفقد الثقة بأحاديث والديه معه .. قال الشاعر :
كذبت ومن يكذب فإن جزاءه *** إذا ما أتى بالصدق ألا يصدقا
فالابن لا يفقد الثقة في أحاديث والديه فحسب، بل المرّ والمؤلم أنه يفقد الثقة حتى في عواطفهم، ويفقد احترامه وتقديره لهما، وكل هذا بالغ الألم عليه وعلى والديه الذين لم يتبقَّ لهما شيء بعد كل الذي فقداه
الدين لا يفرق بين الكذب صغيره وكبيره، فكله كذب، كذلك الطفل، ولذلك يمكن للوالدين أن يسقطوا تاج الصدق عن رؤوسهم أمام أبنائهم بمداومة الكذب ولو في الأشياء الصغيرة .. وعلى من يكذب من الآباء أن يتذكر قول الله تعالى : " إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ " وعليهم أن يخشوا على أنفسهم الكذب وإثم تعليمه صغارهم فيشاركونهم الوزر كلما كذب هؤلاء الصغار مستقبلاً
أما إذا صحح الوالدان أو المبتلى منهما بالكذب .. هذا العيب الشنيع في نفسه، وصدق هو أولاً مع الله، ثم استمر الكذب عند الابن .. عندها يوجه الطفل توجيهاً مباشراً وهادئاً، ويخوفونه من صفة الكذب، وأن الله تعالى يقول : " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " وأنها من صفات المنافقين والفجّار، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمنا أن الكذب لا يكون في مؤمن، وأن خوفنا من الله جعلنا نتوب من الكذب ( لاحظ الاعتراف بكذبهم سابقاً )، وأنت أيضاً ستتوب من الكذب من هذه اللحظة، ثم اطلب من الطفل أن يتوضأ ويصلي ركعتين .. ويستغفر الله ( عشر مرات مثلاً )، وقل له : إنه كلما زاد فهذا أفضل، غالباً سيخبركم أنه استغفر أكثر فأظهر الفرح والإعجاب بذلك، وإن كان صغيراً لا يعرف الصلاة فيكفي الاستغفار - إن شاء الله - وابذل كل جهدك بعد ذلك لضبطه متلبساً بالصدق فتكرمه بتشجيعك وبالعفو عنه عند خطئه؛ لأنه صادق
والسلام عليكم ورحمة الله
المصدر : موقع المسلم
أمر النبي _ صلى الله عليه وسلم _ بتعليق السوط في البيت وكأنه إشعار للأبناء بإمكانية العقوبة، إننا يجب أن نضبط انفعالاتنا عند العقوبة ثم نحسن اختيار العقوبة المناسبة
ومن أنواعها المعتادة : الحرمان من شيء محبوب، أو إظهار عدم استحسان السلوك
أيضاً من العقوبات : أن يترك يتحمل نتائج عمله بعد تنبيهه مسبقاً، مثل : مشكلة التأخر في الاستيقاظ من النوم، ينبه مسبقاً ثم يترك يتحمل العقوبة في المدرسة
وهناك نوع مفيد جداً من العقاب لا يستخدمه كثير من الآباء، وهو الحجز المؤقت، كأن يطلب من الولد الجلوس على كرسي محدد في جانب الغرفة أو أن يقف في ركن من الغرفة بعض الوقت في مساحة صغيرة تُشعره أنها عقوبة، وتوضع ساعة منبهة مضبوطة على مدة انتهاء العقوبة وهي من خمس دقائق إلى عشر دقائق كافية _ إن شاء الله _ يطلب من الطفل التنفيذ فوراً بهدوء وحزم، وإذا رفض يأخذ بيده إلى هناك مع بيان السبب لهذه العقوبة باختصار، ولا يتحدث مع الطفل أثناءها أو ينظر إليه وإذا انتهت العقوبة اطلبي من طفلك المعاقب أن يشرح لك أسباب العقوبة حتى تتأكدي من فهمه لسبب العقوبة، تطبق هذه العقوبة على جميع الأبناء من عمر سنتين حتى 12 سنة، إذا كرر الهرب من مكان العقوبة يتحمل عندها الحجز في غرفة تغلق عليه مع مراعاة أن الحجز في غرفة لا يستخدم إلا بقدر الضرورة الملحة ولمدة محدودة، والأصل الحجز في زاوية أو على كرسي في غرفة مفتوحة
ومن طرق العقاب الشائعة ( الضرب ) فأما الضرب الخفيف المنضبط عند الحاجة فنعم، وأما عدا ذلك فهو يضر أكثر مما ينفع، على أيّة حال يستخدم الضرب كورقة أخيرة، ويجب على الأب الحذر من التعامل معه؛ لأنه لو استخدمها ولم تُجْدِ ماذا سيفعل ستسقط هيبته وهيبة العقوبات وسيستهين الأبناء به مهما اشتد ولو في قرارة أنفسهم، ومما يجب مراعاته عند الضرب تجنب الوجه، وألا يضرب الأب وهو غضبان وهذا مهم جداً، وليكن الأب قدوة لأبنائه في كيفية تعامله مع غضبه بالاقتداء بسنة رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ من وضوء واستعاذة وتغيير وضعه جلوساً أو قياماً أو اضطجاعاً، ثم يتصرف مع أبنائه بما يراه صواباً
من الأخطاء الشائعة في الضرب : أن تهدد الأم ابنها بأن أباه سيعاقبه عندما يعود إلى البيت، وهذا يجعل الأب شرطياً مهمته العقاب لا صديق حميم، بل إن الوالد قد يشعر بالحرج من زوجته يعني يعاقب على شيء لم يشهده، وإذا كان الأب متعباً قد يترك الابن دون عقاب فنكون هددنا ولم ننفذ، وعموماً الضرب له ضوابط ومحاذير كثيرة وطالما هناك وسائل إيجابية فعالة فيحسن ترك هذا الأسلوب بقدر الإمكان
لا تسمح لأية تصرفات من أبنائك أن تستفزك إلى درجة الضرب حتى ولو كانت مشاجرات ومزعجة ومقلقة، أتوقع أن يتغير الكثير من نظرة الآباء والأمهات للشجارات ويغيروا من طريقة تعاملهم معها بعد سماعهم _ بمشيئة الله تعالى _ للعنصر التالي من عناصر السلسلة، وهو: ( دعونا نتشاجر من فضلكم )
لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " كفى بالمر إثماً أن يضيع من يعول "
وقال ابن القيم الجوزية في كتابه ( تحفة المودود بأحكام المولود ) – ولاحظ ما يقول - : " وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قِبَل الآباء وإهمالهم لهم "
أما أبو حامد الغزالي فيقول : " الأبناء جواهر " .. ونقول له : صدقت – الأبناء جواهر – ولكن يا أبا حامد، كثير من الآباء – مع الأسف – حدادون مع هذه الجواهر
أستغرب ممن يقول بكل ثقة : أولادي هم أغلى الناس، ثم يخبئ الكلام المهذب، والأسلوب الظريف ليقدمه للغرباء، ولا يكاد يقدم شيئاً منه لأولاده؛ مع أنهم أولى الناس بالكلمة اللطيفة، والتعامل اللبق
ولعل هؤلاء شغلتهم متاعب التربية وروتينها عن حلاوتها ولذتها، وهي متاعب وآلام لا بد منها، ولا ينبغي أن تؤثر على علاقتنا بهم رغم شدة هذه المتاعب وكثرتها .. إنها كآلام الولادة هل رأيتم أمّاً تضرب ابنها المولود حديثاً؛ لأنه سبب آلامها مستحيل .. إنما تحتضنه .. راضية .. سعيدة .. قريرة العين رغم كل ما تسبب فيه من معاناة وآلام
وكذلك التربية يجب أن نفصل فيها بين متاعبنا بسبب الأطفال، وبين تعاملنا معهم. يجب أن نبحث عن المتعة في تربيتهم، ولا يمكن أن نصل لهذه المتعة إلا إذا نزلنا لمستواهم، هذا النزول لمستوى الأطفال : ( ميزة ) الأجداد والجدات، عند تعاملهم مع أحفادهم، ينزلون لمستوى الطفل، ويتحدثون معه عما يسعده، ويتعاملون معه بمبدأ أن الطفل هو صاحب الحق في الحياة، وأن طلباته مجابة ما دامت معقولة، ورغم أن الأطفال يحبون أجدادهم وجداتهم لا شك، إلا أنهم ينتظرون هذا التعامل اللطيف، والعلاقة الخاصة منا نحن، وتظل صورة الأب الشاب القوي التقي هي النموذج الذي يحبه الولد ويقتدي به ويتعلم منه كيف يقود البيت، ويرعى زوجته وأبناءه في المستقبل
وتظل صورة الأم الشابة الأنيقة، ذات الدين والحياء والعفة، والذوق الرفيع هي النموذج الذي تتعلق به الفتاة وتقتدي به، وتتعلم منه كيف تكون زوجة وأماً، والفرصة لا تزال متاحة للجميع لتغيير العلاقة بالأبناء، تغييراً ينعكس إيجابياً عليكم وعليهم، سواء في التفاهم والحوار معهم، أو احترام شخصياتهم المستقلة، أو قبولنا لعيوبهم ونقائصهم. إذن : تفهم، واحترام، وقبول
كل هذا ممكن أن نحققه إذا جعلنا علاقتنا بأبنائنا أفقية، كعلاقة الصديق بصديقه، يغلب عليها الحوار والتفاهم، أما إذا كانت العلاقة رأسية كعلاقة الرئيس بمرؤوسه، ويغلب عليها الأوامر والنواهي، لا شك سيكون تأثيرها الإيجابي قليل
من علامات نجاحنا في التربية، نجاحنا في الحوار مع أبنائنا بطريقة ترضي الأب وابنه، ولكننا – للأسف – نرتكب أخطاء تجعلنا نفشل في الحوار مع الأبناء؛ وهذا هو مادة هذه المقالة ( لماذا نفشل في الحوار مع أبنائنا ) ، وهو العنوان الثاني من العناوين التي تتناولها سلسلة حلقات ( من أجل أبنائنا )
أهم أسباب الفشل في الحوار أسلوبان خاطئان :
الخطأ الأول : أسلوب : ( ما أريد أن أسمع شيئاً )
الخطأ الثاني : أسلوب : ( المحقق ) أو ( ضابط الشرطة )
الخطأ الأول : هو أننا نرسل عبارات ( تسكيت )، وكذلك إشارات ( تسكيت ) معناها في النهاية ( أنا ما أريد أن أسمع شيئاً منك يا ولدي ). مثل العبارات التالية : ( فكني )، ( بعدين بعدين )، ( أنا ماني فاضي لك )، ( رح لأبيك )، ( رح لأمك )، ( خلاص خلاص )، بالإضافة إلى الحركات التي تحمل نفس المضمون، مثل : التشاغل بأي شيء آخر عن الابن أو عدم النظر إليه، وتلاحظ أن الولد يمد يده حتى يدير وجه أمه إلى جهته كأنه يقول : ( أمي اسمعيني الله يخليك ) أو يقوم بنفسه، ويجيء مقابل وجه أمه حتى تسمع منه .. هو الآن يذكرنا بحقه علينا، لكنه مستقبلاً لن يفعل، وسيفهم أن أمه ممكن تستمع بكل اهتمام لأي صديقة في الهاتف أو زائرة مهما كانت غريبة، بل حتى تستمع للجماد ( التلفاز ) ولكنها لا تستمع إليه كأن كل شيء مهم إلا هو
لذلك عندما تنتهي من قراءة هذا المقال ويأتيك ولدك يعبر عن نفسه ومشاعره وأفكاره، اهتم كل الاهتمام بالذي يقوله، هذا الاستماع والاهتمام فيه إشعار منك له بتفهمه، واحترامه، وقبوله، وهي من احتياجاته الأساسية: التفهم، والاحترام، والقبول بالنسبة له، حديثه في تلك اللحظة أهم من كل ما يشغل بالك أياً كان، إذا كنت مشغولاً أيها الأب أو أيتها الأم .. أعطِ ابنك أو ابنتك موعداً صادقاً ومحدداً .. مثلاً تقول : أنا الآن مشغول، بعد ربع ساعة أستطيع أن أستمع لك جيداً، واهتم فعلاً بموعدك معه .. نريد أن نستبدل كلماتنا وإشاراتنا التي معناها ( أنا ما أريد أن أسمع منك شيئاً ) بكلمات وإشارات معناها ( أنا أحبك وأحب أن أسمع لك وحاس بمشاعرك ) وبالأخص إذا كان منزعجاً أو محبطاً ونفسيته متأثرة من خلال مجموعة من الحركات : الاحتضان، الاحتضان الجانبي، والاحتضان الجانبي حتى نتخيله .. حينما يكون أحد الوالدين مع أحد الأبناء بجانب بعضهم وقوفاً، كما في هيئة المأمومين في الصلاة، أو جلوساً يمد الأب أو الأم الذراع خلف ظهر الابن أو فوق أكتافه ويضع يده على الذراع أو الكتف الأخرى للابن ويلمه ويقربه إليه، بالإضافة إلى الاحتضان الجانبي التقبيل بكل أشكاله، والتربيت على الكتف، ومداعبة الرأس، ولمس الوجه، ومسك اليد ووضعها بين يدي الأم أو الأب .. وهكذا
لمّا ماتت رقية بنت الرسول – صلى الله عليه وسلم – جلست فاطمة – رضي الله عنهما – إلى جنب النبي – صلى الله عليه وسلم – وأخذت تبكي .. تبكي أختها .. فأخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه يواسيها مواساة حركية لطيفة، ودخل علي بن أبي طالب وفاطمة ومعهما الحسن والحسين – رضي الله عنهم أجمعين – على رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فأخذ الحسن والحسين فوضعهما في حجره، فقبلهما، واعتنق علياً بإحدى يديه، وفاطمة باليد الأخرى، فقبّل فاطمة وقبّل علياً – رضي الله عنهما -
حتى الكبير يحتاج إلى لغة الحركات الدافئة، فما بالكم بالطفل الصغير
والشواهد على احتضانه وتقبيله للصغار كثيرة جداً
الخطأ الثاني : ومع مشهد ننقله كما هو بكلماته العامية :
جاء خالد لوالده وقال : ( يبه اليوم ضربني ولد في المدرسة ) .. ركّز أبو خالد النظر في ولده وقال : ( أنت متأكد إنك مش أنت اللي بديت عليه ) قال خالد : ( لا والله .. أنا ما سويت له شي ) .. قال أبو خالد : ( يعني معقولة كذا على طول يضربك ) .. قال : ( والله العظيم ما سويت له شي ) .. بدأ خالد يدافع عن نفسه، وندم لأنه تكلم مع أبيه .. لاحظوا كيف أغلق أبو خالد باب الحوار، لما تحول في نظر ابنه من صديق يلجأ إليه ويشكي له همه إلى محقق أو قاضٍ يملك الثواب والعقاب، بل قد يعد أباه محققاً ظالماً؛ لأنه يبحث عن اتهام للضحية، ويصر على اكتشاف البراءة للمعتدي .. الأب في مثل قصة أبي خالد كأنه ينظر للموضوع على أن ابنه يطلب منه شيئاً .. كأن يذهب للمدرسة ويشتكي مثلاً، ثم يستدرك الأب في نفسه، ويقول : قد يكون ابني هو المخطئ، وحتى يتأكد يستخدم هذا الأسلوب .. في الحقيقة الابن لا يريد شيئاً من هذا أبداً، إنه لا يريد أكثر من أن تستمع له باهتمام وتتفهم مشاعره فقط لا غير
الولد يريد صديقاً يفهمه لا شرطياً يحميه، ولذلك يبحث الأبناء في سن المراهقة عن الصداقات خارج البيت، ويصبح الأب معزولاً عن ابنه في أخطر مراحل حياته، وفي تلك الساعة لن يعوض الأب فرصة الصداقة التي أضاعها بيده في أيام طفولة ابنه، فلا تضيعوها أنتم
أسلوب المحقق يجبر الطفل أن يكون متهماً يأخذ موقف الدفاع عن النفس، وهذه الطريقة قد تؤدي إلى أضرار لا تتوقعونها .. خذ على سبيل المثال، قصة يوسف والسيف المكسور .. يوسف عمره سبع سنوات .. اشترى له والده لعبةً على شكل سيف جميل، فرح يوسف بالسيف، أخذه الحماس، وعاش جو الحرب وكأنه الآن أمام عدو، وبدأ يتبارز معه، وقع عدوه على الأرض، رفع السيف عليه وهوى به بشدة على السيراميك فانكسر السيف طبعاً، خاف يوسف من والده، فكّر في طريقة يخفي بها خطأه، جمع بقايا السيف وخَبَّأه تحت كنب المجلس
جاء ضيف لأبي يوسف، وأثناء جلوسهم سقط الهاتف الجوال لأبي يوسف فانحنى لأخذه وانتبه عندها للسيف المكسور، عندما خرج الضيف، نادى ابنه ( لاحظوا الآن سيأخذ الأب دور المحقق ) صرخ قائلاً : ( يوسف وين سيفك الجديد ) .. قال : ( يمكن فوق ) قال : ( إيه يمكن فوق .. ما أشوفك يعني تلعب به ) قال الولد : ( ما أدري وينه ). قال الأب : ( ما تدري وينه دوّر عليه أبغى أشوفه هالحين ) – ارتبك يوسف – ذهب قليلاً .. رجع قال : ( يمكن أختي الصغيرة سرقته ) صاح الأب قائلاً : ( يا كذاب .. أنت كسرت السيف .. صح ولا لأ أنا شايفه هناك تحت الكنب .. شوف ترى أكره شيء عندي الكذاب )، وأَمْسَكَ يد ابنه وضربه، ويوسف يبكي، أخذته أمه، ونام ليلته ودمعته على خده لتكون هي هدية والده وليست السيف
في هذه القصة ظن الأب أنه معذور في ضرب ابنه؛ لأنه لا يريد أن يكون ابنه كذاباً، وهذا العذر غير مقبول نهائياً .. نقول له : ما الذي جعل يوسف يكذب غير أسلوك كان يكفيه أن يقول : ( أشوف سيفك انكسر يا يوسف ) يقول مثلاً : ( إيه كنت ألعب فيه وكسرته ) يقول الأب : ( خسارة لأن قيمته غالية ) .. وينتهي الأمر عند هذا الحد. وقتها يفهم يوسف عملياً أنه يستطيع التفاهم مع والده، وأن يقول مشاكله وهو مطمئن، وسيشعر بالخجل من نفسه ويحافظ على هدايا والده أكثر؛ لأن الأب أشعر يوسف بأنه مقبول رغم خطئه بكسر السيف
أهم أسباب الكذب
1- عدم الأمان
2- لا تقل يا بني الحقيقة
3- الكذب الخيالي
4- يا كذاب
5- أمي وأبي يكذبان أيضاً
1- أهم أسباب الكذب : الخوف وعدم الشعور بالأمان
عندما نستخدم أسلوب المحقق -كما رأينا- أو نستخدم العقاب الشديد أو النهر واللوم والصراخ بصوتٍ عالٍ عندما يتصرف بشكل خاطئ؛ فيكذب في هذه الأحوال للدفاع عن نفسه، والتخلص مما يخاف من العقوبة
علاج هذا النوع من الكذب، يكون باستخدام الحوار والتفاهم، والأهم إشعاره بالأمان، والسؤال هنا : هل يمكن للوالدين أن يشعرا أبناءهما بالأمان إذا لم يكونا يشعران أصلاً بالأمن والطمأنينة في قلبيهما إن فاقد الشيء لا يعطيه، لذا ينبغي أن يتأملا أسباب عدم طمأنينتهما، سواء في صلتهما بالله أو علاقتهما الزوجية أو ما يتصل بالعمل .. فيبدآن أولاً بتحقيق الأمان والسكينة والطمأنينة لنفسيهما، والإكثار من الدواء الرباني، يقول علام الغيوب : " أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ "
2- من أسباب الكذب : ألا نسمح له بقول الحقيقة
خذ على سبيل المثال موقفاً قد نحتار فيه، عندما يقول الطفل لأمه : إنه يكره أخاه الجديد، يقولها لشعوره بالغيرة منه، قد تضربه أمه لقول الحقيقة وتقول له : عيب لا تقل هذا الكلام، أما إذا لف ودار وساير أمه، وأعلن كذبة واضحة بأنه حالياً يحب أخاه قد تكافئه أمه بحضنه أو قبلة .. فيستنتج الطفل أن الحقيقة تؤذي، وأن عدم الأمانة وعدم الصدق يفيد، والأم تكافئه، إذن فهي تحب الكذبات الصغيرة
العلاج لهذا النوع من الكذب ( لا تقل يا بني الحقيقة ) : قبوله بعيوبه والعمل على تعديلها، نعترف بمشاعره السلبية، ونظهر تفهمنا لها ونشعره باحترامنا لاستقلاليته، واستقلالية مشاعره عنا، وهذا كفيل -إن شاء الله- بزوالها، مع عدم لومه أو معاتبته عليها، مع العمل على علاج جذور المشكلة التي أدت إلى الشعور السلبي الذي رفضته الأم بطريقتها الخاطئة .. كانت المشكلة أنه يغار من أخيه، هذا الأخ سرق اهتمام والديه، وأكل الجو عليه، فيكون العلاج بعد قبوله بمشاعره السلبية، أن نعمل على تغييرها بإعطائه مزيداً من الاهتمام الصادق والمشاركة في اللعب والحديث وتحسين العلاقة بينه وبين أخيه بطريقة غير مباشرة مثلاً : ( أخوك يحتاجك .. أنت ستساعده .. هو يحتاج واحد يلعب معه .. أنت الذي ستفهمه .. أنت الذي ستعلمه .. أنت الذي ستساعدنا على تربيته ... إلخ )
3- من أسباب الكذب : ( الكذب الخيالي ) وهو عند الأطفال الصغار
لمدة معينة من حياة الغير، يعطي الطفل لنفسه ما يحتاجه من ( الأمان ) أو يتمناه من ( الحنان ) أو ( الهدايا ) من خلال الكذب الخيالي، فأكاذيبه هنا تتحدث عن مخاوفه وآماله، عندما يقول الطفل إن أحد أقاربه أهدى إليه سيارة حقيقية كسيارة والده، يمكن أن ندرك رغبته وآماله في ذلك، فنقول له : أنت تريد يكون عندك سيارة مثل سيارة أبيك .. صح .. أنت تريد يكون عندك سيارات كثيرة وسريعة .. جيد )، وهكذا مع مختلف الكذبات التي من هذا النوع .. أظهر تفهمك لما خلف الكلام من المشاعر والمعاني، وساعده على إظهارها والتعرف عليها وقبولها منه، واحذر من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها كثير من الآباء، سواء من السخرية بهذه الكذبات أو نهره عن هذا الكلام أو اتهامه بالكذب، هذا الاتهام بالكذب سيؤدي به مستقبلاً إلى السبب الرابع من أسباب الكذب
4- من أسباب الكذب : ( يا كذاب )
وهو أن يسمع والديه وهم يقولون له : يا كذاب، سواء بالتصريح أو التلميح بأنه بهذا الوصف
الذي يكون عندما نرسل له هذه الرسالة ( يا كذاب ) هو أن نخزن في عقله الباطن صورة الكذاب عن نفسه، فتحركه هذه الصورة نحو الكذب تلقائياً، خلاف ما لو كانت الصورة التي تطبعها في ذهن ابنك عن نفسه صورة مشرقة، كصورة المجاهد والعالم، الذي كانت إحدى الأمهات تذكر ابنها بها، وكانت هذه الصورة هي فعلاً الصورة التي بدأت تكسو شخصية هذا الابن وتحركه نحو الوصول إلى هذا الطموح الرائع
ولذلك يجب على الوالدين أن يخزنوا في عقل ابنهم أنه صادق .. وغيرها من الصفات الحميدة التي يريدون زرعها فيه، ويرسلوا هذه الرسائل باستمرار
5- من أسباب الكذب : ( أبي وأمي يكذبان أيضاً )
وهذه مصيبة في الحقيقة، قد يجد الابن والده يكذب على أمه، وأمه تكذب على والده ، والاثنان يكذبان عليه أو على إخوته ... وهكذا .. فيرث الابن الكذب ويكتسبه من هذا البيت ( بيت الكذابين )، وفضلاً عن أن يكون كذاباً فهو يفقد الثقة بأحاديث والديه معه .. قال الشاعر :
كذبت ومن يكذب فإن جزاءه *** إذا ما أتى بالصدق ألا يصدقا
فالابن لا يفقد الثقة في أحاديث والديه فحسب، بل المرّ والمؤلم أنه يفقد الثقة حتى في عواطفهم، ويفقد احترامه وتقديره لهما، وكل هذا بالغ الألم عليه وعلى والديه الذين لم يتبقَّ لهما شيء بعد كل الذي فقداه
الدين لا يفرق بين الكذب صغيره وكبيره، فكله كذب، كذلك الطفل، ولذلك يمكن للوالدين أن يسقطوا تاج الصدق عن رؤوسهم أمام أبنائهم بمداومة الكذب ولو في الأشياء الصغيرة .. وعلى من يكذب من الآباء أن يتذكر قول الله تعالى : " إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ " وعليهم أن يخشوا على أنفسهم الكذب وإثم تعليمه صغارهم فيشاركونهم الوزر كلما كذب هؤلاء الصغار مستقبلاً
أما إذا صحح الوالدان أو المبتلى منهما بالكذب .. هذا العيب الشنيع في نفسه، وصدق هو أولاً مع الله، ثم استمر الكذب عند الابن .. عندها يوجه الطفل توجيهاً مباشراً وهادئاً، ويخوفونه من صفة الكذب، وأن الله تعالى يقول : " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " وأنها من صفات المنافقين والفجّار، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمنا أن الكذب لا يكون في مؤمن، وأن خوفنا من الله جعلنا نتوب من الكذب ( لاحظ الاعتراف بكذبهم سابقاً )، وأنت أيضاً ستتوب من الكذب من هذه اللحظة، ثم اطلب من الطفل أن يتوضأ ويصلي ركعتين .. ويستغفر الله ( عشر مرات مثلاً )، وقل له : إنه كلما زاد فهذا أفضل، غالباً سيخبركم أنه استغفر أكثر فأظهر الفرح والإعجاب بذلك، وإن كان صغيراً لا يعرف الصلاة فيكفي الاستغفار - إن شاء الله - وابذل كل جهدك بعد ذلك لضبطه متلبساً بالصدق فتكرمه بتشجيعك وبالعفو عنه عند خطئه؛ لأنه صادق
والسلام عليكم ورحمة الله
المصدر : موقع المسلم